الإمامة العظمى ومكر أعداء الله
لا تكاد توجد حقيقة من حقائق هذا الدين إلا تعرضت للدس والتشويه من قبل أعداء الدين الظاهرين، ومن قبل من دخلوا عليه بتصورات غريبة عنه وأرادوا إدخالها فيه وجعلها من حقائقه.
لا تكاد توجد حقيقة من حقائق هذا الدين إلا تعرضت للدس والتشويه من قبل أعداء الدين الظاهرين، ومن قبل من دخلوا عليه بتصورات غريبة عنه وأرادوا إدخالها فيه وجعلها من حقائقه.
ولما كان موضوع (الإمامة العظمى) من أهم الأمور وأخطرها لأنه الحارس لهذا الدين، واليد الطولى لنشره والذود عن حماه من عبث العابثين وطمع الطامعين، فقد كان لهذا الموضوع وافر الحظ والنصيب من هذا التشكيك والتدنيس منذ أول عصر هذه الأمة وإلى يومنا هذا.
أما في العصور المتقدمة فلا يخفى ما لعبد الله بن سبأ اليهودي وأعوانه من إدخال تصورات وثنية قديمة على هذا الموضوع، ومن ثم تقبلها وتتلمذ عليها وآمن بها الرافضة من بعده، حتى جعلوها الركن الأساسي من أركان دينهم، وجعلوا الأئمة في سلالة معينة من آل البيت، وجعلوا لهم من الأوصاف ما لا يليق إلا بالله عزوجل، أو بأنبيائه صلى الله عليهم وسلم، كالعلم بالمغيبات والعصمة، بل جعلوهم في منزلة فوق النبوة، واعتقدوا فيهم الرجعة وتناسخ الأرواح، وما إلى ذلك من التصورات الوثنية البحتة.
واستمر هذا الاعتقاد سائراً حتى يومنا هذا، وأصبح يجاهد في سبيله، ويقاتل في نشره بالمدافع والطائرات.
أما ما تعرض له هذا الموضوع في أذهان غير الرافضة ممن يدعون أنهم من أهل السنة في العصر الحديث فلا يقل خطراً عن سابقه.
فأعداء هذا الدين حينما عزموا على الإطاحة بالدولة العثمانية، عندما انتابها الضعف والانهيار، بقدر بعدها عن التمسك بحقائق هذا الدين، كانوا يعلمون أنهم وإن أطاحوا بها، فإن الطاقة التي في نفوس هذه الشعوب ستتحول إلى حركة وإلى مجاهدة، فلابد من العمل الدائب على إخماد هذه الطاقة بالحيلة تارة وبالدس أخرى، وبالقوة حيناً آخر، فنشأت فكرة فصل الدين عن الدولة، وقام بها أناس يحملون اسم الإسلام وبأسماء إسلامية أخذوها عن الغرب الجاهلي وديانته الباطلة، فبدأت الحملة الشرسة في تقرير أن الدين ما هو إلا علاقة بين العبد وربه، لا دخل له في الحياة، أو أنه مجرد ركيعات تؤدى في المسجد، أو أدعية وأذكار تردد، أو طقطقة مسابح في زوايا معزولة، واستمرت هذه المعركة حتى آمن بها كثير من ضعاف العقول من المسلمين.
ولما مات هذا الرجل المريض (الدولة العثمانية) تقاسمت كلاب الدنيا هذه التركة وغرست الفرقة والنفور بين أبناء المسلمين، وصرفت الولاء إلى التراب أو إلى العرق والقبيلة، بدلاً من الولاء والحب في الله ولله، واستمر ذلك فترة حتى تتلمذ على أيديهم من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، فانسحبوا ظاهراً، وأعلنوا استقلال هذه الدويلات الصغيرة الصوري -وذلك بعد مقاومة عنيفة من أبناء المسلمين- وإن كانوا جعلوا مكانهم عبيداً لهم ربوهم على أيديهم وبأفكارهم، يأمرونهم فيطيعون، وينصحونهم فيستجيبون، فكانوا خدماً لهم، ورعاة على مصالح أسيادهم المقدمة على مصالح شعوبهم، وبهذا أحكموا السيطرة على بلاد المسلمين، وفرضوا العلمانية (اللادينية) على هذه الشعوب المغلوبة على أمرها، وأبعدوا الدين عن كل شيء اسمه الحكم، لكن هذه الطاقة الكامنة في قلوب الفئة المؤمنة لم تنطف، وإنما بدأت التحركات، وعلت الصيحات تنادي في كل مكان: لابد من حكم إسلامي، ولابد من سياسة الدنيا بهذا الدين، ولابد من تحرير الولاء لله وحده لا لشرق ولا لغرب.
بعد هذه الصيحات تنبه أعداء الله أنه لابد من القضاء على هذه الفكرة وطمس مفاهيمها، بعد القضاء على حقيقتها وواقعها، ولم يكتفوا بتجنيد أبناء دينهم -المستشرقين- بل استخدموا بعض أدعياء العلم والدين من هذه الأمة، كما انضمت إليهم من المتطوعين المنتسبين للإسلام ، فهرعت الأقلام لتكتب عن نظام الحكم في الإسلام ، فهناك من أنكر أن يكون في الإسلام نظام حكم، أو أنه يدعو إلى إقامة دولة إسلامية، وآخر لم يمانع أن يكون الشعب مسلماً والحكومة لا دينية، بل ويذهب إلى أن قيام حكومة إسلامية في هذا العصر من المستحيلات.
عبد الله بن عمر الدميجي
عميد كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى
- التصنيف:
- المصدر: