من يقف وراء الترويج لفتنة التيار المدخلي في المغرب؟
مدخل نحو دراسة نقدية للتيار المدخلي
من يشرفني بقراءة كتاباتي يعلم أنني أُكن احتراما وتقديرا كبيرا لعلمائنا المغاربة؛ وأنني أقاوم سلوك الغلو الذي يحمل أصحابه على هتك حرمة العالم بسبب ما يراه خطأ عنده.
كما بينت في مناسبات؛ أن عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري ومذهب الإمام مالك وسلوك الإمام الجنيد رحمهم الله تعالى؛ مرجعية علمية شرعية لا غبار عليها إلا ما شوهها به البعض من تأويل أو تعصب يأباهما كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم[1].
ومع اعتزازي بعلماء بلدي؛ فإنني أحب أيضا الانفتاح على غيرهم من علماء الأقطار وفقهاء الأمصار؛ من موريتانيا إلى الخليج؛ وأفرح بما يحصل معهم من تواصل وتلاقح وتبادل للزيارات والإفادات..
ومع هذا فإنني أعتقد أن من الخطأ استقدام الشيوخ الذين يروجون للتيار المدخلي المتطرف، وينشرون غلوه بين المتدينين المغاربة. وقد أضحى هذا الاستقدام ظاهرة ملفتة بعد ثورات ما سمي بالربيع العربي:
ففي أبريل 2012 نظم أتباع المدخلي (دورة إمام دار الهجرة مالك ابن أنس الرابعة) في منطقة تِكِوين أكادير، واستقدموا لها أبرز شيوخ التيار من السعودية، وتلقوا فيها دروسا عبر الهاتف من الشيخ ربيع المدخلي.
وبعدها نظموا (دورة السلطان المولى سليمان العلوي العلمية الأولى) بمدينة الناظور؛ استقدموا لها الشيوخ أنفسهم.
ومن 19 إلى 24 مارس 2014 نظموا (دورة الملك سليمان الثانية) بمقر جمعية دار الحديث بالناظور التي استضافوا لتنشيطها: الشيخ محمد بن هادي المدخلي وآخرين.
وكانت إحدى الجمعيات هنا بمراكش ستنظم لهم قبل ثلاثة أشهر دورة بدوار بلعكيد؛ ثم منعتها السلطة..
وقد ذكروا في إعلاناتهم بأن الشيخ ربيع سيلقي عليهم دروسا عبر الهاتف!
وفي الفترة بين 20 و24 ماي 2015 نظمت جمعية الصفا بمدينة مكناس (دورة السلطان محمد بن عبد الله العلوي الأولى)؛ بمقر دار الشباب عبد الكريم الخطابي بمكناس.
وفي الفترة بين 18 و24 نونبر 2015؛ نظموا بالمركب الرياضي لسيدي بابا بمدينة مكناس: (دورة السلطان محمد بن عبد الله العلوي الثانية)؛ من تنشيط الشيخ عبيد الجابري.
وفي ذلك كله يتصلون بإمامهم الأكبر ربيع المدخلي ليأخذوا منه العلم الذي فقد في المغرب!
التيار المدخلي وازدراء العلماء:
وهل ثمة ازدراء أكبر من الحكم بالإنحراف على عامة علماء البلد وتسفيههم والحكم عليهم بالضلال؛ وقد سمعت من غير واحد من أتباع المدخلي أن المغرب ليس فيه علماء؛ وهذا هو ما يجعلهم يتوجهون باستفتاءاتهم إلى شيوخ هذا التيار؛ فهم لا يرون في علماء المغرب أهلية لإفتائهم في أمور دينهم ونوازل بلدهم!
قال الشيخ صالح بن عبد اللطيف النجدي: "الشيخ ربيع بن هادي المدخلي بغى على كثير من علماء أهل السنة ودعاتهم، ووصفهم في كثير من كتبه وأشرطته بأوصاف ذميمة، وحشرهم مع أعداء الإسلام، وظن -هداه الله- أن عمله هذا من الجهاد في سبيل الله، ومن الرد على أهل البدع، وتبعه طائفة من المنتسبين إلى أهل السنة"[2].
إننا في الوقت الذي نعبر فيه عن اختلافنا مع علمائنا المغاربة الذين يقعون في نوع من المبالغة في تبني المرجعية العلمية في المغرب؛ فإننا ننكر أيضا على أولئك الشباب المتعالمين الغلو في نقد تلك المرجعية إلى درجة إهدارها وتسفيه علمائها؛ وهذا أمر خطير يؤول إلى نوع من المقاطعة الضارة والعزلة السلبية.
وإذا كان الملك محمد السادس وفقه الله قد أرشد المغاربة إلى تفادي أخذ دينهم عن غير علمائهم؛ فإنه لا يعني بذلك دعوتهم إلى الانغلاق ورفض الآخر؛ ولكن يرشدهم إلى ما يتحصنون به ضد دعوات الغلو والتطرف ومنها دعوة الشيخ ربيع المدخلي الذي فتن المسلمين وفرق السلفيين وحرض الشباب المتدين على الخروج على علمائه في كثير من دول العالم الإسلامي.
ظهور التيار المدخلي:
"بعد اندلاع حرب الخليج واجتياح العراق للكويت عام 1411هـ؛ اتجه الشيخ ربيع إلى محاربة من يظنهم من أهل البدع، وصارت أكثر كتاباته وأشرطته وتقريراته ضدهم، وفي تصيد أخطائهم فيما يزعم، وتضخيمها. ولما غلبت عليه هذه الحال صار يصنف الناس؛ فمن وافقه وتابعه فهو سلفي وموحد على الجادة، ومن خالفه فهو خلفي أو حزبي أو مبتدع؛ وتبعه على هذا مجموعة من محبيه، وأكثرهم لا يشهد لهم بعلم ولا ورع.
وصارت هذه المجموعة حزبا فوضويا يقلد الشيخ ربيعا في آرائه ومواقفه؛ فمن بدعه ربيع فهو المبتدع، ومن أثنى عليه ربيع فهو السلفي، وإن كانوا يقولون إنهم ضد التحزب، وضد الجماعات، ويسمون عملهم هذا "أخوة في الله"، إلا أن الواقع يشهد بأنهم متحزبون متعصبون.
وصاروا يمتحنون كل الدعاة وأهل الصلاح بأسئلة معينة؛ فمن نجح في الامتحان عندهم فهو سلفي، ومن أخطأ دخل في دائرة التصنيف التي أخف دركاتها قولهم: "غامض ـ متلون ـ غير واضح – نتوقف فيه".
وصار الشيخ ربيع وأتباعه يعرفون في بعض الأوساط أول ما ظهرت فتنتهم (بالخلوف)، ويعرفون عند بعض الناس (بالجاميين) نسبة إلى شيخ ربيع، وهو: الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله الذي كان من أبرز قادة هذا الاتجاه؛ وعند آخرين يعرفون (بالمداخلة) نسبة إلى الشيخ ربيع نفسه الذي انفرد بقيادة هذا الحزب بعد موت شيخه؛ ويسمون في التوصيفات السياسية؛ بالسلفية المدخلية.
أما هم فيسمون أنفسهم بالسلفيين ويخرجون كل المخالفين لهم، أو لشيخهم ربيع المدخلي من مسمى السلفية؛ وقد تركزت ردود الشيخ ربيع بشكل كبير على:
- كتب سيد قطب كلها.
- العلماء والدعاة السعوديين الذين اتخذوا مواقف معارضة للنظام السعودي في حرب الخليج؛ وفي مقدمتهم: المشايخ سفر الحوالي وسلمان العودة وعائض القرني.
- الجماعات والحركات الإسلامية التي تتبنى المدافعة السياسية؛ وفي مقدمتها: جماعة الإخوان المسلمين.
تصدي العلماء:
لم يتأخر تصدي العلماء لهذا التوجه؛ فقد راسل ربيعا العلامةُ بكر أبو زيد -عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية-؛ مباشرة بعد اطلاعه على كتابه في الرد على سيد قطب؛ برسالة سماها (الخطاب الذهبي)؛ ومما جاء فيها قوله لربيع: "نظرت في أول صفحة من فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جمعت في سيد قطب رحمه الله، أصول الكفر والإلحاد والزندقة: القول بوحدة الوجود، القول بخلق القرآن، يجوز لغير الله أن يشرع، غلوه في تعظيم صفات الله تعالى، لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكك في أمور العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات..
إلى آخر تلك العناوين التي تقشعر منها جلود المؤمنين.. وأسفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبهوا على هذه الموبقات.. وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشمس، وعامتهم يستفيدون منها؟ حتى أنت في بعض ما كتبت.
عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذبه الخبر، ونهايتها بالجملة عناوين استفزازية تجذب القارئ العادي إلى الوقيعة في سيد رحمه الله، وإني أكره لي ولكم ولكل مسلم مواطن الإثم والجناح، وإن من الغبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته" اهـ.
كما بين الشيخ بكر في رسالته؛ أن كتاب ربيع يدشن لمنهج هدام، بقوله: "هذا الكتاب ينشط الحزبية الجديدة التي أنشأت في نفوس الشبيبة جنوح الفكر بالتحريم تارة، والنقض تارة وأن هذا بدعة وذاك مبتدع، وهذا ضلال وذاك ضال..
ولا بينة كافية للإثبات، وولدت غرور التدين والاستعلاء حتى كأنما الواحد عند فعلته هذه يلقي حملاً عن ظهره قد استراح من عناء حمله، وأنه يأخذ بحجز الأمة عن الهاوية، وأنه في اعتبار الآخرين قد حلّق في الورع والغيرة على حرمات الشرع المطهر، وهذا من غير تحقيق هو في الحقيقة هدم، وإن اعتبر بناء عالي الشرفات، فهو إلى التساقط، ثم التبرد في أدراج الرياح العاتية" اهـ.
ولكن الشيخ ربيعا لم يزدد إلا إصرارا على منهجه، ورد على الشيخ بكر بكتاب سماه (الحد الفاصل بين الحق والباطل)، وصف فيه الشيخ بكرا بأوصاف سيئة، منها على سبيل المثال:
قوله عن خطاب الشيخ بكر: "حشي وشحن بالأباطيل"؛
وقال عن أوراق الخطاب: "اشتملت على الباطل والإثم، وخلت خلوا كاملا من العلم وأساليب العلماء، وحشيت التلبيس الذي خدع الشباب.."
وقال عن الشيخ بكر: "لا يفي بوعده لي ولا لغيري!"
وقال عنه: "إن شأنه شأن كل ناصر للباطل، مدافع عنه".
ووصفه بـ: "أنه يجعل الحق باطلا، والباطل حقا، والمسيء حسنا، والمحسن مسيئا".
وبأنه "يذب، ويدافع عن الباطل، وأهله بحرقة وعنف".
واعتبر الشيخ ربيع أوصاف الشيخ بكر له؛ تهما جزافية، وقال: "ولا يرمي بالتهم جزافا إلا إنسان فرغ قلبه من خشية الله، ومراقبته، وما أكثر هذه النوعيات".
ثم قال: "فعلى الشيخ بكر وكل الغلاة في سيد قطب أن يستحوا من الله ومن المسلمين العقلاء الناصحين الذين يحترمون عقولهم، فيكفوا شرهم عن الإسلام والأمة، ويتركوا المغالطات والتلاعب بعقول الشباب، ودفعهم إلى التشبث بالباطل، ودفعهم إلى محاربة الحق وأهله، وأن يتوبوا إلى الله من تربية الشباب على مذهب عنزة ولو طارت".
كتاب التصنيف:
ثم كتب الشيخ بكر كتابه "تصنيف الناس بين الظن واليقين"؛ وصف فيه هذا المنهج بأنه "هضم لحقوق المسلمين في دينهم، وعرضهم، وتحجيم لانتشار الدعوة بينهم، بل صناعة توابيت تقبر فيها أنفاس الدعاة، ونفائس دعوتهم"[3].
وقال رحمه الله في (ص:28): "وفي عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة دوره في مسلاخ من المنتسبين إلى السنة، متلفعين بمرط ينسبونه إلى السلفية -ظلما لها- فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة بالتهم الفاجرة، المبنية على الحجج الواهية، واشتغلوا بضلالة التصنيف".
وقال أيضا (ص:39): "حين سرت إلى عصرنا ظاهرة الشغب هذه إلى من شاء الله من المنتسبين إلى السنة، ودعوى نصرتها، فاتخذوا التصنيف بالتجريح دينا وديدنا، فصاروا إلبا على أقرانهم من أهل السنة، وحربا على رؤوسهم، وعظمائهم، يلحقونهم الأوصاف المرذولة، ويلبزونهم بالألقاب المستشنعة المهزولة، حتى بلغت بهم الحال أن فاهوا بقولتهم عن إخوانهم في الاعتقاد والسنة: (هم أضر من اليهود والنصارى) و(فلان زنديق)”.
نماذج من غلو الشيخ ربيع:
بالإضافة إلى ما وضح العلماء من غلوه في الرد على سيد قطب؛ وقع الشيخ ربيع في أنواع كثيرة من الغلو؛ منها:
- غلوه في نقد الحركات والجماعات الإسلامية: قال في ("منهج النقد"؛ ص:19) -بعد أن ذكر جهود أهل التوحيد-:
"مما أقض مضاجع كل خصوم الحق والتوحيد، من علمانيين ويهود ونصارى وشيوعيين وأهل البدع الضالين من خرافيين وحزبيين وحركيين".
تأمل كيف سوى بين اليهود والحركيين في كونهم خصوم الحق والتوحيد!
واتهم الشيخ ربيع كل الإسلاميين إلا أتباعه بأنهم لا يجاهدون إلا لأغراض دنيوية؛ فقال في كتابه ("أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية"؛ ص163): "والذي يعرف الواقع وحقائق الأمور يعلم أنه لا يجاهد لإعلاء كلمة الله، ورفع راية التوحيد هنا وهناك؛ إلا السلفيون؛ وأن جهاد غيرهم من حزبيين وخرافيين ما هو إلا لأغراض دنيوية، من وطنية وتطلع إلى السلطة والحكم.. إلى غير ذلك من الأغراض التافهة"!
واعتبر اعتدال الإمام ابن باز في التعامل مع جماعة التبليغ لينا وغفلة:
قال عن الشيخ ابن باز: "فإن حصل منه لين موقف من جماعة التبليغ فإن لذلك أسبابه،.. ومعروف مكر أهل البدع، ومنهم جماعة التبليغ، فقد جندوا من يخدمهم عند الشيخ ابن باز، ممن يلبس لباس السلفية، فيطنب في مدحهم، ويسهل لجماعاتهم ووفودهم الدخول على الشيخ ابن باز، فتتظاهر هذه الجماعات والوفود من مشارق الأرض ومغاربها بالسلفية، فيصورون له أعمالهم في صورة أعمال سلفية عظيمة، ويبالغون فيها، وينفخون فيها بكل ما أوتوا من خيالات كاذبة"[4].
مع أنه أقر بمعرفة الشيخ ابن باز بالجماعات في كتابه: ("أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية"؛ ص:91): "حتى ليعتقد فيه أنه لو كانت في المريخ حركة إسلامية لكان وراءها، ألا وهو الشيخ ابن باز".
- غلوه في نقد أتباع المذاهب الأربعة: قال في كتابه ("أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية"؛ ص:50):
"فهناك أتباع المذهب الزيدي وعوامهم، وأتباع المذهب الإباضي وعامتهم، فإن كثيرا منهم أقرب إلى الفطرة والتوحيد من كثير من أتباع المذاهب الأربعة وعوامهم، وأبعد عن الشرك والخرافات والقبورية والصوفية من عامة أصحاب المذاهب الأربعة".
- غلوه في نقد من يرى مشروعية العمل السياسي: الشيخ ربيع يتهم العلماء الذين يجيزون الدخول في البرلمانات بالمكابرة؛ وهو يعلم أن الجمهور ومنهم الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين يجيزون ذلك!
أما الإسلاميون الذين يمارسون العمل السياسي فمن أفسد الفاسدين عنده:
يقول في كتابه ("جماعة واحد لا جماعات وصراط واحد لا عشرات"؛ ص:28) معلقا على كلام للشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق حول مشروعية المشاركة في المجالس التشريعية (البرلمانات):
"أقول: لا يعرف ضلال أو باطل يحمل مثل هذه المفاسد، ومنها فساد المشاركين فيه من السياسيين الذين يحسبون أنفسهم على الإسلام، فنحن نربأ بالإسلام أن يبيح عملا ينطوي على مائة وخمسين مفسدة، ولا أظن باطلا على الأرض ينطوي على هذا الكم الهائل من المفاسد، ولا نعرف مكابرا مثل مكابرة من يجيز هذا العمل بعد علمه بهذه المفاسد".
ويقول في الكتاب نفسه (ص:84-85): "إن السياسيين الجاهليين بتحزبهم مزقوا شباب الأمة، وفرقوهم أحزابا وشيعا، كل حزب بما لديهم فرحون، وتابعوا الأحزاب الكافرة الظاهرة والخفية في التنظيمات السرية والمشاركة في المجالس والبرلمانات والديمقراطية الكافرة في البلدان التي استعمرت ورضعت لبان الاستعمار بكل ما فيه من تقاليد وقوانين وأنظمة كافرة".
- غلوه في نقد جماعة الإخوان المسلمين:
قال في ("جماعة واحدة.."؛ ص:128): "الإخوان المسلمون الذين آمنوا بالاشتراكية والديمقراطية".
وقال في (ص:121 في الحاشية): "وأهل البدع في هذا العصر مثل الإخوان المسلمون حينما اعتنقوا الاشتراكية والديمقراطية وأخوة الأديان وحرية التدين ودعوة بعضهم إلى وحدة الأديان".
وقوله (ص:19) بعد أن نقل كلاما لسيد قطب: "إن هذا لإسقاط متعمد للثقة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه هي نظرة أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقرآنيين".
وهذا تكفير واضح..
قال الشيخ صالح النجدي[5]: "إن أساليب الشيخ ربيع المدرِّبة على التكفير لهي من أشد أسباب الفتن التي ابتلي بها بعض الأحداث، الذين أطلقوا ألسنتهم بالتضليل والتبديع والتكفير".
قال[6]: "وبهذه المناسبة فإني أحذر الأمة -علماءها ورجالاتها- من هذا الاتجاه التكفيري الجديد؛ فالتبديع بريد التكفير، والذي أخشاه أن يتطور فيشكل جماعة تكفيرية خارجية، تبتلى بها الأمة، ويصعب حينذاك إقناعها بالحجة والدليل، فتلجأ إلى العنف، ثم السلاح، وقانا الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن".
- غلوه في نقد الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق: يقول الشيخ ربيع عن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق كما في ("جماعة واحدة"؛ ص:31):
"لقد سلك عبد الرحمن عبد الخالق مسالك دعاة الفتن والبدع في الاستدلال على مشروعية التجمعات البدعية والمذهبية من أمثال دحلان والنبهاني والكوثري وتلاميذهم، ولاشك أن هذا تحليل لما حرم الله".
ويقول عنه كما في ("جماعة واحدة"؛ ص:145): "فهذه دعوة من عبد الرحمن لإقرار الباطل والبدع والتصوف والتعطيل لأسماء الله وصفاته"!
سهولة استنبات هذا المنهج:
إن من خطورة هذا التوجه المدمر؛ أنه سهل الاستنبات في البيئات السلفية؛ ولا تحتاج لصنع دعاة يمشون على خطى الشيخ ربيع شكلا (التعالم / الجرأة / الفظاظة / الشدة / الغرور..)
ومضمونًا (المنهج المنحرف في الرد على المخالف / ادعاء السنة والسلفية وإخراج المخالف منها / تضليل الجماعات والحركات الإسلامية / تضليل من يرى مشروعية العمل السياسي..)
أقول: لا تحتاج لأكثر من قميص ولحية وحضور بعض حلقات (طلب العلم)!
ثم جرد سيفك في وجه كل من ثبتت له قدم صدق في الدعوة إلى الله؛ تعليما وتربية ومدافعة وإصلاحا..
وكم نبت في بلدنا المغرب من أمثال هؤلاء المتعالمين الغلاة، المتجرئين على أعراض الدعاة، بالأساليب الفظة الغليظة وقبيح العبارات.
ومن آخر ما بلغني من أخبار هذه البيئة المتلوثة؛ أن شابا يتعثر في أثواب التعالم والجرأة؛ جمع -قبل أيام- بعض الضحايا ليشرح لهم ما سماه متنا في المنهاج! وذكر لهم أنه لم يُسبق إلى التأليف في هذا العلم!
وثالثة الأثافي؛ أنه لما ذكر أدلة ما يسميه المنهاج؛ ذكر قول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وهنا قال: {غير سبيل المؤمنين} كالجهمية والخوارج والأشاعرة!
{نوله ما تولى ونصله جهنم}!
وليت شعري: كم هو حجم الدمار الذي سيحدثه هذا الشاب في عقول من يستمعون إليه؛ بسبب تحريفه لمعنى الآية الكريمة، وتنزيلها على أمثال الأئمة: أبي بكر ابن العربي والقاضي عياض والبيهقي والنووي والقرطبي والشاطبي وابن حجر؛ وغيرهم من علماء أهل السنة الأشاعرة؟!
وأمثال هذا الشاب كثيرون بسبب سهولة التحلي بالأوصاف التي تمكن صاحبها من الانخراط في سلكهم كما أشرت؛ وهم في كثرتهم وإفسادهم أشبه ما يكونون بالجراد الذي يغِير على المحاصيل الزراعية والنباتات النافعة والثمار اليانعة ليلتهمها بعشوائية وجرأة..
فلا تكاد تجد عالما مصلحا له آثاره الطيبة في دعوة الناس وإصلاح أحوالهم؛ إلا هاجموه وأكلوا لحمه بجرأة منقطعة النظير، وحاولوا الحيلولة بينه وبين الناس، وفي المقابل يربطونهم بالشيخ ربيع أو من هو على شاكلته؛ من أمثال: الشيخ رسلان والرضواني..
نصيحة وقائية:
ومن هنا فإنني أنصح الشباب المقبل على التدين وطلب العلم؛ أن يحذر هؤلاء؛ وليأخذ دينه من العلماء الراسخين الذين ظهر من تآليفهم ودروسهم التمسك بالكتاب والسنة..
وليتعرفوا على السلفية من خلال أئمتها من أمثال: محمد بلعربي العلوي وتقي الدين الهلالي ومحمد سالم ولد عدود وابن باديس والمعلمي وابن سعدي وابن باز والألباني..
أما الطبقة التي تليهم؛ فمفخخة بألغام الجيش الربيعي الذي لا يختلف عن معظم الجيوش العربية التي أُنشئت لترسيخ الاستبداد والظلم وانتهاك الحرمات والحقوق..
فكن يا طالب العلم على حذر وأنت تمشي في دروب هذه الطبقة الكثيرة الألغام؛ واستعن في مسيرك بالخرائط التي تكشف خطورة هذه الألغام وأماكنها؛ من أمثال ما كتبه شيخ مشايخنا العلامة عبد المحسن العباد، والعلامة بكر أبو زيد، وشيخنا أبو سهل في كتابه "أهل الإفك والبهتان الصادون عن السنة والقرآن"، وشيخنا أبو الحسن المأربي في كتابه "الدفاع عن أهل الاتباع"، وغيره…
أمارات أصحاب هذا التيار:
ولأعينك على تفادي ألغام أولئك المفسدين؛ أذكر لك أهم أوصافهم:
- جرأة كبيرة على أعراض العلماء والدعاة (ويحاولون تسويغ تلك الجرأة باسم الغيرة على السنة والذب عن المنهاج).
- تتبع العثرات والزلات وتضخيمها وجحود الفضائل والمكرمات وتغطيتها (ويحاولون تغطية هذا الانحراف علميا بأساليب؛ منها: إنكار ما يسمونه: منهج الموازنات).
- التفصيل والتدقيق في تتبع ما يرونه أخطاء عند الدعاة والجماعات والحركات الإسلامية، والإجمال والاختصار في رد منكرات الملاحدة والعلمانيين المحاربين للإسلام.
- الجرأة والشراسة في مهاجمة العلماء المصلحين مهما عظمت خدمتهم للدين، ومداهنة الحكام الظالمين المعتدين مهما عظمت معاداتهم للدين.
- حصر العلم الذي ينشرون في مسائل معدودة ومجالات محدودة يدعون الإمامة فيها، والسكوت -جهلا- عن مسائل ومجالات أوسع؛ مع أهميتها لبيان شمولية هذا الدين ومواكبته للتطور البشري.
- تملق مكشوف لمن وافقهم وتمحل في الاعتذار عن انحرافاتهم، وعدوانية مكشوفة ضد من يخالفهم ورفض كل عذر يعتذر لهم به.
- التحامل الشديد على المشروع العالمي لجماعة الإخوان المسلمين في مقابل التساهل الشديد في مواجهة المشروع العالمي للصهيونية. (واستعمال ألفاظ: (الإخوانية المقيتة / منهج الإخوان الهدام / فتنة الشباب بالسياسة / أخذوا علمهم من الصحف والجرائد / شغلوا الناس بالإعلام المنحرف والسياسة الفاجرة..). يستعملون هذه الألفاظ في حق من يدعم المشروع الأول ويهتم بمقاومة المشروع الثاني إعلاميا وسياسيا؛ فهو (إخواني محترق خبيث مفتون بالسياسة والإعلام)!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] راجع مقالتي: “قراءة علمية للثوابت الدينية للمملكة المغربية”.
[2] "نظرات سلفية في آراء الشيخ ربيع المدخلي" (ص:6).
[3] "التصنيف" (ص:25).
[4] "النصر العزيز" (ص:170).
[5] "نظرات سلفية في آراء الشيخ ربيع المدخلي" (ص:37).
[6] في (ص:40).
- التصنيف:
- المصدر: