المهدي وعيسى والدجال

منذ 2015-04-09

ومن مجموع الأحاديث يتبين أن المهدي يقاتل مع عيسى -عليه السلام- اليهودَ، وأنه في ذلك الوقت يختبئ اليهودي خلف الشجر والحجر، فيناديان: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا شجر الغرقد.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أولاً: الأقوال في المهدي:

قال ابن القيم: وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:

أحدها: أنه المسيح بن مريم وهو المهدي على الحقيقة.

واحتج أصحاب هذا القول بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم أي: " لا مهدي إلا عيسى بن مريم ".

وقد بينا حاله، وأنه لا يصح ولو صح لم يكن فيه حجة لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الساعة …

القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه - (وساق دليلين لهم) -.

وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان بل هو مهدي من جملة المهديين.

وعمر بن عبد العزيز كان مهديا بل هو أولى باسم المهدي منه.

وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).

وقد ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وغيره: إلى أن عمر بن عبد العزيز منهم، ولا ريب أنه كان راشداً مهديّاً، ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فالمهدي في جانب الخير والرشد: كالدجال في جانب الشر والضلال، وكما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين: فكذلك بين يدي المهدي الأكبر مهديون راشدون.

القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً.

وأكثر الأحاديث على هذا تدل.

وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو: أن الحسن رضي الله - تعالى - عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئا أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه وهذا بخلاف الحسين - رضي الله عنه - فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم.

وقد روى أبو نعيم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يخرج رجل من أهل بيتي يعمل بسنتي وينزل الله له البركة من السماء وتخرج له الأرض بركتها ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً ويعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس)).

وروى أيضاً من حديث أبي أمامة قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر الدجال وقال: فتنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك فأين العرب يا رسول الله يومئذ فقال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم المهدي رجل صالح ".

وروى أيضا من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها)).

وهذه الأحاديث: وإن كان في إسنادها بعض الضعف والغرابة فهي مما يقوي بعضها بعضا ويشد بعضها ببعض.

فهذه أقوال أهل السنة.

وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو:

أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا ويختم الفضا دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً مِن أكثر من خمس مئة سنة، - توفي ابن القيم عام 751 هـ - فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر ولا أثر.

وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا مولانا اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه.

ولقد أحسن من قال:

ما آن للسرداب أن يلد *** الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنكم *** ثلثتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل.

" المنار المنيف " لابن القيم (148 153).

ثانياً: صلاة عيسى - عليه السلام - خلف المهدي

عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة)) رواه مسلم (156).

وقد جاءت رواية في مسند الحارث بن أبي أسامة فيها التصريح بأن الإمام هو المهدي، فتحمل الروايات غير المصرحة على هذه.

والله أعلم

الرواية:

قال ابن القيم: وقال الحارث بن أبي أسامة في مسنده حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثنا إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة وهذا إسناد جيد.

" المنار المنيف " (ص 147). وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2236).

وقال الشيخ - رحمه الله -:

فالأمير في هذه الرواية هو المهدي في حديث الترجمة وهو مفسر لها. " السلسلة الصحيحة " (5 / 278).

تعيين صلاة الصبح:

عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال إنه لم تكن فتنة في الأرض ... فقالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم.

رواه ابن ماجه (4077).

وهو حديث صحيح، وله تتمة فيها قتال عيسى - عليه السلام - مع الدجال سيأتي بعد إن شاء الله.

ثالثاً: قتال عيسى للدجال:

عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا يا عباد الله فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي ((إنه يبدأ فيقول أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فـ)) يقول: أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلى بناره فليستغيث بالله وليقرأ فواتح الكهف ((فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم)) وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين ثم يقول انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري فيبعثه الله ويقول له الخبيث من ربك فيقول ربي الله وأنت عدو الله أنت الدجال والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم قال أبو الحسن الطنافسي فحدثنا المحاربي ثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة قال قال أبو سعيد والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله قال المحاربي ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعا وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعي ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل ((وجلهم ببيت المقدس)) وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى - عليه السلام - افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا ويقول عيسى -عليه السلام-: ((إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها)) فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فأنها من شجرهم لا تنطق إلا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن أيامه أربعون سنة السنة كنصف السنة والسنة كالشهر والشهر كالجمعة وآخر أيامه كالشررة يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي فقيل له يا رسول الله كيف نصلي في تلك الأيام القصار قال تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ثم صلوا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون عيسى بن مريم - عليه السلام - في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة فلا يسعى على شاة ولا بعير وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها وتكون الأرض كفا ثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ويكون الثور بكذا وكذا من المال وتكون الفرس بالدريهمات ((قالوا: يا رسول الله وما يرخص الفرس، قال: ((لا تركب لحرب أبدا قيل له: فما يغلي الثور قال: تحرث الأرض كلها)) وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى آت تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله قيل فما يعيش الناس في ذلك الزمان قال التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام قال أبو عبد الله سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب. رواه ابن ماجه (4077).

والحديث: صححه شيخنا الألباني في "صحيح الجامع" (7875) ما عدا ما بين الأقواس.

رابعاً:

ومن مجموع الأحاديث يتبين أن المهدي يقاتل مع عيسى -عليه السلام- اليهودَ، وأنه في ذلك الوقت يختبئ اليهودي خلف الشجر والحجر، فيناديان: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا شجر الغرقد.

والله أعلم.