هل سنصلي في الأقصى يومًا؟

منذ 2015-09-30

ستظل فلسطين والمسجد الأقصى الحلم الذي يراود المسلمين جميعًا، فهل سنصلي فيه يومًا ما؟

تظل فلسطين وفي قلبها المسجد الاقصى الحُلم الذي يُراود الإسلاميين والقوميين منذ عام 1948م، ولا يزال حتى اليوم يحتل مكانة كبيرة في نفوسهم وأدبياتهم، ولقد كنتُ أعجبُ كثيراً من هذا الشغف وهذه الرغبة الصادقة في تحرير فلسطين من المُحتل الإسرائيلي؛ على الرغم من أن الاسلاميين والقوميين لا يجدون الحرية في أوطانهم! وكان من الأولى لهم التفكير في تحرير أوطانهم من الديكتاتوريات الحاكمة قبل التفكير في تحرير فلسطين!

ثم مع بداية هبوب رياح التغيير في المنطقة في عام 2011م بدأت الحقيقة تتضح شيئاً فشيئاً، وبدأ السعي لتحرير الدول العربية من الطغيان الداخلي أولاً؛ وهو الهدف الذي فشلت في تحقيقه الشعوب حتى الآن وسيتطلب عدة سنين إن لم تكن عقود حتى تصل الشعوب العربية إلى حريتها، إن قُدر لها ذلك.

وبالعودة للأقصى، واسترجاع تاريخه في القرن الماضي؛ نجد المحاولات المستمرة والمدروسة من الدولة المحتلة في عزل المسجد الاقصى والقدس بشكل عام من محيطهما العربي والاسلامي، و تجلت محاولاتها الحثيثة على مدى العقود الماضية في صبغ هويتهما بالصبغة اليهودية.

بدأت الدولة المُحتلة -وإن كانت المُحاولة على شكل فردي- بصدمة حرق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969م، والمشاركة الضمنية بتأخير وصول عربات الإطفاء وقطع المياه عن المسجد مما أدى إلى حرق أجزاء تاريخية منه؛ منها على سبيل المثال: منبر صلاح الدين الأيوبي والذي تم صُنعه قبل فتح الأقصى على يد صلاح الدين ويُعد علامة تاريخية على ذلك النصر.

كان رد الفعل آنذاك في العالم الاسلامي ضخماً جداً، على شكل مظاهرات عمَّت الدول الاسلامية ودفعت بحُكَّامها آنذاك لعمل أول مؤتمر إسلامي يكاد يكون الغرض منه إرضاء وإسكات الشعوب العربية والإسلامية أكثر منه عملاً حقيقياً للحفاظ على الأقصى.

ولا نغفل ارتباط هذا الحدث بانتصار الدولة الصهيونية الساحق في عام 1967م وسيطرتها على القدس لأول مرة في التاريخ، بعد أن كانت القدس تحت حكم الأردن. ومنذ ذلك الحين بدأ تقسيم القدس، وإنشاء الكيانات الإستيطانية من أجل تغيير التركيبة السكانية للقدس، وبدأت زيارة اليهود للمسجد الأقصى، و تقسيم المسجد الأقصى؛ بحيث أصبح حائط البراق ملكاً لليهود تحت مُسمى حائط المبكى. وتتوالى الانتهاكات بعد ذلك بأعمال الحفر والتنقيب تحت المسجد بدعوى البحث عن بقايا ما يسمى بهيكل سليمان؛ مما أدى إلى حدوث انهيارات أرضية ببعض أجزائه كباب المغاربة، ثم تأتي بعد ذلك زيارات المتطرفين من السياسيين اليهود؛ كآريل شارون في عام 2000 في حضور مئات الجنود؛ مما فجَّر غضب الفلسطينيين والعالم الإسلامي في صورة انتفاضة جديدة أو كزيارة وزير الإسكان -الصهيوني المتطرف- أوري أرينيل في عام 2014 وما نتج عنها من إشتباكات بين الشبان الفلسطينيين والقوات المحتلة.

ثم و في عام 2014م أيضًا يبدأ التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى، حيث بموجب قانون تم إصداره يتيح إقامة الشعائر اليهودية ثلاث مرات يومياً في المسجد، ومنع الأذان خلال الأعياد اليهودية، وعقوبة إبعاد من المسجد والغرامة المالية لكل من يتصدى لدخول المستوطنين اليهود لأداء صلواتهم، و تحديد أعمار المصلين في المسجد الأقصى؛ بحيث يتم منع الشباب أو من دون الخمسين من الصلاة، أو منع الفلسطينيين من سكان غزة من الوصول للأقصى.

من كل ماسبق يتبين لنا أن هناك خطة مدروسة من الجانب الصهيوني لعزل الأقصى عن الوجدان المسلم، و فرض حقائق على أرض الواقع. وفي ظل انشغال العرب والمسلمين بحروبهم ونزاعاتهم الداخلية، وفي ظل تعاون وثيق سياسي واقتصادي وأمني -سواء كان مباشراً أو غير مباشر- بين حكام الكيان الصهيوني و حكام وأمراء الدول العربية والإسلامية؛ تصبح مقاومة هذا المشروع الصهيوني صعبة إن لم تكن مستحيلة، ويكاد يصبح الهدف من هذه المقاومة هو تأخير تنفيذ هذا المشروع الصهيوني أكثر من منعه.

وبالعودة للوراء مرة أخرى لننظر كيف كان تعامل الدول العربية مع التهديدات التي يواجهها المسجد الأقصى؛ نلاحظ أنه كان يتم منع العرب و المسلمين من الذهاب إلى فلسطين أو الأقصى بدعوى أن ذلك من باب التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويا لها من حجة! أقل ما توصف به هي السذاجة؛ فهدف إسرائيل هو أن يصبح الأقصى يهودياً، ولن يصبح كذلك حتى يعتزله المسلمون ويقاطعوه، وكان أولَى لمُدعي الثقافة والوطنية والقومية وما إلى ذلك من المصطلحات أن يدفعوا الناس دفعاً لزيارة الأقصى والصلاة فيه، تأكيداً على هويته الإسلامية، ودعماً للفلسطينين، و إيصالاً لرسالة واضحة المضمون لكل من تُسول له نفسه من الكيان الصهيوني محاولة تدميره؛ بأن المسجد الأقصى في قلوب وعقول ملايين المسلمين.

وقد أفتى كثيرٌ من العلماء بجواز الذهاب لفلسطين والصلاة في المسجد الأقصى حتى وإن كان تحت الاحتلال؛ فهو أول القبلتين، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا يُشد الرحال إلا إليها -كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام- وقد قام الرسول وصحبه الكرام بأداء العمرة في الحرم المكي وهو تحت سيطرة الكفار، ولم يُسمَّ تطبيعاً؛ بل كان دافعاً في اتجاه تحريره من وثن الكفار. فدعونا نتخيل مثلاً أننا في المسجد الأقصى، ونرى جنود الإحتلال يمنعون الأذان، أو المستوطنين يؤدون تراتيلهم أو يلعبون –كما يحلوا لهم أحياناً– في باحة الأقصى، أو قيام المستوطنين بإهانة المصلين. تخيل أنك ترى هذا رأي العين! أو تخيل أنك ترى مكان معراج الرسول أو قبة الصخرة أو حائط البراق، ثم تخيل مقدار رغبتك في تحريره بعد ذلك أو مقدار كراهيتك للمحتلين هل تزيد أم تقل؟

أما نحن اليوم فقد تركناه فريسة لليهود؛ إلا قلة من المرابطيين الفلسطينيين الشجعان الذين يدفعون حياتهم وحريتهم فداءاً له؛ بل فعلنا الأسوأ من ذلك؛ فقد منعنا المسلمين والعرب من الذهاب إلى هناك، واتهمنا كل من يحاول ذلك بالعمالة والتطبيع وغير ذلك من الاتهامات الساذجة التي تعبر عن ضحالة في الفكر وسطحية في الرؤية. ولنتذكر مثلاً ما حدث في عام 2010؛ عندما حاول أحد شيوخ السعودية زيارة فلسطين وعدم إتمامه لرحلته بعد أن كان في الأردن نتيجة قيام لجان ما يُسمى بمقاومة التطبيع بانتقاده، غير مُدركين الهدية العظيمة التي يُهدونها للمحتلين الصهاينة. فهؤلاء أنا أعتبرهم شركاء في هدم الأقصى، وإن كانوا حسنوا النية؛ وكما القاتل بالخطأ عليه الديّة، فهم عليهم وزرهم مِن عَزْلِ الأقصى.

وأنا هاهنا أدعو كل حر وكل من له القدرة أن يزور فلسطين وأن يُصلي في الأقصى فليفعل؛ فإن لم تكن بنية تحريره ودعم المُرابطين فيه فلتكن بنية الإقتداء بسُّنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ فلعل يومٌ يأتي لا نجد فيه أقصانا، ونتمنى لو كُنا حتى التقطنا معه صورةً للذكرى كما يفعل الكثير من الفلسطينيين اليوم بتخليد ذكراهم معه خشيةَ أن لا يجدوه يوماً ما.

 

أحمد فرج عبد المقصود.

المصدر: موقع ساسة بوست