حول إنكار (صفات الله): لا حجَّة لقول الأدعياء !
منذ 2010-02-05
استمعت إلى كلام تفوَّه به: (صلاح أبو عرفة) حول صفات الله تعالى؛ ومحاولة إنكار هذا اللفظ الذي دَرَجَ عليه علماء الإسلام، ومحاولته إنكار التلفظ بهذه الكلمة، فالرجل مشكلته الكبرى في الكون والحياة في إطلاق لفظ: (صفات الله) عن الله تعالى...
(عرض ومناقشة لما طرحه صلاح أبو عرفة في أشرطته)
بقلم: خباب مروان الحمد
khabab1403@hotmail.com
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، وصلَّى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين أمَّا بعد:
فقد استمعت إلى كلام تفوَّه به: (صلاح أبو عرفة) حول صفات الله تعالى؛ ومحاولة إنكار هذا اللفظ الذي دَرَجَ عليه علماء الإسلام، ومحاولته إنكار التلفظ بهذه الكلمة، فالرجل مشكلته الكبرى في الكون والحياة في إطلاق لفظ: (صفات الله) عن الله تعالى، وقد استمعت لشريطين من أشرطته المسجَّلة والمنشورة على موقعه المسمَّى: (أهل القرآن) وفهمت ووعيت مراده ومقصده جيداً، وسمعت كلامه مرتين!!
فالمرَّة الأولى: للاهتداء إلى الحق والبصيرة فيه إنْ كان ما قاله صوابًا، ولئلاَّ أقوِّل الشخص ما لم يقل!
والمرَّة الثانية: لتأكدي أنَّ ما كان يقوله في هذا الأمر ضرب من الانحراف، وخلل في الاعتقاد والإيمان وملَّة الإسلام، واستكبار على إخوانه من علماء المسلمين ورميهم بأبشع العبارات وأقذع الكلمات!!
فوجدته والعياذ بالله على أسوأ ممَّا تصورَّت، فحذلقة في الكلام، وصياح وصراخ لإقناع الخصم، واستخدام لوسائل عاطفيَّة للتأثير والتشويش على المخالف، بل يزيد الطين بلَّة، أقواله السمجة التي سمعتها منه في أشرطته فكانت إضافة على ما ذكرته عنه ضغثاً على إبَّالة، فحسبي الله ونعم الوكيل!!
•عرض لكلام صلاح أبو عرفة حول صفات الله:
وسأسوق كلامه بحذافيره بين علامتي تنصيص، وما أسوقه من كلامه مستقى من أشرطته أنَّ إطلاق: (صفات الله) على الله والقول بها فهو على حدِّ قوله: (من أشد البدع والإحداث في دين الله ورسوله).
ويقول كذلك: "الصفات هي البدعة التي ابتدعها علماء الكلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
بل يرى أنَّ قول العلماء بلفظ صفات الله عن الله: "أنكى نكاية في دين الله من الإحداث وذلك لأنَّها ليست من إحداث العوام بل لأنَّ هذا من إحداث العالِم وإحداث العالِم أشد من إحداث العوام"!!!.
ويقول: "أنَّ من جاء وعَبَدَ الله بالأسماء والصفات فهو مبتدع مبدِّل مُحدِث ولو شفتوها بالكتاب ولو على الفضائيات ولو قالها رجل معه مائة شهادة دكتوراة"!!
ويقول كذلك: "الإشكال في الصفات ولسنا مضطرين للقول في الصفات ويكفي أن نعلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلَّم في الصفات"!!
ويقول: "لقد قال ابن عمر: كل بدعة سيئة ولو رآها الناس حسنة. ثم قال صلاح أبو عرفة: وعلى رأس رأس البدع الصفات".
وكذلك يقول: "مجرَّد أن تقول أنَّ الله وصف المؤمنين أو وصف الجنَّة فأنت شتمت الله"!!
ويرى كذلك أنَّ: "الصفات شتيمة لله ومجرَّد أن تعبد الله بالصفات فهي شتيمة لله"!!
وحينما ساق كلاماً نقله عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو: "ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأنَّه له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا" قال (صلاح أبو عرفة): "إنَّ ابن عثيمين حينما قال الصفات العليا عن الله فإنَّه شتم الله شعر أم لم يشعر! وأنَّه كَذَبَ على الله!" ثمَّ رقَّع كلامه بالترحم على الشيخ ابن عثيمين!!
ولهذا فإنَّ الرجل كما قلت في البداية لديه مشكلة مع لفظ: (صفات الله) وعليه نحاول أن نفهم قوله في ذلك، ومنطقه الذي يدل على جهله وقلَّة أدبه مع الله ومع علماء الإسلام!!
وعلى العموم فلقد ردَّد (صلاح أبو عرفة) أقوال الجهميَّة والمعتزلة من حيث يدري أو لا، كما سنبينه لاحقاً والله المستعان ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
وإني أستغرب من شخص ينتسب للإسلام بل يدعو إليه، كيف يقحم نفسه، في التحدث بأمور ليس له فيها كبير إنعام؟! بل نراه يتحدَّث بالغرائب ويجمع الناس حوله ليحكي لهم العجائب، والعجب العجاب أن نجد الناس حوله زرافات ووحدانًا، عدا التعصب لقوله، والتقليد الأرعن لكلامه، والهوى المقيت من قِبَلِ أغلب طلاَّبه ومريديه!!
ولقد خرجت عنه عدَّة عبارات، وسمعنا من أقواله ضروباً من المقالات، والأفكار، والمعتقدات الجائرات، فلم أستغرب ما ذكرته عنه من ضلال في الفكر وانحراف في الفهم وخلل في الاعتقاد الذي خالف به جادَّة أهل السنة والجماعة رحمهم الله ورضي عنهم، وسأحاول قدر الإمكان الرد عليه بنوع من التوضيح لكي تنقشع حجَّته، وتطوَّح أدلَّته، ومن الله القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.
فإن أصبـتُ فـلا عجــب ولا غــرر *** وإن نقصت فإنَّ الناس ما كملوا
والكامل الله في ذات وفي صفة *** وناقص الذات لم يكمل له عمل
•جواباً عن الشبهات التي طرحها (صلاح أبو عرفة):
أمَّا ما ذكره: "بأنَّ الصفات من أشد البلاء الذي ابتلي به المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم؟".
فالجواب عن ذلك: إنّ من يزعم أنَّ القول بإثبات صفات الله تعالى من أشدِّ البلاء الذي ابتلي به المسلمون بعد نبيهم صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّه قائل على الله بالباطل، ومنتهج سبيل ضلالة وردى، بل أبعد النجعة عن سبل الهدى.
فماذا يقول هذا القائل في وصف الله تعالى لنفسه بصفات كثيرة في الكتاب الكريم؟
وماذا هو قائل بوصف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ربَّه تبارك وتعالى بالصفات الحميدة اللائقة به سبحانه؟
وماذا يجيب عن وصف الصحابة والتابعين الله تعالى بالصفات اللائقة به؟!
لقد أقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي الجليل حينما كان يحب قراءة سورة الإخلاص فحينما سئل عن سبب تكراره لقراءة هذه السورة العظيمة فأجاب: (لأنها صفة الرحمن).
والحديث وارد عن الصحابية الجليلة عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لأي شيء صنع ذلك؟» فسألوه. فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخبروه: أن الله تعالى يحبه» .
وعن هذا الشخص الذي كان يقرأ سورة الإخلاص فقد ذكر الإمام ابن حجر أنَّ اسمه كرم بن زهدم، وقال: "ذكره الحافظ رشيد الدين بن العطار في حاشية المبهمات للخطيب فيما قرأت بخطه وقال: هو الذي كان يصلي بقومه ويقرأ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} الحديث وفيه قوله إنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها وذكر أنه نقل ذلك من صفة التصوف لابن طاهر ذكره عن عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده عن أبيه".
وذكر الإمام ابن حجر رحمه الله نقلاً عن ابن التين قوله: "إنما قال إنها صفة الرحمن؛ لأن فيها أسماءه وصفاته، وأسماؤه مشتقة من صفاته، وقال غيره: يحتمل أن يكون الصحابي المذكور قال ذلك مستندًا لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إما بطريق النصوصية وإما بطريق الاستنباط".
ثمَّ ذكر ابن حجر عن ابن دقيق العيد قوله: "لأنها صفة الرحمن" يحتمل أن يكون مراده أن فيها ذكر صفة الرحمن كما لو ذكر وصف فعبر عن الذكر بأنه الوصف وإن لم يكن نفس الوصف، ويحتمل غير ذلك إلا أنه لا يختص ذلك بهذه السورة لكن لعل تخصيصها بذلك؛ لأنه ليس فيها إلا صفات الله سبحانه وتعالى فاختصت بذلك دون غيرها" ا.هـ.
وقد احتجَّ ابن تيمية بهذا الحديث فقال: "وفي الصحيح أيضًا أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: سأل الذي كان يقرأ بـ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} سورة الإخلاص في كل ركعة وهو إمام فقال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن فقال: «أخبروه أن الله يحبه» ، فأقره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على تسميتها صفة الرحمن. وفي هذا المعنى أيضًا آثار متعددة، فثبت بهذه النصوص أن الكلام الذي يخبر به عن الله صفة له، فإن الوصف هو الإظهار والبيان للبصر أو السمع، كما يقول الفقهاء: ثوب يصف البشرة أو لا يصف البشرة، وقال تعالى: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} [الأنعام: 139]، وقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]".
ولو كان قول ذلك الصحابي من البلاء لأجابه صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّ ذلك من البلاء، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما يقول علماء الأصول، فكيف إذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقر ذلك الرجل على قوله : "لأنها صفة الرحمن"، فصار هذا اللفظ من قبيل السنَّة التقريريَّة ممَّا صدر عن الصحابة من أقوال أو أفعال؛ بسبب سكوته وعدم إنكاره صلَّى الله عليه وسلَّم، أو بموافقته صلَّى الله عليه وسلَّم واستحسانه قول ذلك الصحابي.
فأي بلاء يدَّعيه هذا الرجل وهو يخالف نهج سلف هذه الأمَّة الأكارم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم وسار على دربهم واقتفى أثرهم ونحا نحوهم إلى يوم الدين؟!
بل إنَّ البلاء العظيم بالتطرق في الحديث عن الله تعالى بما لم ينقل من كتاب الله وما صحَّ من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحيل أن يجيء شخص بعد عصر الرسالة يهدى لحق لم يهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحم الله ابن القاسم حينما نقل عن الإمام مالك قوله: "لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها".
إنَّ صفات الله عز وجل وغيرها مِن مسائل الدين لا يمكن أن تأتي للأمة بالبلاء؛ فإِنَّنا نعلم يقيناً وضرورة أنَّ الإسلام إنما جاء لسعادة البشرية لا لشقائها، ولرحمتها لا لعذابها، فكانت الصفات التي هي جزءٌ مِن الدين مشتملة على هذه المعاني أيضًا بشكلٍ أو بآخر، وإنما يأتي البلاء مِن خارج الدين، ممن يحاربون أهله، أو يُلحدون في نصوصه، أو يتأوَّلونه على غير مراده، فبان أن الدين لا بلاء فيه، وأن البلاء مِن صنع البشر الذين يتلقَّون هذا الدين، فمن أخذه بحقِّه، واتَّبع سبيل المؤمنين في فهمه، فاز ونجا وكان الدين له سعادة وهناءة، ومَن حرَّف وبدَّل وغيَّر، فله مِن الشقاء بحسب تبديله وتغييره وتحريفه وعداوته للنصوص. وهذا ظاهرٌ واضحٌ لا يحتاج لبرهان.
على أنَّ: (صلاح أبو عرفة) قد ردَّ الحديث الوارد سابقاً عن عائشة، وقول ذلك الصحابي عن سبب محبته لقراءة سورة الإخلاص لأنَّها: "صفة الرحمن" وادَّعى أنَّ الحديث شاذ، مع أنَّ الحديث ثابت صحيح، ولم يتكلَّم به أحد من علماء الحديث، فهو من رواية الإمام البخاري سمعه من أحمد بن صالح قال أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة .... وذكر الحديث.
وهو من رواية الإمام مسلم يرويه عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدَّثه عمه عبد الله بن وهب حدَّثه عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة ... وروى الحديث.
وهو من رواية الإمام النسائي رواية عن سليمان بن داود عن ابن وهب قال حدَّثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة عن عائشة .... وساق الحديث.
والعجب أنَّ هذا الشخص (صلاح أبو عرفة) لم يعلم عنه إطلاقاً وحتَّى طلاَّبه يعلمون قطعاً أنَّه ليس بمحدِّث أو بمشتغل في علم الحديث، فكيف يتجرَّأ على تضعيف حديث ثابت في صحيحي البخاري ومسلم، ويقول عن هذا الحديث بأنَّه شاذ؟
هل سبقه أحد بذلك فقال عن هذا الحديث الذي ادَّعى زوراً وبهتاناً أنَّه شاذ؟
أم لأنَّ الحديث ناقض قوله وخالف رأيه فرمى به وأعرض عنه؟
إنَّ الغريب أنَّه يُشعر الناس وكأنَّه قد وفِّق لهذا القول الباطل، وأنَّه يدور مع الكتاب والسنة حيث دارَا، ولكنَّه وللأسف حينما يتعارض الحديث مع قوله وفكره ورأيه فما أسرع أن يضعِّف الحديث وبكل جرأة، والعجب كذلك أنَّه بعد اكتشافه الخطير لشذوذ هذا الحديث، يدَّعي زوراً وبهتاناً على أهل الحديث فيقولهم كلاماً لا يقولون به مطلقاً حيث يقول: "فواضح أنَّ هذه اللفظة بحكم أهل الحديث أنَّ لفظة : "صفة الرحمن" شاذة!!" كما في الشريط الذي تكلَّم فيه عن هذا الحديث، وإنكار لفظ: (صفات الله).
وهذا كذب على أهل الحديث وتقويل لهم بكلام لم يقولوه ولم يلتزموه، بل إنَّ أهل الحديث يقولون بخلاف ما يدَّعيه هذا الذي يكذب عليهم والذي يقال له: (صلاح أبو عرفة)!
وإني أقول لـ: (صلاح أبو عرفة) إن قصدت بالشاذ ما ذكره أهل العلم، ومنهم الإمام الشافعي بأنَّه: "أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس"، فليس ما حكمت عليه بالشذوذ يصلح لحجَّتك، فالإمام الشافعي قال عَقِبَ ذلك: "وليس من ذلك أن يروي ما لم يروِ غيره" كما زعمت أنَّ صاحب هذا الحديث روى ما لم يروِ غيره، أو أنَّ هذا الثقة خالف رواية الثقات، فليس الشاذ يتطابق مع ما ذكرته، وإن قصدت أنَّه شاذ بمعنى مطلق التفرد، فلم يعلَّ علماء الإسلام الحديث بمطلق التفرِّد هكذا وبدون أي تفصيل!
وعلى فرض التسليم بتفرِّد سعيد بن أبي هلال، فإنَّنا نعلم أنَّ أهل العلم لا يردون سائر التفردات ولا يقبلونها بإطلاق، وإنَّما الأمر كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "لهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه".
وتأسيساً على ذلك فلا حجَّة لمن ضعَّف هذا الحديث ولا أعرف أحداً قال بذلك سوى الإمام ابن حزم، حيث قال إن في سنده سعيد بن أبي هلال، وفيه ضعف، فكلامه مردود منقوض وذلك لأمور:
أولاً: أنَّ ابن حزم متأخر عن أهل العلم الذين تكلموا في سعيد بن أبي هلال، فقد توفي ابن حزم في سنة 456هـ أي في القرن الخامس الهجري، وهنالك الكثير من العلماء المتقدِّمين الذين عرفوا حال سعيد بن أبي هلال أكثر من ابن حزم، ولم يقولوا فيه ما قاله ابن حزم!
ثانياً: أنَّ ابن حزم في تضعيفه وتجهيله للرجال لا يغترُّ بكلامه حينما يتحدَّث عنهم فهو متسرِّع في الحكم على الرجال كما هو معلوم، حتَّى إنَّه جهَّل بعض الأئمة، بل قد يجهِّل ويضعِّف كذلك بدون بيِّنة أو حجَّة.
ثالثًا: بعد البحث والاستقصاء والتفتيش عن حال سعيد بن أبي هلال وجدناه ثقة ثبتاً، لم نجد من حكم بضعفه، فلقد وثَّقه ابن سعد، وابن خزيمة، والدار قطني ، والخطيب البغدادي، وابن عبد البر، وابن حبَّان، وقال عنه الإمام أحمد : مدني لا بأس به، وقال عنه أبو حاتم: لا بأس به، ووثقه ابن رجب، بل حكى ابن حجر الاتفاق على الاحتجاج به وأنَّه لا يلتفت إلى من ضعَّفه، وكأنَّه يعتبر رأي ابن حزم شاذ وخارج عن النسق الصحيح.
رابعاً: حديث عائشة: "لأنَّها صفة الرحمن" لم يتعقبه أحد من علماء الإسلام بل قد تواتروا على تصحيحه، ونحن نعلم أنَّ الإمام البخاري انتقى أحاديث صحيحه انتقاءً، وكان شرطه في قبولها محل تشديد وتريث، حتَّى إنَّه ما كان يضع حديثاً إلاَّ ويستخير الله قبل وضعه في صحيحه، وهذا الحديث المذكور منها، فهو محل قبول الأمَّة، ولم يتعقبه العلماء برد، فقد ذكر ابن رجب هذا الحديث، واحتج به على مسائل عدَّة ولم يتطرق لنقده، وكذلك الذهبي روى هذا الحديث ولم يتعقبه كعادته في تعقب التفردات والتنبيه على بعض الأوهام، ونقله ابن كثير في تفسيره عن البخاري ولم يتعقبه، والبيهقي ألَّف كتاباً في الصفات نصر فيه الأشاعرة في عدَّة مواضع وخالف أهل السنَّة والجماعة؛ لكنَّه ذكر هذا الحديث ولم يتعقبه بشيء، وكذلك المنذري أورد الحديث معزواً للبخاري ومسلم والنسائي ولم يتعقبه بتفرد ولا غيره، ونحوهم النووي ذكره في رياض الصالحين، ولم يتكلَّم فيه، وهذا كله يدل على تلقي أهل العلم للحديث بالقبول.
أفنصدق هؤلاء الأئمة الأثبات وهم أهل التخصص أم نصدق صلاح أبو عرفة الذي لا ناقة له ولا جمل في علم الحديث!!
إنَّ من ردَّ هذا الحديث فهو كما لو جاء شخص وردَّ أحاديث ثابتة في البخاري كحديث: «إنَّما الأعمال بالنيات» ، وقال إنَّ هذا الحديث شاذ بسبب التفرد، ولأنَّ فيه محمد بن إبراهيم التيمي، وأنَّ الإمام الذهبي نقل عن الإمام أحمد أنَّه قال عن محمد بن إبراهيم التيمي: "في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير أو منكرة".
ثمَّ زاد البليَّة على كلامه فقال: إنَّ هذا الحديث معلول لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قاله على المنبر، ولم يروه غير الصحابي الجليل عمر بن الخطَّاب، فكل هذه قوادح في الحديث، تدل على بطلانه!!
فمن قال هذا الكلام فإنَّ كلامه يعدَّ أضحوكة بين علماء الحديث، فظاهره تأصيل وباطنه خبل يدل على العقل الكليل، والذي فضح صاحبه على رؤوس الأشهاد لأنَّه تحدَّث في غير فنِّه فأضحك الناس على عقله، وأتى بالعجائب!!
خامسًا: أنَّ ابن حزم نفسه والذي تكلم في الحديث المذكور سابقًا، أثبت لفظ الصفات في موضعين صريحين في كتبه، وسنأتي على ذكرهما إن شاء الله تعالى في الموضع المناسب لذلك.
وبناءً على ذلك، فلقد أطبق علماء الأمَّة على القول بصفات الله؛ ومنهم التابعون والذين وصفهم صلاح أبو عرفة في أشرطته بأنَّهم من خير القرون التي شهد لهم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، فلقد قال التابعون كذلك بصفات الله، ولو تجشَّم (صلاح أبو عرفة) شيئاً من العناء لوجد في كتب أهل العلم نقولاً كثيرة في ذلك وبالتصريح كذلك باسم: (صفات الله) أو: (صفة الله) فليذهب لكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ولكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة للالكائي، وكتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني، وكتاب الإبانة عن أصول الديانة لابن بطَّة العكبري، والشريعة للآجري، والعظمة للأصبهاني، وغيرهم من علماء السنَّة.
ولتنظر معي إلى أقوال أئمة المذاهب الأربعة وكيف أنَّهم جميعاً أطبقوا على القول والتلفظ بصفات الله.
أ) فالإمام أبي حنيفة رحمه الله يقول: "لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه أحدٌ لم يلم ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حيٌّ قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه".
وكذلك يقول في الفقه الأكبر، عن الله جلَّ وعلا: "و له يد ووجه و نفس، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه و اليد و النفس فهو صفات له بلا كيف، و لا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، و هو قول أهل القدر و الاعتزال، و لكن يده صفته بلا كيف".
ب) والإمام مالك بن أنس، حدَّث عنه أشهب بن عبد العزيز فقال: "سمعت مالكاً يقول: إيّاكم والبدع، قيل يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعِلْمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان".
وقال الوليد بن مسلم: "سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا: أمرِّوها كما جاءت بلا كيف".
ونحن نقول هنا لـ: (صلاح أبو عرفة) فهذا رأي مالك بن أنس يا من استدللت بقوله في شريطك المذكور، وقلت اسمعوا لجواب مالك بن أنس، ولا تسمعوا لكلامي، وها نحن كذلك نطلعك على جواب مالك بن أنس فما أنت قائل عنه؟
فهل ستقول عنه: هو كلب أو حمار؛ لأنَّه يزعم أنَّ لله صفات، كما قلت بعظمة لسانك كلَّ من يقول عن الله أنَّ له صفات فهو كلب أو حمار!!
أم أنَّك سترد كلام الإمام مالك لأنَّك تأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواك، وما لم يوافقه ترميه ولا تأبه له، بناء على فهمك الخاطئ والمغلوط؟
أم أنَّك ستترك ما لديك من بدعة محدثة وتتبرأ إلى الله من ذلك؟ وهو أحبّ إلينا من أن تبقى على قناعتك الخاطئة.
ج) والإمام الشافعي رحمه الله يقول: "لله أسماءٌ وصفاتٌ لا يسع أحدًا ردُّها، ومَن خالف بعد ثبوت الحُجَّة عليه فقد كفر، وأمَّا قبل قيام الحُجَّة فإنه يعذر بالجهل".
وقال في كتابه الرسالة: "والحمد لله... الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف به خلقه".
د) والإمام أحمد بن حنبل يقول: "لا يوصف الله إلاَّ بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث".
وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي نقل عن الإمام أحمد كتابه لمسدَّد وجاء فيه: "صفوا الله بما وصف به نفسه، وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه".
فقد ذكرت هنا جميع النقول الواردة عن أئمة المذاهب الأربعة في إثباتهم للصفات وتلفظهم بها، فكان ماذا؟ ألم يقولوا هذا القول وهم أئمة الإسلام وفقهاء الملَّة، وأهل اللغة العربيَّة
وانتقالاً لآراء أئمة الإسلام ومنهم الإمام البخاري رحمه الله، فقد بوَّب في صحيحه باباً فقال: "باب: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ} [الأنعام: 19]؛ فسمى الله تعالى نفسه شيئاً، وسمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً، وهو صفةٌ من صفاته)ا.هـ.
ونجد كذلك عن الفضيل بن عياض قوله: "ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف لأنَّ الله وصف نفسه فأبلغ فقل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4}} [الإخلاص 1: 4].
وهذا الإمام أبو جعفر الطحاوي يقول: "وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم. وعليه دين المسلمين، ومن لم يتوقَّ النَّفيَ و التشبيه، زلَّ و لم يُصِب التنزيه. فإن ربنا جل و علا موصوف بصفات الوحدانية".
وقال الإمام البيهقي: "فلله عز اسمه، أسماء وصفات، وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه".
والعالم أبا القاسم اللالكائي في أصول السنة ينقل عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما قوله: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليم وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا".
بل قال الحافظ ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله".
بل إنَّ ابن حزم نفسه الذي قال: "فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا اعتقاده بل ذلك بدعة منكرة" نجده رحمه الله قد خالف كلامه السابق في كتبه الأخرى، حيث قال: "وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ".
وقد جاء ذكر ابن حزم للصفات في موضع آخر صريح فقال: "وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز".
فهذه نصوص متواترة متتابعة قاطعة للسان كلِّ من يتقوَّل على أهل العلم، ويتطاول عليهم، فهم أعلم بالسنَّة منه، وأفقه بدين الله لكلِّ من زعم أنَّه من أهل القرآن، وأهل القرآن يتبرؤون من منطقه وقوله.
والسؤال الآن: هل كلُّ هؤلاء العلماء الكبار، والجهابذة الأخيار، كانوا يشتمون الله تعالى بقولهم وتلفظهم بصفات الله، لأنَّه على حد قول (صلاح أبو عرفة): (من يثبت لفظ الصفات فإنَّه يعتبر شتيمة لله تعالى) فهل كان علماؤنا يشتمون الله بتلفظهم بلفظ الصفات؟!
فسبحان من شرح صدورهم، وفتح على بصيرتهم، وطبع على قلوب مخالفيهم، فأعماهم الهوى عن نيل الحق كما نالوه، ولله في خلقه شؤون!
وصدق الإمام ابن تيمية وهو يقول: "فلا تعجب من كثرة أدلة الحق وخفاء ذلك على كثيرين فإن دلائل الحق كثيرة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقل لهذه العقول التي خالفت الرسول في مثل هذه الأصول: كادَها باريها، واتل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [الأحقاف: 26]".
وأمَّا الجواب عن قوله: (الصفات من أشد البدع والإحداث في الدين).
فأقول وبالله التوفيق: لعلَّ قائل هذا الكلام لا يدري حقيقة الكلام الذي يخرج من رأسه، فإنَّ البدعة تعريفها: ما أحدث في أمور الدين على غير مثال سابق.
وقد أثبتنا بأنَّ كلامه عارٍ عن الصِّحة، وبأنَّ أحاديث رسول الله، وأهل العلم قاطبة شاء أم أبى، جاءت على إثبات لفظ الصفات، فكان ما قاله هذا الشخص تقولاً على الله بالباطل وافتراء عليه سبحانه وتعالى، فصار قول هذا القائل بحد ذاته بدعة وإحداثاً في دين الله بما ليس فيه، فأي بدعة يدَّعيها هذا المسكين بالقول بأنَّ إثبات الصفات بدعة وإحداث في الدين؟!
ألا يسعه ما وسع سلف هذه الأمَّة الأكارم رحمهم الله ورضي عنهم بإثبات ذلك لله تعالى دون تحريف أو تعطيل أو تأويل أو تكييف أو تمثيل أو تشبيه؟!
لقد خالف هذا الشخص ما اجتمع عليه سلف هذه الأمَّة، أفلا يربأ بنفسه أن يخالف سبيل المؤمنين، وصدق أحسن القائلين إذ قال: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115].
وسأردُّ على هذا الرجل بما كان يطالبنا به فلقد قال: إيتونا بخبر أو أثر عن الصحابة يثبت أنَّهم قالوا بلفظ: (الصفات) أو أنَّهم أقرُّوا هذه الكلمة، ولا حرج في ذلك فسنأتيه بذلك.
فلقد روى عبد الرزَّاق: عن معمر بن طاووس عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّه رأى رجلاً انتفض لمَّا سمع حديثاً عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصفات؛ استنكاراً لذلك، فقال ابن عبَّاس: "ما فرق هؤلاء، يجِدُونَ رقَّه عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه".
وقد ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله عن ابن عباس في قوله تعالى: {الْصَمَدُ} قال : (السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله عز وجل، هذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفؤ وليس كمثله شيء، سبحانه الواحد القهار".
وفيه ذكر ابن عبَّاس للفظ الصفات، وقال ابن تيمية عَقِبَ ذلك عن هذا الأثر، بأنَّه: "ثابت عن عبد الله بن أبي صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي، لكن يقال: إنه لم يسمع التفسير من ابن عباس، ولكن مثل هذا الكلام ثابت عن السلف".
إنَّ حقيقة قول (صلاح أبو عرفة) بنفي إثبات لفظ الصفات لله تعالى، وقولته هذه هي محض البدعة والانحراف والإحداث في هذا الدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، وقوله هذا ليس هو أول مبتدع له؛ فإنَّه ما من بدعة معاصرة إلاَّ ولها بذورها من أهل البدع من الفرق السابقة، وإنَّ من مقتضى كلامه في ذلك أنَّ الصحابة رضي الله عنهم أول من أحدثوا في دين الله، إذ إنَّهم كانوا جميعاً على إثبات الصفات لله، فلم يتنازعوا فيها إطلاقًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود أن الصحابة رضوان الله عليهم... لم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام أصلاً: لا في الصفات، ولا في القدر، ولا مسائل الأسماء والأحكام، ولا مسائل الإمامة... بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه".
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانًا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة، من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلًا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلًا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالًا، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم".
إنَّ حقيقة هذا القول المستشنع، والرأي المستبشع، الذي يقول به (صلاح أبو عرفة)، ليس إلاَّ تجديد لآراء أهل البدع والمخالفين من أهل الكلام، والذين كانوا بالفعل من أعظم البلاء الذي مرَّ على الأمة، وهو الآن يجدد البلاء ويعيده، فقد صار صلاحٌ بلاءً وكان قبلُ يشتكي البلاء!!
وأما ما قاله بأنَّ: (أسماء الله تعالى حق وأما الصفات فمن الباطل).
فإنَّ هذا القول هو عين قول المعتزلة وهي الفرقة الضالة المخالفة لما كان عليه منهج أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمَّة الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، بل إنَّ من أصولهم الخمسة القول بالتوحيد، والتوحيد عندهم كما يفسره القاضي عبد الجبار المعتزلي بأنَّها نفي الصفات عن الله تعالى، ولهذا نجدهم يقولون بأنَّ الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، ومريد بلا إرادة. تعالى الله عمَّا يقولون علوًا كبيرًا.
وليسأل صلاح أبو عرفة نفسه: هل الله تعالى عليم؟ فسيثبت حتماً أنَّ الله تعالى عليم.
فنسأله قائلين: هل تثبت لله تعالى صفة العلم؟
فإن أثبتها فقد أثبت صفة لله تعالى هي صفة العلم، وعليه فليثبت الصفات الأخرى التي تليق بالله تعالى، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر كما يقول علماء التوحيد، وعليه قرَّروا أصولهم في الرد على المعتزلة الذين ينفون عن الله تعالى الصفات، والرد على الأشاعرة والماتريدية الذين يثبتون لله تعالى الأسماء وبعض الصفات ولكنهم لا يثبتون بعض الصفات الأخرى.
وإن لم يثبت صلاح أبو عرفة صفة العلم فقد كفر بالله العظيم، لأنَّه نزع عن الله تعالى صفة من أعظم صفاته اللائقة به سبحانه وتعالى وهي صفة العلم، وأثبت له شاء أم أبى نقيضها وهي صفة الجهل، ولهذا لما أنكر القدرية الغلاة علم الله تعالى كفَّرهم أهل العلم كالإمام الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل العلم، وقال فيهم الإمام الشافعي وأحمد: "ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا).
إنَّ في كتب المعتزلة أنَّ من كمال الإخلاص لله نفي الصفات عنه، وأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته حتَّى لا يستلزم منها الإثنيَّة، وأنَّ القول بتعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوًا كبيراً.
وهذا الكلام هراء وسخف، بل إنَّ من كمال التوحيد لله والإخلاص له توحيده تعالى بما أخبرنا به عزَّ وجل، فمحال أن يخبرنا الله تعالى عن صفات له كالعلو واليدين والحياة والسمع والبصر والكلام، ويكون كلامه تعالى غير واضح لنا وغير مفهوم، فيكون حالنا كحال أهل الكفر بالله حينما يقرؤون كتبهم وهي عليهم عمى، فلو لم يخبرنا الله تعالى في كتابه عن ذلك لما نطقنا عن الله تعالى بما ليس فيه.
ونقول كذلك إنَّ من الباطل القول بأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته، فإثبات الأسماء لله بدون أن تدل عليه تعالى من المعاني التي هي صفات كمالية له، جور وضلال وبهتان في حق الله، وهذا يلزم منه تعطيل ما لله تعالى من أوصاف الكمال والجلال، بل لله تعالى ذات تليق بجلاله، وله صفات تليق به تعالى، دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تشبيه، فرب لا يرضى ولا يرحم ولا يحب ولا يتكلم وليس له شيء من الصفات التي أثبتها لنفسه، ليس برب في الحقيقة، ولهذا نجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قد ناقش والده وقال له: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً} [مريم: 42] وهذا مما يدل على أنَّ الإله الذي كان يعبده آزر وقومه ليس بإله، ولا يستحق العبادة، ولهذا ذكر إبراهيم عليه السلام شيئًا من أوصاف الربوبية اللائقة به عزَّ وجل.
ونرد كذلك على من زعم أن القول بأن تعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله وأنَّ ذلك يستلزم التركيب والله منزَّه عن التركيب، فالجواب عن هذه الشبهة الضلالية أن نقول: أليس المعتزلة الذين نفوا صفات الله وأثبتوا لله الأسماء، وكذلك أثبتوا أنَّه واجب الوجود وأنَّه موجود، ... إلى غير ذلك؟
أليست هذه صفات متعدد؟ أوليس يكون ذلك تركيباً في الله تعالى؟
فلماذا يبيحون لأنفسهم ذلك التركيب التوحيدي على حدِّ زعمهم ويسمون من أثبت له الصفات تركيبًا وتشبيهًا؟!
ثمَّ إنَّا نقول لهذا الشخص ومن كان على شاكلته: لقد قال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ{180} وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ{181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{182}} [الصافات 180: 182] فهنا ذكر تعالى أنَّ أولئك الكفَّار وصفوا الله بما هو ليس بلائق له، أفلا يدل ذلكَّ بدلالة المفهوم أنَّ وصف المؤمنين له عزَّ وجل بما هو لائق به وثابت في كتابه أو بما صحَّ عن سنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم محمود؟
ثمَّ هنا نرى أنَّ الله تعالى عقَّب بعد قوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} وقال بعدها: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} دلَّ ذلك أنَّ المرسلين وصفوا الله تعالى بما يليق به سبحانه وبحمده.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وسلَّم على المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب".
وقد وجدت الإمام ابن حجر رحمه الله قد نبَّه على ذلك فقال: "قال الله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] قال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر: {لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الحشر: 24] والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته؛ لأنه إذا ثبت أنه حي مثلًا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهي صفة الحياة، ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط، وقد قاله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن؛ ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات 180: 182].
لهذا نجد الإمام البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد من (صحيحه) يبوِّبُ باباً فيقول: (باب: قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون} {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، ومن حلف بعزة الله وصفاته).
وعليه فإنَّ هذا يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فلله تعالى صفات، وكل اسم لله تعالى يتضمَّن صفة من هذه الصفات اللائقة به عزَّ وجل.
وإني أسأل هذا الشخص: حينما تطلب من الله تعالى أن يرحمك لأمر نزل بك؟ هل تقول يا جبار يا ذا الانتقام ارحمني؟ أم تقول: يا رحمن ارحمني؟
فإن قلت: كلاهما سواء فأنت أجهل وأضلُّ من حمار أهلك!!
وإن قلت: بل أقول يا رحمن ارحمني.
فنقول لك: فأنت لاحظت الصفة المشتقة من الاسم، وهذا ما يسمَّى بعلم الصرف، فهل علم الصرف عندك بدعة ومحدث في الدين؟!
وبالنسبة لما زعمه بأنَّ: (إثبات الصفات يعتبر شتيمة لله تعالى فمجرد أن تعبد الله بالصفات فقد شتمته كما زعم).
فالجواب عنه: أنَّ هذا الكلام لا يخرج من عاقل فضلاً عن متعلم، إذ إنَّ كل شخص لا يثبت هذه الصفات لله إلاَّ لأنَّه تعالى أثبتها لنفسه فهو تعالى الذي قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] هو الذي قال: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] وهو الذي قال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} [التوبة: 6] وهو تعالى القائل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وهو القائل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27].
ومن السنَّة قوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلاَّ سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان» .
فما جواب هذا الرجل عن هذه الآيات والأحاديث التي أوردناها، بل التي نتعبَّد الله تعالى بقراءتها وحفظها، وخصوصاً في كتاب الله تعالى الذي نتلوه في صلواتنا ونتعبَّد الله بقراءة هذه الآيات؟
فهل كل المسلمين يشتمون الله حينما يقرؤون ما أنزله الله عليهم لكي يقرؤوا هذا القرآن ويتعلَّموه؟!
وإذا اعتبر (أبو عرفة) أن المسلمين جميعًا قد أجمعوا على شتيمة الله عز وجل؛ قلنا له: إنما علمهم سبحانه هذا في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ والله لا يُعَلِّم خلقه الشتيمة لنفسه، مع العلم أنَّ شتم الله كفر بالله، فهل من عبد الله بالصفات كفر بالله؟!
وأما الجواب عن زعمه: (بأن من يثبت الصفات لله تعالى من العلماء، فهو كلب أو حمار؟).
فلقد ذكَّرني هذا الرجل القائل بهذا القول بأسلافه من المعتزلة الذين رموا أهل السنة والجماعة الذي أثبتوا الصفات لله تعالى بأنَّهم مجسِّمة وحشوية بل قالوا إنَّهم حمير!
نعم لقد قالها شيخهم الزمخشري عفا الله عنا وعنه:
لجماعة سمَّوا هواهم سنَّة *** لجماعة حمر لعمري موكفة
ومقصوده في قوله حمر أي أنَّهم حمير!
ولهذا ردَّ عليه عدد من العلماء ومنهم البليدي قائلاً له ولأمثاله من المعتزلة:
هـل نحن من أهل الهوى أو أنتمو *** ومــن الـذي مـنَّــا حميــر مـوكفــة؟!
اعكس تصب فالوصف فيكم ظاهر *** كالشمس فارجع عن مقال الزخرفة
يكفيــك فــي ردي عليـــك بـأنَّنـــا *** نحتــج بـالآيــــات لا بالفــلسفـــــــة
وعمومًا فإني لا أريد أن أنزل عن مستوى أخلاق أهل العلم وحملته بما يمكنني الرد عليه به من قواميس الشتائم، وأنواع السباب، فالمؤمن ليس شتَّامًا ولا بذيئاً، فمن قال هذا القول ونطق به، فإنَّ هذا يعبِّر عن حقيقة خلقه، وكل إناء بما فيه ينضح، ولقد قال تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19]، ويقول تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
وأذكره بأنَّ من تجرأ على علماء المسلمين بدءاً بصحابة رسول الله، ومن تبعهم من أهل العلم الذين ساروا على درب أهل السنة والجماعة، فإنَّ الله تعالى منتقم منه ولو بعد حين، فلحوم أهل العلم مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ومن تتبعهم بالثلب والسب فسيبتليه الله بموت القلب: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وإني أقول: لقد تتبعت بعض كلام صلاح أبو عرفة في حق أهل العلم فوجدته والله قليل الأدب معهم، سيء الخلق في التعامل مع كلامهم، مستعل عليهم، ومستعجل في تخطئتهم، ويمكنني أن أضرب على ذلك عدَّة أمثلة، فمنها ما تحدَّث به في شريطه عن (آية الناقة التي ضيعها المسلمون ولم يفهمها المفسرون) كما فهم هو طبعاً، حيث قال في شريط له في الدقيقة الرابعة عشرة من الجزء الأول في الشريط، يقول وقد بدأ يقرأ من أحد التفاسير:
(مالها الناقة يا سيدي بدنا نحكي في الخراريف...)
ثم ذكر ما ورد من نقل لبعض الإسرائيليات وقال:
(شو هالحكي يا شيخ مالنا ما لنا ليش الكذب.. الله يعين إلي كتب على اللي كتبه.. واللا كيف فكرك ضاع الدين يا شيخ.. شفت يا سيدي وين راح الدين.. واللا كيف بدي أسحرك يا شيخ وأعميك ..).
وإني أقول للأخ القارئ: انظر لكلامه وهو يقرأ في تفسير بعض كتب أهل العلم، وكيف يتعامل معهم، حتَّى إنَّ ألفاظه لا تنم ولا تدل على رجل يحترم أهل العلم، ويتحدث بالعامية التي لا تليق برجل يمتثل القرآن منهجاً.
فهو يقول عن ذلك المفسر: (كيف بدي أسحرك يا شيخ وأعميك) ويقول كذلك: (ليش الكذب).
فتأمل طريقة حديثه مع أهل العلم، ولنفترض جدلاً أن أهل العلم زلوا أو أخطؤوا أبمثل هذه الطريقة السوقية يتحدَّث هذا الرجل مع العلماء؟!
وانظر لكلامه في شريط ملخص آية الناقة وفي الدقيقة الثانية حيث يقول:
(وعندما تلونا لكم ما تلونا من الكتب ابن كثير والقرطبي والطبري في ناس بيعبدوها كما يعبدون القرآن يا شيخ.. ثم كفرت بالقرآن لتأتي بالصخرة..).
فتأمل كلامه: من الذي يعبد تفاسير العلماء من المعاصرين ومن السابقين؟ وهل من أمثلة على ذلك قديماً وحديثاً؟
وكذلك في الشريط آنف الذكر نجده يتحدث في الدقيقة الثامنة: (تتمخض عن ناقة جوفاء هيك في التفسير عند ابن كثير وعندهم رحمة الله عليهم جميعاً الله يصلحهم أنا ما معلش بدنا نسامحه، هو يعني أمام الله يتابع شو قال من وين قال ناقة جوفاء وبرآء عشراء حمراء ليش، بتعرف ليش هذا النفاخ، حتى يعمينا.. شو هذا الحكي، حتى تكبر الكذبة...).
فتأمل حديث أبو عرفة عن الإمام ابن كثير الذي شهد له بهذه الإمامة القاصي والداني، وهو يتحدث بهذه الطريقة السمجة ويقول عن هذا الإمام : (حتى يعمينا)، و (حتى تكبر الكذبة)!
والعجب العجاب أنَّ عنده تلامذة متعصبين له ويفكرون بمثل تفكيره ويؤجّرون عقولهم له، وينتفضون لقيله وقاله إن اعترضه أحد ويسبونه بأنواع من السباب والشتائم، وأما أهل العلم فلا مانع من أن يقوم شيخهم بسبِّهم وشتمهم.
وأمَّا الجواب عن كلامه في موضوع الصفة وتعريفه لها حيث قال: (الصفة هي أن تقول في شيء ما لا تتبيَّن منه) ويقول كذلك: (إذا عبد الله بالاسم فقد عبده بالحق؛ وإذا عبده بالوصف فكأنَّه عبده بالتقريب، وذلك لأنَّ الوصف من التقريب والتقريب من الظن والظن لا يغني من الحق شيئًا).
فالجواب عن ذلك أنَّ نقول: إنَّ هذا الشخص حتَّى في تعريفاته للصفة والوصف قد أخطأ خطأ شنيعاً كعادته في كثير ممَّا يقوله ويتخرَّص به، فالصفة عند أهل اللغة هي: (الاسم الدال على بعض أحوال الذات، وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها) وهي كذلك: (ما وقع الوصف مشتقاً منها، وهو دال عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه) وقال ابن فارس: (الصفة: الأمارة اللازمة للشيء)، وقيل أن الصفة هي: (لفظ ينعت به الموصوف فيبين صفة من صفاته وحالة من حالاته).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ساق حديث: (صفة الرحمن) فقال عقب ذلك: (والصفة: مصدر وصفت الشيء أصفه وصفًا وصفة، مثل وعد وعدًا وعدة، ووزن وزنًا وزنة، وهم يطلقون اسم المصدر على المفعول، كما يسمون المخلوق خلقًا، ويقولون: درهم ضرب الأمير، فإذا وصف الموصوف، بأنه وسع كل شيء رحمة وعلمًا، سمى المعنى الذي وصف به بهذا الكلام صفة. فيقال للرحمة والعلم والقدرة: صفة، بهذا الاعتبار، هذا حقيقة الأمر) .
هذه تعريفات اللغويين والعلماء للصفة والتي تخالف بوضوح ما عرَّفه: (صلاح أبو عرفة) للصفة، فهو تعريف عصري جديد!
وعليه فإنَّ الله عزَّ وجل يستحق الوصف اللائق به تعالى، وهو كلام أهل اللغة كذلك والذين فقهوا من حديث رسول الله وفهموا منه ووقفوا عند حدِّه فاللغوي الشهير أبو القاسم السهيلي يقول: "وأما صفات الباري سبحانه فلا نرى أن نسميها نعوتًا تحرجًا من إطلاق هذا اللفظ، لعدم وجوده في الكتاب والسنة، وقد وجدنا لفظ الصفة في الصحيح، حين قال عليه السلام للرجل الذي كان يقرأ "قل هو الله أحد" في كل ركعة: لم تفعل ذلك؟ فقال: أحبها لأنها صفة الرحمن".
وقال الزبيدي: (قال ابن الأثير: النَّعْتُ: وَصْفُ الشيءِ بما فيه من حُسْنٍ ولا يُقَال في القَبِيحِ إِلاّ أَنْ يَتَكَلَّف مُتَكَلِّفٌ فيقول: نَعْتَ سَوْءٍ والوَصْفُ يقالُ في الحَسَنِ والقَبِيحِ. قلت: وهذا أَحَدُ الفُروقِ بين النَّعْتِ والوَصْفِ وإِن صَرَّح الجَوْهَرِيُّ والفَيُّومِيُّ وغيرُهما بتَرادُفِهِما. ويقال: النَّعْتُ بالحِلْيَةِ كالطَّوِيلِ والقَصِيرِ والصِّفَةُ بالفِعْلِ كضَارِب وقال ثعلب: النَّعْتُ ما كان خاصّاً بمَحَلٍّ من الجَسَدِ كالأَعْرَج مثلاً والصِّفَةُ للعُمُومِ كالعَظيم والكَرِيم؛ فاللهُ تعالى يُوصَفُ ولا يُنْعَتُ".
فالكلام الذي قاله صلاح أبو عرفه وتخرَّصه من عقله دون بينة أو برهان بل بقذف شبهات ثارت في فكره، فقذفها من لسانه أمام الناس، فإنَّها لا تثبت عند كلام المحققين من أهل العلم، فحينما قال: (النبي يعلم أن الله لا يصف لأنَّ الوصف كذب وعيب) هذا الكلام لا يخرج من عاقل للغة العربيَّة وأساليبها، والعجب العجاب أنَّه حاول أن ينكر صحَّة القول في كلمة الصفة أو الوصف، فهو يرى عدم جواز إطلاقها وحتَّى لو كان ذلك في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنَّه قد ثبتت لنا أحاديث صحاح وحسان وجياد تدل على أنَّ الصحابة كذلك وصفوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فلدينا حديث عطاء بن يسار حينما قال: "لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: 45] وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل،ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً".
كذلك لدينا حديث أبي جحيفة السوائي قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه، قلت لأبي جحيفة: صفه لي، قال: كان أبيض قد شمط، وأمر لنا النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة قلوصًا، قال: فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نقبضها".
فهذه أدلَّة على جواز وصف الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى أنَّ لفظ الوصف لا مانع من إطلاقه، لأدنى عاقل يفقه في اللغة العربيَّة شيئاً.
أمَّا أن يقول (صلاح أبو عرفة): "فالوصف في كتاب الله يعني الكذب فكيف تعبد الله بالصفات؟ فهذا يعني أنَّك تعبده بالكذب"، فلا أدري من أين أتى هذا الرجل بهذا اللازم، وحاول أن يلزم به خلق الله على ضلاله الذي وقع فيه، ولنفترض جدلاً أنَّ الوصف ورد في القرآن بمعنى الكذب، فهل يعني هذا أن يكون الوصف لأحد حينما يوصف بشيء فإن هذا الوصف الذي وُصِفَ به كذب؟!
والعجب أنَّه حينما يسأله سائل عن صفات الله يلزمه بضلاله وجوره، فكم من شخص يسأله عن ذلك فيقول له: قل الصفات والعياذ بالله لأنَّه ذكر باطلاً، وهذا مسجَّل بصوته في الشريط المذكور.
فعلاً صدق الشاعر حينما قال:
وكم من فقيه خابط في ضلاله *** وحجَّته فيها الكتاب المنزَّل
• وأخيرًا:
فإني أقول لصلاح أبو عرفة هداه الله وردَّه إلى الحق... آمين.
إن كنت معظِّماً لله تعالى ومحباً له عزَّ وجل؛ فإني أدعوك أن تراجع منهجك وطريقتك في التعامل مع كتاب الله تعالى، حاول أن تعتزل الناس قليلاً كي تراجع منهجك لتدرك أنَّك تسير في طريق خطير جد خطير، تتنكب فيه للمنهج القرآني الذي تدعو إليه، وتقع في أخطاء عقائدية ومنهجية وفكرية خطيرة، وبعدها فما الفائدة؟!!
ألا ترى أنَّك لا تثير سوى الغرائب والعجائب؟!!
وهل وسع أهل القرآن أن يحدثوا الناس إلا بمثل هذه الأمور ثمَّ يطلبوا من غيرهم أن يقتنعوا بها، وإن لم يقتنعوا يشنعوا عليهم في ذلك؟!!
ألا تذكر حين كنت تقف أمام الناس وتقسم بالله أنَّ أمريكا ستغرق في تاريخ كذا وكذا وتقسم على ذلك في المساجد؟ وحينما أتى موعد الغرق الذي قلت به ولم يحصل، أجَّلت هذا لتاريخ آخر، ومع هذا فلم يحصل هذا ولا ذاك... وليتك اعتذرت للناس عمَّا حصل منك في ذلك.
لهذا فإني أقول لك يا صلاح ألا يسعك ما وسع منهج سلفنا الصالح وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان؟!!
أسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لهداه، ويوفقنا وإياك لرضاه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ونقول ختاماً:
تـم الكلام وربنــا محمــــود *** وله المكارم والعلا والجود
ثمَّ الصلاة على النبي وآله *** ما لاح قمري وأورق عــود
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به، وحسبنا الله ونعم الوكيل، سائلاً الله تعالى الهداية لجميع المسلمين، وأن يوفقهم لأحسن الأقوال والأفعال، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وكتبه
خباب بن مروان الحمد
khabab1403@hotmail.com
حامداً لربه، ومصليِّاً على رسوله
صباح يوم الخميس الموافق
30/ 12/ 1430هـ
17/12/2009م
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
- التصنيف: