سياسة المسلم في التعامل مع الغير

منذ 2016-01-21

وموضوع فن التعامل مع الإنسان كبيرٌ جدًا تعتني به كل الشعوب في العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية.

لما كانت الدعوة إلى الله عز وجل تحتاج من الداعية حسن التعامل والسياسة مع من يتعامل معه؛ لذلك اعتنت المؤسسات التربوية بهذا الموضوع وقدمته للمنتمين إليها، تحت عناوين عدة تندرج ضمن هذا الموضوع.

وموضوع فن التعامل مع الإنسان كبيرٌ جدًا تعتني به كل الشعوب في العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية.

ولدى الغربيين معاهد خاصة يُدرَّس فيها ما يسمى بالمهارات الاجتماعية، كيف يتحدث الإنسان، كيف يكسب الثقة بنفسه، كيف يكون لبِقًا في الحديث مع الناس؟

والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب، ومنها آداب التعامل، وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله عليهم الصلاة والسلام جميعًا.

ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن يستفيدوا منها ولم يتجاوزوا حتى الآن مرحلة التنظير (مرحلة الفكر)... يقال: من آداب الصحبة كذا، ومن آداب العشرة كذا، ومن آداب الحديث كذا، وقليلٌ من الناس من يتدرب ويُدرِّب قومه، فليس هناك تدريبٌ عملي إلا نادرًا، فالقالب هو التعليم وليس التربية، والتدريب العملي هو المطلوب.

 

أساليب التعامل مع الناس:

في هذا العنصر أتطرق إلى بعض القضايا التي يحبها الناس وبعض القضايا التي يكرهونها، وتؤثر فيهم سلبًا وإيجابًا وهذه الأساليب تجارب ناجحة؛ لأن قدوتنا فيها هو نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام. وهذه الأساليب لها شواهد من السنة ومن الواقع المُجرَّب أذكر منها ما يناسب، فمنها:

 

الناس يكرهون النصيحة في العلن:

لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس؛ لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم، ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة.

 

لا تَلُمْ أحدًا عساك ألا تُلام (لا تُكثر من لوم الناس):

الناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍّ ودون السؤال والاستفسار، بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه، فالناس جميعًا عاطفيون أولًا، ثم أصحاب منطقٍ وعقولٍ في الدرجة الثانية، وإن لنا نفوسًا ذات مشاعر وأهواء، وهي تريد من الآخرين أن يحترموها كما هي، فلماذا تحاول مناقضة نفوس الآخرين، بينما تعرف أن نفوسنا من نفس النوع؟ إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك.

 

من الحكمة أن تُسلم بخطئك حين تخطئ:

إن الاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولًا، ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانيًا؛ فحين ترى أنك على خطأ اعمد إلى التسليم به، وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو، وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك.

 

إياك والأنا:

الناس يكرهون دائمًا من ينسب الفضل لنفسه، فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه، وقد جاء في بحث إحصائي قامت به مصلحة التليفونات في نيويورك: أن كلمة (أنا) هي أكثر كلمة ترن بها أسلاك شبكتها التليفونية، ومعنى ذلك أن اهتمام الناس كُلٌّ بنفسه، هو الصفة المسيطرة على البشر، فإذا كنت تهتم بنفسك أولًا، ولا تحاول اجتذاب الآخرين بالاهتمام بهم، فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟

 

لا تركز على السلبيات دون الحسنات:

خذ مثالًا: علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم، والتي يمكن أن يُعمم مغزاها في كل قضايا التعامل، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر». فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس، يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكر عيوبه" فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديرًا لهم.

والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا المثل فيذكِّر بفضل الأنصار، لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات، فقد أخرج البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي» (يعني بطانتي وخاصتي)، «فقد قضوا الذي عليهم» (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة)، «وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم».

 

الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:

الناس يبغضون من لا ينسى زلاتهم ولا يزال يُذَكِّر بها ويمُنّ على من عفا عنه، فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يُذَكِّر الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مرةً بعد مرة. والله عز وجل يقول: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» فالذي يذكر ويعيد الخطأ يكره الناس الاجتماع به والارتياح إليه.

 

احذر من النقد المباشر:

الانتقاد لا يحتاج إلى موهبة خاصة أو بذل نشاط كبير، ففي وسع أي أحمق أن يُشنّع على رجل ذي عبقرية وتميز وأن يتهمه ويسخر منه، دعنا نحاول أن نفهم الآخرين ونتلمس لهم الأعذار حين تقصيرهم فهذا أمتع من النقد المباشر، فطبيعة البشر تأبى ذلك، نعم، قد ينفذ الشخص المنتقد المطلوب منه ولو كان الأسلوب مباشرًا وبنقدٍ حادٍ، ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء والذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر، وتأثر الرسول صلى الله عليه وسلم لما لهم من الفقر فقام وخطب الناس، ثم قال: «تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع تمره». ولم يقل تصدقوا ولم يعاتبهم على عدم الصدقة، فانظر النتيجة: جاء رجل من الأنصار بصُرّة كادت تعجز يده عن حملها، بل عجزت، وقدمها للرسول صلى الله عليه وسلم فاستهل وجهه وقام الناس وتصدقوا فأصبح عنده كومة من الصدقات، وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «من سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً...» الحديث. وهكذا.

 

الفت النظر إلى الأخطاء تلميحًا وبكُل لباقة:

أنت وأنا والناس جميعًا يكرهون أن ينتقدهم غيرهم إلا أننا جميعًا كثيرًا ما نفعل أفعالًا تستدعي الانتقاد، فإذا وددت انتقاد الغير وكان هناك موجب حقيقي لذلك، فكيف نفعل؟

لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، حينما قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل»، فنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عالج الخطأ بكل لباقة بل وقدم المدح والثناء قبل لفت النظر إلى الخطأ.

إن المقصود بالانتقاد والتوجيه هو إصلاح الغير مع ضمان عدم إثارة البغضاء في قلبه، ولهذا كان على المنتقد أن يلجأ إلى التلميح بما يراه ناقصًا، ولكن من طرفٍ خفي.

 

لا تعامل الناس باستعلاء:

الناس يكرهون من يعاملهم باحتقار واستعلاء مهما كان هذا الإنسان، فقد روى هارون بن عبد الله الجمال، فقال: (جاءني أحمد بن حنبل بالليل -انظروا كيف يكون التصرف يريد أن يصحح خطأ!-، فدقّ عَليّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، -لم يقل: الشيخ أحمد- فبادرت وخرجت إليه فمساني ومسّيته. فقلت: حاجة أبي عبد الله؟ (أي: ما حاجتك؟)، قال: شغلت اليوم قلبي؟ فقلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جُزتُ عليك اليوم وأنت قاعد تُحدِّث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس). انظر كيف كانت النصيحة والذي يرويها ليس الإمام وإنما ذلكم الشخص المتأثر بالنصيحة!

 

اكسب الجدال بأن تتجنبه:

جاء في الحديث الصحيح: «أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًا».

إن حُبَّ الظهور في معظم الأحيان هو الدافع الأول إلى المجادلة، فأنت تود أن تعرض سعة اطلاعك وحُسن تنقيبك في الموضوع المطروح للجدال، ومثل هذا يُحسِّس الرجل الآخر الذي تجادله، فإذا قهرته بمنطقك السليم وفزت عليه، فإنه لن يعتبر ذلك إلا إهانة منك، وجرحًا لكرامته، وهو قلّما يغفر لك ذلك، وبهذا تكون قد اشتريت خصومته دون نفعٍ يصيبك من الشراء.

 

كُن في حاجة الناس:

إن الناس يُقدِّرون من يسعى في حاجتهم ويشفع لهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلم، تكشف عنه كربًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحبُّ إليَّ من أن تعتكف شهرًا».

 

قدِّم خدمات للآخرين قبل أن يطلبوا منك:

إن الناس يشيرون بالبنان لمن يعمل ويخدم ويقدم للآخرين لأنه يأسر قلوبهم بفعله، ويكفينا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وعليّ جمع الحطب».

 

نادِ الناسَ بأحب أسمائهم، وتعرّف على أنسابهم:

كان صلى الله عليه وسلم ينادي الناس بأحب أسمائهم، حتى الأطفال الصغار كان يكنيهم أحيانًا «يا أبا عمير ما فعل النغير؟» وأبو عمير طفلٌ صغير.

 

الناس يحبون الشكر والتشجيع:

وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضا الله ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبعٌ في البشر وذلك لا بأس منه شرعًا. روى أحمد والترمذي: «من لم يشكر الناس لا يشكر الله»، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجرة»، وكذلك حديث: «من صنع إليكم معروفًا فكافئوه...» الحديث.

 

وختامًا:

ليس المقصود من هذا المقال أن تلم ببعض الحقائق العامة حول السلوك الإنساني، بل إن التطبيق العملي لتلك الحقائق والأساليب هو ما نبتغيه جميعًا.

 

ولكن لما كان اكتساب العادة صعبًا، نظل في حاجة إلى يقظة ذاتية ومحاسبة دائمة، فاجعل من نفسك رقيبًا على نفسك، وجاهد نفسك ألا تميل مع التخاذل، وطبِّق ذلك مع أبيك، وأمك، وإخوانك، وأقربائك، وأصدقائك؛ لأنهم ألصق الناس بك ومن ثم تتحول هذه الحقائق والأساليب إلى مهاراتٍ اجتماعية عملية.