لماذا هربتُ من الليبراليين؟

منذ 2008-10-21

تساءلت: مالي لم أر ليبرالياً واحداً وجدوه صدفة يدافع عن أوطان المسلمين المحتلة!

أشياء لا تُصدَّق!

امرأة تحكي بعضًا من قاذورات الليبراليين التي عايشتها!

قضيتُ سنواتٍ طويلةً أؤمن بقيم الليبرالية؛ أدافع عنها وأناضل في سبيلها، وأدبج الصفحات في جمالها.

كانت الليبرالية هي الخيار الوحيد المطروح في الساحة!

لقد آمنت أنه بقليلٍ من التعديل ستتوافق هذه الليبراليةُ الغربية مع الدين الإسلامي، وستكون مقبولة للناس، وستكتسح المجتمعات... وستحكم العالم العربي والإسلامي...

وكطفلة صغيرة تضفر جدائلَها على الأمل الموهوم بلعبةٍ جميلة تقضي وقتًا في أحضانها، ذهبت أحلم!

كنت أظن أن دعاوى العدل الذي تصدح به الليبرالية هي دعاوى حقيقية! وأن حقوق الإنسان هي معصرة الليبرالية الخالصة، وأن الحرية والمساواة التي يُنادى بها آناء الليل وأطراف النهار هي قيم حقيقية تستحق التضحية وبذل النفيس في سبيلها.

لقد توهمت لسنواتٍ طويلة أن لا خيار سوى هذه الليبرالية، فذهبت لذلك أدافع في كتاباتي الصحفية عن الليبرالية وعن أبطالها وعن كُتَّابها ومفكريها..

كنتُ -كمثل كل الليبراليين العرب- أمريكيةَ الهوى؛ يشدني المجتمع الأمريكي، وتُعجبني منظوماته الفكرية والأدبية والسياسية والاقتصادية... كنت أقرأ لفكرهم أكثر مما أقرأ في صفحة واقعنا وحضارتنا وديننا...

لمدة طويلة صدقت أن الليبرالية هي الحل، وأنها ستكون مقبولة للناس، وأنها ما سيحفظ للناس حقوقها.. وأنها ما سيردع الحكام والساسة عن التطاول على حقوق الضعفاء..

كنت أقرأ لكل الكتَّاب الليبراليين في السعودية، فأظن أنهم معي على ذات الطريقة، وعلى نفس الهدف، يكتنفهم الهمُّ نفسه الذي يكتنفني، ويؤرقهم ما يؤرقني.

كنت أُصدِّق، يا لضيعة العقل، أنهم صادقون في دعاواهم، مخلصون في نصحهم، أمناء في مطالبهم.

صدَّقت كل ما يقولونه... وأمنت على كل ما تجود به قرائحهم...

لم يكن لدي خيار آخر، فالخيار الآخر هو (الإسلاميون) كما يسميهم أستاذي السابق!

كانت صورة الإسلامويين في خيالي باهتة متخلفة متعجرفة.. ولا تلوموني فهذا ما تعلمته على يد الليبرالية.. لم أكن لأصدق -ولو حلف لي العالم كله- أنه قد يوجد إسلاموي يهتم بحقوق الإنسان أو يفهمها على الأقل! بل ودون مبالغة ما ظننت أن هناك مثقفًا قد يرضى بإطلاق لحيته، أو تقصير ثوبه.. أو أن مثقفةً قد تلبس قفازًا أسودَ، وعباءةً وتغطي وجهها، في عصر الفضاء والإنترنت! لقد كانت هذه القشور تصدني عن الحقيقة.. إضافةً إلى بعض التجاوزات التي تحدث من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفظاظتهم أحيانًا..

صدَّقت أن كل من يرى أن الحل هو الإسلام إنما يطرح مصطلحًا غير حقيقي، وأنَّه إنَّما يريد من وراء طرح هذا المصطلح مكسبًا سياسيًا..

لقد كان كل من ينادي بتطبيق الشريعة مجرمًا في نظري..

هذا كله مع أنني أحب الإسلام وتاريخه وحضارته، لكنه حب أجوف لا دليل عليه ولا طريق إليه..

قضيت السنوات الطويلة أقرأ في كتب فلاسفة عصر النهضة الغربيَّة، وفي أدبهم وفكرهم ومطارحاتهم، حتى ما عاد في صدري مكان لسواهم!

التحقت بأحد (جرائدنا) التي توسط لي عندهم أحد أساتذتي الليبراليين ممن يكتبون فيها، وذهبت أكتب في سحر الليبرالية وجمالها، لكن بطريقة ملتوية، خوفًا من مقص الرقيب، وخوفًا من وصمي بالنفاق، أو تكفيري من قبل الإسلامويين..

في الجريدة بدأت خيوط الوهم تتكشف أمام ناظري..

اتصل بي -من خلال البريد- الكثير من الليبراليين والليبراليات للتواصل ودعم التوجه الليبرالي بزعمهم.. وخلق جبهة ليبرالية تنسق فيما بينها وتتعاون في سبيل أهداف الجميع.

طوال هذه المدة لم أكن لأترك الصلاة، فقد كان ذلك من المحرمات الكبيرة في حياتي.

لكنني منذ أن تعرّفت على بعض الكاتبات الليبراليات وجدت عندهن تفريطًا رهيبًا في الصلاة.. بل وبعض الجريئات منهن يُطلِقون على المثقفة المواظبة على الصلاة بعض ألقاب "المطاوعة" التي تتظاهر بالمزاح وتخفي اللمز..!

لم يتوقف الأمر عند الصلاة، بل إنني بدأت أشم بين بعض الزميلات والزملاء الليبراليين شيئًا من رائحة المشروبات والعلاقات غير المشروعة.. صحيح أن الأمر لم يكن عامًا بين الجميع.. لكن البقية لم تكن ترى أن هذا شيء خطير.. بل تراه مجرد خيار شخصي يجب عدم إعطائه أكبر من حجمه..

هجر الصلاة.. والمشروبات.. والعلاقات غير المشروعة.. رأي شخصي!

لم أستطع بتاتًا تصور ذلك..

المهم هناك أيضًا ممارسات أخرى لكن أُنزِّه آذانكم عن قولها.

بصراحةٍ لم تكن شعرة الانفصال الأولى هي "خلاف فكري مع الليبراليين"، لكنها كانت صدمة "الانحطاط السلوكي" بينهم..

هالني جدًا -وما زال- هذا الانحطاط الأخلاقي الكبير بين شباب وفتيات الليبراليَّة في وطني، وبدأ زعم المصداقية والشرف والأمانة الذي يدَّعونه ليل نهار يتزعزع عندي.. بدأت تتنازعني الشكوك حول مصداقية دعاة الليبرالية في بلادي، وبدأت أفتح عيني جيدًا.

تكشفت لي الكثير جدًا من الأسرار من خلال كتاباتي في الجريدة، واتصالي بالليبراليات والليبراليين ومحاورتهم.

اكتشفت أن هناك علاقات بين بعض الكتاب والكاتبات مع أن البعض منهم متزوجون!

اكتشفت لقاءات دورية مشبوهة في استراحات خارج المدينة تُدار فيها أشربة مُحرَّمة، ورقص الفتيات في حضور كُتَّاب وكاتبات بعضهم معروف في الصحافة.. وأكثرهم ناشط فقط في الكتابة الإنترنتية..

اكتشفت أن هناك الكثير من اللقاءات غير المشروعة تُعقَد خارج المملكة، بعض تلك اللقاءات كانت تتم على خلفية معارض الكتاب خارج المملكة.. أو في البحرين على خلفية عرض سينمائي!


صارت كلمة "معرض كتاب في الخارج" و"سينما في البحرين" تثير في خيالي الكثير من الذكريات المؤلمة لشبان وفتيات مخدوعين ما زلت أتذكر بداياتهم النقية..

اكتشفت خداع بعض القائمين على الصفحات ممن نظنهم شرفاء وأمناء وأنقياء...

أحد المُحرِّرين الليبراليين استدرج فتاة كانت تراسله وينشر لها رسائلها بعد التعديل والتحوير، وحين انكشفت فعلته في دائرة ضيقة تدخل مالك الجريدة الذي يرتبط بعلاقاتٍ قوية مع بعض النافذين واستطاع لملمة الموضوع حرصًا على سمعة الصحيفة..!

اكتشفت أن أحدهم يكتب بأسماءٍ أنثوية، ويطرح مواضيع مثيرة ومغرية؛ لجلب أكبر عدد من الكُتّاب، وهذا مشهور جدًا، حتى إن بعض الكاتبات يمازحنه بمناداته بالاسم الأنثوي الذي يكتب به!

اكتشفت أن الليبرالية التي ينادون بها هي حروف يتداولونها، يمررونها على السذج، فلم أجد أشد منهم ديكتاتورية وتسلطًا وأحادية في الرأي..

فكِّر أن تعارض أحدهم أو إحداهنَّ أمام جمع من الناس وانظر كيف يجيبون على تلميحاتك؟!

اكتشفت أن الكثير من الكُتَّاب الليبراليين هم طلاَّب مال وجاه وشهرة، لا أقل ولا أكثر، وأنهم مستعدون للتخلي عن الكثير من قناعاتهم في سبيل ليلة حمراء في مكانٍ ما!

قلّة قليلة من الكُتَّاب الليبراليين الشرفاء يُعدون على الأصابع كان يزعجهم الذي يحدث لكنهم لا يستطيعون تغيير شيء..

أحدهم سألته مرة عن الذي يحدث وكيف نكافحه؟ فرد عليَّ: أتُصدِّقين أنني بدأت أفقد ثقتي بالمشروع برمته؟! وأنني بدأت التفكير في التوقف والانعزال عن هذه البيئة الموبوءة؟! ولو أخبرتكم باسمه لاندهشتم! على أنه لا يزال يحتفظ بعلاقاتٍ دبلوماسية جيدة مع بقية الزملاء والزميلات الليبراليين..

اكتشفت أن أحد رؤساء التحرير يُوعِز لكتّاب جريدته طالبًا منهم طرح مواضيع؛ مثيرة مثل تأجيج الجمهور ضد الهيئة، وحجاب الوجه، والاختلاط، وسياقة المرأة! والسبب في طلبه هذا أنه يقول: إن جريدة (الوطن) نجحت في كسب جماهيرية بطرقها لهذه المواضيع! هكذا هي عقلية بعض رؤساء تحريرنا!

أدهشني تسابق الليبراليين السعوديين على طلب وُدِّ أمريكا بطريقةٍ وقحة لا تحترم مشاعر الجماهير، وهو ما كنت أُنكِره دائمًا وأدافع عنه، وأقول: إنه زعم من (الإسلاميون) وتلفيقهم، وتلك عقدة المؤامرة التي لا يرون الأمور إلا من خلالها، لكن الذي حدث أمام عيني غيَّر كل شيء وكان كالقشة التي قصمت ظهر البعير!

نظرت في العالم العربي حولي، وذهبت أرى من هم أهل الخط الأول في الدفاع عن كرامة الأمة والأوطان؟ ومن هم الذين يمسكون بدفة الحكم ويتحالفون معه؟

وجدت أن الليبراليين في مصر وتونس والمغرب والأردن والعراق والكويت والسعودية والبحرين وقطر والجزائر وفي طول العالم العربي وعرضه - هم من يُطبِّلون للحكام، ويستخِفُّون بأية حركات معارضة، وخصوصًا المعارضة الإسلامية!

سبحان الله.. أهذه الليبرالية التي نشأت على الحرية والمساواة؟!

ما الذي حدث لي ولم يجعلني أرى قَبلًا كل هذا الهزال الذي فيها؟!

وكل هذا الكذب والدجل التي نمَت عليها كل هذه الطحالب الميتة؟

على الجانب الآخر رأيت (الإسلاميون) -مع ضعفهم إعلاميًا- هم الأقوى والأشرف، وهم الذين يبذلون دماءهم في سبيل الأوطان، وضد الهجمة الصليبية على أوطاننا..

وجدتهم في فلسطين الكريمة.. وفي العراق.. وفي أفغانستان.. لقد كانوا خط الدفاع الأول ضد التوسع الأمريكي..

تساءلت: ما لي لم أرَ ليبراليًا واحدًا وجدوه صدفة يدافع عن أوطان المسلمين المحتلة!

مجرد نفاق للسلطة.. وشهرة إعلامية.. ورفاه مالي.. وتفريط في الصلاة.. ومشروبات.. وعلاقات غير مشروعة..

هذه هي قصة الليبرالية في وطني!

{وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر من الآية:14].


نورة الصالح