ماذا لو امتلكت إيران سلاحًا نوويًا؟
الخطر الإيراني موجود لكنه خطر يسهل توقيه، والدول العربية الكبرى وتحديدًا مصر والسعودية لديها القدرة والخبرة لإتمام عملية التوازن الإستراتيجي معه، وتحقيق الردع المناسب له لو أرادتا ذلك.
تحذر التقارير الصحفية والتحليلات السياسية سواء منها الغربية أو العربية من امتلاك إيران للسلاح النووي، وتصوره كأنه مشكلة المشاكل المعاصرة ذات الخطر على الأمن الدولي والإقليمي على حد سواء.
ورغم أن امتلاك إيران لأسلحة نووية سيعطيها قوة وميزة إستراتيجية كبرى إزاء العالم، وكذلك إزاء الإقليم الذي تقع فيه، إلا أن تصوير خطر السلاح النووي الإيراني على العالم وعلى المنطقة العربية مبالغ فيه، لأسباب كثيرة وقبل أن نتعرض لأسباب هذه المبالغة لا بد أن نعرض لأثر السلاح النووي الإيراني المرتقب على المنطقة العربية والعالم على حد سواء:
أولاً- أثر السلاح النووي الإيراني على المنطقة والعالم.
1- أثر السلاح النووي الإيراني على المنطقة العربية:
تصور التقارير المختلفة أن امتلاك إيرن للسلاح النووي سيؤدي لاستباحتها المنطقة العربية، لا سيما أن منطقة الخليج المجاورة لها مباشرة منطقة رخوة إستراتيجيًا، وفي الحقيقة فإن امتلاك إيران للسلاح النووي وتسابقها في مجال التسلح لخلق توازن عسكري مع كل من إسرائيل والغرب -الذي تملأ قواعده مياه الخليج والبحر الحمر وخليج عدن والمحيط الهندي- هذا التسابق سيؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى إضعاف إيران وانهيار نظامها السياسي الحالي، ما لم يطور من نفسه ويوازن في سياساته العامة بين متطلبات التسلح ومتطلبات التنمية الاقتصادية والبشرية والتكنولوجية.
أما إن أصر النظام الإيراني الحالي على إستراتيجياته الحالية في إدارة الدولة، فسوف يكون مصيره أسوأ من مصير الاتحاد السوفيتي السابق، ولا شك أنه لا خطر على المنطقة العربية بعامة والخليج بخاصة من التسلح الإيراني، سواء على المدى القريب أو المدى البعيد، ليس بسبب الوجود العسكري الدولي في المنطقة، ولا للأهمية الحيوية التي تمثلها المنطقة للعالم بأسره بما في ذلك القوى الدولية النووية الكبرى الصاعدة مثل الهند والصين، ولا لهشاشة الدولة الإيرانية اقتصاديًا وتكنولوجيًا ليس بسبب ذلك كله فقط بل أيضًا -وهو الأهم- لأن السلاح النووي ليس له التأثير الإستراتيجي أو التكتيكي الذي يدعيه المنظرون الإستراتيجيون التقليديون..
وبعيدًا عن الدخول في تفاصيل إستراتيجية متخصصة فإننا يكفينا الإشارة إلى أن إسرائيل المتفوقة عسكريًا نوويًا وتقليديًا على جميع العرب، لم تستطع طوال سنوات عمرها الستين أن تفرض إرادتها السياسية على العرب، اللهم إلا بتخاذلهم عندما احتلت ما احتلت من أرض ما زالت مستنزفة فيها عبر المقاومة الشعبية -السلمية تارة والمسلحة تارة-، وعبر الحروب النظامية سواء حرب الاستنزاف (1968-1970 على الجبهة المصرية)، و(1973م على الجبهة السورية)، أو الحروب النظامية المختلفة (1948 و1973 و1982 و2006م)، وأخيرًا حرب غزة (2009م)، ولم تستطع إسرائيل طوال كل هذه الفترة أن تستعبد العرب كما تقتضي قوانين علم الإستراتيجية الكلاسيكية الخاصة بالتوازن العسكري والردع النووي ونحو ذلك.
ما الذي غلب وألغى هذه الكلاسيكات الإستراتيجية؟
إنها الإرادة العربية والإسلامية، وهذه الإرادة هي التي دفعت عدة دول عربية كبرى لتبني مبادئ إستراتيجية جديدة للردع، كي تحيد الرادع الإستراتيجي الإسرائيلي غير التقليدي، وتمثلت هذه الإستراتيجيات العربية في الرادع فوق التقليدي وهو الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، بواسطة الصواريخ أرض أرض متوسطة المدى، والتي يمكنها أن تنطلق من هذه الدول لتطال كل جزء من مساحة الكيان الصهيوني.
ثم أتت الحرب الأفغانية الروسية لتهزم المقاومة الأفغانية (وبمساندة المجاهدين العرب) أكبر قوة عسكرية برية نووية في العالم عبر حرب غير نظامية، وتؤسس لمفاهيم إستراتيجية جديدة سميت بعد الحرب الصومالية الأمريكية وعمليات القاعدة باسم "الحرب الغير متماثلة" أو "الحرب الغير متناظرة".
ومن هنا نخلص ببساطة إلى أن إيران المسلحة نوويًا والمتفوقة عسكريًا لن تستعبد لا الخليج ولا المنطقة العربية، إذ يمكن لدول هذه المنطقة ردع إيران بالاعتماد على إحدى إستراتيجيتين أو حتى المزج بينهما وهما: (إستراتيجية الرادع فوق التقليدي)، أو (إستراتيجية الحرب الغير متماثلة).
ونحن لا نحب أن تنشب حرب باردة بين العرب وإيران، كما هو الحال مع دول أخرى أيًا كانت الإستراتيجية التي ستعتمد عليها هذه الحرب، ولكننا أشرنا لهذا كله كي نثبت أن ما يسمى بالخطر الإيراني سواء النووي أو التقليدي هو مبالغ فيه بشكل كبير.
2- أثر السلاح النووي الإيراني على إسرائيل:
واذا كان هذا حال العرب مع إسرائيل وهم أضعف تسليحًا منها فهل سيؤثر التسلح النووي الإيراني على إسرائيل؟
في الواقع أن تأثيره محدود اللهم إلا على أحد الاتجاهات الإسترتيجية الذي يزعمون أحيانًا أنه موجود في إسرائيل، والذي يرى أن التخلص من الخطر الإيراني غير ممكن إلا بضرب إيران بقنبلة نووية أو بضربة تقليدية ساحقة، تماثل في قوتها القنبلة النووية، أما غير ذلك فإسرائيل حساسة جدًا تجاه الردع التقليدي وحده لأن مساحتها وعدد سكانها صغير لا يتحمل حربًا حقيقة قوية تطال القلب الحيوي للدولة.
3- أثر السلاح النووي الإيراني على العالم:
توجد دول كثيرة كبرى سيكون لتسلح إيران نوويًا تأثيرًا عليها وسنذكر فيما يلي كلا منها على حدة:
- الهند: ستؤدي قوة إيران العسكرية بعامة والنووية بخاصة إلى إخلال التوازن العسكري في المنطقة لغير مصلحة الهند، لأن إيران ستمثل عامل كبح للنفوذ والمطامع الهندية في المنطقة، لا سيما أن الهند حليفة الغرب وإسرائيل، وعدو لباكستان التي هي بدورها حليفة لدول الخليج، وقوة إيران ستخلق واقعًا إستراتيجيًا جديدًا يزيد خيارات التحالف الإستراتيجي أمام العرب وباكستان، وازدياد هذه الخيارات في حد ذاته مفيد إستراتيجيًا حتى ولو لم يتم استغلاله.
- باكستان: ما قيل سلبًا للهند ينقلب إيجابًا بالنسبة لباكستان، لا سيما وأن عامل الدين ومحدودية المصالح الباكستانية هنا يلعبان لصالح عدم التنافس بين إيران وباكستان إستراتيجيًا، ولا سيما وأن الصين منافس الهند اللدود هي حليف مهم لكل من باكستان وإيران، لكن أي توتر إستراتيجي أو حرب باردة خليجية إيرانية قد ينعكس سلبًا على العلاقات الإيرانية الباكستانية.
- الشرق الأقصى: ستكون القوة الإيرانية مقيدة لتمدد قوى الشرق الأقصى (كالهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية) إستراتيجيا نحو الخليج، ما لم تتحالف إيران مع أي من هذه القوى وتتقاسم معها النفوذ في ظل غيبة إرادة عربية إستراتيجية، وخاصة في حالة الصين حليفة إيران.
- روسيا: لا يهمها كثيرًا التسلح الإيراني لأنها تعرف أسراره جيدًا، ويمكنها االتغلب عليه بسهولة، كما أن قوة إيران النظامية بالنسبة لقوة الروس كشعرة بالنسبة لمجمل شعر ثور ضخم.
- الاتحاد الأوروبي: هو أبعد عن التأثر بالقوة الإيرانية باستثناء موضوع النفط الخليجي، لكن التأثر الأكبر هو خوفهم على تآكل الهيمنة الأمريكية والغربية على مقدرات المنطقة من ناحية، وهو أمر مستبعد وكذلك خوفهم من الشعارات الإيرانية الجوفاء التي تهدد بإزالة إسرائيل من الوجود، وكل الإستراتيجيون يعلمون جيدًا أن إيران لن تفعل ذلك، ليس فقط لأن النظام الإيراني برجماتي وله جسور مفتوحة مع الغرب بل ومع إسرائيل ولكن أيضًا لأن إيران متأكدة وخائفة من رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي بل والفرنسي الذي سيكون لا شك رد فعل نووي ساحق.
- الولايات المتحدة: وما يقال عن أوروبا يقال عن الولايات المتحدة أيضًا في هذا الشأن، لكن بقي أن نقول أن كل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد يلجئان للتفاهم مع إيران، واقتسام النفوذ لو وجدوا صيغة مناسبة لذلك مع إيران، بأن تخفض إيران مطامعها أما لو لم يجدى هذا الطريق فإن الاحتواء القائم على الحرب الباردة سيكون هو سبيلهم مع إيران، بالضبط كما فعلوا مع الاتحاد السوفيتي السابق.
ثانيا- أسباب المبالغة في الخطر الإيراني الإستراتيجي:
ترجع هذه الأسباب إلى رغبة الولايات المتحدة والغرب في استغلال هذا التخويف في دفع العرب لشراء الأسلحة الغربية لامتصاص عائدات النفط الضخمة من جهة، وللضغط على العرب والإيرانيين نفسيًا والاستفادة من نتائج هذا الضغط في إستراتيجياتهم المقبلة في المنطقة، سواء إزاء الإيرانيين أو إزاء العرب على حد سواء.
وعلى كل حال فالدول العربية الكبرى بالمنطقة كمصر والسعودية قد أعدت للأمر عدته، لأن لديها مراكز إستراتيجية متخصصة على مستوى عالٍ من الكفائة، وقد سبقت وخاضت هذه الأمور في مجال تحقيق الردع تجاه إسرائيل، وأيضًا إزاء إيران أيام الحرب العراقية الإيرانية، عندما اشترت وقتها السعودية صواريخ ريح الشرق من الصين ومداها (2300كلم) في سرية تامة حينئذ.
والخلاصة:
أن الخطر الإيراني موجود لكنه خطر يسهل توقيه، والدول العربية الكبرى وتحديدًا مصر والسعودية لديها القدرة والخبرة لإتمام عملية التوازن الإستراتيجي معه، وتحقيق الردع المناسب له لو أرادتا ذلك.
عبد المنعم منيب
صحفي و كاتب إسلامي مصري
- التصنيف: