ساحل العاج محطة تشييع غرب إفريقيا

منذ 2016-01-13

يتعامل ملالي طهران مع ساحل العاج بوصفها دولة لها ثقلها السياسي والاقتصادي بغرب القارة الإفريقية، ومنها تنطلق قوافل «تصدير الثورة» إلى الدول المجاورة، باعتبار ساحل العاج مركزًا لتجمع جاليات الدول المجاورة (مالي، بوركينافاسو، غينيا، غانا، ليبيريا)، فأي تأثير شيعي فيها يؤثر بالتبعية على دول الجوار سلبًا وإيجابًا.

يتعامل ملالي طهران مع ساحل العاج بوصفها دولة لها ثقلها السياسي والاقتصادي بغرب القارة الإفريقية، ومنها تنطلق قوافل (تصدير الثورة) إلى الدول المجاورة، باعتبار ساحل العاج مركزًا لتجمع جاليات الدول المجاورة (مالي، بوركينافاسو، غينيا، غانا، ليبيريا)، فأي تأثير شيعي فيها يؤثر بالتبعية على دول الجوار سلبًا وإيجابًا.

الحالة الدينية في ساحل العاج:
تبلغ نسبة المسلمين نحو 55% من السكان، والمسيحيين 33%، والباقي من أتباع الأديان الوثنية والمذاهب الإحيائية التقليدية، وأكثر مسلميها من أهل السنة، وغالبيتهم يعتنق المذهب المالكي، حيث تبلغ نسبتهم 90% مع وجود انتشار نسبي للمذهب الحنبلي والشافعي.

كما تشير الإحصاءات إلى وجود الطرق الصوفية كالتيجانية والقادرية إلى جانب الأحمدية والبهائية والشيعة [1].

بدايات التشيع في ساحل العاج:
عرفت إفريقيا قدوم المهاجرين اللبنانيين وخاصة النصارى منهم قبل بداية القرن العشرين، وتوالت موجات الهجرة اللبنانية، وكان السبب في ذلك البحث عن فرص عمل أو هربًا من التجنيد الإجباري إبان الخلافة العثمانية، ثم أصبح للاستبداد السياسي دور في الهجرة، وكذلك كان لصراعات الطوائف ومن ثم الحرب الأهلية دور أيضًا في هذه الهجرات، فكانت مصر هي الوجهة الأولى، وقد استوطنتها النخب اللبنانية مثل العلامة رشيد رضا من التيار الإسلامي، أو روز اليوسف صاحبة المجلة المعروفة لليوم.

ثم تعدت الهجرة إلى دول إفريقيا الأخرى، وكان منهم لبنانيون شيعة، ولم يعرف لهم دور شيعي إلا قبيل الثورة الإيرانية بعقد تقريبًا، وكان يهدف للحفاظ عليهم بداية.

وكان القائم على ذلك اللبناني موسى الصدر مؤسس حركة أمل، حيث زار إفريقيا عدة مرات، لكن زيارته لدول غرب إفريقيا سنة 1967 تعد أهمها، إذ عمل على زيارة الدول التي بها جاليات شيعية لبنانية وحثها على التمسك بالتشيع والحرص عليه، وأرسل سنة 1969 مندوبًا عنه ليرعى شؤون الشيعة في السنغال، وهو المعروف بـ (الشيخ عبدالمنعم الزين)، الذي أسس سنة 1978 المؤسسة الإسلامية الاجتماعية، وقد استطاع نشر التشيع في بعض دول إفريقيا المجاورة كموريتانيا، ولكن عمله في نشر الديانة الرافضية بين السنغاليين كان عقب نجاح الثورة الإيرانية.

كما قام اللبنانيون الشيعة في ساحل العاج سنة 1977 بإقامة (الجمعية الإسلامية الثقافية) بشاطئ ساحل العاج، وهذا بتأثير موسى الصدر قبل قيام الثورة الإيرانية، لكن عقب نجاح الثورة أصبحت الجاليات اللبنانية في إفريقيا هي أداة السفارات الإيرانية لاختراق المجتمعات الإفريقية، باستغلال علاقاتها مع النخب الحاكمة وسيطرتها الاقتصادية [2].

ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ومع مشروع الخميني الداعي لتصدير الثورة، توجهت أنظار الإيرانيين إلى إفريقيا باعتبارها مجالًا لنشر الأفكار ومقارعة الخصم السني. وقد استطاعت إيران طيلة ثلاثين سنة من العمل الدءوب والمنظم - من خلال المنظمات والهيئات الأهلية، والمراكز الثقافية والمشاريع الاقتصادية، والعمل الدبلوماسي والإعلامي، وخلق حواضن وجيوب للفكر الشيعي الإثنى عشري في منطقة غرب إفريقيا تتفاوت في قوتها من دولة لأخرى مع صعوبة - استطاعت الخروج بنسب واضحة لهذه الحواضن، حيث يعمد المناهضون للتقليل منها، والمناصرون إلى المبالغة فيها، كما تحيطها السلطات في هذه الدول بسياج من السرية يرقى إلى محظورات الأمن القومي، يضاف إلى دثار (التقية) الذي يتلفع به أنصار هذه الطائفة والذي يعتبر من صلب عقيدتهم، على أن هذا الحضور الشيعي يرقى إلى حد الظاهرة التي لا تخطئها العين في غانا ونيجيريا والسنغال وساحل العاج، مستفيدًا من بعض الظروف المتعلقة بالخطة الوطنية والإقليمية والدولية [3].

ولقد عرف العاجيون وجودًا قديمًا للتشيع من الجالية اللبنانية التي يبلغ عددها أكثر من مئة ألف شخص، وبلغ التشيع أوجه في العقد الأول من القرن الحالي، ويوجد الشيعة اليوم في أغلب المناطق، مثل: العاصمة الاقتصادية أبيدجان، وأنياما، وبوندوكو، وبواكييه، وجران بسام، وأمباتو، وكوروهوجو، وأودينيه، وطوبا، وسان بيرو، وأبواسو.

وتعتبر حركة التشيع في ساحل العاج من أخطر حركات التشيع المدعومة من إيران، فقد صرح زعيم الطائفة في حديث خاص لجريدة (الأخبار) العراقية العدد 161 بتاريخ 12/8/2010، أن "التشيع في كوت ديفوار يسير بخطط منتظمة ووفق دراسة زمنية تجري متابعتها من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران بحيث يكون التشيع المذهب المسيطر في كوت ديفوار خلال عشر سنوات" [4].

أنشطة الشيعة في ساحل العاج:
تتلخص أنشطة الشيعة في تأسيس المدارس والمراكز الثقافية الإسلامية وإلقاء المحاضرات في الجامعات وكذلك في الإذاعة والتلفاز بشكل نادر، وإحياء المراسم الدينية والإسلامية في المساجد والحسينيات، مع العمل التبليغي الذي يقوم به العلماء والشخصيات المثقفة، وكذلك طبع ونشر الكتب التي كتبها المستبصرون حول العقائد الشيعية وأحقية مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ومن أهم مساجد الشيعة الشهيرة:
1 – مسجد الإثنى عشرية في أبيدجان.
2 – مسجد كانكاكورا في أبيدجان.
3 - مسجد الإمام علي في جران بسام.
4 – مسجد الشيعة الجعفرية في جران بسام.
5 – مسجد عدي في سان بيدرو.
وغير ذلك الكثير من الحسينيات الصغيرة التي تكون عادة داخل البيوت والشقق.

المراكز والمؤسسات الشيعية:
للشيعة في ساحل العاج مراكز ومؤسسات عديدة، منها على سبيل المثال:
1– الجمعية الإسلامية الثقافية، وهي جمعية ثقافية إنمائية دعوية تشرف على جمعية الزهراء النسائية.
2– مجمع الزهراء الثقافي، وهو مجمع ثقافي توعوي ومقره أبيدجان، ويشرف على جمعية الغدير الخيرية.
3– المركز الإسلامي العربي الإفريقي في أبيدجان، وله أنشطة ومهام كثيرة.
4– الجمعية الإسلامية الثقافية للدعوة والإرشاد بأبيدجان ولها أنشطة ومدارس.
5– المركز الشيعي الجعفري في جران بسام.
6– المركز اللبناني في بلدية ماركوري.
7– مركز الشباب في أبيدجان.
8– مؤسسة الإمام الصادق في أمباتو.
9– جمعية الشباب المسلم في أمباتو، ولها أنشطة ومدارس.
10– الجمعية الإسلامية في جران بسام.

المدارس الشيعية في ساحل العاج:
أدرك هؤلاء أن المدارس هي أفضل وسيلة لإعداد المجتمعات ونشر المذاهب، ومع سماح الدولة مؤخرًا بالترخيص للمدارس الإسلامية بادر الشيعة باغتنام هذه الفرصة بالتنسيق والتقارب مع منظمة المدارس الإسلامية التي تشرف على المئات من المدارس الإسلامية الخاصة، وقاموا مع مسؤولي منظمة المدارس الإسلامية بجولات في عدة مدن على عدد كبير من المدارس الإسلامية للتنسيق والتعاون معها في هذا المجال.

هذا بخلاف مدارسهم العديدة، التي يطبقون فيها ما شاءوا من أنشطة ومناهج، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – مدرسة الزهراء في جران بسام.
2 – مدرسة الإمام علي في جران بسام.
3 – مدرسة الإثنى عشرية في أبيدجان.
4 - مدرسة أهل البيت في أبيدجان.
5 – مدرسة العترة الطاهرة في أبوبو.
6 – مدرسة سبيل النجاح في بلدية أبوبو غار.
7 – مدرسة أهل البيت في أودينيه.

تأسيس جمعية الإمام الصادق الفرانكفونية:
قد يتعجب البعض من تأسيس الشيعة (جمعية الإمام الصادق الفرانكفونية) لكنهم لا يدخرون وسعًا في نشر عقائدهم والوصول لغايتهم أيًّا كانت الوسيلة، ففي أبيدجان قبل عامين أُسست تلك الجمعية لتكون نقلة نوعية في تطور أنشطة الشيعة في ساحل العاج، وذلك لأهمية اللغة الفرنسية في هذا البلد، وللحاجة الماسة والملحة للعمل الإسلامي بهذه اللغة والتي كان لها دور كبير في رفع الحواجز الاجتماعية والنفسية بين العاجيين والجالية اللبنانية، وكما تذكر التقارير، فقد شاركت لأول مرة الجاليتان بشكل واسع في مجالس ومناسبات موحدة، وذلك لعامل اللغة فالكثير من أبناء الجالية اللبنانية من الجيل الثاني والثالث بل وحتى الرابع لا يفهمون العربية، كما أثرت إقامة المحاضرات والدروس والدورات باللغة الفرنسية على الكثير من الشباب الوثني المتحدث والمنبهر بهذه اللغة باعتبارها لغة العلم - عندهم - فتشيع الكثير منهم بعد أن كانوا عرضة لأنشطة المنصرين الواسعة.

لطميات باللغة الفرنسية:
وتماشيًا مع الثقافة السائدة، أقامت (جمعية الإمام الصادق الفرانكفونية) العديد من الفاعليات الشيعية واللطميات باللغة الفرنسية  الأمر الذي أدى إلى زيادة إقبال المشاركين فيها بشكل لافت، فقبل عامين كان الإقبال عليها أقل من مئة شخص أما في محرم هذا العام فقد وصل إلى ألفي شخص لتمتلئ الخيمتان الكبيرتان العاشوريتان، وكان السر أن هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الضيوف من فهم كلمات المتحدثين والمنشدين؛ كونها باللغة الفرنسية المفهومة عندهم، كما حضرت العديد من الصحف والتلفزيون الرسمي لنقل هذه الفاعليات، لدرجة أن البعض اقترحوا أن تقام (المجالس الحسينية) العام القادم في أحد الملاعب الرياضية المعروفة في أبيدجان والتي تتسع لحوالي خمسة آلاف شخص لتفي بهذا الغرض.

كما أقيمت لأول مرة لطميات خلال كل ليالي عاشوراء، باللغة الفرنسية، وأقيم أيضًا أول مسرح عاشورائي بالفرنسية وبحرفية عالية وذلك بسبب إشراف مخرج مسرحي معروف على هذا العمل.

ومن اللافت دعوتهم لوجهاء من أتباع الديانة المسيحية في احتفالات عاشوراء، فقد قام قس مسيحي بالحديث عن أوجه التشابه بين (الإمام الحسين) والنبي عيسى عليه السلام [5]!

مشروع جامعة الإمام جعفر الصادق الفرانكفونية:
بعد نجاح تجربة فرع جمعية الإمام الصادق الفرانكفونية في أبيدجان قبل عامين، فإن الشيعة يعتزمون الآن بناء جامعة الإمام جعفر الصادق الفرانكفونية بالعاصمة العاجية؛ فهم يدركون أن الفرنسية هي اللغة الثانية من ناحية الأهمية والاعتبار عالميًّا بعد اللغة الإنجليزية ويتحدث بها أكثر من 300 مليون نسمة في أكثر من 30 دولة أوروبية وإفريقية وقسم من أمريكا، ولقد أهملت للأسف بشكل كبير من قبل المؤسسات الدينية السنية مع أنها تعتبر لغة المسلمين الأولى في القارة الإفريقية؛ فهي اللغة الرسمية لحوالي 20 دولة إفريقية ولغة المدارس والجامعات في عدة دول في غرب إفريقيا.

يشتمل مبنى الجامعة علي 10 قاعات دراسية، وقسم للإدارة وهيئة التدريس، وقاعة للمؤتمرات والندوات، ومكتبة وقاعة حاسوب، ومدينة جامعية لمبيت للطلبة والطالبات، ومطعم، ويتم التخطيط لتكون الجامعة الشيعية ملاصقة للجامعة الأمريكية بمنطقة بسام على مساحة 20 ألف متر مربع.

وقد تأسست (جامعة الإمام الصادق الفرانكوفونية) في باريس في فرنسا تحت إشراف ورعاية آيات الشيعة بالنجف، ليتم البناء على أرض مدينة أبيدجان العاصمة الأولى في غرب إفريقيا، لأهداف محددة:
1- تدريب الدعاة الشيعة وترجمة وطباعة الكتب وتسجيل الدروس والمحاضرات، كل ذلك باللغة الفرنسية.
2- استهداف النخب الإفريقية بالدعوة الشيعية ليكون لها الدور الأكبر في توجيه مسار المجتمعات.
3- استقطاب النخب العاجية الذين يرسلون أولادهم إلى المدارس الفرنسية لعدة أسباب، منها المستوى واللغة الفرنسية والشهادة الفرنسية، ومن المفترض أن يتم تقديم كل ذلك للطلاب بالإضافة إلى الدعوة المغلفة وغير المغلفة للتشيع.

العلاقات الدبلوماسية بين إيران وساحل العاج:
بدأت تلك العلاقات عام 1975 ومنذ ذلك الحين توثقت الروابط والزيارات المتبادلة التي أسفرت عن عشرات الاتفاقيات في مختلف المجالات، نذكر منها الجانب الاقتصادي حيث تلقت أبيدجان دعمًا ماليًّا من إيران بقيمة 120 مليون دولار أمريكي في مجالات الصحة والنقل وقد سمح هذا الدعم المالي للحصول على حوالي 70 حافلة لصالح هيئة النقل العام في أبيدجان [6].

وختامًا: فإن إستراتيجية إيران في غرب إفريقيا بشكل عام وفي كوت ديفوار بشكل خاص، مبنية على رافعة اقتصادية ورافعة مذهبية هي مربط الفرس، وهي مكمن الخطورة؛ ذلك أن المصالح الاقتصادية والمنافع التجارية مصالح مؤقتة تزول وتنضب وتتحول مع الزمن، أما الوجود المذهبي والعقدي فمستقر في القلوب والنفوس مع الزمن وتعاقب الحقب. لقد تمكنت إيران من التأثير حتى الآن وبشكل خطير على التماسك المذهبي السني في منطقة غرب إفريقيا وفي كوت ديفوار على وجه الخصوص، بشكل ينذر بالخطر، وما لم تتحرك مراكز القرار السني والفعالية الشعبية داخليًّا وخارجيًّا فسيخسر العالم السني مع مرور الوقت مناطق شاسعة في غرب إفريقيا لصالح المد الشيعي المنظم والذي برهن - مع الواقع المرير الذي يمر به العالم السني من هنا وهناك - على أن له إستراتيجياته المدروسة والمؤسسة مع الإرادة السياسية لدى متخذ القرار في إيران.

فبعد أكثر من عقد على معضلة البرنامج النووي الإيراني، توصلت القوى العالمية (مجموعة 5+1) وطهران إلى تسوية نهائية في 14 يوليو 2015، والتي بمقتضاها سيتم رفع العقوبات الدولية مقابل قيود طويلة الأجل على برنامج طهران النووي، وتغيّرت طبيعة النهج الدولي إزاء تلك المعضلة طيلة هذه المدة، بداية من فرض العقوبات الدولية، ومرورًا بالتفاوض والوساطة، وانتهاء بالتوصل لاتفاق إطاري في لوزان بسويسرا، ثم نهائي في فيينا.
إن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بعد الاتفاق الغربي الإيراني المتوج في 27 رمضان 1436هـ/ 14يوليو 2015، سيجعل إيران من أكبر الدول الاقتصادية العالمية، وبالتالي دخولها في النادي النووي، ما سيتيح لإيران توظيف المذهب الشيعي لتحقيق مشروعها القومي بامتياز، فلا بد من الوحدة والاحتشاد تحت قيادة سنية واعية وحكيمة ومشروع واحد لوقف هذا المدّ الشيعي الذي يهدد التماسك السني في غرب إفريقيا عامة وفي كوت ديفوار خاصة، فهل من مجيب؟!

 

سيلا علاسان