قلوب الآخرين، الغنيمة الباردة

منذ 2015-08-19

امتلاك قلوب الآخرين ليس بالأمر السهل، فغالباً ما يكون محفوفًا بالصعوبات، لأن الناس محبون لذواتهم بالفطرة، وهذا الحب يجعلهم يهتمون بها أكثر من أي شيء آخر، كما أنهم يتوقعون أن يمنحهم الآخرون اهتمامًا يوازي هذا الاعتناء الذاتي، ولحل هذه المعادلة الصعبة في فن اكتساب حب الآخرين وفي نفس الوقت إشعارهم بحبنا لهم، لابد من مراعاة عددًا من القواعد والفنون في توصيل الرسالة بطريقة فعالة.

بسم الله الرحمن الرحيم

امتلاك قلوب الآخرين ليس بالأمر السهل، فغالباً ما يكون محفوفًا بالصعوبات، لأن الناس محبون لذواتهم بالفطرة، وهذا الحب يجعلهم يهتمون بها أكثر من أي شيء آخر، كما أنهم يتوقعون أن يمنحهم الآخرون اهتمامًا يوازي هذا الاعتناء الذاتي، ولحل هذه المعادلة الصعبة في فن اكتساب حب الآخرين وفي نفس الوقت إشعارهم بحبنا لهم، لابد من مراعاة عددًا من القواعد والفنون في توصيل الرسالة بطريقة فعالة. 

الاهتمام الزائد والحفاوة 

لدى الاتصال الأول يبحث الآخر عما في جعبتك، ويتساءل من فوره عما لديك من أمور مهمة تقترحها عليه يمكنه الاستفادة منها. لذلك تبقى أول قاعدة ينبغي إتباعها في كسب قلوب الناس: التفكير دوماً بالآخرين قبل التفكير في نفسك، تذكر تواريخ ميلادهم، وسائر مواعيد مناسباتهم الشخصية مثل أعيادهم وأفراحهم وأحداث شفائهم ومرضهم وزواجهم .. وكذا الرد على الهاتف بطريقة ودية، مع إظهار الابتهاج في الحديث، والاهتمام باهتماماتهم في مجال هواياتهم وطموحاتهم .. فالإنسان الذي لا يهتم بالآخرين سيعاني من مصاعب الوحدة، والمرء يستطيع كسب اهتمام وتعاون أشهر الناس عن طريق تقديم اهتمامه الشديد به أولاً.

الطريق المختصر لقلب الآخر يكمن في التطرق لكل الأشياء التي يعتز بها، وبالتالي فإن لم تكتشف ما الذي يثير اهتمام وحماسة رفيقك وجليسك منذ البداية لما استطعت كسب مودته أو تحقيق غايتك في احتوائه .. فطبيعة النفس البشرية تحب الاستماع للأشياء التي تعتز بها، وهي أقرب طريق لإثارة اهتمام الرفاق.

ومما يسهل من مهمتك أنه لا بد أن تقنع نفسك أولاً بأن كل الناس مهمون، لأن أكثر الأشخاص قدرة على التأثير في الآخرين هم أولئك الذين يؤمنون بأهمية المخالطين من حولهم.  

الانطباع الجيد

من الضروري أن نعطي الناس انطباعاً جيدًا وسريعاً عن أنفسنا، وإلا فإننا نخاطر بتجاهلنا وعدم اكتراث الآخرين بنا، وبالتالي الخروج من قلوبهم بدلاً من النفاذ إليها والتربع على عرشها، ويتحقق هذا الانطباع من خلال: 
- تبادل التحية وإفشاء السلام.  
- بشاشة الوجه وإرسال نظرات دافئة وودودة مشبعة بالتقدير. 
- انتقاء الكلمات واستخدام العبارات المحببة لأنفسهم. 
- تقليل المزاح، لأنه ليس مقبولاً عند كل الناس، وقد يكون مزاحك ثقيلاً فتفقد من خلاله من تحب، بل عليك اختيار الوقت المناسب للمزاح إن أردت أن تتبسط مع رفاقك. 
- الابتعاد عن التكلف في الكلام والتصرفات والادعاء بما ليس لديك، فاحترام عقلية من أمامك يفتح مصراعي قلبه لمحبتك. 
- تجنب الإلحاح في طلب حاجتك والابتعاد عن الثرثرة والغيبة والنميمة.  

لكن ذلك كله يبقى رهنا بتقييمك لنفسك، فإذا كنت ترى نفسك فاشلاً، فهذا يعني أن الناس سيعتبرونك فاشلاً، ويتعاملون معك على هذا الأساس. 

استمع باهتمام 

يذكر الدكتور (على الحمادي) هذه الطريقة الرائعة في كسب الآخرين تحت عنوان (لا تفعل شيئاً) فيقول: لا تفعل شيئاً .. لا تتعجب كثيراً من هذه الطريقة، فإنها طريقة ناجحة ومجربة وقد تم دراستها فوجدوا لها الأثر العظيم في توطيد العلاقات بين الناس .. نعم لا تفعل شيئًا، كل ما عليك أن تنصت للآخرين وتستمع إليهم وتترك لهم الفرصة في الحديث والكلام واستفراغ ما في صدورهم والتنفيس عما في نفوسهم .. تقول مجلة (ريدرز دايجست): "إن أكثر الناس يستدعون الطبيب لا ليفحصهم، بل ليستمع لهم".

عندما يتحدث الآخرون، دعهم يعبرون عن أفكارهم، وأرائهم، ومشاعرهم، ولا تكتف بمجرد منحهم فرصة كي يتحدثوا، بل استمع لما يقولون وكن منتبهاً لهم، وحاول أن تفهم ما يقولونه. 

ليس لزاماً عليك أن توافقهم في آرائهم. بل إن اتفاقك أو عدم اتفاقك في الرأي معهم يجب أن يطرح جانباً، ويبقى بعيداً عن النقطة الأساسية التي تتناولها. فلا تعبر عن آرائك أو أحاسيسك بينما يتحدث شخص آخر عن أرائه ومشاعره. 

استمع دون التربص لفرصة كي تتحدث، أو تنقض على الشخص الآخر، أو تصحح أخطاءه .. استمع في صمت حقيقي، فذلك لن يقتلك، فالجميع يتفقون على أن المستمع الجيد شخص ذكي. 

كما أنك لست في حاجة لإقناع الآخرين دوماً بوجه نظرك، فقط حاول أن تستوعب ما يقولونه، وإن لم تستطع، يمكنك حينئذ أن تسأل المتحدث: هل يمكنك أن تشرح لي هذا؟ أو ماذا تعني بالضبط؟ .. لكن لا تطرح رأيك بينما يتحدث الآخرون، فقط دع لهم الفرصة كي يتحدثوا. 

أيضاً المستمع الجيد يستطيع سماع الأفكار غير الشفهية. لذا فحينما ينتهي المتكلم من الحديث اذكر له تلك الفكرة الداخلية التي راودتك أثناء حديثه .. حينئذ سيشعر المتحدث أنك سمعته باهتمام وفهمت جيدًا ما يقول، فيعبر لك عن تقديره وامتنانه لاهتمامك به وتجاوبك معه.  

العطاء والبذل 

حاول أن تكون دومًا متعاوناً مع الآخرين في حدود مقدرتك وبدون توقع مقابل، وعندما يطلب منك أحدهم مساعدة ما ابتعد عن الفضول وإعطاء الأوامر، فهو سلوك منفر .. أعط كل ذي حق حقه. أغث الملهوف. أعن المكروب. قم على حوائج الناس، فالمحبة عطاء بالدرجة الأولى.

وما أجمل أن تمنح الآخرين من الأشياء أكثر مما يتوقعون. فإذا اقترحت -مثلاً- على زميلك في العمل ألا تستخدما سوى سيارة واحدة للذهاب يومياً إلى العمل، فاحرص على أن تستقل سيارتك في أغلب الأوقات الممكنة. 

صفوان بن أمية فر يوم فتح مكة خوفاً من المسلمين، بعد أن استنفذ كل جهوده في الصد عن الإسلام والكيد والتآمر لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعطيه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمان، ويرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت بالخيار فيه أربعة أشهر»، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين والطائف كافراً، وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في الغنائم رأى صفوان يطيل النظر إلى وادٍ قد امتلأ نعماً وشاء ورعاء. فجعل عليه الصلاة والسلام يرمقه، ثم قال له: «يعجبك هذا يا أبا وهب؟» قال: "نعم"، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هو لك وما فيه» فقال صفوان عندها: "ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله".

الهدية

الهدية لها تأثير عجيب .. فهي تأخذ بمجامع السمع والبصر والقلب، وما يفعله الناس من تبادل الهدايا في المناسبات وغيرها أمراً محموداً بل ومندوباً إليه على أن لا يكلف نفسه إلا وسعها، قال إبراهيم الزهري: خرّجت لأبي جائزته فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته ففعلت، فقال لي: "تذكّر هل بقي أحد أغفلناه؟" قلت: "لا"، قال: "بلى، رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً صفته كذا وكذا .. أكتب له عشرة دنانير". 

لا تقف في طابور أصحاب النصائح

• انصح المقصر بلباقة ولين وتلطف وبدون إلحاح، فتكرار النصح يدفع للعناد. 
• تفنن في تقديم النصيحة سرا ولا تجعلها فضيحة. 
• ركز على نقد العمل وليس صانعه، وأن يتضمن النقد تقديم الحلول كي لا يكون نقدا سلبيا بلا هدف.
• تجنب تصيد عيوب الآخرين، وانشغل بإصلاح عيوبك. 
• من الطبيعي أن تصادف رأياً معارضًا لك، فإياك أن تواجه بالتهديد والوعيد والسخرية، وإنما يحتاج الأمر إلى الاستماع والإصغاء الجيد لما يعرض الطرف الآخر من وجهة نظره، ولا تقاطعه أثناء عرضه، وأعد عليه بعض النقاط التي قام بعرضها، وإذا انتهى اسأله إذا كان هناك ما يحب أن يضيفه، واجعله يشعر بأنك مهتم بوجه نظره تمامًا ومنغمس معه في قضيته التي يطرحها.

ثم بعد ذلك ادرس كل النقاط التي عرضها، وستجد بها بعضًا من النقاط يمكن أن تلتقي فيها معه، فاعترف بها وسلم بصحتها، وإن وجدت أن جميع ما يعرضه غير صحيح، وافقه على بعض النقاط البسيطة وغير المهمة، وعندها سيصبح لديه ميل أكثر للتسليم بوجه نظرك، وعندما تعرض وجهة نظرك كن هادئاً ولا تنفعل، ولا تهدد ولا تلوح باستخدام القوة، وإذا قمت بتغيير وجهة نظر الطرف الآخر دعه يحفظ ماء وجهه ولا تحرجه، وإلا سيصاب بالعناد، ويرتد إلى وجهة نظره القديمة.  

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز