حبيب
لأن من يُحبّ .. لا يتشدّق بكلمات وبُشرى وحسب.. بل لَزم عليه الصدق والعمل كما تعلّم من محبوبه ..
حين رأيته لأوّل مرّة ..
وقفتُ لا أتحرك.. فقط أراقبه ورفاقه وَحَسب..
لم أكن أتخيّل كيف يأتي مِثله لمثلي!
كان الأمر مَهولًا، مُربكـًا حقـًا..
فاكتفيت بدور المُراقبة الساذجة ..
والتي تنتظر حدوث شيء لا تعلمه!
رُبما تنتظر أن تُصدّق أو تتأكد من شيء..
ثُمَّ لوهلة.. أتى اليقين مُزلزلًا! مُفرحًا في آن واحد..
أتى مُزلزلًا لكلّ شكوك وعدم تصديق..
إنه هو، نعم هو .. هُو وربّ الكعبة!
فتحركتُ أخيرًا من جمودي.. لأسير خلفه..
ولا أجرؤ على مناداته أو أن أطلب منه انتظاري..
–
(هل أندم على هذا؟ وهل كان ثمة شيء بيدي لأندم؟
هل يندم المسكين على فضل عظيم لم يكن يخاله يومًا!)
–
لم أندم .. فقد كان السير خلفه بهيّ … كان البياض كفلقة القمر ..
والأرض غير الأرض.. يفوح منها عطر سماوي، هذا أقل وصف ..
الهواء ليس مُعفرًا بذنوب البَشر .. بل كأنقى ما يكون..
كل ما أذكر.. وقفتي خطواتي التي تأدّبت في حضرته..
كُلّ ما أذكر.. وقفته حكيهم الخافت.. مشيتهم الساكنة ..
كل ما أذكر.. نسمات الرّضا والسكينة
التي رُبما ما زالت تعبّق أيامي لليوم بسبب طلته ..
يا رسول الله.. مثلي تنتحب أحيانًا حين تذكر أنها قد لا تلتقيك
بعد كل هذا السفر الطويل في دروب الحياة.
بعد كُلّ هذا الكدر في هذه الدنيا..
بعد كُل هذه المحاولات للوَعي .. للثبات .. للفهم ..
بعد كُل تعثر وارتباك وسعادة نختطفها كما المحروم سريعًا..
فيعاودنا الكَدح والعمل..
–
رُبما لست أهلاً لذلك..
ربما من أُمّتك المُحمّدية مَن أعمالهم خير مِن أعمالي بكثير.. بل لا تقارن بأعمالي..
لكن.. رُغم كلّ شيء.. سيظلّ أملي في الله ورحمته فقط
وأملي ﻷنكَ بشّرتنا بأنّ المَرء يُحشَر مع من أحبّ ..
ورُغم ذلك يتخلل أملي هذا إيمان مطَعم بخشية وأنين من كُلّ لحظة تفريط..
لأن من يُحبّ .. لا يتشدّق بكلمات وبُشرى وحسب..
بل لَزم عليه الصدق والعمل كما تعلّم من محبوبه ..
أشتاق جلسة معك يا رسول الله أخبرك فيها بكل شيء..
يا رب .. لا تحرمني جوار حبيبك خير خلقك.. أرجوك.
- المصدر: