في بلد أخبروني أنه بلدي!
في بلد أخبروني أنه بلدي! تكتسي الفصول الأربعة حلة واحدة لا تتغير، ليس تزهدًا بل لأنهم هكذا أرادوه، في بلدي الصيف حار، والشتاء حار، وما بينهما لا يملك إلا أن يكون كذلك..
في بلد أخبروني أنه بلدي! الأحلام والدخان فيه سواء، كلاهما نابع من اللهب، كلاهما لا تدركه الأطراف، ولا سبيل للمسه كلاهما عنوان للسواد، كلاهما قصير الحياة، كلاهما يكتمان أنفاس الناس، ويملآن البواطن بالفراغ..
في بلد أخبروني أنه بلدي! تكتسي الفصول الأربعة حلة واحدة لا تتغير، ليس تزهدًا بل لأنهم هكذا أرادوه، في بلدي الصيف حار، والشتاء حار، وما بينهما لا يملك إلا أن يكون كذلك..
في بلد أخبروني أنه بلدي! لا تعاقب لليل والنهار، فحتى شمس الصباح تطل في خجل قاهر ترمي بألسنة ظلامها.
في بلد أخبروني أنه بلدي! لا يحذق الناس سوى انتظار الفجر الذي تخدعنا الديكة كل يوم بقدومه، وهو الذي لم يأت، تعلم الناس في بلدي انتظار عربات الحياة على حاشيتي الوجود، عل القدر يهبهم إحدى فلتات زمانه بأمر من خالقه، ويمن عليهم بركوب الحياة والمضي إلى الأمام دون توقف، وبلا مكابح..
في بلد أخبروني أنه بلدي! نظن أننا ننادي الفجر والحال أنه هو الذي يفعل، يستنجد بنا لرفعه من دهاليز الصمت وغياهب الخنوع، لكن لا أحد يسمعه فكل الآذان مشغولة بلا شيء، مشغولة بالعدم.
في بلد أخبروني أنه بلدي! الأموات والأحياء فيه سواء، إلا في الشقاء، فالأموات أخذوا نصيبهم وغادروا ليتركوا الباقين يسبحون في محيط الصعوبات، متأرجحين فوق خيوط المكان والزمان، من غير استطاعة على الثبات أو الاتزان، الأحياء في بلدي مطالبون بالتدرب على الموت حتى يتقنوه، وإن أتقنوه رافقوه.
في بلد أخبروني أنه بلدي! قيم التقدم والارتقاء جوفاء، ليس لها إلا مبناها، أما المعنى فهو مطرود مغضوب عليه لتجد الحناجر تنعق، لكن الأيادي منشغلة بالفراغ والعطالة، الجميع هنا يمتهن الهدم، الجميع يسير إلى الخلف دون الالتفات، الجميع يعيش من الفتات وكالفتات!
في بلد أخبروني أنه بلدي! الكل يمارس الخيانة إلا البؤس، الكل متقلب الحال إلا اليأس، فهما يعتليان ظهر الحياة مع جميع الناس ولم يسبق أن فارقوهم!
إحسان مغزاوي
باحث شرعي من جامعة الزيتونة
- التصنيف: