لا يكن هم أحدكم آخر السورة
تأمل حال السلف مع تدبر القرآن:
قال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: "إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين"، فقال ابن عباس: "لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلاً ولا بد، فاقرأ قراءة تسمع أذنيك، ويعيها قلبك".
قال ابن مسعود: "لا تهذوا القرآن هذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة"، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: دخلت علي امرأة وأنا أقرأ (سورة هود) فقالت: يا عبد الرحمن: هكذا تقرأ سورة هود؟! والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها" (انظر زاد المعاد).
قلت: وهكذا كان السلف مع القرآن قراءة وتفكرًا وتدبرًا وعلمًا وعملاً، ولا يتجاوزون الآية حتى يعملوا بها، وثبت أن عائشة ظلت تقرأ آيه ترددها من سورة الطور: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27-28]، حتى أتى عروة لحاجة عندها، فلما يأس من الوقوف على بابها انصرف وذهب إلى السوق، ثم مكث فيه مدة فلما رجع إليها مرة أخرى وجدها تكرر نفس الآية، ولها في النبي أسوة صلى الله عليه وسلم لما قام الليل يرد آية من القرآن {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118].
فاللهم أيقظنا من رقدات الغفلة وعرفنا شرف أوقات العمر.
أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي
باحث شرعي - داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية
- التصنيف: