الإنذار الأخير قبل الدخول في نفق الانقلاب
في يونيو من عام ألفين وثلاثة عشر كان التيار الإسلامي بصفة عامة قد وضحت صورته عند الشعب المصري، وقد وقف الشعب على إمكانياته وقدراته في إدارة شئون الدولة، وكان الإخوان المسلمون بصفة خاصة وحزبهم الحرية والعدالة قد ساروا في طريق خاص بهم، خسروا فيه الصديق قبل العدو، ومارسوا من الأساليب السياسية ما صدم الجميع دون استثناء، ولم يبق للإخوان المسلمين من ظهير إلا حملة البيعة للمرشد داخليًا وخارجيًا وبعض الكيانات التي أنشأوها تحت أسماء مختلفة، كما هو الحال بعد الانقلاب على غرار المجلس الثوري وغيره.
في يونيو من عام ألفين وثلاثة عشر؛ وبعد مرور عام تقريبًا على وصول حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وبعد مرور أكثر من سنتين على ثورة الخامس والعشرين من يناير، تصدر العملية السياسية خلالها التيار الإسلامي في مصر، بعد أن فوضه الشعب المصري وأسند إليه زمام الأمور عبر خمسة استحقاقات انتخابية حصل التيار الإسلامي فيها على الأغلبية والفوز بجميعها، سواء برلمانية أو رئاسية أو في الاستفتاءين.
وكان الأداء البرلماني لأول برلمان إسلامي منتخب في مصر يندى له الجبين، وصادمًا للجميع إلا أصحابه والقائمين عليه أو المشاركين فيه، باستثناء ما أظهره الدكتور محمد سعد الكتاتني من حرفية واقتدار إداري.
فشلت تجربة الإسلاميين البرلمانية في مصر؛ لكن الفشل الأكبر فيها هو عدم الاستعداد لمجرد الاستماع لكلمة فشل أو قبولهم بأنهم فشلوا، وذلك لما يتميز به التيار الإسلامي في مصر بوجه خاص من عبقرية التبرير التي تصل ببعضه في بعض الأحيان إلى الاستدلال بالنصوص على الشيء ونقيضه في آنٍ واحد إذا ما أرادوا ذلك الأمر.
والمتابع أو المهتم بالشأن يجد للتيار الإسلامي المصري عبقرية عجيبة في التبرير، بما يصل إلى درجة المكافأة والتكريم على الفشل والهزائم وصناعة الكوارث.
في يونيو من عام ألفين وثلاثة عشر كان التيار الإسلامي بصفة عامة قد وضحت صورته عند الشعب المصري، وقد وقف الشعب على إمكانياته وقدراته في إدارة شئون الدولة، وكان الإخوان المسلمون بصفة خاصة وحزبهم الحرية والعدالة قد ساروا في طريق خاص بهم، خسروا فيه الصديق قبل العدو، ومارسوا من الأساليب السياسية ما صدم الجميع دون استثناء، ولم يبق للإخوان المسلمين من ظهير إلا حملة البيعة للمرشد داخليًا وخارجيًا وبعض الكيانات التي أنشأوها تحت أسماء مختلفة، كما هو الحال بعد الانقلاب على غرار المجلس الثوري وغيره.
في هذه الأثناء كانت الدولة العميقة لا تنام، وتواصل الليل بالنهار، وترصد هذه المتغيرات على الساحة، وترصد بدقة وتحليل ما آلت إليه علاقة الإخوان المسلمين بالفصائل الإسلامية الأخرى، وما وصل إليه الشعب من انفضاض من حولها، وكان الطرف الآخر من غير المسلمين -الكنيسة- قد قام بما فيه الكفاية في دوره والاستعداد للتضحية بكل ما يملك لإسقاط حكم الإخوان المسلمين والتنكيل بهم، في هذه الأثناء قد يكون رأي جماعة الإخوان وحزبها أنها تعلم كل شيء عما يحدث ويدبر لها، وأنها تعي أبعاد المخطط جيدًا، قد يكون هذا رأيها.
أما ما ندين به لله، ونشهد به ونراه: هو أن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها قيادة وأفرادًا كانوا في غيبوبة عقلية كاملة.
ليس بمستغرب فيها أن يعتقدوا أن بيان الانقلاب ومهلة الثمان وأربعين ساعة التي أصدرها الجنرال السيسي والتي فهمها الجميع يومها أنها انقلاب مسلح، إلا جماعة الإخوان التي رأت في البيان أنه لحماية الشرعية وموجه إلى المعارضة! لم يكن لدى الإخوان في الفترة السابقة للإنقلاب-ولا الحالية- أي استعداد حقيقي للاستماع إلى رأي ناصح لا يتمتع بجاه أو سلطان أعلى من جاههم وسلطانهم.
ولم يكونوا يعيروا النصائح التي تأتيهم ممن هم دونهم شعبية ووجودًا في الساحة أي أهمية والخلاصة كانوا قد ذهبوا بعيدًا.
كنت أراقب كل ذلك وأقرأه في ضوء الخبرة التي أسلفت ذكرها في المقالات السابقة، لكن الأمر اكتمل وضوحًا عندي بعد أن تم توزيع الأدوار الخاصة بمخطط الثلاثين من يونيو على كل المشاركين فيه، ومن بينهم العائلات وأركان النظام السابق من الحزب الوطني، وقد وقفنا على هذا بوضوح.
فكانت قراءتي النهائية للمشهد ورؤيتي التي تحملت مسئولية المجاهرة بها وهي ضرورة وحتمية الانسحاب الفوري للإخوان المسلمين من المشهد، وضرورة إجهاض المخطط والمؤامرة التي كانت قد اكتملت أركانها، والتي نعلم أن ثمنها باهظ ومكلف للجميع بلا استثناء وليس للإخوان وحدهم.
وذلك بأن يصدر السيد الرئيس محمد مرسي عدة قرارات تعلن على الشعب أثناء وجود الملايين من أنصاره في مليونية الشرعية خط أحمر يوم الثامن والعشرين من يونيو، ويكون أول قرار في هذه القرارات هو الذهاب إلى استفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة التي تطالب بها الدولة العميقة في هيئة ما سمي بـ"تمرد"، وعلى بقاء واستمرار النائب العام المستشار طلعت عبد الله.
كما الإعلان عن إقالة الحكومة، وتعيين حكومة كفاءات بعيدًا عن المحاصصة، وكما أسلفت بالتوضيح كان الهدف هو نزع فتيل الأزمة، وتفريغ المؤامرة من محتواها، ثم الحفاظ على جماعة الإخوان المسلمين، الذين مهما ذهبوا بعيدًا فلن يبلغوا في ذهابهم معشار ما يذهب إليه غيرهم من إراقة للدماء وإفساد للبلاد واستعباد للعباد.
رفض الإخوان هذا الطرح وتمسكوا بما هم فيه يومها.
وكل ما يقال وينقل عن أنهم قبلوا، أو كان ذلك سيحدث، كل ذلك لا أساس له من الصدق وإنما هو نوع من التبرير ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
والحق أن الموافقة كانت تعني صورة واحدة؛ أن يخرج الرئيس بقرار رئاسي يعلنه على الشعب، أما ما عدا ذلك فهو من قبيل ما يتم التعامل به في الأسر والشُعب والتنظيمات وليس الدول والمؤسسات، وهذه لا تلزم إلا أصحابها أما الدول فتدار عبر قرارات وآليات ومؤسسات.
تبقى في هذه الوقفة كلمة شكر وتقدير أقدمها لقيادات حزب البناء والتنمية، الذين تفضلوا مشكورين بحمل ما قدمناه من رأي ورؤية إلى الرئاسة وربما تبنوه كله أو جله، يمكن الرجوع إليهم بالسؤال.
ومع الوقفة الأخيرة من الوقفات الأربعة في المقال القادم بإذن الله.
حسن الخليفة عثمان
كاتب إسلامي
- التصنيف: