خطاب السيسي في البرلمان التركي
الإعلان المفاجئ من قبل ديوان الرئاسة المصرية عن توجه طائرة السيسي إلى البرلمان التركي بأنقرة؛ وليس إلى الكنيست الإسرائيلي بالقدس المحتلة؛ لهو قرار جدير بالنظر والدراسة التي لا تحتمل التأجيل.
"كنت؛ ولازلت؛ وسأظل -بإذن الله- أحمل معتقد أهل السنة والجماعة؛ والذي من ثوابته ألا نقنّط الناس من رحمة الله، وأن نكون دعاة خير للناس كافة، ولا نكون عوناً للشياطين على العصاة والمخالفين والظالمين؛ ولما كان الانقلاب العسكري في مصر قد استقر بمصر وشعبها في الحضيض الداخلي، وقسم أهلها فيما بينهم إلى قاتل ومقتول، فإني لأرجو ألا يذهب قائد الانقلاب العسكري الجنرال السيسي بمصر خارجيا إلى حضيض أكثر عمقاً وسوءا من الأول.
إنني أقول وبشكل واضح ومباشر، وبصفتي كاتباً مسلماً مصرياً يتوق ليوم يعود فيه إلى موطنه، عزيزاً كريماً غير ذليلٍ ولا سجينٍ ولا مهانٍ، أقول له:
يا أيها الجنرال إن قَدَرَ مصر وقدْرها عبر النظيف من عصورها، أن تكون ثالث أو ثانِ وقد كانت يوماً أول هذا المثلث فلا مكان لمصر بعيداً عن المملكة السعودية، ولا الدولة التركية شعباً وحكومة، ومهما بلغ الخلاف والنزاع على السلطة بينك وبين جماعة الإخوان المسلمين؛ فلا يحملنّك هذا على أن تتحمل إثم الأولين والآخرين، وتسير في سبيل يكون عليك وزره ووزر من سلكه بعدك من العالمين.
إنك اليوم بالخيار؛ بين معسكر ترى فيه الحماية والدعم والركن الشديد الذي تؤوي إليه من بعد ما أعانك أو ورطك في بحار من الدماء، التي لو طابت لك لحظة صدق وصفاء ضمير لقلت لنفسك: ما حملني على هذا؟؟
هذا المعسكر هو الذي يجهّز اليوم إبادة جماعية لأهل السنة والجماعة، ويريدك أن تكون أداة من أدواته الكبرى فيها، فاربأ بنفسك عن ذلك الوحل الجديد، واجعل للرجوع إلى الحق في حياتك سبيلاً، وإذا لم تستطع أمراً فجاوزه إلى ما تستطيع، ولئن كنت قد وصلت أنت والإخوان المسلمون في مصر-كما يبدو لنا- إلى طريق الله أعلم بنهايته؛ فلا تجمعنّ على نفسك وقومك من الأعداء من أنت عنهم في غناء، ووالله لئن تعيش ذليلاً بين بني قومك الذين تعود إليهم بعد أن بغيت عليهم، أشرف لك وأقوم سبيلاً من أن تعيش عزيزاً لحين من الدهر في كنف من يعتبرونك أداة يتخلصون منها فور انتهاء دورها، ألا فعُد، وراجع نفسك، واغتنمها فرصة، ترفع بها سهمك، وتقلل بها وزرك، وتكون لك يداً حين نزلت بالأمة النازلة، وألمت بها الملمة، ونكون لك فيها وبها من الشاهدين، فإن أبيت إلا أن تكون خنجراً في صدر وظهر أهل السنة والجماعة؛ فلا تعتذرنّ يوم القيامة أنك لم تجد لك أحداً من الناصحين. ويزعم كاتب السطور ويدعي؛ ولعلكم أعلم به من غيركم، أن للأمور بإذن الله ومشيئته حلاً داخل البيت الواحد، إذا صدقت النفوس وخلصت النوايا".
تم نشر النص أعلاه بتاريخ 20 / 08 / 2015 في مقالتي بعنوان:
"الموقف التركي السعودي ورسالة إلى السيسي" ضمن ما اتخذته لنفسي من رأي ورؤية في اهتمامي بشأن أمتي ووطني؛ وقناعتي بأن أخطاء المظلوم كان لها نصيب الأسد في وقوع خطايا الظالم، كما إنني أزعم أن التجربة خلال ما يزيد على العشرين سنة كانت كافية للفصل في الأحكام والقرارات بين المشاعر والعقل بما لا يطغي أحدهما على الآخر.
ولا زلت عند وعدي وعهدي أن أتكلم -بإذن الله- وأقص الحكاية في حينها وأوان نفعها وفائدتها إن كان في الأجل بقية.
ما أراه اليوم وأنصح به خصمي المتربع على مُلك مصر عبر أنهار الدماء التي جرت من تحته: هو محاولة الفكاك من أسر الماضي الذي سنحاسب عليه جميعا بين يدي الحكم العدل؛ وكسر قيد الحاضر؛ وخطوة خلاقة مبدعة ومربكة نحو صناعة المستقبل؛ وتغيير لاتجاه البوصلة التي انحرفت حينا من الدهر.
إن الإعلان المفاجئ من قبل ديوان الرئاسة المصرية عن توجه طائرة السيسي إلى البرلمان التركي بأنقرة؛ وليس إلى الكنيست الإسرائيلي بالقدس المحتلة؛ لهو قرار جدير بالنظر والدراسة التي لا تحتمل التأجيل؛ وإن خطاباً مسؤولاً؛ ومناسباً؛ على قدر الحدث وما ألمّ بالأمة والمنطقة من أهوال ومصائب وجرائم؛ يعد إعداداً يحدث تحولاً تاريخياً؛ ويتوقف الزمن عنده؛ ويداوي الجراح ويمحو آثارها؛ ويفتح آفاقاً لم ترد في الخيال والخواطر عند الآخر؛ لإنجاز يستحق أن يستفرغ العاقل وسعه في كتابته في سجل تاريخه أياً كان الخلاف عليه.
وختاما أقول: إنني في هذه المساحة لا أملك إلا أن أقول كلمتي النابعة من قناعتي وأمضي؛ أيا كان ثمنها؛ وردود أفعالها؛ ممن جعلوا مصالح ودماء أمة بأسرها رهن رغباتهم؛ واشباع حاجاتهم؛ وتحقيق ذواتهم.
حسن الخليفة عثمان
كاتب إسلامي
- التصنيف: