شبكات التواصل تحاصرنا
الإنسان مدنيٌّ بطبعه فلا حياة له إلا بالتواصل مع بني جنسه، وخلافُ هذا هو خروج عن الطبيعة البشرية، وقد عهد الناس عبر تاريخهم البشري أوجهاً من التواصل بينهم عبر قنواتٍ عدَّة، غالبها يعتمد على المباشرة والمعرفة الشخصية التي لها أسبابها المعهودة من الاشتراك في بلد أو قبيلة أو عرق أو عمل أو حرفة، أو غير ذلك
الإنسان مدنيٌّ بطبعه فلا حياة له إلا بالتواصل مع بني جنسه، وخلافُ هذا هو خروج عن الطبيعة البشرية، وقد عهد الناس عبر تاريخهم البشري أوجهاً من التواصل بينهم عبر قنواتٍ عدَّة، غالبها يعتمد على المباشرة والمعرفة الشخصية التي لها أسبابها المعهودة من الاشتراك في بلد أو قبيلة أو عرق أو عمل أو حرفة، أو غير ذلك، وفي كثير من الأحيان قد يفرضُ ذلك ألواناً من التواصل الاضطراريِّ الذي لا يتمكن المرء من تفاديه والنأي عنه حتى قيل في هذا النوع من التواصل المكروه المفروض:
ومن نكد الدُّنيا على الحرِّ أن يرى***عدوَّاً له ما من صداقته بدٌّ
وقد أتاحت التقنية الحديثة وثورة الاتصالات أنماطاً من التَّواصل لم يكن للناس بها عهد ولا معرفة، أتاحت لكلِّ راغب أن يُشَّكل ما يشاء من الصلات في عالم افتراضيٍّ متنوِّع، لا يحدُّه مكان ولا زمان ولا جنس ولا سن، في تواصل عالميٍّ واسع الانتشار، استوعب العالم بكل ما فيه، كما استوعب جميع أوجه التواصل، سواءٌ أمان عبر الكلمة كما في تويتر والفيس بوك، أمعبر الصوت والصورة كما في برنامج الكيك، أوعبر الصور الفوتغرافية التي ينتقيها المشاركون أو يلتقطونها كما في برنامج إنستغرام ، وبهذا تكون شبكات التواصل الاجتماعيُّ قد استوعبت كل أوجه التواصل الممكنة بين الناس.
وكل هذه الأنواع من التواصل الاجتماعي، أحدثت نُقلة في حياة كثير من الناس، فصار الاشتغال بهذه الشبكات بأنواعها في الحياة اليومية لكثير من الناس على اختلاف أعمارهم واهتماماتهم ومستوياتهم التعليمية.
بل إنك ترى هذا العالم الافتراضيَّ يحاصر العالم الحقيقيَّ، حتى يخنقه أو يكاد.
وقد توالت الدراسات والتوصيات في ترشيد هذا التواصل لجني ثماره وتوقِّي عِثاره، فبقدر ما يحصل فيه من خير ومنافع للناس، بقدر ما تتهاوى فيه قيم وتزلُّ فيه أقدام، ليس في مزالق الشهوات فحسب بل فيما هو أخطر، من مهاوي الشبهات والانحرافات الفكرية المتنوعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبالتأكيد إنَّ كثيرين يتواصلون عبر هذه الشبكات دون هدف أو رؤية أو رسالة، بل متعة أو محاكاة أو تجربة أو استطلاعاً، لذا كان من المهم إشاعة أدبيات التعامل مع هذه الشبكات وإدراك منافعها ومعرفة مخاطرها، فإنَّ من يدخلها دون ذلك كالذي يبحر في محيط متلاطم الأمواج بقارب صغير فهو بين غرق وعطب، ويتأكد ضرورة العناية بتوعية المستخدمين لهذه الصفحات المتنوعة حداثة سن أكثرهم، وقلة تجربتهم الحياتية، وكثرة المتربصين الذين وجدوا في هذه الصفحات منفذًا وطريقاً للوصول إلى شرائح وأذهان يصعب عليهم التواصل المباشر معهم، مما يتطلب رفع مستوى المناعة الفكرية والأخلاقية، والرقابة الذاتية والقدرة على الفرز والتمييز بين الصواب والخطأ، والخير والشر، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
11 / 2 / 1435هـ
خالد بن عبد الله المصلح
محاضر في قسم الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم
- التصنيف:
- المصدر: