أحاديث عملية في شهر الصيام (2)

منذ 2009-08-14

إن صائماً لا يخطط لذلك لن يربح إلا جزءاً يسيراً.. ولن يقف على كل آماله مع أن الوقت أكبر من أن يفوت..!!


(2) شهر القرآن

يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185]، وقد دارس جبريل عليه السلام نبينا صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة، ودارسه في العام الذي توفي فيه مرتان.

إن هذا الشهر هو شهر القرآن.. وإنها لأعظم الفرص التي تتهيأ للإقبال على كتاب الله تعالى ومن شاهد أحوال الناس في بيوت الله تعالى مع كتاب ربهم في رمضان أدرك هذه الفرص، ولن يهلك على الله تعالى إلا هالك!!، غير أن كل هؤلاء أو جلهم لا يخططون لهذه التلاوة، ولا يضعون لأنفسهم هدفاً واضحاً يحددون به نجاحهم.. بل ترى هؤلاء كلٌ يقرأ ما تيسر يقطع بذلك من هذا الورد ما يستطيع دون تفكير في النهاية أو إدراك لها في الغالب.. وإن وجد تخطيط عند هؤلاء فهو تخطيط للحد الأدنى فحسب فتجده يحاول جاهداً أن يقطع جزءاً كل يوم من وقته وزمنه. وإن كان هذا من النجاح في حياة أي إنسان لكننا في صدد أن نوسّع الخطو، ونكتب نجاحاً أكثر أثراً بإذن الله تعالى.

وإنني هنا في هذا المقام أحاول جاهداً أن أرسم لك أيها الصائم الكريم ما يعينك على الترقي في سبل الكمال.. والوصول إلى غاياتك وأهدافك الكبيرة بإذن الله تعالى في نهاية شهر الصيام أول ما ينبغي على الراغب في الاستفادة من هذا الشهر مع القرآن الكريم أن يضع له أهدافاً في ذلك، ويطرح على نفسة جملة أسئلة تحدد تلك الأهداف.. كم مرة أريد أن أختم كتاب الله تعالى؟، ما هي السور التي أريد أن أحفظها من خلال هذا الشهر؟، كم هي الأجزاء التي أنا بحاجة إلى مراجعتها؟، ثم إذا حدّد ذلك واتضح له الهدف الكبير في هذا الجانب فقد قطع الجزء الأهم والكبير في الوصول بإذن الله تعالى إلى مشروعه الكبير..

إن صائماً لا يخطط لذلك لن يربح إلا جزءاً يسيراً.. ولن يقف على كل آماله مع أن الوقت أكبر من أن يفوت..!!

يأتي بعد ذلك تحديد الزمن والوقت الذي يقرأ فيه هذه الأوراد.. وعليه أن يختار الوقت بعناية فائقة جداً حتى لا يُزاحم عليه في المستقبل فيختل البرنامج وتضيع تلك الأهداف الكبيرة.. إن مسألة تحديد الوقت الذي يقرأ فيه أمر في غاية الأهمية كأن يختار ما بعد الظهر أو ما بعد العصر أو ما بعد المغرب أو ما بعد التراويح أو في منتصف الليل أو في آخره.. المهم أن يحدد الوقت الذي يتناسب مع ظروفه وطبيعته وأحواله.. هذا الزمن هو الكفيل بعد توفيق الله تعالى بتهيئة النفس للإقبال على مشروعها، وترتيب أولوياتها، وحفظ أهدافها وهذه غاية كل مفلح. ولا يأتي على بالك أيها الصائم الكريم أن المسألة هامشية.. كلا!!، بل هي تجربة ناجحة ومشروع مجرب.

ومما ينبه عليه كذلك أن ينتبه الإنسان إلى ما يعترض مشروعه من عوارض، وأن يحسب للطوارئ ظروفها وملابساتها.. فإن فات ورده أو بعضه في يوم فينبغي أن يكون قوياً في التعامل مع نفسه في إنهاء ورد اليوم التالي في يومه مع واجب ما فاته.. بهذا تتعوّد النفس وتتربّى على إنهاء كل ورد في وقته وزمنه المحدد.. ولو شعرت نفسك أن الأمر لا يعنيك فقد تفاجأ بالنهايات المرة التي تقف عليها في نهاية شهرها.. وقد قال الأول:

والنفس راغبةٌ إذا رغّبتها *** وإذا تُرد إلى قليل تقنع

إن الأيام تطوى.. وستأتي الساعة التي يدوّي فيها خبر رحيل رمضان.. ولعل في هذا البرنامج وهذه الكلمات ما يجعلنا أكثر دقة في استثمار الفرص على الوجه الأكمل.. والله المسؤول أن يعيننا وإياكم على اغتنام أيامه ولياليه.


مشعل عبد العزيز الفلاحي
Mashal001@maktoob.com