الدور المشبوه للجنة الحريات الدينية الأمريكية
في عام 94 تأسست لجنة تابعة للكونجرس الأمريكى بعنوان لجنة الحريات الدينية المثير أن عملها لا يقتصر على الأراضي الأمريكية ..
في عام 94 تأسست لجنة تابعة للكونجرس الأمريكي بعنوان لجنة الحريات
الدينية، المثير أن عملها لا يقتصر على الأراضي الأمريكية، إنما طبقاً
لمفهوم الهيمنة والغرور الأمريكي يمتد لكل الكرة الأرضية، وعلى الأخص
بلاد المسلمين، فهي تنتقد وضع الأقليات في بلاد المسلمين دائماً،
اعتماداً على أكاذيب، ولم يعرف عنها أنها انتقدت وضع الأقليات المسلمة
في أوروبا مثلاً مطلقاً،
فهي لجنة عنصرية مكونة من مسيحيين ويهود وفاقدي الهوية، مهمتها مهاجمة
النظم الحاكمة في بلاد المسلمين، وتستعملها الإدارة الأمريكية كورقة
ضغط وابتزاز، وقد أصدرت تقارير عديدة تتدخل بها في شؤون دول عربية
وإسلامية كثيرة مثل السعودية والسودان، وقد استخدمت الإدارة الأمريكية
تلك التقارير كأداة ضغط سياسي ونجحت بها في العدوان على سيادة
واستقلال دول عربية وإسلامية.
ومثال ذلك في الشأن المصري، حيث عمل فريق من أقباط المهجر المصريين المتعصبين الذين يعيشون في إقامة دائمة في أمريكا وأوروبا على دعم ومد هذه اللجنة بمعلومات مغلوطة، كانت تتلقاها اللجنة بسرعة بدون تريث وتدقيق وتصدر من أجلها التقارير ضد الحالة الدينية في مصر خاصة، وهو ما يعد تدخل سافر في الشأن الداخلي.
والعلاقات المصرية الأمريكية تطورت منذ كامب ديفيد المشئومة، لكن رغم
ظاهر شكلها الودي إلا أنه منذ 11 سبتمبر والإدارة الأمريكية في عهد
بوش الابن تحاول جاهدة التسلل بكل الطرق إلى وضع أنفها في الشأن
الداخلي المصري، لتنفيذ مخططها في الفوضى الخلاقة الذي عنون أهم
أهدافه بالجائزة الكبرى(مصر) وقد فشل الأمريكان في استغلال بعض ما سمي
بالمعارضة الليبرالية، حيث كانت الحكومة أكثر ليبرالية في القبول
للأمركة من أنصارها، وكان نجاح الحكومة في الاستبداد والعصف بالمعارضة
المقلقة للأمريكان من إسلاميين خاصة وغيرهم من المناهضين للطغيان
الأمريكي يسكت الأمريكان قليلاً، ورغم ذلك ظلت محاولات التدخل
الأمريكي، وظلت الحكومة المصرية تعمل جاهدة على وجود سد منيع يحفظ
السيادة والاستقلال أمام طوفان التدخلات الأمريكية.
ولكن كما يقال في المثل العامي المصري "سكتنا له دخل بحماره"، وذلك
خاصة في ملف ما سمي بالاضطهاد الديني الكاذب، فهو ورقة الابتزاز التي
يلعب بها الأمريكان، وساعدهم في ذلك فريق من أقباط المهجر والبهائيين
الذين لا وجود لهم في مصر (فهم لا يمثلون سكان حارة من أكثر من مليون
حارة في مصر) لكن الفريق المتأمرك من أقباط المهجر نجح في تكوين ورقة
ضغط أمريكية على مصر رغم علمه بخطورة ما يفعله في الاستقواء
بالأمريكان، لكن أغراه ضعف حكومات العالم أمام طغيان الأمريكان وتجربة
المعارضة العراقية في المهجر في إسقاط نظام صدام وهو ما عبرت عنه
كتاباتهم على الانترنت.
وفى حادثة نجع حمادي الأخيرة كان لافتاً جداً حجم التنديد من العواصم
الغربية وضعف الخارجية المصرية والحكومة المصرية عن التصدي للتدخل
الغربي في الشأن المصري وهو سقوط مهين للحكومة أمام تدخل غريب ومريب
ومخالف للعرف الدبلوماسي، فلم يُسمع أن عاصمة عربية وإسلامية نددت
بحادث لمواطن فرنسي على أرض فرنسية أو مواطن أمريكي على أرض أمريكية
حتى ولو كانوا مسلمين، وقد تطور الأمر بوصول وفد من لجنة الحريات
الدينية الأمريكية لمصر، وذلك بشأن حادثة نجع حمادي، وقام الوفد الذي
ترأسه يهودية بمناقشة حادثة وجريمة وقعت بين مصريين على أرض مصرية،
وهو تدخل قميء وقد تزامن ذلك مع قيام السفيرة الأمريكية بزيارة
الكنيسة بشأن الحادث وهو تدخل يرفضه كل مصري حر، الشاهد أن ما حدث
وغيره من الأحداث يدل بوضوح على دور مشبوه للجنة الحريات
الأمريكية.
لكن يبقى الآتي:
1- مما يوضح المؤامرة الأمريكية على مصر أنه في الوقت الذي تتم فيه
مذابح طائفية ضد المسلمين في نيجيريا وصل عدد القتلى فيها إلى
أربعمائة قتيل مسلم بسبب رغبتهم في بناء مسجد في منطقة جوس ذات
الأغلبية المسيحية ومع ذلك لم يسمع العالم أي إشارة تنديد من الغرب،
ولم تذهب لجنة الحريات الدينية إلى نيجيريا في مذبحة واضحة الطائفية
بل على العكس جاءت إلى مصر؟!
2- لو صحت كلمة الاضطهاد الديني في مصر ما بقى مسيحي واحد في بلد به 75 مليون مسلم، ولكن الحقيقة هي أن عدل الإسلام هو الذي يحمي غير المسلمين من الاضطهاد، وفرض القرآن ذلك على المسلمين {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6]، ووفر لهم الحياة الآمنة عقائدياً واجتماعياً واقتصادياً والواقع يشهد بذلك فالمسيحيون في مصر أغنى من المسلمين بالنسبة إلى نسبتهم المئوية في عدد السكان ويعيشون حياة آمنة لا يكدرها حادث تفرضه الطبيعة البشرية للإنسان، بخلاف أن الكنيسة لا رقابة للدولة عليها سواء أمنياً أو سياسياً أو مالياً رغم أن ذلك يناقض المواطنة.
3- التدخل الأمريكي بكل صوره مرفوض، وأقول لمن يستقوون بالأمريكان في بلاد العرب والمسلمين إذا كنتم تدعون للمواطنة وحب الوطن فلماذا تستعينون بالأمريكان الأجانب ضد وطنكم وبلدكم؟!
أما لجنة الحريات الدينية المشبوهة فأقول لها:
مثال واحد فقط من آلاف الأمثلة، أين كان حرصك على الحرية الدينية وقد
قتلت المصرية مروة الشربيني بسبب مظهرها الديني فقط في ألمانيا في
حادثة عنصرية شهدها العالم كله إلا أنت، لأن عيونك أصابها العمى عن
رؤية ما يحدث للمسلمين، وأذانك أصابها الصمم عن أن تسمع كل شكوى
اضطهاد للمسلمين.
وأكبر شاهد على دوركم المشبوه أنكم لم تنتقدوا ولو مرة واحدة ما يحدث للمسلمين من اضطهاد في بلاد عديدة، وأولها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب عقيدتهم وأفكارهم، وأين أنتم مما حدث في "غوانتانمو" وما حدث في "أبو غريب" عندما مزقت المصاحف، وما حدث في الفلوجة عندما قتل المسلمون في المساجد، وما يحدث في فلسطين والشيشان وأفغانستان من اضطهاد للمسلمين، ثم إنكم قد جئتم مصر وتغاضيتم على أن المعتقلات بها مسلمين فقط ولا يوجد بها مسيحي واحد!!!
ويبقى أولاً: أن يعي ويفهم الأمريكان والمتأمركين أن تدخلهم في شؤون
العرب والمسلمين مستفز، وأن مصر ليست بورما، وأنها ليس لها مثيل وغير
خاضعة لمؤامرات التفتيت فهي حضارة قبل أن يعرف العالم أمريكا وقبل أن
يعرف الأمريكان معنى كلمة حضارة، ثم هي شعب مسلم له تاريخ وأمجاد سطرت
في التاريخ، فمهما كان الضعف الظاهر للحالة المصرية فلدى مصر وشعبها
مخزون استراتيجي من الكرامة ظهر في حطين وعين جالوت وأكتوبر 73، وهو
جاهز للظهور في كل الملمات مهما كانت العقبات...
وثانياً: أن ينتبه الدعاة والمخلصون ويقاوموا كل محاولات التدخل الأمريكي والغربي لأنها مقدمات لمؤامرات خطيرة تهدد كيان الدول العربية والإسلامية.
وأخيراً: ما يحدث من تدخل أمريكي وسكوت الحكومات العربية والإسلامية
عنه، بل فتح الباب له يصدق فيه قول الشاعر العربي القديم ومن يهن...
يسهل الهوان عليه.
ممدوح إسماعيل محام وكاتب
elsharia5@hotmai.com
- التصنيف: