رمضانك ربيعك - (4) كيف تدير نومك؟
يمر النائم بـ3 مراحل في المتوسط، المرحلة الأولى تستغرق حوالي 10 ق، والثانية 20 ق، والثالثة وهي النوم العميق، من مجموع المراحل الثلاثة تتكون (دورة النوم الكاملة)، وتستغرق حوالي 90 دقيقة أي ساعة ونصف، فإذا ضبطت المنبه أو حاولت النهوض قبل إتمام تلك الدورة، أو في منتصف دورة جديدة، هنا تبدأ صعوبات التنبه..
ليمكنك تعديل نظام نومك ليكون متسقًا إيمانيًا مع روحك ينبغي فهم جانبيه الفيزيائي والروحي كذلك ثم البناء العملي على ذلك..
لماذا خلقنا الله قابلين للنوم؟ بل لماذا أوجد الله النوم بداية؟
1- لأن النوم آية من آيات الله تعالى ودليل من دلائل ملكه وسلطانه، فهو وحده سبحانه لا تأخذه سِنة –أي غفوة، ولا نوم-، أما كل المخلوقات فلا بد لها من الخضوع لسلطانه آخر المطاف مهما قاومت، فتبارك الله رب العالمين.
2- النوم أراده الله لعباده رحمة، ليسبتوا أي يسكنوا، فبهذه السكينة تتجدد طاقتهم تلقائيًا لتعينهم على المعاش والنشور إذا كتب الله لهم أنفاسًا بعده، فهو عون على العزم والسعي لا مقعد عنهما.
3- وهو موت أصغر ترقى فيه الروح لبارئها، فإن كانت روحًا مؤمنة فنومها روضة وعبادة، لذلك لم يكن بِدعًا أن كانت له إعدادات وأذكار مخصوصة، فهو في حقيقة الأمر إعداد للقاء مصغر بالله، مع الأسف لا نستشعره ولا نستحضره، تذكرة ليوم نوم لا نشور بعده ولا حياة حتى قيام الساعة.
فهم هذه الجوانب الثلاثة للنوم كما أراده موجده تبارك وتعالى، يجلي التصورات الخاطئة له والتي أكثرها شيوعًا أنه عدد ساعات محددة، من قل عنها أو تجاوزها لا يؤتى ثمارها، فإننا لنعلم من سير العلماء والأئمة من كانوا لا ينامون الثماني أو التسع ساعات التي أقرتها منظمات الصحة، وكانوا أوفر أبدانًا وصحة وأيقظ عقولا وأصفى نفوسًا على قلة نومهم، بل إن الله تعالى يصف المقربين بأنهم كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون، ذلك أن ثمار النوم من الراحة والنشاط هما في الأصل بركة وهبة من الله تعالى، لمن صدق استجلابها..
وذلك يكون بـ:
– اتباع هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام وسننه : من الوضوء قبله وقراءة أوراد النوم من سورة الملك والكافرون والمعوذات وكافة الأذكار، ثم النوم على الشق الأيمن، واستحضار دعاء التقلب في الفراش لمن يتنبه ليلاً، الذي ينام وقلبه معلق بالله لا يستوي في المردود ومن ينام قلبه معلق بالوسادة ومعاشه في اليوم التالي!
– ومن جهة أخرى، لا بد من الأخذ بالأسباب الفيزيائية كما الروحية، تعبدًا لله تعالى في الحالتين، فإن الله تعالى ما جعل أمرًا إلا وله سبب من أخذ به يرجى له التوفيق والسداد بإذن الله تعالى.
والفهم الفيزيائي لضبط النوم يتجلى على النحو التالي:
يمر النائم بـ3 مراحل في المتوسط، المرحلة الأولى تستغرق حوالي 10 ق، والثانية 20 ق، والثالثة وهي النوم العميق، من مجموع المراحل الثلاثة تتكون (دورة النوم الكاملة)، وتستغرق حوالي 90 دقيقة أي ساعة ونصف، فإذا ضبطت المنبه أو حاولت النهوض قبل إتمام تلك الدورة، أو في منتصف دورة جديدة، هنا تبدأ صعوبات التنبه..
فلذلك يفيد أن تتنبه لضبط مواعيدك بحيث يكون عدد ساعات نومك موافقًا لنهاية دورة كاملة، ومدة النوم السوية لأداء حق الجسم واحتياجه، تعني تكرار الدورة الكاملة بدءًا من 3 مرات أو 4 كحد أدنى وصولاً إلى 6 أو 7 كحد أعلى، أي بمعدل (1.5 دورة نوم كاملة × 3 مرات = 4.5) كحد أدنى لمدة نوم متصلة يمكنك الاستيقاظ بعدها، وبالتالي إذا نمت مثلا 5 ساعات فكأنك تنهض من بعد بداية دورة نوم خامسة، فإما أن تحسب ساعات النوم المتصلة 4.5 أو 6 ساعات.
هذا يفيد في إمكانية تقسيم وقت نومك على فترتين بدل فترة واحدة بالذات في رمضان، فلا تضطر للسهر المتواصل الذي يجور على صفاء القيام والفجر وأوارد النهار، أو ضبطه على فترة واحدة متكاملة في غير رمضان من أول الليل حتى قبيل آخره، فإذا نمت في أول الليل مثلا (3 ساعات)، هذا معناه أنك حصلت على دورتي نوم (كل واحدة 1.5 س) من أصل 6 دورات هي حق جسمك عليك..
يتبقى لك (3 دورات نوم= 1.5 × 3= 4.5 ساعة) يمكنك أن تنامها بعد الضحى أو في القيلولة وهكذا، كذلك إذا شئت أن تقيل قبيل الظهر أو بعده، فلتكن قيلولتك في حدود 30 ق حتى ساعة ولا تزد عن الساعة والنصف إذا كنت ممن ينامون فترة واحدة.
جرب وسجل وتتبع عادات نومك:
المراد بكل هذا الترقيم هو (المعاونة) على ضبط ساعتك البيولوجية، لكن في الأمر مرونة إلى حد معتبر بحسب حال كل جسم وطبيعة نشاطك، لذلك استعن بهذه المعرفة في تسجيل عادات نومك وتتبعها، كم ساعة متصلة تحتاجها لنوم يمكنك الجلوس فترة بعده؟ وفي مقابل كم ساعة نوم تحصل على كم ساعة يقظة تقريبا؟ وما أكثر الأوقات التي تخمل فيها؟ هل هي مرتبطة بطول اليقظة أم بكثرة الأكل، أم بركود الهواء حولك؟ فليس كل خمول هو دعوة للنوم بل ربما يكفي تجديد النشاط بتمشية أو عمل ما، وأعط نفسك مهلة أسبوع تجرب وتوازن بين مختلف الطرق.
اجتهد أن تكوّن نظام نوم ثابت يصلح لغالب نظام حياتك، والعبرة فيه بأن يكون معينًا لك على اليقظة والصفاء الذهني، سواء اتصلت مدته أم انفصلت، واجتهد أن تداوم عليه حين توفق إليه، فتنام في موعدك وتستيقظ في موعدك ولو في إجازة، ويمكن أن تجعل لك يومًا كل أسبوعين تنام فيه بغير ضبط منبه، وتترك لجسمك النهوض متى استراح، فهذا مما يجدد النشاط ويعوض نواقص نوم متراكمة، وحين تغمر اليقظة والتنبه نظام حياتك بأكمله، ستجد نفسك تستيقظ تلقائيًا مع الوقت بدون منبه خارجي، خاصة لو أنك ممن يتبعون الهدي النبوي من النوم المبكر والاستيقاظ المبكر، والقيلولة بينهما.
أفضل أوقات النوم من الهدي النبوي:
نصف الليل الأول من بعد العشاء: يعين على قيام الثلث الأخير والذكر بعد الفجر.
فعن أبي برزة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها"، القيلولة بين الظهر والعصر، أو من الضحى -ارتفاع الشمس على حوالي س 10- حتى الظهر.
أوقات مكروهة للنوم وعديمة البركة فيه:
بعد صلاة الفجر مباشرة: وقت تقسيم الأرزاق وأوراد النهار.
قال ابن القيم: "المكروه عندهم -أي الفقهاء- النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم وحلول البركة ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر".
بعد صلاة العصر: كرهه أهل العلم من الناحية الطبية، ولأنه وقت الدعاء المستجاب وأوراد المساء، لكن لم يرد في كراهته مانع شرعي، بين المغرب والعشاء: وقت إحياء ما بين الصلاتين بالنوافل والذكر.. وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
والله الموفق والمستعان.
هدى عبد الرحمن النمر
كاتبة وأديبة ومترجمة ومحاضِرة ، في مجالات اللغة والأدب والفكر والتعليم مدونة الكاتبة : https://hmisk.wordpress.com/
- التصنيف: