يا خليفة الأموات! اذكر هادم اللذات

منذ 2015-05-13

على العبد أن يتذكر الموت وما بعده، ويعلم أنه لا منجى عندئذ إلا أن يكون في الدنيا لله طائعًا وبالشرع عاملاً، فالعاقل يرجع ويتوب قبل الموت، والغافل يظن أن الموت راحة ويظن أن سكون أهل القبور سكون حقيقي، لكن الله حجب عن أهل الدنيا حال أهل القبور فلا يدركونه بالحواس، ولكن يدركونه بالنص الذي جاء من الوحي (قرآن وسنة).

عجيب أمر هذا الإنسان لا يعرف قيمة ما هو فيه من سعة إلا إذا ضُيق عليه وقته، الموتُ بابٌ، وكل الناسِ سيدخلون من هذا الباب، والموت يكرهه ابن آدم وهو خير له من الفتنة، والموت يجل عن الوصف، وعندما تبلغ الروح الحلقوم فإن العبد يعاين أحوال عجيبة وأقوال غريبة، فيجد ما يبشر به من نعيم أو عقاب. 

ولقد كتب الأستاذ أنيس منصور في عموده (مواقف) -الذي كان يكتبه في جريدة أخبار اليوم- كلامًا على لسان الأستاذ توفيق الحكيم وهو يحتضر، حيث كان يزوره هو والأستاذ صلاح طاهر فقال لهما: "أنا سأدخل النار مع العقاد وطه حسين وأم كلثوم وأنتما ستلحقان بي"! 

وذكر شيخنا محمد صفوت نور الدين -قدس الله روحه ونور ضريحه- عن أحد أعمامه وهو يحتضر، وكان أول من دعى للسنة في بلدته التي كان يعيش فيها لما عاين الموت ظل يردد: "فرح، فرح.. إيه الكرم دا كله يا ربي"، يكررها كل ذلك وأنا أنظر إليه متعجبًا!

وذكر القرطبي في التذكرة قول العلماء عن الموت وأنه: ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار، وهو أعظم المصائب، قال الشاعر: 

الموت أعظم حادث *** مما يمر على الجبلة



وأعظم منه الغفلة عن ذكره وقلة التفكير فيه، وترك العمل له، ويروى أن أعرابيًا كان يسير على جمل فخر ميتًا، فنول الأعرابي عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: "ما لك لا تقوم؟ مالم لا تنبعث؟! هذه أعضاؤك كاملة وجوارحك سالمة، ما شأنك، ما الذي كان يحملك ما الذي كان يبعثك؟ ما الذي صرعك؟ ما الذي منعك من الحركة؟ ثم تركه وانصرف متفكرًا في شأنه".

فعلى العبد أن يتذكر الموت وما بعده، ويعلم أنه لا منجى عندئذ إلا أن يكون في الدنيا لله طائعًا وبالشرع عاملاً، فالعاقل يرجع ويتوب قبل الموت، والغافل يظن أن الموت راحة ويظن أن سكون أهل القبور سكون حقيقي، لكن الله حجب عن أهل الدنيا حال أهل القبور فلا يدركونه بالحواس، ولكن يدركونه بالنص الذي جاء من الوحي (قرآن وسنة)، فمن مات قامت قيامته، بمعنى أنه دخل في حكم الأخرة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القبر أول منازل الأخرة» (مسند أحمد:225/1).

الموت آتٍ لا محالة، كيف بأمرٍ إذا نزل قطَّع الأوصال؟! أمر يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك! إنه حقًا أمرٌ عظيمٌ وخطبٌ جسيم.


كيف حالنا إذا نزل الموت بنا، هل نحن على الطاعة مداومون؟ وعن المعصية بعيدون، أم ماذا عسى يكون حالنا؟!
قال سفيان الثوري رحمه الله مبينًا حال شيخٍ كبيرٍ في استعداده للموت: "رأيت شيخًا كبيرًا في مسجد الكوفة يقول: أنا في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة أنتظر الموت أن ينزل بي، لو أتاني ما أمرته بشيء، ولا نهيته عن شيء، ولا لي على أحدٍ شيء، ولا لأحدٍ عندي شيء، أنتظر الموت".

بكى أبو هريرة في مرضه فقيل له: "ما يبكيك؟"، فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بُعد سفري وقلة زادي، وأنا أصبحت في صعودٍ مهبطٍ على جنة ونار، ولا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي".

وقد ذكَّر عمر بن عبد العزيز من حوله فقال: "ألا ترون أنكم تجهزون كل يومٍ غاديًا أو رائحًا إلى الله عز وجل، وتضعونه في صدعٍ من الأرض قد توسد التراب، وخلف الأحباب وقطع الأسباب".

أكثروا ذكر الموت قال سفيان يخاطب أهل الكوفة: "توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم".
وقال الربيع بن خثيم: "أكثروا ذكر هذا الموت الذي لم تذوقوا قبله مثله".

والذين يشكون قسوة قلوبهم قالت عائشة لامرأة تشكو إليها قسوة قلبها: "أكثري من ذكر الموت يرق قلبك"، ففعلت ذلك فرق قلبها.

وكان الرجل يأتي أم الدرداء يستنصحها، فيقول: "إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قسوة شدة، وأملًا بعيدًا".
فتقول: "اطلع في القبور، واشهد الموت".

ومن أكثر ذكر الموت أُكرم بثلاثةتعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة). 
ومن نُسي الموت عوجل بثلاثة: (تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة).
فليغتنم العبد عمره، ويتأهب للقاء ربه فلا يدري متى يفجأه الموت؟!

اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلته

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي

باحث شرعي - داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية