لماذا يضرب تنظيم الدولة في قلب السعودية أثناء حربها مع الحوثيين؟
من الذكي الذي يظن أنه لو اشتعلت فتنة بين السنة والشيعة في السعودية سيستفيد منها أهل السنة؟ ألا يفهم أي ذكي أن المستفيد الوحيد من فتنة كهذه هو إيران لأنها لن تترك ولا يمكنها أن تترك شيعة السعودية يذبحون بسيف الدولة السعودية، أم أن أذكياء تنظيم الدولة يظنون أن السعودية كالبحرين يمكن لإيران أن تسكت على قمع الشيعة فيها؟!
كتبت هنا منذ فترة عن محاولات تنظيم الدولة لإثارة الأوضاع وخلط الأوراق داخل المملكة السعودية، وألمحت إلى أن هذا نوع من العمى السياسي والاستراتيجي لدى التنظيم، وقلت أن هذا يكون رأينا إذا أحسنا الظن بتنظيم الدولة، أما إذا أسأنا به الظن فسوف نقول أن التنظيم له قيادة مخترقة، بحيث تعمل ما يخدم مصالح إيران وحلفها، وإسرائيل وحلفها من حين لآخر، وكالمعتاد احمرت أنوف البعض وعلق أخوة أفاضل بخشونة واتهموني بأني لا أدقق في معلوماتي، ولكن كالعادة أيضًا يصدق تحليلي ويظهر صوابه بتحققه بعد فترة من إعلاني له..
فأمس وللجمعة الثانية يستهدف تنظيم الدولة مسجدًا شيعيًا في المنطقة الشرقية للمملكة السعودية، فهل معلوماتي ما زالت خاطئة؟!
أنا أريد أن أفهم: من الذكي الذي يظن أنه لو اشتعلت فتنة بين السنة والشيعة في السعودية سيستفيد منها أهل السنة؟
ألا يفهم أي ذكي أن المستفيد الوحيد من فتنة كهذه هو إيران لأنها لن تترك ولا يمكنها أن تترك شيعة السعودية يذبحون بسيف الدولة السعودية، أم أن أذكياء تنظيم الدولة يظنون أن السعودية كالبحرين يمكن لإيران أن تسكت على قمع الشيعة فيها؟!
إن أقوى قوتين منظمتين في المنطقة الآن هي إيران وإسرائيل وكلتاهما حلفاء للولايات المتحدة، وأي تفكك وفراغات ستحدث في المنطقة ستستفيد منها إيران وإسرائيل بدعم أو غض طرف أمريكي، ولو حدثت حرب أهلية داخل السعودية بين السنة والشيعة كما يهدف أذكياء تنظيم الدولة، فإن إيران ستغذي الشيعة بالسلاح والأفراد إلى أن تحتل المنطقة الشرقية السعودية الغنية بالنفط وبالشيعة، ولن يستفيد من هذه الحرب تنظيم الدولة الذكي الذي يحارب في العراق منذ 2004 ولم يمكنه حتى الساعة تحرير ولا حتى نصف العراق، وبينما لم يتمكن من تحرير العراق فإذا به يقفز في سوريا وبينما هو منغمس في معارك سوريا والعراق ينتصر مرة وينهزم أخرى فإذا به يقفز في السعودية ليفتح معارك جديدة، فما هذا الذكاء! أم إنه الهروب للأمام؟!
قلنا سابقا ونكرر: السعودية تضغط عسكريًا بشدة على إيران خاصة في اليمن، فلصالح من ضرب السعودية في ظهرها وهي في هذه الحالة؟ هل لصالح السنة أم لصالح إيران؟ وعندما تضرب السعودية في خاصرتها الرخوة الآن ألا يدعوها هذا لوقف ضغطها العسكري في اليمن ووقف ضغطها على بشار (عبر حلفها مع قطر وأردوغان)، كي تركز قوتها لمواجهة الخطر الذي يتهددها في الداخل من حرب طائفية يشعلها تنظيم الدولة بذكائه الخارق؟ وبذا تتحول السعودية من الهجوم على حلفاء إيران في اليمن وسوريا ولبنان إلى الدفاع في المنطقة الشرقية من المملكة؟
وأثناء كتابة هذه السطور وردت الأخبار بأن تنظيم الدولة في سوريا احتل منطقة مهمة قطع بها إمدادات المجاهدين للمناطق المحررة حديثًا في سوريا، فهل لنا أن نسأل لماذا يتحرك تنظيم الدولة عند نجاح المجاهدين السوريين في دحر النظام فيقطع الإمدادات، عنهم فلمصلحة من يعمل هذا التنظيم؟!
ثم ورد خبر آخر منذ ساعات أيضًا أن قوات تنظيم الدولة تهاجم قوات النصرة، ويأتي هذا الهجوم بعد يومين من إذاعة الجزيرة للمقابلة مع زعيم النصرة، والتي قال فيها إن المعركة تتجه لدمشق، فهل هجوم تنظيم الدولة على النصرة الآن هو جزاء لها لإعلان زعيمها التوجه نحو دمشق؟ وإن لم يكن هكذا فلماذا الهجوم على النصرة الآن؟ يا أخي ما دام لديك قوة تهاجم بها فلماذا لا تهاجم أنت النظام، فقط النظام! وتدع كل من يضرب في النظام في حاله؟
إدراك حقيقة المصالح والمفاسد وأيهما أولى بالتقديم في كل حالة من الحالات هي لب العمل السياسي والاستراتيجي الإسلامي، ويحتاج لفقه عميق لا يتوفر لمن قل علمه بالشرع الحنيف أو بالواقع، ولذلك ساوى السلف بين مداد العلماء ودماء الشهداء، لأنه دون علم فالمرء مهدد بأن يصبح ممن قال الله تعالى عنهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:103-104].
30 مايو/2015
عبد المنعم منيب
صحفي و كاتب إسلامي مصري
- التصنيف: