تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة

منذ 2015-06-02

إن ثمرة الدعاء مضمونة؛ إذا أتى الداعي بشرائط الدعاء وآدابه، فإما أن تعجَّل له الدعوة، وإما أن يُدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن تُدخر له في الآخرة، فما أشد حاجتنا إلى الدعاء! بل ما أعظم ضرورتنا إليه! قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء» (1).
الدعاء نعمة كبرى، ومنحة جلَّى، جاد بها ربنا جل وعلا حيث أمرنا بالدعاء، ووعدنا بالإجابة والإثابة؛ فشأن الدعاء عظيم، ومنزلته عالية في الدين، فما اسْتُجْلِبت النعم بمثله، ولا استُدفعت النقم بمثله، والدعاء عبادة لله، وتوكل عليه، ومحبوب لله، وأكرم شيء عليه تعالى، والدعاء سبب عظيم لانشراح الصدر، وتفريج الهم، ودفع غضب الله سبحانه، والدعاء مفزع المظلومين، وملجأ المستضعفين، وأمان الخائفين.

ثم إن ثمرة الدعاء مضمونة؛ إذا أتى الداعي بشرائط الدعاء وآدابه، فإما أن تعجَّل له الدعوة، وإما أن يُدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن تُدخر له في الآخرة، فما أشد حاجتنا إلى الدعاء! بل ما أعظم ضرورتنا إليه! قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

وقوله صلى الله عليه وسلم «من سره» من السرور وهو انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة النفس عاجلاً «أن يستجيب اللّه له عند الشدائد والكرب» جمع كربة وهي غم يأخذ بالنفس لشدته «فليكثر الدعاء في الرخاء» أي في حال الرفاهية والأمن والعافية، لأن من شيمة المؤمن الشاكر الحازم أن يريش السهم قبل الرمي، ويلتجئ إلى اللّه قبل الاضطرار بخلاف الكافر الشقي والمؤمن الغبي، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً} [الزمر من الآية:8].

فتعين على من يريد النجاة من ورطات الشدائد والغموم أن لا يغفل بقلبه ولسانه عن التوجه إلى حضرة الحق تقدس وتعالى بالحمد والابتهال إليه والثناء عليه إذ المراد بالدعاء في الرخاء، كما قال الإمام الحليمي: "دعاء الثناء والشكر والاعتراف بالمنن وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد والاستغفار لعوارض التقصير، فإن العبد وإن جهد لم يوف ما عليه من حقوق اللّه بتمامها، ومن غفل عن ذلك ولم يلاحظه في زمن صحته وفراغه وأمنه كان صدق عليه قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]" (2).

وقال صلى الله عليه وسلم: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» (3)، أي تحبب وتقرب إليه بطاعته والشكر على سابغ نعمته والصبر تحت مر أقضيته وصدق الالتجاء الخالص قبل نزول بليته «في الرخاء» أي في الدعة والأمن والنعمة وسعة العمر وصحة البدن فالزم الطاعات والإنفاق في القربات حتى تكون متصفاً عنده بذلك معروفاً به «يعرفك في الشدة» بتفريجها عنك وجعله لك من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً بما سلف من ذلك التعرف، كما وقع للثلاثة الذين آووا إلى الغار، فإذا تعرفت إليه في الرخاء والاختيار جازاك عليه عند الشدائد والاضطرار بمدد توفيقه وخفي لطفه.

كما أخبر تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام بقوله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات من الآية:143] يعني قبل البلاء، بخلاف فرعون لما تنكر إلى ربه في حال رخائه لم ينجه اللجأ عند بلائه قال تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس من الآية:91]، قال أحد الصالحين: "ينبغي أن يكون بين العبد وبين ربه معرفة خاصة بقلبه بحيث يجده قريباً منه فيأنس به في خلوته ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته، ولا يزال العبد يقع في شدائد وكرب في الدنيا والبرزخ والموقف فإذا كان بينه وبين ربه معرفة خاصة كفاه ذلك كله".

أوقـات وأحوال وأماكن وأوضاع يسـتجاب فيها الدعاء:
ليلة القدر، جوف الليل الآخر ووقت السحر، دبر الصلوات المكتوبات (الفرائض الخمس)، بين الأذان والإقامة، عند النداء للصلوات المكتوبات، عند نزول الغيث، عند زحف الصفوف في سبيل الله، ساعة من يوم الجمعة وهي على الأرجح آخر ساعة من ساعات العصر قبل الغروب، عند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة، عند السجود في الصلاة، عند قراءة الفاتحة واستحضار ما يقال فيها، عند رفع الرأس من الركوع وقول: "ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبـًا مباركًا فيه"، عند التأمين في الصلاة، عند صياح الديك، بعد زوال الشمس قبل الظهر، الغازي في سبيل الله، دعاء الحاج، دعاء المعتمر، عند المرض..

إذا نام على طهارة ثم استيقظ من الليل ودعا، عند الدعاء بـ: لا إله إلا الله سبحانك إني كنت من الظالمين، دعاء الناس عقب وفاة الميت، الدعاء بعد الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، دعاء يوم عرفه في عرفه، الدعاء في شهر رمضان، عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر، عند الدعاء في المصيبة بـ: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، الدعاء حال إقبال القلب على الله واشتداد الإخلاص، دعاء المظلوم على من ظلمه، دعاء الوالد لولده، دعاء المسافر، دعاء الصائم حتى يفطر، دعاء الصائم عند فطره، دعاء المضطر، دعاء الإمام العادل، دعاء الولد البار بوالديه..

الدعاء عقب الوضوء إذا دعا بالمأثور في ذلك وهو قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. فمن قال ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء، الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى، الدعاء بعد رمي الجمرة الوسطى، الدعاء داخل الكعبة ومن صلى داخل الحجر فهو في البيت، الدعاء في الطواف، الدعاء على الصفا والمروة، الدعاء بين الصفا والمروة، الدعاء في الوتر من ليالي العشرة الأواخر من رمضان، الدعاء في العشر الأول من ذي الحجة، الدعاء عند المشعر الحرام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر:
(1) رواه الترمذي والحاكم قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي، وقال الألباني (حسن) حديث 6290 في صحيح الجامع. (2) فيض القدير للمناوي 2/152.
(3) رواه أبو القاسم بن بشران في أماليه عن أبي هريرة (صحيح) انظر حديث رقم: 2961 في صحيح الجامع.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز