أمريكا وصناعة الصراع بالفوضى الإيرانية

منذ 2015-05-14

وأمريكا بدعمها لطرفٍ دون الآخر، أو بدعم الطرفين معًا بأي نوع من أنواع الدعم تصنع فوضى من خلال اللعب بورقة الأقليات كما هو منهجها من خلال سياساتها في العالم، وعبر كثيرٍ من المنظمات الدولية المسيطرة عليها

 

عندما خرج الاحتلال من معظم دول العالم العربي وضع قنابل موقوتة متعددة ومتنوعة لتكون مناخًا للفوضى والدمار لمستقبل دول المنطقة، ومن ذلك صناعة بدائل عنه من الحكومات الدكتاتورية والحكام المستبدين، فعاشت معظم هذه الدول حوالي خمسة عقود من الزمن بدعمٍ غربي مباشرٍ وغير مباشر، وفي وضعٍ سياسي واقتصادي يسوده الفقر والاحتقان، وبالتالي عدم الثقة بين الحكومات وشعوبها، مما أسفر هذا الواقع عن قيام الثورات العربية التي تُسمَّى (الربيع العربي)، وعمل الغرب المتعصب مع بعض صنائعه من بعض الحكومات العربية نفسها على إجهاض تلك الثورات وَصرف مسارها، ليصنع الغرب من هذا الفعل وَردِّه فوضى سياسية عارمة تسود معظم أقطار العالم العربي.

ولتحقيق هذا الهدف وإرضاء نزعة الصراعات والحروب لديه واقصاء المنافس له، وَجد في دولة إيران الطائفية الآلة التنفيذية للصراع في المنطقة كدولةٍ منشقة عن الأمة الإسلامية أيديولوجيًا وسياسيًسا، مما يعمل على المزيد من الفوضى والصراعات الطائفية العاجلة والآجلة لتحقيق إستراتيجيته (الفوضى الخلاقة، أو البنَّاءة) لهم، -حسب تسمية وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندا ليزا رايس) عام 2005م- في استهداف معظم دول العالم العربي والخليج بشكل خاص باختطاف إرادة الشعوب لحرياتها السياسية.

وعن هذا الموضوع كُتِبت مقالاتٌ كثيرة عربيةٌ وغربية إِثرَ تصريحات إيرانية تكفيرية عدوانية من شخصيات متعددة تكشف عن مستقبلٍ مُضَّرج بالدماء من خلال صناعة الغرب وتعزيزه لهذا الصراع السياسي الطائفي الدموي، ولعل هذا المقال -دون تهويل أو تخدير- يُسهم ببعث الأمل واليقين بالله والعمل على حماية الأمة الإسلامية وتقوية مناعتها وحصانتها النفسية والمعنوية والفكرية بالعقيدة الصحيحة، وما فيها من عقيدة قتالية جهادية، إضافةً إلى أهمية تنبيه الحكومات إلى ما يجب فعله في تعزيز الأذرعة الخارجية الإغاثية والدعوية والتعليمية المؤدلجة بالفكر الصحيح، إضافةً إلى الجانب العسكري والسياسي المصاحب، فالأفكار والعقائد - مع فسادها - لا يمكن أن تهزمها السياسات المجردة من العقيدة والفكر، كما أن الحروب والمعارك مع الخصوم بدون مراكز ومؤسسات معنيّة مُوجهة بكسب العقول والقلوب والأفكار لا تحقق الهدف من الحماية والحصانة والدفاع.

كتبت الخليجية أون لاين عن التمدد الإيراني العقدي والسياسي في بعض العواصم العربية -وهذا غيض من فيض- وفيه عن الخطر الداهم والقادم في الصراع الشيعي السُنِّي: "اعتبر مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي أن بلاده أصبحت إمبراطورية، وأن بغداد عاصمتها، وهاجم معارضي النفوذ الإيراني في المنطقة، معتبرًا أن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وداعيًا في الوقت نفسه إلى قيام اتحاد إيراني... إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معًا أو نتحد... وسنقف بوجه التطرف الإسلامي، والتكفير، والإلحاد، والعثمانيين الجدد، والوهابيين، والغرب، والصهيونية"[1].

وكتبت صحيفة الشرق الأوسط عن الخطر الإيراني الحالي والقادم، وأنه أشد من داعش -حسب وصف الصحيفة-: "لقد أصبحت الأمور (فالج لا تعالج)، فالتغلغل الإيراني في هذه الدول العربية الآنفة الذكر (العراق وسوريا ولبنان واليمن) وعلى أساس طائفي، تجاوز كل الحدود، ولذلك وَيقينًا أن وطننا العربي سيدخل حقبة إنْ ليس فارسية فإيرانية ستطول بمقدار ما استطالت الحقبة الصفوية، إنْ بقينا نتصرف بكل هذا التراخي وبكل هذا الاسترخاء وبكل هذا التردد... إنه غير جائز أن يبقى هذا (الطرزان) قاسم سليماني يتنقل بين حلب ودمشق وجبهات القتال في سوريا وبين بغداد وتكريت وديالى وجبهات القتال في العراق، فهذا معناه أن إيران هي صاحبة الحرب وهي صاحبة القرار في هذين البلدين العربيين، وهي في حقيقة الأمر كذلك، وهذا معناه أن العرب العراقيين سُنة وشيعة، وأن العرب السوريين سُنة وعلويين، سيبقون مُختطَفين من قبل جمهورية الولي الفقيه وأن العرب كلهم سيبقون كالشاة التي تنتظر خنجر الجزار وسيبقون (العين بصيرة واليد قصيرة)!!... لا بد من التأكد ومن دون أي تردد على أن (داعش) يشكل خطرًا عابرًا ومؤقتًا، أما إيران فإنها تشكل خطرًا (إستراتيجيًا).. إن إيران أخطر من هذا التنظيم الإرهابي بألف مرة، ولهذا فإنه لا يجوز التركيز على هذا التنظيم والانشغال به وترك الحبل على الغارب للإيرانيين الذين تجاوزوا كل الحدود، والذين باتت تطلعاتهم وأهدافهم واضحة ومعروفة"[2].

ومما كُتب عن إطلاق الغرب لليد الإيرانية الإرهابية في العالم السُني، وتعزيز الغطاء الأمريكي للعدوان الإيراني بإعطاء إيران الصفة الشرعية فيما تفعله من إرهاب، ما أوردته صحيفة شؤون خليجية عن هذا الموضوع: "كشفت الخطوة المفاجئة التي أفصح عنها التقرير السنوي الصادر عن جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الأمريكية، برفع إيران وحزب الله اللبنانى من (قوائم الإرهاب) أسرار جديدة، يبدو أنها ستخرج للنور والعلانية قريبًا فيما يخص ملف المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة دول (5+1) وعلى رأسهم الولايات المتحدة... ورجح مراقبون تقديم تنازلات وتبادل مصالح بين الطرفين الأمريكي والإيراني وهو ما ذكره الرئيس الأمريكي باراك أوباما علانية بطلبه تجميد إيران لبرنامجها النووي لعشر سنوات بدون تدميره أو تفكيكه للقدرات النووية وبنيتها التحتية... أن المصالح المشتركة بين أمريكا وإيران بإضعاف السُّنة، وثورات الربيع العربي التي برز فيها قوى سنية وَحَّدت الطرفين... ويُعدُّ رفع إيران وحزب الله من قوائم الإرهاب وما يكشفه من احتمال وجود صفقات غير معلنة تهديد واضح لدول الخليج العربي، التي تعاني من التمدد الإيراني والجماعات المتشددة والميلشيات الشيعية المدعومة من إيران خاصة بالعراق واليمن ليس هذا فحسب، بل ينذر بسباق للتسلح النووي في حالة عدم شمول الاتفاق على تدمير البرنامج الإيراني، والنص فقط على مجرد تجميد مؤقت، ويطرح تساؤل: هل ترى الولايات المتحدة أن شراكتها مع إيران لها الأولوية على حساب شراكتها مع دول الخليج"[3].

وكتب الباحث السياسي طلعت رميح عن آثار صناعة الغرب للصراع الإيراني الطائفي في المنطقة من خلال تصريحات شخصيات إيرانية متنوعة (بدون تُقية) وأنها تُؤذن بصراعٍ دموي غير مسبوق، ومنها ما صرح به نائب الرئيس الإيراني السابق محمد علي أبطحي، ومنها التصريح الصادر من علي شامخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، ومن ذلك التصريح الآخر من قِبَل مستشار الأمن القومي للرئيس الإيراني علي يونسي، وغيرها من التصريحات الصريحة والواضحة، وعَلق طلعت رميح على هذه التصريحات قائلاً: "وما يبدو في الأفق أن المنطقة لن تشهد أي نمط من الاستقرار في الفترة القادمة، وأن العرب من تركيا حتى اليمن -ويمكن القول السنة- باتوا محاصرين بين القوة الإمبراطورية الفارسية الشيعية من الطرف الشرقي مدعومة من الولايات المتحدة، والقوة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة أيضًا في الغرب"[4].

ومع أن (عاصفة الحزم) العسكرية على مواقع المتمردين الحوثيين في اليمن تُعد في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق السلام في المنطقة، إلا أنها لتحقيق الهدف لابد أن تكتمل حلقات الحزم العسكرية والسياسية والفكرية في تقليم الأظافر الإيرانية في المنطقة، ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب المتعصب حسب مواقفهم وتصريحاتهم لن يسمحوا باستكمال تحقيق الهدف بإنهاء الوجود الإيراني أو إضعافه في العراق وسوريا ولبنان، الأمر الذي سيجعل من الصراع عمليةً مستمرةً في المنطقة بأدواتٍ إيرانية مؤدلجة بفكرٍ منشق عن أمة التوحيد الإسلامية.

وأمريكا بدعمها لطرفٍ دون الآخر، أو بدعم الطرفين معًا بأي نوع من أنواع الدعم تصنع فوضى من خلال اللعب بورقة الأقليات كما هو منهجها من خلال سياساتها في العالم، وعبر كثيرٍ من المنظمات الدولية المسيطرة عليها، حمى الله أمة الإسلام من كيد الكائدين ومكر الماكرين.

 

-----------------------------

[1] انظر: مقال مستشار روحاني، بعنوان (الشرق الأوسط منطقة إيرانية وبغداد عاصمتنا)، على موقع الخليج أون لاين، الرابط التالي: http://alkhaleejonli...41205923338200/

[2] الكاتب هو صالح القلاب.. الكاتب الأردني، وزير إعلام، ووزير ثقافة، ووزير دولة سابق، وعضو مجلس أمناء المجموعة السعوديّة للأبحاث والتّسويق، والمقال بعنوان (بصراحة.. إيران أخطر من داعش بألف مرة!)، على صحيفة الشرق الأوسط، الرابط التالي: http://cutt.us/Oc9D

[3] انظر: سامية عبد الله، مقال بعنوان (أسرار رفع إيران وحزب الله من قوائم الإرهاب الأمريكية)، على صحيفة الشؤون الخليجية، الرابط التالي: http://alkhaleejaffairs.org/c-15582

[4] انظر: مقال طلعت رميح، بعنوان (إيران: حرب نفسية أم إعلان حرب!)، على موقع بوابة الشرق، الرابط التالي: http://www.al-sharq....72#.VQmjtI6sW3w

 

محمد بن عبد الله السلومي

1436/7/24هـ

المصدر: مركز القطاع الثالث للاستشارات والدراسات الاجتماعية (قطاع)