العودة مــــــــوقد شعلة الجهاد وســـــر انتصاره

منذ 2010-02-12

إن من أهم أسباب وأسس تحقق النصر للأمة عندما تجاهد هو بعدها عن الذنوب والمعاصي والتزام أمر الله في كل صغيرة وكبيرة..


لا شك أن الجهاد هو الوسيلة القوية التي بها يتحقق رد الأعداء بإذن الله، ولكن ذلك لا يكون بالشكل الحقيقي والكامل والكافي والأمة في لهوها وبعدها عن أوامر الله، فالحديث عن الإصلاح لا يقلل من أهمية الجهاد... الذي لا شك أننا ننتظره ونتمنى انطلاقته القوية في واقع الأمة كلها وليس من أفرادٍ معدودين منها فقط،.. ولكـن هذا الجهاد المنتظر بالانطلاقة المرجوة يحتاج إلى وجود وحصول عودة صادقة لله وتطبيق لأوامره، فالعودة إلى الله والالتزام بأوامره هو أكبر محرك وباعث للجهاد في الأمة، بـل إن ترك الجهاد هو أحد مظاهر البعد عن الدين والالتزام بأوامر الله.والعودة إلى الله هي التي تنشئ وتربي المجتمعات الإسلامية التي تنطلق بصدق للجهاد في سبيل الله.

ثـم إن من أهم أسباب وأسس تحقق النصر للأمة عندما تجاهد هو بعدها عن الذنوب والمعاصي والتزام أمر الله في كل صغيرة وكبيرة، فكم من الهزائم وتأخر النصر حدثت للأمة بعد حدوث ذنب أو معصية، وليتنا نرجع إلى الدروس الكبيرة في هذا الشأن من غزوة أحد كما ذكر في كتب التفسير وغيرها، قال تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} [آل عمران:165].


بل حتى أن دخول العجب إلى المسلمين وحدوث ضعف في اتكالهم على الله يكون من أسباب الهزيمة، ففي غزوة حنين تأخر النصر وكادت أن تحصل الهزيمة للمسلمين عندما أعجبوا بأنفسهم، ..انظر كلام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عن ذلك (1).

قـال تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} [التوبة:25].

وكتـب أبوبكر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص عندما أخبره عن كثافة جيش هرقل بإزاء جيش المسلمين: (إنكم لا تغلبون بقلة عددكم وإنما تغلبـون بالمعاصي على كثرة عددكم فاحترســوا منها) (2).

ومما كتبـه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص عندما أرسله لفتح فارس [أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضـــل العدة على العدو، وأقــوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك بأن تكونوا أشــــد احتراساً من المعاصي منكم مـن عدوكم (3)، فإن ذنوب الجيش أخــوف عليهم من عدوهم] (4).

والقصص كثيرة على مدى التاريخ الإسلامي التي تدل على هذه القضية، بل إن بعض قادة المسلمين كانوا يعتقدون أن سبب تأخر النصر هو تخليهم عن سنة من السنن فضلا عن تقصيرهم في أمر واجب.


وكيف تنتصر أمتنا وهي كما ذكر سابقا بها الكثير من المعاصي؟،.. بل كيف وهي يحدث فيها من البعض الحرب على الدين والتعالي على الكثير من أحكامه بل وإيذاءُ دعاته المصلحين وولاءُ أعدائه المجرمين ؟

٭ ٭ ٭


ونفخر ونبتهج بلا شك بالصور الجهادية التي نراها الآن على نطاق ضيق في أمتنا، والتي تكون منضبطة بالأصول الشرعية ووفق فقه واقع جيد وفي الأماكن التي يفتي العلماء الثقات بأنها مواطن جهاد (5)، ونتمنى لو أن أمتنا كلها تقوم الآن للجهاد الصادق، وهذه الصور الجهادية تعتبر لمســة فرح وسط المأتــم الكبير الذي تعيشه الأمة، ...وهي تُشرِّف الأمة وتعيد لها بعضا من روح العزة والهيبة لدى أعدائها، وتَبُث في الأمة الحماس للدين ولأمجادنا، وخيرها عظيم على الأمة، ولا أدل على ذلك من تخوف أعداء الدين منها ومحاولتهم حجب وتهوين أخبارها، ودأبهم الشديد على حرف أي جهاد عن مساره الصحيح وتشويه سمعته وإجهاضه، حتى لا يؤدي إلى ولادة أمة إسلامية تعود إلى الدين والى الجهاد في سبيل الله.

موت الشهيد حياته وحياتنا  *** في لهونا الفتاك عنوان الردى (6)


وهذه الصور الجهادية تحتاج منا إلى دعمها وتأييدها، ولكنها غير كافيه، و أين الأمة ككل عن الجهاد في سبيل الله ؛ ..لاشك أن ما كبلها حقيقةً هو الذنوب والمعاصي التي نتجت عنها كل الصور الأخرى والأوضاع التي أخرت الجهاد الصادق في سبيل الله.


----------------------------------------------------

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد : ابن القيم . ج 3 ص 477.
(2) أسباب سعادة المسلمين وشقائهم : محمد زكريا الكاندهلوي ، ص 58 - 59 .

(3) كثيرا ما نُعجب ونفرح بالإنتاجات والمحاضرات التي تكلمت عن مآسي الأمة والجهاد الذي طال اشتياق الأمة له ،ولكن نتأثر إذا سمعنا تركيزهم على أن الحل هو الجهاد بـــدون أن تذكر قضية العودة إلى الله والتوبة من الذنوب. ولهؤلاء الإخوة الأحبة الغيورين نقول:اعلموا والله أن الأس الذي وأد الجهاد في الأمة هو ذنوبها ومعاصيها وبُعدها عن دينها وحقيقته، فهو الذي نتجت عنه كل صور وأسباب تخاذل الأمة وذلها ، وهي التي مكنت الأعداء وأتباعهم من أن يوقفوا الجهاد ويُلهوا المسلمين عنه . ولنتمعن في مثل كلمة عمر رضي الله عنه والتي أضع تعليقي هذا ونحن نقرأها، هل قال لهم الفاروق فقط انطلقوا إلى الجهاد بدون أن يذكرهم بأهم سبب لتحقيق نصرهم، وهذا والفاروق كان يخاطب أفراداً كان الكثير منهم من الصحابة وكانوا أفضل أجيال المسلمين، فكيف نأتي نحن ونقول الجهاد الجهاد بــدون أن نتكلم ونُذكِّر بالتوبة والعودة إلى الله، ونحن نعلم واقع أمتنا وبعدها الكبير في تطبيق الدين والتزام أوامره وما يقتلها المفسدون به.

ثم إن أهم غايات الجهاد هي حفظ الدين وتعبيد الناس لله ( انظر كتاب أهداف الجهاد وغايته للدكتور علي بن نفيع العلياني-دار الوطن للنشر- )، فمن القصور والتناقض في حق الجهاد ومعانيه أن تتنادى به الأمة بــدون أن تتذكر وتبدأ في إصلاح حالها مع الله.

(4) توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع : محمد بن جميل زينو، ص 91 .
(5) أما ما قامت به بعض الفئات من أعمال منحرفـة بإسم الجهاد فهي منكر وجرم لا يُقَر، وقد استنكرها علماء الأمة.
(6) من شعر د عبد الرحمن العشماوي الذي نسأل الله أن يحفظه هو وكــل من حمل بأبياته الشعرية وبكلماته هموم الأمة، ونسأل الله أن يثبته على الحق، ليظل شعره نابضا حيا فعالا على مدى السنين والأعوام.