الوسائل العملية لكيفية التعامل والاستفادة من التقنية الحديثة

منذ 2015-06-08

فإن كيفية التعامل مع التقنية الحديثة أمر مهم وملح للغاية، فنحن في زمن تشد الحاجة فيه لكيفية ترتبية أنفسنا ومن تَحْتَ أيدينا ليُحسنوا التعامل مع هذه التقنية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لوحدانيته وشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى من بين أنبيائه وإخوانه أمَّا بعد،

فإن كيفية التعامل مع التقنية الحديثة أمر مهم وملح للغاية، فنحن في زمن تشد الحاجة فيه لكيفية ترتبية أنفسنا ومن تَحْتَ أيدينا ليُحسنوا التعامل مع هذه التقنية؛ وقبل طرح الوسائل فلا بد أن نقف مع مفاهيم يجب مراعاتها.

المفهوم الأول، ينبغي النَّظَرُ إلى هذه التقنية بالنَّظْرَةِ الإيجابية، بعيدًا عن النظرة السلبية، وذلك لكي يُستفاد منها ويُفاد، فمن نظر على أنها ضرر كامل، وشرٌ عارم فإنه لن يستفيد منها بل قد يكون ضررها أقرب عليه من نفعها، وذلك لتوجسه وهربه من الاستفادة منها، فتفوته مصالح، ولا يُحسن التخلص من مصائبها.

المفهوم الثاني، ليُعْلَم أن هذه التقنية ما وضعت للإضرار بالإنسان بل لخدمته، وتعليمه، وحفظ وقته، وتسهيل معاملاته، وتقريب البعيد له.

الثالث، هذه التقنية واسعة العطن، بعيدة الجانبين، فهي بحر لا ساحل له، فعلى الإنسان أن يأخذ منها ما يُفيد، ولا يُشغل نفسه بكثرة تتبع الجديد فيها، فجديدها مشغل، والتوغل فيها مضيعة للمال والجهد.

الرابع، إن ثقافة المنع السائدة قديمًا أصبحت في هذا الزمن من المحال، فمن ظن أنه يستطيع الامتناع أو منع من تحت يده من مثل هذا الوسائل والتعامل معها فهو يعيش في غير زمانه، فالحكمة أن يتعرف عليها، ويُحسن استعمالها، ويَتَوَجَّه ويُوَجِّه للإفادة والاستفادة منها.

 

أما الحديث عن الوسائل العملية التي من خلالها نستفيد من هذه التقنية الحديثة، وكيف نستطيع ويستطيع المربي أو المتربي أن يتعامل معها تعاملاً إيجابيًا، فمن خلال ما يلي:

أولاً، التربية على المراقبة، فتربية الإنسان نفسه ومن تحت يده على مراقبة الله، وأن الله يراه، ومطلع على جميع حركاته وسكناته، كان هذا حاملاً له على أن يتقي الله في سمعه وبصره، وفي لسانه وفرجه، وفي يده ورجله، وفي خطراته وهمِّه، فمن يتعامل مع هذا الوسائل بغير تقوى فإنه للوقوع في الغواية أقرب وأقوى، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6]؛ فإذا تذكر العبد أنَّ الله مطلع عليه ومراقب له سلم له دينه، واستفاد منه هذه التقنية

ثانيًا، التحصين والوقاية، فكما قيل: "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، ويكون التحصين والوقاية هنا ببيان خطر التقنية ومضارها، سواءً الدينية، أو الأخلاقية، أو الفكرية، أو الاجتماعية، أو الصحية، فالتحصين يقي بإذن الله تعالى من سوء استخدامها أو يقلل منه، فلا بد من بيان هذه المخاطر والشرور ليتم الحذر منها، وقد أصاب الأول إذ قال:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

فإذا عَرَفَ الجميع بأن هناك من يَسْتَغلُ هذه التقنية لإفساد أخلاقنا وأخلاق أبنائنا وبناتنا، ولتشويه أفكارنا وأفكارهم، وللتشكيك في ديننا بطرح الشُبَهِ والشُبُهَات، كان ذلك حاملاً لأن نُحَذِرَ ونُنْذِر، ونتقي ونَحْذَر، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} [النساء:71]، والله يقول لنبيه صلى عليه وسلم: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49]، فإذا كان المُحَذِّرُ هو الله، والمُحَذَّرُ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بنا نحن؟!! فينبغي أن نحذر الشر والغدر، وأن نكون أهل يقظة وإيمان، لا أهل غفلة وعصيان.

ثالثًا، أن نتعلم ونُعَلِّم من تحت أيدينا آداب وأخلاقيات التعامل مع التقنية، من النية الصالحة، وعدمِ الإفراط في استخدامها، والاستفادةِ من هذه التقنية بما يُفيد، والاحترازِ مِنَ المشاركة في وضع ونقل الأخبارِ الكاذبةِ، واحترامِ آداب المَجْالِسِ والمُجَالسة، وعدم الانشغال بها أثناء قيادة السيارة وخاصة في الزحام، وعدم التساهل والتهاون في استخدامها، إلى غير ذلك؛ فَتَعَلُّمِ آدَابها يَحْمِلُ على حسن الاستفادة منها.

رابعًا، التعرف على كيفية الاستفادة منها، فتكون بسؤال أهل الخبرة، أو بالمشاركة مع المتربي ابتداءً، فيُتَعَرَّفُ على الطريقة المناسبة للتعامل معها، وما هي الطرائق السليمة لحسن استعمالها، وما المواقع النظيفة، والألعاب النقية، وكيف تتقى المواقع الضارة المحظورة، والأماكن الفاسدة، ومن ذلك الاشتراك في برامج آمنة، وتحميلها لحماية المستخدم من التدخل السافر، والمواطن الضارة.

خامسًا، تسخير هذه التقنية فيما يعود بالنفع على الشخص في دينه ودنياه، من الاستفادة منها في التذكير والتنبيه، وترتيب المواعيد وغير ذلك؛ وبما يعود على أمته ومجتمعه بالنفع، فعندما تُستخدم هذه التقنية في نشر الخير، وتعليم الجاهل، وتسهيل بعض معاملات الناس، فكم سيكون فيها من أجر، وكم سيُحاز بسببها من بر.

كم من إنسانٍ سخر هذه التقنية لخدمة دينه وأمته ومجتمعه، فنفع الله به وبها، وأجرى الخير على يديه، وبارك في عمله ودعوته.

ويمكن للمسلم أن يستفيد ويُفيد من هذه التقنية وذلك من خلال الطرائق التالية:

- فتح قناة خاصة وجعل فيها كل مفيد ونافع، فيكون الأجر قائمًا، والصدقة جارية.

- ومنها فتح حساب في مواقع التواصل، فَيَنْشُرُ فيه آيات من القرآن، أو أحاديث لخير الأنام، أو أقول لأئمتنا الكرام، أو فوائد وحكم، ونحو ذلك.

- ومنها فتح حساب في مواقع الصور فيضع فيها لوحات تذكيرية ببعض الأذكار والفضائل، والأدعية والفوائد.

- ومنها فتح مواقع ومنتديات تحتوي على كل نافع ومفيد، والمشاركة فيها.

- ومنها إنشاء مجموعات بريدية، أو مجموعات تواصل عن طريق البرامج الخاصة بذلك ثم تكون بعد ذلك الفائدة منها والإفادة، والتعاون على البر والتقوى.

وليتنبه بأن ما سيكتبه ويقوله العبد سَيُحَاسَبُ عليه،

وما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدهر ماكتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيءٍ *** يسرك في القيامة أن تراه

سادسًا، تحديد وقت للأبناء والبنات عند استخدام وسائل الاتصالات، وخاصة الأطفال والطلاب، فتحديد وقت لاستخدامها ثم تسليمها للوالد أو الوالدة قبل النوم طريقة مهمة للمحافظة على الأبناء والبنات، ويلزمونهم بذلك ليتعودوا عليه.

واحذروا من إبقائها معهم وخاصة قبل النوم لأنها ستشغلهم جزمًا، وقد تكون سببًا لضياعهم، فتؤثر عليهم سلبًا بالسهر، فتؤثر على صحتهم، وعلى أديانهم بضياع صلاتهم، وعلى تحصيلهم بضعف مستواهم في دراستهم؛ وليكن أسلوب تسليمهم لأجهزتهم يحدد بوقت ومن تأخر عنه فيحرم اليوم الآخر من جهازه.

سابعًا، استخدام بعض الأجهزة ذات السرعة البطيئة لمن لا يستفيد منها استفادة جيدة، ففيها اشباع للرغبة، وتقليل من مضار هذه التقنية، فالأجهزة ذات السرعة العالية تُسَهِل الوصول إلى بعض المواقع التي قد تضر ولا تنفع، وتشغل وتفسد.

ثامنًا، المراقبة التي لا يُحس المتربي بفقدها، ولا يشعر بثقلها، ومن ذلك الإطلاع على أجهزة البنين والبنات من باب المشاركة والمتابعة معهم لا من باب التخوين لهم، فالأصل التربية لا التخوين، فإن التخوين إذا دخل بين الآباء وأبنائهم وبناتهم كان ذلك أول طريق الضياع واتساع الهوة بين الآباء وأولادهم.

تاسعًا، المشاركة فيما يُمكن المشاركة فيه من الأجهزة، فمثلاً بعض الأجهزة المحمولة واللوحية لا يشترط أن يملك كل واحد من الأبناء والبنات جهازًا خاصًا به لوحده، بل الأفضل أن يتشارك بعض الأبناء في جهاز وكذلك البنات، وهذا المشاركة لها فوائد منها:

- أن كلاً منهما ينبه الآخر إذا زلَّ أو أخطأ.

- تربيتهم على الإيثار، وذلك عند تقديم رغبة أخيه على رغبته.

- المحافظة على صحتهم، لأن الاستخدام المستمر لهذه الأجهزة يكون سببًا لكثير من الأمراض من تأثير على العقل، وتلف لخلايا المخ، وضعف للبصر، وآلام الرقبة، والعمود الفقري، ومفاصل اليدين، وغيرها.

عاشرًا، عدم التساهل والتهاون في الخطأ إذا حصل، فعلاجه في أول أمره أسهل من علاجه إذا تأصل واستقر، فإذا لاحظت مخالفة شريعة، أو أخلاقية فعالجها بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن تمت المعالجة، وإلا فقطع سُبُل الشر أولى من تركها.

آخر هذه الوسائل، الدعاء، فلا تُغفلوا الدعاء لأنفسكم ولا لأبنائكم، واعلموا أن الدعاء يحفظ ويمنع، ويرفع ويضع، ويقرب ويبعد، فأكثروا من الدعاء لأنفسكم وذرياتكم، خُصُّوهم في صلاتكم بالدعاء بأن يحفظ الله عليهم دينهم وأخلاقهم، ويمنعهم من مساوئ الخلاق ورديء الفعال والأقول، فهذا أبو الأنبياء إبراهيمُ عليه السلام مع أنه نبي والله يحفظ الأنبياء في ذرياتهم المسلمة إلا أنه لم يُغْفِلْ الدعاء لنفسه وولده فكان من دعائه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} [إبراهيم:40].

ختاماً، ينبغي لكل مسلم أن يعلم أنه سيقف موقفًا عظيمًا بين يدي الله، وسَيُسائله عن كل ما اقترفه بصره وسمعه ويداه، وسيكون الجواب في ذلك اليوم منها، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]؛ {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:21]؛ ألا فليحذر المسلم من هذه التقنية، وإن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن، وعصم من الزلل، فأي فتنة يعتقد المسلم أن دخولها عليه من هذه التقنية فيجب عليه اجتنابها، وإن كانت من الشبهات فاجتنابها أولى وأحرى، «فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ» (متفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه).

اللهم فاجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح ذرياتنا، واحفظنا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وجنبنا جميعًا مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربنا ونحن عبيدك، ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

اللهم واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنَّا سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، نحن بك وإليك تباركت وتعاليت نستغفرك ونتوب إليك {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180-182].

المصدر: الموقع الرسمي للشيخ