الدعاة الجدد وتجديد الخطاب الإسلامي

منذ 2016-02-09

اهتمت أمريكا بمسألة تجديد الخطاب الإسلامي... فبدأت في توظيف مجموعات من الدعاة الجدد جنبًا إلى جنب مع دعاة قدامى من أصحاب الميول الانهزامية ومن دعاة التغريب والانصياع للقوى الغربية وللأنظمة الاستبدادية.

الدعاة الجدد وتجديد الخطاب الإسلامي[1]

جاءت مرحلة الربيع العربي لتسقط أنظمة وتقصي طغاة، وتبشر بحكم يتوافق ومطالب الشعوب في الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، وكانت التيارات الإسلامية هي المكون الكبير القائد لهذه الثورات، فبرز الإخوان المسلمون والجماعات السلفية والحركات الجهادية، وغيرها من التيارات الإسلامية التي دخلت في العملية السياسية، وحققت نجاحًا كبيرًا في أول الأمر، مما جعل أمريكا والغرب تسعى حثيثًا إلى محاربة هذا التوجه، عن طريق إشاعة الفتن ونشر أسباب الاختلاف بين هذه التيارات وتشويه صورتهم وإفشالهم، وإقناع الشعوب بأنهم لا يصلحون للحكم والسياسة، ووصمهم بالنفاق وحب الدنيا والمناصب على نشر الدين والرغبة في ثواب الله.

اهتمت أمريكا بمسألة تجديد الخطاب الإسلامي ليحقق أهداف المرحلة الثورية التي غطت المنطقة من تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى اليمن إلى سوريا، فضلًا عن رياح التغير التي بدأت تهب على المغرب العربي في الجزائر والمغرب وموريتانيا، فبدأت في توظيف مجموعات من الدعاة الجدد جنبًا إلى جنب مع دعاة قدامى من أصحاب الميول الانهزامية ومن دعاة التغريب والانصياع للقوى الغربية وللأنظمة الاستبدادية.

- يحصر الشيخ جمال محمد بواطنة مشكلة الخطاب الديني الراهن في عجزه عن تحقيق ثلاث مهام أساسية[2]:

1- تحصين المجتمعات الإسلامية ضد أمراض التطرف الديني وجرائم العنف، وهو يقصد بالتطرف الديني كل من يتبنى الدعوة إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وتفعيل المنظومة السياسية الإسلامية القائمة على الإمامة والشورى والبيعة وأهل الحل والعقد، فضلًا عن حتمية تطبيق الشريعة الإسلامية بكل ثوابتها من الحدود والأحكام، وطبع الصبغة الإسلامية على كل مناحي الحياة.

أما ما يقصده بالعنف فنبذ كل الأفكار المتعلقة بالدعوة للجهاد في سبيل الله من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية والغربية، ومجابهة كل أعداء الأمة الإسلامية الآخرين كالهندوس والشيوعيين وغيرهم باستخدام السلاح.

2- تفعيل القواسم المشتركة بين الأديان والمذاهب، وعدم مجابهة المخالفين بكفرهم، بل مد جسور التعاون معهم، وغض الطرف على بطشهم واعتداءاتهم على المسلمين.

3- تقديم صورة إيجابية عالمية للإسلام تتفق والمبادئ الإنسانية الحضارية العامة.

وهذه معناه أن هذه الصورة ستكون بعيدة عن التميز والخصوصية التي ينطلق منها الإسلام، وانها ستتفق في الرؤية مع المنطلقات العامة للأديان والحضارات مثل العدالة والحرية، والكرامة الإنسانية والمساواة...إلخ هذه العموميات.

وتجديد الخطاب ليس حكرًا على الدعوات الغربية فقد دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى تجديد الخطاب الإسلامي ووضع له ضوابط شرعية من خلال تقسيمه للخطابات إلى ثلاثة أنواع: الوسطي، والنصوصي الحرفي (السلفي)، والصوفي، وينتصر الاتحاد للخطاب الوسطي المطعّم بأجزاء من الخطاب الصوفي في مجال الزهد وعلاج أمراض القلوب والتربية الروحية.

ويؤكد دكتور جمال نصار على ضرورة تبني الخطاب الوسطي الذي يعتمد العقل والنقل، ويتعامل مع الواقع المحلي والدولي بالمرونة والاستيعاب، مع تطعيمه من الخطاب الصوفي بما يغطي الناحية الوجدانية والقلبية والتربية الروحية[3].

أكاديمية الداعية المعاصر والدعاة الجدد:

تركز أمريكا ومن خلفها أوروبا على التواصل مع نوعية جديدة من الدعاة تستطيع أن تنفذ المشروع الحضاري المزعوم في الدعوة، وتكرس لانصياع الإسلاميين للإرادة الغربية في التعامل مع الرؤية الإسلامية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، ونشر الفكر الانهزامي الذي يقبل بالاحتلال والهيمنة الغربية، ولا يتحرك إلا في الإطار الذي تنشده وتنظر له، وخير مثال لهذه النوعية من الدعاة مشروع أكاديمية الداعية المعاصر الذي يعرفه أصحابه بأنه مشروع لتدشين أكاديمية تعليمية لتوفير نماذج دعوية تمزج علوم الشرع بعلوم الاجتماع البشري، بغية تكوين عقل قادر على تقديم حلول شرعية لمشاكل الأفراد والمجتمعات، ويعتبرون هذه المشروع لبنة حضارية إيمانية تجدد وظيفة العالم في المجتمع.

أهداف إنشاء الأكاديمية:

1- إمداد مصر والعالم الإسلامي بالدعاة ذوي الإدراك الواعي بالواقع المعيش بإدراك حالته الراهنة وأصول الحضارة الحديثة وعلومها، والقدرة على التنمية الحضارية الإيمانية.

2- نشر علم وفن الإفتاء، وتخريج العقول القادرة على تقديم حلول إسلامية حضارية مبتكرة للقضايا والمشاكل الأساسية التي تواجه المجتمعات الإسلامية.

3- تدريب رجال الأزهر المتفوقين ليقوموا بنشر الدعوة الإسلامية الوسطية من خلال المراكز الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وكذلك من خلال وسائل الإعلام والبرامج الفضائية والإذاعية[4].

__________________

[1]- من الغزو الفكري إلى حرب الأفكار.. قراءة في أساليب الغارة على العالم الإسلامي - التقرير الاستراتيجي للبيان الإصدار الحادي عشر 1435 هـ.

[2]- جمال محمد بواطنة، تجديد الخطاب الديني المعاصر ضرورة ملحة.. بحث مقدم لمؤتمر تجديد الخطاب الإسلامي، القاهرة 2012م.

[3]- د. جمال فتحي نصار، رؤية معاصرة في تجديد الخطاب الإسلامي بحث مقدم إلى مؤتمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيروت 2011.

[4]- موقع أكاديمية الداعية المعاصر على الفيسبوك.

 

د. أحمد محمود السيد