هذه عقيدتنا... وهذا منهجنا
منذ 2009-09-05
هذه هي الخطوط العريضة لمنهجنا المستمد من الكتاب والسنة [علم ودعوةٌ واتباعٌ وإسداءُ نصيحةٍ وتقديمُ نقلِ].
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا المبعوث رحمة للعالمين.
أيها القارئ الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد:
مع بداية مرحلة جديدة من مراحل الدعوة إلى الله عز وجل ألتقي بك على صفحات مجلتك (التوحيد) وهي تأخذ طريقها وتمضي قدمًا بفضل الله ورحمته.
وفي بداية هذا اللقاء أستأذن الكرام القارئين في أن أضع لنفسي ولإخواني الخطوط العريضة التي ينبغى لكل مسلم يبحث عن سعادة الدنيا ونجاة الآخرة أن يستمسك بها..
فأقول مستعيناً بالله وحده:
ديننا يقوم على دعائم ثلاث، عقيدة صحيحة، عبادة مشروعة، وأخلاق فاضلة، وكل واحدة من هذه الثلاث بحاجة إلى بيان:
فالعقيدة الصحيحة: هي عقيدة السلف الصالح.
والسلف الصالح هم: الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان.
والعبادة المشروعة: هي العبادة التي قام عليها دليل من الكتاب والسنة ولم تكن مبتدعة.
والأخلاق الفاضلة: هي كل خلق فاضل دعت إليه الشريعة وحثت عليه وأمرت به.
وهذه المسائل ليست من مسائل الثقافة العامة بل هي أسباب النجاة والطريق الموصل إلى الله.
فأما عقيدتنا فهذا بيانها:
(1) الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره.
(2) من الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه فى كتابه، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا ننفي عن الله ما وصف به نفسه، ولا نشبهه بأحد من خلقه.
(3) القرآن كلام الله منزل من عنده غير مخلوق، منه بدأ و إليه يعود.
(4) من الإيمان باليوم الأخر: الإيمان بما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، والبعث بعد الموت، والحوض والميزان والصراط والجنة والنار.
(5) الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
(6) لا نحكم بالكفر على مسلم إذا ارتكب معصية ولو كبيرة. بل نقول إنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ومن تاب تاب الله عليه ومن مات بغير توبة - مسلما - فهو في مشيئة الله: إن شاء عذبه وعن شاء غفر له.
(7) نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ونمسك عما شجر من الخلاف بينهم ونؤمن بأن لهم من الفضائل والأعمال الصالحة ما يوجب مغفرة ما صدر منهم. وكل من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به ومات على ذلك فهو أفضل من كل تابعي جاء بعده.
(8) نصدق بكرامات الأولياء وما يجرى على أيديهم من خوارق العادات، و الولي هو كل مؤمن تقي. ونحذر من أولياء الشيطان الذين تجري على أيديهم الخوارق الشيطانية وهم متبعون لغير سبيل المؤمنين.
(9) نتمسك بالسنة ونعلمها لعامة المسلمين ونحارب البدعة ونبينها حتى يحذرها المسلمون.
(10) لا نشهد لأحد بالجنة ولا نحكم على أحد بأنه من أهل النار إلا ما أخبرت به النصوص الشرعية من الشهادة بالجنة أو القطع بالنار.
(11) نرجو للمحسن من المسلمين حسن الخاتمة، ونخاف على المسيء منهم سوء الخاتمة.
(12) الاستعانة بالأموات ونداؤهم والاستغاثة بهم شرك بالله، و كذا الأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله.
(13) أفضل هذه الأمة - بعد نبيها - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم أجمعين-.
(14) نبي واحد أفضل من جميع الأولياء.
(15) الإيمان بجميع الكتب المنزلة من عند الله، والقرآن الكريم أفضلها وهو ناسخ لما قبله ومهيمن عليه. وكل كتاب قبل القرآن فقد وقع فيه تحريف وتبديل، وأما القرآن فقد حفظه الله لفظًا ومعنى؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
(16) لا يعلم الغيب إلا الله وحده، وهو سبحانه يطلع بعض رسله على شيء من الغيب؛ لقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ} [الجن: 26-27].
(17) الذهاب إلى الكهنة والعرافين والدجالين كبيرة من الكبائر. واعتقاد صدقهم كفر بالله عز وجل.
(18) لا يجوز لنا أن نتفرق في الدين ولا نسعى في الفتنة بين المسلمين. ويجب رد ما اختلفنا فيه إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.
وأما منهجنا في الدعوة إلى الله، فهو موضوع لقائنا القادم إن شاء الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
وهذا منهجنا..
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:
فقد تبين في العدد السابق ركائز العقيدة الصحيحة، وهي عقيدتنا الموافقة والمطابقة لعقيدة أهل السنة والجماعة.
وانتهى اللقاء مع القراء على وعد بيان منهجنا في الدعوة إلى الله.
ومن المعلوم الذي لا يخفى, والحق الذي لا يبلى، أن الدعوة إلى الله من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، بها يكمل نظام الشريعة ويرتفع شأنها، وهو وظيفة المرسلين وأتباعهم.
ولذك ينبغي على كل داع إلى الله، ومن يريد أن يلحق بركب الدعاة أن يقف على أصول الدعوة وخصائصها حتى يعلم كيف يدعو الناس ويبين لهم أمور دينهم ومقاصد شريعتهم.
وقد بين الحق - سبحانه وتعالى - لنا في القرآن الكريم أسباب النجاة لمن أرادها.
• أسباب النجاة:
وهي أربعة جاءت في سورة العصر؛ قال تعالى: {وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر]. فالنجاة فى هذه الأربعة، والخسران المبين في تركها.
الإيمان - العمل الصالح - التواصي بالحق - التواصي بالصبر.
فالإيمان أصل النجاة وعليه مدارها، والعمل الصالح سمة عباد الله المتقين.
والتواصى بالحق والصبر صفة هذه الأمة التي تميزت بها عن الأمم الأخرى الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه!!، لبئس ما كانوا يفعلون.
• خصائص منهج الدعوة:
وأما منهجنا في الدعوة إلى الله فقد اجتمع له من الخصائص ما يجعله منهجاً سوياً كاملاً مقبولاًً عند العامة و الخاصة... و هذا بيانه:
العلم قبل العمل: وذلك أن العمل الصالح ينبغي أن يكون مسبوقاً بعلم صحيح مستمد من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فلا عمل إلا بعلم.. و هذه هي البصيرة التي ذكرها الله عز وجل في قوله: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
فالعقيدة الصحيحة مسبوقة بعلم صحيح كما في قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ} [سورة محمد: 19]، وكذلك كل عبادة من العبادات وطاعة من الطاعات ومعاملة من المعاملات ينبغي أن تكون مسبوقة بمعرفة أحكامها المتعلقة بها قبل الإقدام عليها والشروع فيها.
ولذلك كانت كلمة (اقرأ) هي أول كلمات القرآن نزولاً، وأول أوامره كذلك.
• الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة:
وهذا يقتضي أن يكون منهجنا قائما على القول اللين والحجة الواضحة.
وينبغي على كل داع إلى الله أياً كانت منزلته وعقله وعلمه أن يعلم أنه ليس بأفضل من موسى وهارون عليهما السلام.
ومن تدعوه ليس بأخبث ولا أشد عناداً من فرعون لعنه الله. ومع هذا فقد أمرهما الله بالقول اللين في دعوة فرعون كما هو معلوم لا يخفى.
وقد مدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
فالداعي يحتاج دائما إلى حسن المعاملة وخفض الجناح وإلانة القول مع من يدعوهم حتى تجتمع القلوب عليه، وتسكن النفوس إليه.
• اتباع منهج الرسل صلوات الله عليهم في الدعوة إلى الله.
و هو يشتمل على أمرين، أو إن شئت فقل: ينقسم إلى مرحلتين:
1- الدعوة إلى التوحيد و التحذير من الشرك.
وهذا الذي دعا إليه جميع الرسل؛ فإن كل رسول دعا قومه إلى الإسلام وحذرهم من الشرك. كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [سورة النحل: 36].
2- معالجة الأمراض المتفشية في أقوامهم:
فترى نوحاً وهوداً وصالحاً وإبراهيم يهتمون بالتوحيد والقضاء على الشرك بشتى الوسائل لأن الوثنية كانت متسلطة على عقول أقوامهم، ونرى لوطاً عليه السلام جعل همه في القضاء على فاحشة اللواط لافتتان القوم بها وفشوها عندهم حتى ألفها الناس، وأصبح التنزه منها معدوماً بينهم.
ونرى شعيبا عليه السلام بعد دعوة قومه إلى التوحيد ينهاهم عن نقص الكيل والوزن، ويأمرهم بإيفائها لانتشار الغش بينهم.
وهكذا بقية الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
• عدم التشهير بآحاد الناس بصفة عامة إلا أن يكون فاسقا مجاهراً بفسقه مصراً على ذنبه:
ولا التشهير بأحد من العلماء بصفة خاصة لزلة قارفها أو خطأ وقع فيه.
ولا يمنعنا ذلك من إسداء النصيحة وإقامة الحجة بشرط ألا نخلط بين النصيحة والفضيحة. ولا بين إظهار الحق والانتصار للنفس!!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - و هو قدوتنا - إذا بلغه عن احد من أصحابه شيئاً يقول : (ما بال أقوام يقولون كذا و كذا؟ و ما بال رجال يفعلون كذا).
• تقديم النقل على العقل:
فإن العقل نعمة من الله يستعان بها على فهم نصوص الكتاب و السنة ، ولا يستعان بها على رد النصوص أو إبطالها بدعوى مصادمة العقل!!، والقاعدة المتبعة فى ذلك:
(لا يتعارض النقل الصريح مع العقل الصحيح).
فّاذا اختلت هذه القاعدة فإن العيب فى عقولنا لا فى زماننا!!
• تقديم فهم سلف الأمة على فهمنا وعلمهم على علمنا.
فإن الله سبحانه وتعالى قد أثنى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم في القرآن وعلى التابعين لهم بإحسان.
وهذا الثناء يشمل الثناء على علمهم وفهمهم و عملهم.
فمن اتبعهم في العلم والفهم والعمل كان متبعا لسبيل المؤمنين الذي أمرنا الله باتباعه والاستقامة عليه.
هذه هي الخطوط العريضة لمنهجنا المستمد من الكتاب والسنة [علم ودعوةٌ واتباعٌ وإسداءُ نصيحةٍ وتقديمُ نقلِ].
أسأل الله أن يحسن عاقبتنا وخاتمتنا، وأن يلهمنا رشدنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه .
---------------------------------
1) أخرج الإمام مسلم في صحيحه (2/1020 رقم 1401) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
بقلم الشيخ العلامة: صفوت الشوادفي رحمه الله
المصدر: منقول
صفوت الشوادفي
كان رحمه الله نائب رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية ورئيس تحرير مجلة التوحيد
- التصنيف: