ذِكر الله تعالى: التجارة الرابحة

منذ 2016-01-06

ذِكر الله الكريم هو العِبادة التي أمرنا الله تعالى بالإكثار منها، والسعي إلى ملازمتها، وهو أيسر العبادات، ويستطيع المسلِم ذِكر الله تعالى في كلِّ وقت بلا مشقَّة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. ذِكر الله تعالى من أعظم الأعمال الصَّالحة، وهي يَسيرة على من وفَّقه الله سبحانه، وهي سَبيل التجارة الرَّابحة، وهو التجارة التي تَنفع صاحبَها، وتنجيه في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]، فذِكر الله تعالى سبيل المسلمين لشُكر الله تعالى، وتذكُّر لنِعَم المولى سبحانه، والإقرار بفضل الله العليم الحكيم على عباده الفقراء إليه جلَّ جلاله.

ذِكر الله الكريم هو العِبادة التي أمرنا الله تعالى بالإكثار منها، والسعي إلى ملازمتها، وهو أيسر العبادات، ويستطيع المسلِم ذِكر الله تعالى في كلِّ وقت بلا مشقَّة، وينال من فيض هذا الأجر نِعمًا كثيرة، يقول الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]، ويكفي أجرًا، ويكفي شرفًا أنَّه إذا ذَكر المسلم اللهَ تعالى ذكره اللهُ سبحانه، وهو شرَف لو تدبَّره المسلم ما فارقَت شفتاه ذِكر الله ذي الجلال والإكرام، يقول الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكُرني، إن ذكَرَني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكَرني في مَلأ، ذكرتُه في ملأ هم خيرٌ منهم، وإن تقرَّب منِّي شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هَرْولةً»، وفي روايةٍ بهذا الإسنادِ، ولم يَذكُر: «وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا، تقرَّبتُ منه باعًا» (رواه مسلم).

وفي السنَّة النبويَّة دلائل عظيمة على فَضل ذِكر الله تعالى، وبيانٌ لفضل الأذكار الشرعيَّة، فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخير لكم من إنفاقِ الذَّهب والورِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم؛ فتضربوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقَكم؟» قالوا: بلى، قال: «ذِكرُ الله»، قال معاذُ بن جبلٍ: "ما شيءٌ أنجى من عذابِ الله من ذكرِ اللهِ" (صححه الألباني)، وفي حديثٍ نبويٍّ شريف أشار الرسولُ صلى الله عليه وسلم أنَّ من ذكر الله تعالى خاليًا ففاضت عيناه من الدَّمع هو أحد السَّبعة الذين يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعةٌ يُظلِّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ في عبادة اللهِ، ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ في المساجد، ورجلان تحابَّا في اللهِ اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعَتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف اللهَ، ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم يمينُه ما تنفق شمالُه، ورجلٌ ذكر اللهَ خاليًا، ففاضت عيناه»، وفي روايةٍ: «ورجلٌ مُعلَّقٌ بالمسجدِ، إذا خرج منه حتى يعودَ إليه» (رواه مسلم).

فعلينا جميعًا الإكثار من ذِكر الله تعالى، وملازمة الأذكار الشرعيَّة، المطلَقة والمقيَّدة، واستثمار كلِّ وقت لنَيل الأجر العظيم، فعند الذهاب للعمل يُكثر المسلم من ذِكر الله تعالى في طريقه، فيقوم بالتسبيح والتحميد، والتهليل والتكبير والاستغفار، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند ذهاب المسلم للجامعة، وعند السير في الطرقات، وفي وسائل المواصلات، وتذكير الغير بفَضل ذِكر الله تعالى، وحثهم على ذلك، وتَنشئة الأبناء على حبِّ ذكر الله تعالى منذ نعومة أظفارهم، والمثابرة على تعليمهم فضائل الذِّكر، وعواقبه العظيمة.

نسأل اللهَ تعالى أن يعلِّمنا ذِكره العظيم، وأن يوفِّقنا لذِكره الكريم، وأن يَجعلنا من الذَّاكرين المخلِصين، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتَّبعه واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

 

حسين أحمد عبد القادر