رمضان مدرسة إيمانية (فوائد الشهر الفضيل)

منذ 2015-04-11

الذين ينشطون في رمضان فقط ويكسلون بعده، فإنهم بتكرار المواظبة في رمضان فقط على مر السنين فإن سلوكهم العام يتحسن عمن لا ينشطون لا في رمضان ولا في غيره.

يهل علينا رمضان بفيضه الإيماني كل عام محركًا فينا مزيدًا من التفكر حول آيات الله ونعمه التي أسبغها علينا وعلى الكون من حولنا، ومن هذه النعم والآيات الصيام والتعبد في رمضان، ومن هذا التفكر الذي حركه رمضان في خاطري هذا العام الخواطر التالية، أذكر بها نفسي وإخواني سائلاً الله أن ينفعنا جميعًا بها..

رمضان وحقيقة الدنيا..
أولا: يعلم الجميع أن صوم رمضان يشعر الأغنياء والمتوسطين بحال الفقراء من جوع وعطش وما ينتج عنهما من جهد وإعياء -وأيضا برد إذا كنا في الشتاء-، لكن الحالة الرمضانية ليست هذا فقط؛ لأن من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان أنه كان أجود ما يكون في رمضان، وفي هذا إشارة بأن رمضان لا يشعرنا فقط بمعاناة الفقراء إنما أيضًا يخطو بنا خطوة إيجابية تالية تتبع هذا الشعور، وتنتج عنه ألا وهي الاجتهاد الحثيث في مساعدة هؤلاء الفقراء، و رفع المعاناة عنهم، فرمضان ليس شعورًا فقط وإنما أيضًا هو سلوك عملي وإيجابي إزاء الفقراء.

ثانيا: إن رمضان لا يشعرنا فقط بمعاناة الفقراء، وإنما يشعرنا أيضًا بحقيقة الدنيا وقيمتها الحقيقية، فمهما كان المسلم غنيًا فإنه يمتنع عن تناول الطعام والشراب والجماع لفترة ربما تزيد في المتوسط العام عن 12 ساعة يوميًا ولمدة شهر متصل، وهو مع ذلك يعيش سعيدًا ويقوم بأعماله؛ وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الإنسان يستطيع أن يعيش بالقليل من متاع الدنيا دون أن يتضرر ضررًا لا يحتمل؛ وبهذا الإدراك يسهل على الإنسان أن يتحرر من الإغراق في التعلق بالدنيا؛ وبذا يتحرر من قيود مثل هذا التعلق فيسهل عليه التخلي عن ما يشاء من متاعات الدنيا وشهواتها، مثل التخلي عن ذلك إن كان حرامًا أو كان سيعيق عن خير من عبادة ونحوها.

رمضان علاج للنفس..
ثالثا: إن رمضان هو شهر القرآن، فقد نزل القرآن في رمضان كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من تلاوة القرآن فيه، كما كان يتدارسه مع جبريل كل ليلة من ليالي الشهر الفضيل، وكان يعرض القرآن عرضة كاملة عليه كل رمضان، حتى إذا جاء أخر رمضان قبل موته صلى الله عليه وآله وسلم عرض القرآن على جبريل عرضتين، كما سن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة التراويح في رمضان بما فيها من تلاوة قرآنية طويلة، ولما كان القرآن فيه شفاء للأمراض القلبية الدينية كالشهوات والشبهات فإن من شأن التركيز على تلاوة القرآن ودراسته وتفهمه طوال الشهر الفضيل أن يعالج ما لدى المسلم من شهوات محرمة أو شبهات خاطئة، ويعطيه دفعة إيمانية قوية تدفعه طويلاً بعد الشهر الكريم.

رمضان دفعة للأمام..
رابعا: إن رمضان يأتي ثم سرعان ما يمر سريعًا تمامًا مثلما يمر العمر بسرعة، فيربح من يربح ويخسر من يخسر، وكما أن عمر الإنسان يمر بمحطات متعددة يمكنه في كل منها تدارك مافاته في سابقتها من قصور وتقصير، فإن رمضان مثل العمر في ذلك به محطات، ففي أوله رحمة، وفي أوسطه مغفرة، وفي أخره عتق من النار، فمن فاته أوله تعلق بأوسطه وسارع لئلا يقصر فيه كما قصر في أوله، ومن قصر في أوسطه سارع وصمم على تدارك كل مافاته، وذلك بالنشاط الدؤب في التعبد والتهجد والتصدق في الثلث الأخير من رمضان حيث العتق من النار، و حيث الليالي العشر الأواخر، وحيث ليلة القدر، لكن من فاته رمضان كله فلا يلومن إلا نفسه، ومن مات في إحدى مراحله وهو مقصر فلا يلومن إلا نفسه، وهكذا يتجدد رمضان كل عام ليذكرنا أن العمر محطات ومراحل علينا أن نغتنمها قبل أن تفوت وقبل أن نموت.

خامسا: إننا نمارس ذلك كله في رمضان يومًا بعد يوم طوال الشهر، لنعتاد الممارسة فيصبح ذلك كله سلوكًا ثابتًا، ثم إذا استمر هذا السلوك فترة طويلة فإنه يصير سجية راسخة.

وحتى الذين ينشطون في رمضان فقط ويكسلون بعده، فإنهم بتكرار المواظبة في رمضان فقط على مر السنين فإن سلوكهم العام يتحسن عمن لا ينشطون لا في رمضان ولا في غيره.

نسأله سبحانه أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه في رمضان وطوال العمر إلى أن نلقاه سبحانه. 
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري