خطب مختارة - [51] التاريخ الهجري شعيرة إسلامية
إن الدين لا يَبقى إلا ببقاء شعائره وإظهارها، وعند المسلمين من تعدد الشعائر وإظهارها ما ليس عند أصحاب الديانات الأخرى، وأعداء الإسلام من الكفار والمنافقين يجتهدون في توهين هذه الشعائر في قلوب المسلمين؛ لأنه لا سبيل إلى صرفهم عن دينهم إلا بإلغاء شعائرهم أو تحريفها أو إفراغها من معانيها الإيمانية؛ لتكون تقاليد عرفية ليس لها أثر عليهم، مع ضعف حرصهم عليها.
الخطبة الأولى:
إن الدين لا يَبقى إلا ببقاء شعائره وإظهارها، وعند المسلمين من تعدد الشعائر وإظهارها ما ليس عند أصحاب الديانات الأخرى، وأعداء الإسلام من الكفار والمنافقين يجتهدون في توهين هذه الشعائر في قلوب المسلمين؛ لأنه لا سبيل إلى صرفهم عن دينهم إلا بإلغاء شعائرهم أو تحريفها أو إفراغها من معانيها الإيمانية؛ لتكون تقاليد عرفية ليس لها أثر عليهم، مع ضعف حرصهم عليها.
ومن أوائل الشعائر التي حاربها الأعداء: اللغةُ العربية لأنها شعار الإسلام ووعاؤه، وكذلك التاريخ الهجري؛ لأن فيه تميزًا عن الأمم الأخرى في مواقيتها. أما اللغة العربية فحاربوها أيام الاستعمار والتغريب ولا يزالون، وأحلَّوا لغة المستعمر محلها، وزاحموها باللغات الأجنبية وباللهجات العامية، ونفروا الناس منها ومن آدابها وحماتها، وقلصوا منهاجها؛ حتى قلَّ المجيدين لها والمتحدثين بها بإتقان في كثير من بلاد المسلمين العرب، فكيف في غيرها من بلاد المسلمين.
وأما التاريخ الهجري فالمساومة عليه قديمة؛ إذ طلبت الدولةُ العثمانية قبل قرنين مساعدةً من فرنسا وألمانيا وانجلترا فوافقوا بشروطٍ كان منها: إلغاءُ التقويم الهجري في الدولة. وفي القرن الماضي طلب خديوي مصر من فرنسا وانجلترا قرضًا لحفر قناة السويس، فاشترطوا شروطًا كان منها: إبدال التقويم الميلادي بالتقويم الهجري بعد إلغائه.
ومن شعائر الإسلام والمسلمين الجهر بالآذان للصلوات؛ وفي أكثر دول الغرب -إن لم يكن كلها- يُمنع الجهر بالآذان في مكبرات الصوت بحجة الإزعاج ؛ بينما نواقيس الكنائس توقظ النيام بإزعاجها في يوم الأحد، والموسيقى الصاخبة تصم الآذان في الأسواق والأماكن العامة ولا تُمنع!! مع أنها بلادٌ تدّعي حريةَ ممارسةِ الشعائر لجميع الأديان دون تحيز.
ومن شعائر الإسلام حجاب المرأة المسلمة والحرب على شعيرة حجاب المرأة ونقابها على أشدها، ومن منعوه في بلاد الغرب صرحوا بأنه رمز ديني من رموز دين الإسلام، بينما تركوا رموز الديانات الأخرى وشعائرها الظاهرة ولم يتعرضوا لها؛ لنوقن أن هذه الشعائر الظاهرة التي قصدها الشارع الحكيم مع كونها هويةً وتميز فلقد كانت سببًا قويًا في هداية كثير من الغربيين للإسلام حتى أضحى الإسلام ظاهرة ترعبهم، بينما لم تؤثر شعائرُ أصحاب الديانات الأخرى في المسلمين. ومهما عملوا لتبديل الإسلام، أو صرف الناس عنه فلن يفلحوا؛ فإن دين الله تعالى أقوى من أديان الشيطان، وسيغلب حقُنا باطلَهم بإذن الله تعالى.
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} [التوبة:32-33].
ولو نظرنا في أكبر أمة ضالة عن الهدى في هذا العصر وهم النصارى لوجدنا أن أكبرَ شعارٍ في دينهم يتفقون عليه هو الصليب الذي هو رمز لاعتقادهم أن المسيح صلب عليه، ومن شعائرهم عيد الفصح، ثم يوم الصلب، فعيد القيامة الذي يزعمون أن المسيح قام بعد صلبه ورفع للسماء، وهذه الشعائر تمتد إلى خمسين يومًا، وهي مبنية على أساس أن المسيح ابنُ الله تعالى، وأنه مصلوب؛ ليتحمل آلام وخطايا البشرية، فهي شعائر تكرس الشرك بالله؛ لأن غايتهم عبادةُ المسيح عيسى عبد الله ورسوله عليه السلام مع الله تعالى.
ثم لو نظرنا إلى أكبر طائفة بدعية في الإسلام وهي الإمامية الاثني عشرية فإنهم فعلوا مع الحسين رضي الله عنه ما فعلت النصارى مع المسيح عليه السلام، وجعلوا الحسين رضي الله عنه هو غايةَ دينهم، وحوّلوا يوم قتله إلى مأتمٍ نسجوا له كمّاً كبيرًا من الشعائر البدعية؛ من اللطم والبكاء والنوح والإدماء والزحف والتغني بالمراثي، واختراع القصص في الحسين وآله رضي الله عنهم، على غرار اختراع النصارى في آلام المسيح ونهايته عندهم.
ومن نظر إلى حال هاتين الأمتين: النصرانية والإمامية بان له لِمَ عُظّمت شعائرُ الله تعالى في الإسلام، ولِمَ كان التشديد في النهي عن التشبه بالكفار، وعن الابتداع في الدين؛ إذ إن التشبه يقود المسلمين إلى شعائر النصارى، والابتداع في الدين يجعلهم كالإمامية في شعائرها المبتدعة، وكل ذلك ممنوع؛ لأنه يؤدي إلى ظهور الشعائر الكفرية والبدعية، والذي به تضمحل الشعائر الشرعية التي ارتضاها الله تعالى لنا دينًا، وجعلها لنا شِرْعة ومنهاجًا.
وفي هذه الأيام تجتمع أعياد الأمة النصرانية بميلاد المسيح ورأس السنة مع مآتم الإمامية في قتل الحسين رضي الله عنه، وتنقل هذه الشعائر للمسلمين في كثير من الفضائيات والإذاعات وغيرها، والواجب على المسلمين الحذر من المشاركة فيها، لأن كلّ ذلك من المشاركة في شعائر الكفر، والرضا بها، وهذا فيه تعظيم لشعائر الكفر أو البدع. والعياذ بالله . كما أن مِن شُكر الله تعالى على نعمة الإسلام والسُنَّة بغضَ شعائر الكفر والبدعة، وتحذيرَ الناس منها، وبيانَ بطلانها؛ ليكون الدينُ كلُّه لله سبحانه وتعالى. {وَلله العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة المؤمنون، إن التاريخ الهجري السنوي لم يكن معمولًا به في أول الإسلام، حتى كانت خلافةُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له: "إنه يأتينا منك كُتُبًا ليس لها تاريخ"، فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم، فيقال: إن بعضَهم قال: أرِّخوا كما تؤرّخ الفرسُ بملوكها، وكلما هلك ملَِِك أرَّخوا بولاية مَنْ بعده، فكره الصحابة ذلك، فقال بعضهم: أرّخوا بتاريخ الروم، فكرهوا ذلك أيضًا، فقال بعضهم: أرّخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: من مبعثه، وقال آخرون: من مهاجره، فقال عمر: الهجرة فرَّقت بين الحق والباطل، فأرِّخوا بها، فأرَّخوا من الهجرة، واتفقوا على ذلك. ثم تشاوروا من أيِّ شهر يكون ابتداء السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، وقال بعضهم: من ربيعٍ الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجِرًا، واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم لأنه شهر حرام يلي ذا الحجة الذي يؤدّي فيه المسلمون حجَّهم الذي به تمام أركان الإسلام والذي كانت فيه بيعةُ الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمةُ على الهجرة، فكان ابتداءُ السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرّم.
وبدأ العمل بالتاريخ الهجري في ربيعٍ الأول من السنة السادسة عشرة من الهجرة النبوية، فوجب على المسلمين الإذعانُ لهذا التاريخ الهجري والحرص عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «
» [منهاج السنة: 4/164]. فنحن أمةٌ متميزة، لا بد أن تكون كذلك؛ لأن الله أرادها أن تكون كذلك. وليس التاريخ مجرد أرقام تكتب هكذا أو هكذا، وإنما هو هوية أمة، وأساس عبادات، وارتباط برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.ونختم هذه الخطبة بتنبيهين: الأول: يظن بعضُ الناس أن الأعمال ترفع والصحف تطوى نهاية العام الهجري؛ وهذا لا أصل له؛ قال ابن القيم: "عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق أنه شهر ترفع فيه الأعمال، ويعرض عمل الأسبوع يومَ الاثنين والخميس، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار، وإذا انقضى الأجلُ رُفع عَمَلُ العمرِ كلُّه وطويت صحيفة العمل" (تهذيب السنن)
التنبيه الثاني: الحذر من جعلِ بداية السنة الهجرية موطنًا لتبادل التهاني الدينية؛ لأن ذلك فيه تشبه بالنصارى وابتداع في الدين. اللهم ارزقنا الاعتزاز بشعائر ديننا والمحافظة عليها.
- التصنيف:
- المصدر: