إتحاف الأريب بسقوط شبهات أهل الصليب
منذ 2010-02-25
عن أبي هُرَيْرَة - رضِي الله عنْه - قال: قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّه، ادْعُ على المُشْرِكينَ"، قالَ: «إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً»
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد اعتادت جماعات تنصيرية "Christian groups" على التحرش بالمسلمين عن طريق شبكة الإنترنت بإرسال رسائل للتَّشكيك في الإسلام، وبث الشبهات بين المسلمين.
ومحور تلك التهافتات ينحصر في التالي:
1- أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يسبُّ ويلعن الكفَّار.
2- أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يسبُّ ويلعن اليهود والنَّصارى.
3- أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يأمر زوجاتِه بسبِّ بعضهن البعض، وأمر بلعْن نساءِ أمَّته.
4- أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يسبُّ ويلعن المسلمين.
ثم ذكر بعض الأحاديث ليثبّت بها شبهته الداحضة وهي:
ما رواه مسلم عَنْ عائِشةَ قالَت: دخَلَ على رَسُولِ اللَّه - صلَّى اللَّهُ عليْه وسلَّم - رَجُلان، فكلَّماهُ بِشَيْءٍ لا أدْرِي ما هُو فأغْضَباهُ، فلَعَنَهُما وسَبَّهُما، فلَمَّا خَرَجا، قُلْتُ: "يا رَسُولَ اللَّه، مَن أصَابَ مِن الخَيْرِ شَيْئًا مَا أصَابَهُ هذَان"، قالَ: «وما ذَاكِ؟»، قالَت: قُلْتُ: لعَنْتَهُما وسَبَبْتَهُما، قَالَ: «أوَمَا عَلِمْتِ ما شَارَطْتُ عَلَيْه رَبِّي، قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنَّما أنا بَشَرٌ، فأيُّ المُسْلِمِينَ لَعَنْتُه أوْ سَبَبْتُه فاجْعَلْه لَهُ زَكاةً وأجْرًا» .
وعن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم -: «اللَّهُمَّ إنَّما أنَا بَشَرٌ، فأيُّما رَجُلٍ مِن المُسْلِمينَ سَبَبْتُه أوْ لَعَنْتُه أوْ جَلَدْتُه، فاجْعَلْها لَهُ زَكَاةً ورَحْمَةً» [رواه مسلم].
وعن عبد اللَّه: قال النَّبيُّ - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم -: «سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وقِتالُهُ كُفْرٌ» [رواه البخاري ومسلم].
فهل سباب محمَّد - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم - للمسْلمين كان فسوقًا منه؟!
وفي غزوة تبوك: قال: خرجنا مع رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصَّلاة؛ فصلَّى الظهر والعصر جميعًا، والمغْرب والعشاء جميعًا، حتَّى إذا كان يومًا أخَّر الصَّلاة، ثمَّ خرج فصلَّى الظهر والعصر جميعًا، ثمَّ دخل ثمَّ خرج بعد ذلك فصلَّى المغرب والعشاء جميعًا، ثمَّ قال: «إنَّكم ستأتون غدًا - إن شاء الله - عين تبوك، وإنَّكم لن تأْتوها حتى يضحي النَّهار، فمَن جاءها منكُم، فلا يمسَّ من مائها شيئًا حتَّى آتي»، فجئْناها وقد سبقَنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبضُّ بشيء من ماء، قال: فسألهُما رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «هل مسسْتُما من مائِها شيئًا؟»، قالا: "نعم"، فسبَّهما النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال لهما ما شاء الله أن يقول، قال: ثمَّ غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتَّى اجتمع في شيء، قال: وغسل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه يدَه ووجهَه، ثمَّ أعاده فيها، فجرتِ العين بماء منهمِر - أو قال: غزير، شكَّ أبو علي أيَّهما قال - حتَّى استقى الناس، ثمَّ قال: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة، أن ترى ما ههُنا قد مُلِئَ جنانًا» [رواه مسلم].
وقوله: «ثكلَتْك أمك يا معاذ» ، «ثكلَتْك أمك زياد»؛ [رواه أحمد وابن ماجه، وروى الترمذي عنه نحوَه، وصحَّحه الألباني].
وعن أُمِّ المُؤْمِنينَ عائشة - قالَت: دَخَلَ عليَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم - وعِنْدَنا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فجَعَلَ يَصْنَعُ شَيْئًا بِيَدِه، فقُلْتُ بِيَدِه حتَّى فطَّنْتُه لَها، فأمْسَكَ، وأقْبَلتْ زَيْنَبُ تَقَحَّمُ لِعائِشَةَ - رَضِي اللَّهُ عَنْها - فنَهاها فأبَتْ أنْ تَنْتَهِيَ، فقَالَ لِعائِشَةَ: "سُبِّيها" فسَبَّتْها فغَلَبَتْها، فانْطَلَقَتْ زَيْنَبُ إلى علِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فقالَتْ: إنَّ عَائِشَةَ - رضِي اللَّهُ عَنْهَا - وقَعَتْ بِكُمْ وفَعَلتْ، فجاءَتْ فاطِمةُ فقَالَ لها: "إنَّها حِبَّةُ أبِيكِ ورَبِّ الكَعْبةِ"، فانْصَرَفَت، فقَالَت لَهُم: إنِّي قُلْتُ لَهُ: كَذَا وكَذا فقَالَ لِي: كَذا وكَذَا، قالَ: وجاءَ عَلِيٌّ - رضِي اللَّهُ عنْه - إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم - فكَلَّمهُ في ذَلِكَ" [ضعفه الألباني].
قال المنصرون: هل هكذا كان يعلِّم زوجاته، ومن بعدهن المسلمين؟!
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم -: «سيكون في آخر أمَّتي رجال يرْكبون على سروجٍ كأشْباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤُهم كاسيات عارِيات، على رؤوسهم كأسمنة البخت، العنوهنَّ فإنهنَّ ملعونات، لو كانت وراءكم أمَّة من الأُمم، لخدم نساؤكم نساءَهم كما خدمتْكم نساء الأُمم من قبلكم» [حسنه الألباني].
وفي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَة - رضِي الله عنْه - قال: قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّه، ادْعُ على المُشْرِكينَ"، قالَ: «إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً» [رواه مسلم].
وعن عبداللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عن أبِيه، قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم - يَوْمَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ العَنْ أبا سُفْيَانَ، اللَّهُمَّ العَن الحَارِثَ بْنَ هِشامٍ، اللَّهُمَّ العَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ» ، قالَ فنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران: 128]، فتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِم فأسْلَمُوا وحَسُنَ إسْلامُهُم [صححه الألباني].
وروى عَلِيٌّ - رَضِي اللَّه عَنْهُ - قالَ: يا رَسُولَ اللَّه، لا عَلَيْك ألاَّ تَأْتِيَهُم (أي: اليهود)، فإنَّهُمْ يَشْتُمونَك، فقالَ: «كَلاَّ إنَّها سَتَكُونُ تَحِيَّة» ، فأتَاهُم النَّبِيُّ - صلَّى اللَّه علَيْهِ وسلَّم - فقالَ: «يا إخْوَة القِرَدَة والخَنَازِير»، فقالُوا: يا أبَا القاسِم، ما كُنْت فحَّاشًا" .
ثم قال المنصرون: من قال: إنَّ اليهود سبُّوا العذراء واتَّهموها بالزنا؟! هل نجد عند حضرتك أيّ دليل من كتابات اليهود: أنَّهم اتَّهموا العذْراء بالزنا وقْتما ولَدَتِ المسيح؟!
هل عندك دليل من كتابات المسيحيِّين بأنَّ اليهود قالوا بهذا؟!. اهـ. من المنشور التنصيري.
فهذه السَّخافات والحماقات، ممَّا تَزيد المرء يقينًا في كوْن النَّصارى ضُلَّالاً، فعلى الرَّغم من ظهور صدْق المنهج الإسلامي، وشهود العِلْم الحديث لصحَّة القضايا العلميَّة المذْكورة في القرآن منذ أكثر من أرْبَعَةَ عشر قرنًا، إلاَّ أنَّ موانع الهداية تَمنع الكثير منهم من الدُّخول في الإسلام، وإن كان كلُّ مَن تحلَّى بالعقل لا يسعُه إلاَّ الدخول في الإسلام بعد البحث، ويكفي للعاقل المتأمِّل لواقعه المعاصر في معرِفة عظمة هذا الدِّين، أنَّه على الرَّغم من الحرب الشَّرسة المعْلنة على الإسلام كدين، فأعداد الدَّاخلين فيه في ازدياد يومًا بعد يوم، وفي كل بقاع المعْمورة، وممَّا زاد نار الحقْد عند المنصِّرين في الشَّرق الإسلامي، ما صدر مؤخَّرًا عن مركز "بيو" الأمريكي للأبحاث أنَّ المسلمين في مصر تصِل نسبتُهم إلى 95 % من سكَّان مصر 78.5 مليون شخص، بينما يصل عدد النَّصارى على اختِلاف مذاهبهم إلى 4.5 ملايين شخص من عدد سكَّان مصر البالغ 83 مليون شخص، فقد انهارت نسبة النَّصارى الَّتي كانت تتجاوز 10 % إلى أقلَّ من 5 % في السَّنوات الأخيرة، فدفع هذا الضلاَّل لمحاولة الطَّعن في الإسلام - وهيهات - مستغلِّين جهل كثير من المسلمين، وسوء أحوالهم الاقتصادية.
أمَّا طعن المنصِّرين في سيِّد ولد آدم وأكمل الخلْق - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِما رواه البخاري ومسلم عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «اللهُمَّ إنَّما أنا بشر، فأيّما رجُلٍ من المسلمين سببْته أو لعنتُه، أو جلدتُه، فاجعلها له زكاة ورحمة» ، وفي لفظ: «اللهُمَّ إنَّما محمَّد بشر، يغضب كما يغضب البشَر، وإنِّي قد اتَّخذتُ عندك عهدًا» .
فمن المعلوم أنَّ قوى الإنسان ثلاث: قوَّة العقل، وقوَّة الغضب، وقوَّة الشَّهوة.
فالقوَّة الغضبيَّة التي كمالها بالغلَبة ليس في ترتُّب أثَرِها عليْها شرٌّ من حيث وجودُه، بل الشَّرُّ عدم ترتُّب أثرها عليها البتَّة، فتكون ضعيفة عاجزة مقْهورة، والشَّرّ الوجودي الحاصِل منها شرٌّ إضافي بالنِّسْبة إلى المظلوم، والقوى الغضبيَّة تعْتري الأَسوياء كلَّهم من بني آدم لردْع مَن يستحقُّ الردع، ورفع الظلم، وغير ذلك.
ولمَّا كان رسولُ الله بشرًا رسولاً، كان فيه تلك القوَّة، إلاَّ أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم، لكَمال شفَقتِه ورحمته بأمَّته، وجميل خلقه وكرم ذاتِه - قصد مقابلة ما وقع منْه بالإحسان والتَّكريم، فشارَطَ ربَّه - سبحانه - إن كان المدعوُّ عليْه ليس لذلك بأهل، أن يفْعَل بالمدعوِّ عليه ضدَّ الدعاء، فلو كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مريدًا لِما دعا به في الغضَب، لَما شرط على ربِّه وسأله أن يفعل بالمدعو عليْه ضدَّ دعائه؛ إذ من الممتنع اجتماع إرادة الضدَّين، وقد صرَّح بإرادة أحدِهِما، فدلَّ على عموم إرادته لِما دعا به في حالِ الغضَب، فالحديث يدلُّ على خِلاف ما أرادَه المنصِّرون.
وكذلك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان مأمورًا من ربِّه بالغلْظة على الكفَّار والمنافقين؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التوبة: 73]، ولا مانعَ عقلاً أن يكون من الإغْلاظ سبُّهم ولعنهم، ومن هذا المعنى دعاؤُه على رجالٍ من المشْركين آذَوا الله ورسولَه ويسمِّيهم بأسمائهم؛ لأن هذا مما أباحه الله له، حتَّى أنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} - وهو ما حدث مع بعضهم - {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]، وليس في الآية الكريمة نهيٌ عن اللَّعن، وإنَّما النَّهى عن تعْيين أسماء مَن يلعنهم؛ لعلَّ الله أن يتوب عليْهم، أو يعذِّبَهم في الدُّنيا بقتلهم، وفى الآخرة بالعذاب الأليم.
فمَن قال قولاً أو فعَل فعلاً استحقَّ به اللَّعن، لُعِن، سواء كان من عُصاة الأمَّة، أو من الكافرين، أو المنافقين، وهذا لا يخالف عِصْمَتَه ولا سماحته وحسن خلقه البتَّة؛ قال تعالى: {وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 64]، وقال سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78]، وقوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 44]، وقوله - عزَّ وجلَّ -: {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 23].
وجاءت السنَّة المطهَّرة، وعلى لسان صاحبِها المعصوم - صلَّى الله عليْه وسلَّم - تلعَن مَن لعنهم الله في كتابه، ومنهم بعض عصاة المؤمنين بصفَتهم دون تعْيين أشْخاصهم، فلعن السَّارق، والمتبرِّجة، والواصِلة، والواشِمة، ومَن لعن والديْه، ومَن ذبح لغير الله، ومَن آوى محدثًا، ومَن غيَّر منارَ الأرض، وشارب الخمر، والرَّاشي والمرتشي، ومَن مثَّل بالحيوان، وغيرهم.
والحكمة البالغة في هذا هو الزَّجر والتَّخويف؛ ليرتدِعوا عن تلْك الصِّفات الذَّميمة الضَّارَّة بالمجتمع، وليضرب على يد الظَّالِم؛ ليخشى عاقبة فعلِه فيمتنع عن تكْرارها، فيسعد المجتمع، فالخير المتحقِّق من جرَّاء هذا له ما يؤيده من السِّياسة الشَّرعيَّة؛ وإلا فليس من السياسة الشرعية السليمة، اللين في جميع الأحوال ومع كل الأشخاص حتى في موضع الشدة، فهل هذا من حكمة القائد؟! اللهم لا ، وصدق القائل:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا فليقسُ - أحيانًا - على من يرحمُ
وقول الآخر:
وضع الندى في موضوع السيف بالعلا مضر كوضع السيفِ في موضع الندى
وكان النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُحاسب النَّاس بما يظهر منهُم، ودعوته على مَن يستحقُّ، أو سبّه أو جلده كان ممَّا خيِّر بين فعله عقوبةً للجاني أو ترْكه، وكلّ هذا مع ندْرته غضب لله - تعالى - وليس لنفْسِه؛ ففي الصَّحيح عن عائشة قالت: "ما انتقم لنفسه قطّ إلاَّ أن تنتهك حرمات الله"، وعنها قالت: "ما خيّر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين أمرَين إلاَّ أخذ أيسرَهُما ما لم يكن إثْمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لنفسه إلاَّ أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها"؛ رواهما البُخاري، وفي صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنْه - قال: خدمت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشر سنين، فلا واللهِ ما قال لي لشيء صنعته: لِمَ صنعته؟ ولا لشيء لم أصنعه: ألا صنعته؟ ولا لامَنِي، فإن لامَنِي بعضُ أهله قال: «دعه، وما قدّر فهو كائن أو ما قُضِي فهو كائن» .
وقال: "لم يكُن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاحشًا، ولا لعَّانًا، ولا سبَّابًا، كان يقول عن المعْتبة: «ما له ترب جبينه» .
وقد أجمعت كتُب السير على أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أعظم النَّاس خلقًا، فما كان باللعَّان ولا الفاحش ولا البذِيء، يؤيِّده عفْوه عن المنافقين وترْكه لقتل كثيرين مما يستحقُّون القتل، كعبد الله بن سلول رأس المنافقين، وغير ذلك كثير.
وقال - عزَّ وجلَّ - في وصف نبيه المعصوم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، وقال - سبحانه -: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215].
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث: ((ليْس بأهل لذلِك))؛ يعني: عند الله تعالى، وفى باطن الأمر، ولكنَّه في ظاهر الحال هو مستحقٌّ للَّعن، إمَّا بكفره وقتال المسلِمين كأهل مكَّة، أو إظْهار نفاقه ويكون في باطن الأمر ليْس كذلك، وهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - مأْمور بالحكم بالظَّاهر، والله يتولَّى السَّرائر، وتأمَّل ما رواه أبو سعيد الخدْرى - رضي الله عنه - قال: بعث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من اليمن بذُهيبة فقسمها بين أربعة، فقال رجل: "يا رسول الله، اتَّق الله"، فقال: «ويلك! أولستُ أحقَّ أهل الأرض أن يتَّقي الله؟!»، ثمَّ ولَّى الرجُل، فقال خالد بن الوليد: "يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟"، فقال: «لا، لعلَّه أن يكون يصلي»، فقال خالد: "وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه!"، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إني لم أُومر أن أنقِّب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم» [رواه مسلم].
فغضبه - صلى الله عليه وسلم - لله - عزَّ وجلَّ - فكان دعاؤه في تلك الغضْبة ممَّا خير بين فعله عقوبة للجانى، أو تركه، والزَّجر له بما سوى ذلك، ولكن لا يحمله الغضَب على ما لا يَجب، ومع هذا من كمال شفقته سأل ربَّه - عزَّ وجلَّ - أن يجعل دعاءَه مغفرة ورحمةً لمن دعا عليْه من أمَّته ممن لا يستحق ذلك في باطن الأمر.
هذا؛ ولا تعارُض بين الأحاديث التي خيّر فيها رسول الله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلعن من يستحق اللعن، وبين قولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إني لم أبعَثْ لعَّانًا، وإنَّما بعثت رحمة» [رواه مسلم]، وحديث: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» [رواه البخاري ومسلم]؛ لأنَّها أحاديث مطلقة أو عامَّة، وما فيها اللَّعن مقيَّدة أو خاصة بمن يستحقُّ الغضب واللَّعن في ظاهر الحال، ومع هذا فمِن كمال رحمته احتاط لمن لم يكن أهْلاً باشتِراطه على الله أن يكون دعاؤُه عليهم رحمة، وكفَّارة، وزكاة، إذا لم يكن المدعوّ عليه أهلاً للدعاء عليه، وكان مسلمًا، بخلاف الكافرين والمنافقين، فلا يكون ذلك لهم رحمةً.
ولذا؛ لما قالُوا يا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ادْعُ على دوس، قال: «اللهُمَّ اهد دوسًا وائت بهم» [رواه البخاري ومسلم]، وقال عبد الله: "كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه، فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»؛ متفق عليه، ونزل إليه جبريل ومعه ملك الجبال ليأمره بما شاء في هلاك المشركين، فقال ملك الجبال: "يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا» [رواه البخاري ومسلم].
وأيضًا فإن أحاديث الدُّعاء أو اللعن نادرة، وهذا ما أثارَ تعجُّب أم المؤمنين عائشة، والوصف لا يلحق بالموصوف إلاَّ بأن يكون عادةً متأصِّلة فيه اشتهر بها، والنَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان على العكْس من ذلك.
وبهذا تُفهم النُّصوص في ضوء بعضِها البعض بإذن الله تعالى.
ثمَّ إنَّ ضلاَّل النَّصارى يعترضون على موقف واحدٍ من سيرة رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - التى نقلت إليْنا كاملة، شاملة جميع أقواله وأفعاله وأحوالِه على مدى ثلاثٍ وعشرين سنة، فماذا يقولون على كتبهم الطَّافحة بالسبِّ واللَّعن والفحش والوقاحة، بل والجنس الفاضِح الذي يصف أدقَّ التَّفاصيل في جسد المرأة.
ففي نشيد الإنشاد، وهو سفر جنسي بحْت، تفاصيل جنسيَّة لا يتخيَّلها عقْل، بالرَّغم من محاولات تفْسيره تفسيراتٍ رمزيَّةً، ولولا خشية إشاعة الفاحِشة، واشمِئْزاز النفوس الطَّاهرة، لنقلْتُ بعضًا منْه، فضلاً عن اكتظاظ ما يسمى بالكتاب المقدس بالعديد من القصص والنُّصوص الفاضحة.
منها فرْية زنا لوط - عليه السلام - بابنتيْه، وادِّعاء الكتاب المقدَّس أنَّ داود - عليه السلام - زنى بزوجةِ جارِه ورئيس جيشه، ثمَّ خطَّط لقتله.
وكذلك ادّعاء الكتاب المقدس أنَّ إبراهيم - عليْه السَّلام - استخدم جَمال زوجتِه ليحْمي نفسَه من المصريين، وقصَّة إغراء راعوث لبوعز جنسيًّا بإيعازٍ من حماتِها.
كل هذا والأناجيل لم تتناول سِوى فترة قصيرة جدًّا من حياة المسيح، تتراوح بين العام والنِّصف وثلاثة أعوام، بل وحتَّى هذه الفترة تناولتْها باختصار شديد جدًّا، ومع هذا خرجْنا منها بقاموس مكتظّ بالسفالات، منها:
• يسوع يسب أنبياء الله قاطبة:
"أنا باب الخراف وجميع الَّذين جاؤوا قبلي سارقون ولصوص!" (يوحنا 7:10).
• يسوع يسب المؤمِنين من اليهود (الحواريين):
قال لبطرس كبير الحواريِّين: "يا شيطان" (متى 16: 23).
• وشتم آخرين منهم بقوله: "أيُّها الغبيَّان والبطيئا القلوب في الإيمان!" (لوقا 24 : 25).
• بل شتم أحد الَّذين استضافوه ليتغدَّى عنده: "سأله فريسي أن يتغدَّى عنده، فدخل يسوع واتَّكأ، وأمَّا الفريسي فلمَّا رأى ذلك تعجَّب أنَّه لم يغتسل أوَّلاً قبل الغداء، فقال له الرَّبّ: أنتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكأس، وأمَّا باطنكم فمملوء اختطافًا وخبثًا، يا أغبياء! ويل لكم أيها الفريسيون! ... فأجاب واحد من النَّامسيين وقال له: يا معلم، حين تقول هذا تشتمُنا نحن أيضًا، فقال: وويل لكم أنتم أيّها الناموسيون!" (إنجيل لوقا 11 : 39).
• يسوع يسب المؤمنين من غير اليهود:
سبَّ المرأة الكنعانيَّة المؤمنة ووصفها بالكلبة لمجرَّد أنَّها ليست من بني إسرائيل، "وخرَجَ يَسوعُ مِنْ هُناكَ وجاءَ إلى نواحي صورَ وصيدا 22 فأَقبلَتْ إلَيهِ امرأةٌ كَنْعانِيَّةٌ مِنْ تِلكَ البلادِ وصاحَت: "ارْحَمني، يا سيِّدي، يا ابن داودَ، ابنتي فيها شَيطانٌ، ويُعذِّبُها كثيرًا" 23 فما أجابَها يَسوعُ بكَلِمَةٍ، فَدنا تلاميذُهُ وتَوَسَّلوا إلَيهِ بقولِهِم: "اصرِفْها عنَّا، لأنَّها تَتبَعُنا بِصياحِها" 24 فأجابَهُم يَسوعُ: "ما أرسلَني الله إلاَّ إلى الخِرافِ الضَّالَّةِ مِنْ بَني إِسرائيلَ" 25 ولكنَّ المرأةَ جاءَتْ فسَجَدَتْ لَه وقالَت: "ساعِدْني، يا سيِّدي" 26 فأجابَها: "لا يَجوزُ أنْ يُؤخذَ خُبزُ البَنينَ ويُرمى إلى الكِلابِ" 27 فقالَت لَه المَرأةُ: "نَعم، يا سيِّدي، حتى الكلابُ تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يَتَساقَطُ عَنْ موائدِ أصحابِها" 28 فأجابَها يَسوعُ: "ما أعظَمَ إيمانَكِ، يا امرأةُ! فلْيكُنْ لَكِ ما تُريدينَ" فشُفِيَت ابنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعةِ".
فالمرأة الكنعانية - وفْق هذا النص - كانت مؤمنةً بأنَّ المسيح هو ابن داود المبشَّر به، وأنَّه يملك بإذن الله أن يساعدها، ومع هذا أعرض عنها المسيح، وقال: إنه لم يرسل إلاَّ لليهود، وحين توسَّلت إليه وتضرَّعت بذلٍّ لتنقِذ ابنتها، قال: إنَّها كلبة أممية، ولا يجوز أن يُؤخذ طعام الأبناء (اليهود) ليطرح للكلاب أمثالها، حينها تنازلتْ عن آخِر قطرة في كرامتها وإنسانيَّتها، فاعترفت على نفسها أنَّها كلبة تحت أقدام أسيادها تنتظر أن تأكل من فتات طعام موائدهم… حينئذ - وفقط - رضي عنها يسوع النَّصارى واعتبرها صالحة!
• يسوع النَّصارى يصف سائر الأميِّين بالكلاب والخنازير، وينصح اليهود بعدم هدايتهم:
"لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دررَكم قدام الخنازير؛ لئلاَّ تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزّقكم" (متى 7 : 6).
ويسب معلمي الشَّريعة قائلاً لهم: "يا أولاد الأفاعي" (متى 3 : 7).
• وشتمَهم في موضع آخَر قائلاً لهم: "أيُّها الجهَّال العمْيان" (متى 23 : 17).
مع أنَّ بولس نفسه اعتذرَ حين سبَّ أحدَهم، وقال: "ما كُنتُ أعرِفُ، أيُّها الإخوةُ، أنَّهُ رَئيسُ الكَهنَةِ، فالكُتُبُ المُقَدَّسَةُ تَقولُ: لا تَلعَنْ رَئيسَ شَعبِكَ" (أعمال 23 : 5).
فإمَّا أنَّ بولس جاهل بنسخ إلَهه لرأْيِه، وإمَّا أنَّ إلَهه خالف حكمه.
وفي رؤيا يوحنَّا التي وصف الله فيها بأنَّه خروف ذو سبعة قرون!
فضلاً عن أنَّ الأناجيل الَّتي بين أيدي النَّصارى ليس لها سند، ولا يُمكن أن يقال عنه: إنَّه الإنجيل الذي نزل على عيسى - عليه السلام - فقد كتبت جميعًا بعد رفْع عيسى - عليه السلام - إلى السَّماء، وهي أشبه بكتب الحكايات الخيالية وألف ليلة وليلة.
والباحث في الأناجيل الأربعة يعلم قطعًا أنَّه لا يمكن نسبتُها إلى هؤلاء الأربعة بدليلٍ صحيح، فلا يُعْرَف مَن كَتبها ولا ما هي اللُّغة الأصليَّة التي كتبت بها، حتَّى قال فهيم فؤاد في "مدخل للعهد الجديد" عندما سُئِل عن مؤلف إنجيل يوحنَّا: "لا يعلم إلاَّ الله وحْده مَن الذي كتب هذا الإنجيل!".
لقد كتبت أصول هذه الأناجيل باللغة اليونانيَّة فيما عدا (متى) الَّذي كُتِب بالعبرانيَّة، لكنَّ أيًّا من اللُّغتين لم تكن لغةً للمسيح، الَّذي كان يتكلَّم السريانيَّة كما دلَّت على ذلك الأناجيل، فمَن الَّذي ترجم هذه الأناجيل؟! وأيْن النُّسَخ الأصليَّة؟! فهذه أسئِلة لا تجدون لها جوابًا وهي تُفقد أي ثقة في هذا الأناجيل.
ولذلك تجد التناقُض الظَّاهر، والاختلاف البيّن، والأغلاط الواضحة في هذه الأناجيل، ممَّا يقطع بأنَّها من عند غير الله، وقد عدَّ صاحب كتاب "إظهار الحق" 125 اختلافًا وتناقُضًا فيما يسمَّى بالكتاب المقدَّس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصحّ بحال، ووجود 45 شاهدًا على التَّحريف اللفظي بالزِّيادة، و20 شاهدًا على التَّحريف اللفظي بالنقصان.
أمَّا نسبة العظائم والقبائح إلى أنبياء الله ورسلِه الكرام، فحدِّث ولا حرج، كالباطل الذي ينسبونَه إلى لوط، ونوح، وداود - عليهم السلام - وغيرهم.
وقضيَّة التثليث، والصَّلب وهي من ركائز دين النَّصرانيَّة المحرَّف، وممَّا أجمعتْ عليه طوائفهم، ومع هذا فما أشدَّ التَّناقض والاضطراب الواقع في الأناجيل في هاتَين القضيَّتين!!
ففي (إنجيل لوقا 4 : 29 - 30) أنَّ الله عصم المسيح - عليه السلام - وحفِظه من كيد اليهود ومكرهم، فلم يستطيعوا أن يصلبوه، قال (يوحنا : 8 : 59): "فرفعوا حجارة ليرجموه، أمَّا يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازًا في وسطهم ومضى هكذا".
وقال (يوحنا 10 : 93): "فطلبوا أيضًا أن يُمسِكوه فخرج من أيديهم"، وفي (يوحنا 36 : 19): "وقد حدث هذا ليتمَّ ما جاء في الكتاب: لن يكسر منه عظم!".
وفي سفر (أعمال الرسل 1 : 11): "إنَّ يسوع هذا الَّذي ارتفع عنكم إلى السَّماء".
وفي (متى 4 : 6) و (لوقا 4 : 10 - 11): "مكتوب أنَّه يوصي ملائكتَه بك فعلى أياديهم يحملونك".
هذا العبارة في الإنجيل يُقصد بها المسيح، وهي كافية لإثبات عدَم صلبه.
مَن تأمَّل المجامع النصرانيَّة وتاريخها ودور بولس في تحْريف وتبديل النَّصرانيَّة، حتَّى حوَّلها إلى دين الشرك والوثنيَّة - علِم أنَّ اختيار الأناجيل الأربعة دون سواها، وتقْرير ألوهيَّة المسيح وبنوَّته، وألوهيَّة الروح المقدَّس - لم يكن لها سند إلاَّ هذه المجامع التي أخذ فيها بكلمة الرومان الوثنيِّين، وعوقب كلُّ مَن تمسَّك بالتَّوحيد.
أمَّا قول النبي لمعاذ بن جبل: «ثكِلَتْك أمك يا معاذ» [رواه البخاري]، وأن هذا دعاء عليه بالهلاك والموت - فهو قولُ مَن لا يعرف العربيَّة الحقَّة، ولا يعرف إلاَّ لغة الأناجيل الهابِطة، فهذه الكلمة ممَّا جرت به عادة العرب في وصل كلامِها بغيره بلا نيَّة، وكانت تضمِّن وتدغم بعض كلامِها بما ظاهرُه خلافُ ما تقصِده، كقولهم: "لا أمَّ له ولا أب"، و "تَرِبت يمينك"، و "يا ويله، أو ويل أمِّه" ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقةَ الدعاء، وكذلك قولُه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «ثكِلَتْك أمُّك يا معاذ» [رواه البخاري]، فلم يقصِد النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الدُّعاء عليْه أن تفقِده أمه، فالعرب كانوا يقولون تِلك الكلِمة ولا يريدون حقيقتها.
فهي كلِمة تقولُها العرب للإنكار، ولا تُريد بها حقيقتَها، فتجري على ألسِنة العرب من غير قصْد الدُّعاء به، ومن ثم قيل: وقد يُوحش اللفظ وكلُّه ودٌّ، ويُكْرَه الشَّيء وليس من فعله بدٌّ، هذه العرب تقول: "لا أبا لك" للشَّيء إذا أهم، و "قاتَله الله".
أمَّا حديثُ زيْنب "سبِّيها فسبَّتْها" فضعيف؛ قال الألباني: "وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف ابن جُدْعان، وامرأة أبيه أم محمَّد مجهولة لم يوثِّقْها أحد".
قال المنذري: "علي بن زيد بن جُدْعان لا يحتجُّ بحديثه، وأمُّ ابن جدعان هذه مجهولة".
ولو صحَّ الحديث، فليس فيه إلاَّ مشروعيَّة الرَّد على من يتقحَّم في الأمور بغير تثبُّت ولا رويَّة؛ قال تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148]، ومَن تأمَّل هذه الآية العظيمة أدْرك كيف أنشأ الإسلام أمَّة جديدة من المجموعات المسلِمة، التي التقطها الإسلام من سفوح الجاهليَّة التي كانت تهيم فيها؛ ليأخذ بيدِها إلى القمَّة السامقة، وليسلِّمها لقيادة البشريَّة بعد بناء وتطْهير ضمائرها، وتطهير المجتمع ورفع المستوى الخلقي والنَّفسي، فتفوقت في أخلاقها الفرديَّة والاجتماعيَّة بقدر تفوُّقها في تصوُّرِها الاعتقادي على سائر أهل الأرْض، فقادت البشريَّة إلى النور والهدى، وتفوَّقت في العلم والحضارة والاقتصاد والسياسة، وكان هذا التفوُّق ثمرة للتفوُّق الاعتِقادي والأخلاقي؛ {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ}، فالجهر بالسوء في أيَّة صورة من صورِه سهْل على اللسان ما لم يكن هناك تحرُّج في الضَّمير، وتقوى لله، وشيوع هذا السوء كثيرًا، مما يترُك آثارًا عميقة في المجتمع، فقالة السُّوء حين تنتشِر وحين يصبح الجهر بها هيِّنًا مألوفًا، فيسقط الحياء النفسي والاجتماعي الَّذي يمنع الألسنة من النُّطق بالقبيح، فكره الله للأمَّة الإسلاميَّة أن تشيع فيها قالة السوء، ولكن يقتصر حقّ الجهر بها على مَن وقع عليه ظلم يدفعه بكلمة السوء، في حدود ما وقع عليه منْه من الظلم؛ فقال سبحانه: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}، ففي هذه الحالة يكون الوصْف بالسوء انتصارًا من ظلم، ودفعًا لعدوان، وردًّا لسوء معيَّن قد وقع على إنسان معيَّن، وتشهيرًا بالظلم والظَّالم في المجتمع؛ لينتصف المجتمع للمظلوم، وليضْرب على يد الظالم وليخشى الظالم عاقبة فعله، فيتردَّد في تكراره، فالخير الذي يتحقَّق بالجهر بالسوء في تلك الحال له ما يبرِّرُه لتحقيق العدْل، والنصفة هو الهدف لا مطلق التَّشهير.
إنَّ الإسلام يحمي سمعة النَّاس - ما لم يظلموا - فإذا ظلموا لم يستحقُّوا هذه الحماية، وأُذن للمظلوم أن يجهر بكلمة السوء في ظالمه، وكان هذا هو الاستثناء الوحيد من كفِّ الألسنة عن كلمة السوء، وهكذا يوفِّق الإسلام بين حرصِه على العدل الذي لا يطيق معه الظلم، وحرصه على الأخلاق الَّذي لا يطيق معه خدشًا للحياء النَّفسي والاجتماعي؛ {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} ، وهذا القول يصلح بمفرده ردًّا مستقِلاًّ.
أمَّا قول النَّبيِّ ليهود بني قريظة: «يا إخوة القردة والخنازير» ، فإنَّهم - أي: اليهود - نقضوا مواثيقَهم وما عاهدوا عليه النَّبيَّ، وغدروا بالمسلمين، وتحالفوا مع إخوانِهم من المشركين عبَّاد الأصنام، من قريش وغطفان، ضدَّ سيِّد الخلق أجمعين، بل هم مَن ألَّب الأحزاب على المسلمين، وكانت المهادنة بين اليهود وبين المسلمين تنصُّ على ألاَّ يغْدروا ولا يفْجروا، ولا يتجسَّسوا ولا يُعينوا عدوًّا، ولا يمدُّوا يدًا بأذًى، ولكنَّ جبلَّتهم النكِدة الشرّيرة، والحسد والحقد والغلّ في صدورهم على الإسلام، وعلى نبيِّه - دفعتهم للغدْر، ولم يغلب هذه الجبلَّة النكدة الشّرّيرة إلاَّ الإسلام وأهله يوم أن كانوا أهلَه، ولن يخلِّص العالم المعاصر من هذه الجبلَّة النكِدة إلاَّ الإسلام يوم يفيء أهله إليْه.
فلمَّا فضَّ الله جموع الكفْر، ودارت الدَّائرة على المشركين واليهود من بني قريظة، ذهب إليْهم النبي ليعاقِبَهم على غدْرِهم وخيانتهم للعهد.
أمَّا ما زعمه المنصر من سلام اليهود على النبي وقوله - صلَّى اللَّه علَيْهِ وسلَّم - "كَلاَّ إنَّها سَتَكُونُ تَحِيَّة"، فليس هناك حديث بهذا المعنى، وإنما ما ثبت في صحيحَي البخاري ومسلم عن عائشة - رضِي الله عنْها - قالت: دخل رهطٌ من اليهود على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: "السام عليكم"، قالت عائشة: "ففهمتُها"، فقلت: "وعليْكم السَّام واللَّعنة"، قالت: فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مهلاً يا عائشة، إنَّ الله يحبُّ الرفق في الأمر كلِّه»، فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «قد قلت: وعليْكم»، قال: «رددتُ عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فيَّ» .
أمَّا مَن رمى مريم البتول العذْراء بالزِّنا بهتانًا وظلمًا، فاليهود؛ حيث يقولون: المسيح ابن يوسف النجَّار، ويقولون عن مريم: إنَّها بغي بعيسى، وهذا ممَّا أوْجب لعنتَهم وطرْدَهم وإبْعادهم عن الهدى، فاليهود لم يؤْمِنوا بما بعث الله به عيسى ابن مريم وكذَّبوه وخالفوه، وسَعَوْا في أذاه بكل ما أمكنهم، حتَّى جعل نبي الله عيسى - عليه السلام - لا يُساكِنُهم في بلدة، بل يكثر السِّياحة هو وأمُّه - عليهما السلام - ثمَّ لم يقنعْهم ذلك حتَّى سعَوا إلى ملِك دمشق في ذلك الزَّمان - وكان مشركًا من عبدة الكواكب - وقالوا: إنَّ ببيت المقدس رجُلاً يفتن النَّاس ويضلُّهم، ويفْسِد على الملك رعاياه، فغضب الملك من هذا، وكتَب إلى نائبه بالقُدس أن يَحتاط من هذا المذْكور، وأن يصْلبه ويضع الشَّوك على رأسه، ويكفّ أذاه عن النَّاس، فلمَّا وصل الكتاب امتثل مُتَولِّي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزِل الَّذي فيه عيسى - عليه السلام - وهو في جماعة من أصحابه - اثنا عشر أو ثلاثة عشر، وقيل: سبعة عشر نفرًا - وكان ذلك يوم الجمُعة بعد العصر ليْلة السبت، فحصروه هنالك، فلمَّا أحسَّ بهم وأنَّه لا محالة من دخولهم عليه، أو خروجه عليْهم، قال لأصحابه: أيكم يُلْقَى عليْه شبهي، وهو رفيقي في الجنَّة؟ فانتَدَب لذلك شابٌّ منْهم، فكأنَّه استصغَره عن ذلك، فأعادَها ثانيةً وثالثةً، وكلُّ ذلك لا يَنْتَدبُ إلاَّ ذلك الشَّابّ - فقال: أنت هو - وألقى اللهُ عليْه شبه عيسى، حتَّى كأنَّه هو، وفُتحَت رَوْزَنَة من سقف البيت، وأخذت عيسى - عليه السلام - سِنةٌ من النَّوم، فرفع إلى السَّماء وهو كذلك.
فلمَّا رفع خرج أولئِك النَّفر، فلما رأى أولئِك ذلك الشَّابَّ ظنُّوا أنَّه عيسى، فأخذوه في اللَّيل وصلبوه، ووضعوا الشَّوك على رأسه، فأظهر اليهود أنَّهم سعَوا في صلْبِه وتبجَّحوا بذلك، وسلَّم لهم طوائفُ من النَّصارى ذلك لجهلهم وقلَّة عقلهم، ما عدا مَن كان في البيت مع المسيح، فإنَّهم شاهدوا رفْعَه، وأمَّا الباقون فإنَّهم ظنُّوا كما ظنَّ اليهود أنَّ المصلوب هو المسيح ابن مريم.
ففي (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج 14 / ص 436 - 437):
"يُشار إلى المسيح (عيسى ابن مريم) بكلمة "يشو" العبريَّة، ويُشار إليه في التلمود بوصفه "ابن العاهرة"، كما يُشار إلى أنَّ أباه جنديٌّ رومانيٌّ حملت منْه مريم العذراء سفاحًا.
أمَّا كلمة "ماشيَّح"، فإنَّها تشير إلى المسيح المخلِّص اليهودي الَّذي سوف يأتي في آخر الأيام.
ويُشير التلمود إلى أنَّ صلب المسيح تمَّ بناءً على حُكْم محكمة حاخاميَّة (السنهدرين) بسبب دعوته اليهود إلى الوثنيَّة، وعدم احتِرامه لسلطة الحاخامات، وكلُّ المصادر الكلاسيكيَّة اليهوديَّة تتحمَّل المسؤوليَّة الكاملة عن ذلك، ولا يُذكَر الرومان بتاتًا في تلك المصادر.
وظهرت كتب مثل توليدوت يشو (ميلاد المسيح)، وهي أكثر سوءًا من التلمود نفسه، وتتَّهم المسيح بأنَّه ساحر.
وقال: "توليدوت يشُّو" عبارة عبريَّة تعني "حياة المسيح"، وهي عنوان كتاب كان متداولاً بين أعضاء الجماعات اليهودية في العصور الوسطى في الغرب، ويُقدِّم هذا الكتاب التصوُّر اليهودي لمولد وحياة المسيح، وقد تداخلت عدَّة عناصر لتكوِّن هذه الصورة، من بينها بعض أقسام التلمود (سوطه أو المرْأة المشبوهة - السنهدرين) وبعض الفتاوى في عصر الفقهاء (جاؤون)، وبعض العناصر الفلكلوريَّة المنتشرة بين أعضاء الجماعات اليهودية.
ويُقدِّم الكتاب أحيانًا صورة إيجابيَّة إلى حدٍّ ما للعذراء مريم أمّ المسيح، فهي من عائلة طيِّبة وتعود جذورُها لبيت داود، أمَّا أبو المسيح فهو رجُل شرّير قام باغتصابها ثمَّ هرب.
وتُبيِّن القصَّة أنَّ المسيح شخص يتمتَّع بذكاء عال، ولكنَّه لا يحترِم شيوخ البلد وحكماءها، وهو يتمتَّع بمقدَّرات عجائبيَّة لأنَّه سرق أحد الأسماء السريَّة للإله من الهيكل، ومع هذا ينجح أحد فقهاء اليهود في إبطال سرِّه، وتوجد تفاصيل أخرى في الكتاب أكثر بشاعة وقبحًا.
ويهْدف الكتاب إلى تفريغ قصَّة المسيح من أي معنى روحي، كما أنَّها تحاول تفسير المعجزات التي تدور حول المسيح بطريقة تكشفُها وتنزع عنها أيَّ سحر أو جلال أو هالات دينيَّة.
وهذا الكتاب يُسبِّب كثيرًا من الحرج للجماعات اليهوديَّة حينما تكتشِف السلطات أمره؛ ولذا كان بعض الحاخامات يحْرِصون على تأكيد أنَّ يسوع المشار إليْه في الكتاب ليس المسيح، وإنَّما هو شخص يحمل هذا الاسم عاش قرْنين قبل الميلاد، وقد أُعيد طبع كتاب توليدوت يشّو على نطاق واسع في إسرائيل".
وقد استمرَّ الصراع بين النَّصارى واليهود، قتلة الرَّبّ - كما كانوا يسمُّونهم - وأنَّهم تشتَّتوا عقابًا لهم على ما اقترفوه من ذنوب، حتَّى استحمر اليهودُ النصارى.
أما الموسوعات اليهودية فتطلق على المسيح Ben-Pandera وتصِف أمَّه بالزنا:
يسوع إله النَّصارى ابن زنا، وأبوه جندي روماني.
تذكر الموسوعة اليهودية عن يسوع أنَّه كان يلقَّب بلقبي المجهول وابن الزنا (bastard):
The two expressions so often applied to Jesus in later literature "that anonymous one," the name of Jesus being avoided and "bastard".
وتنكر الموسوعة اليهودية أن يكون يسوع قد وُلِد من عذراء، وتذْكر أنَّه ولد ولادة عادية:
The Jews, who are represented as inimical to Jesus in the canonical Gospels also, took him to be legitimate and born in an entirely natural manner.
وتذكر أنَّ أباه جندي روماني يدْعى بانديرا، وأنَّه غرَّر بالسيدة العذراء مريم - حاشا لله:
The seducer was a soldier by the name of Panthera.
وتقول: إنَّه كان معروفًا بين اليهود باسم Ben-Pandera ابن بانديرا:
It is certain, in any case, that the rabbinical sources also regard Jesus as the "son of Pandera".
أمَّا التلمود فيصفُ السيِّدة مريم العذراء - حاشا لله - أنَّها عاهرة (harlot):
She who was the descendant of princes and governors, played the harlot with carpenters.
والتلمود يصِف يسوع بابن الزنا الَّذي ولد نتيجة علاقة غير شرعيَّة:
So-and-so is a bastard having been born from a forbidden union with a married woman.
ويطلق التلمود على يسوع اسم Ben Pandera أو Ben Padira وتعني: ابن بانديرا نسبة إلى الجندي الروماني بانديرا الَّذي يوصف بأنَّه عشيق (paramour) السيدة مريم - حاشا لله:
Ben Stada was Ben Padira. R. Hisda said: 'The husband was Stada, the paramour Pandira.
ويذكر الفيلسوف اليوناني كلاسيوس أنَّ أمَّ يسوع ارتكبت الزِّنا مع بانديرا، وأنجبت ابن الزنا يسوع وكانت تعيش في خزي وعار:
Jesus had come from a village in Judea, and was the son of a poor Jewess who gained her living by the work of her own hands. His mother had been turned out of doors by her husband, who was a carpenter by trade, on being convicted of adultery [with a soldier named Panthéra]. Being thus driven away by her husband, and wandering about in disgrace, she gave birth to Jesus, a bastard. Jesus, on account of his poverty, was hired out to go to Egypt. While there he acquired certain (magical) powers which Egyptians pride themselves on possessing. He returned home highly elated at possessing these powers, and on the strength of them gave himself out to be a god.
وتستمر هذه الاتِّهامات حتَّى يومنا هذا، حيث تصِف مواقعُهم الإلكترونية يسوع بابن الزنا الذي ولد نتيجة علاقة غير شرعيَّة:
According to the Talmud, Yeshu was the son of a Jewish woman named Miriam who was betrothed to a carpenter. "Betrothed" means she was legally married to him, but she was not yet living with him or having sexual relations with him. The story says that Miriam was either raped by or voluntarily slept with Pandeira, a Greek or Roman soldier. Miriam than gave birth to Yeshu, who was considered a "mamzer" (bastard), a product of an adulterous relationship. The Talmud describes Yeshu as a heretic who dabbled in sorcery and lead the people astray. Later, the Sanhedrin (the Jewish "Supreme Court") ordered Yeshu stoned to death and his dead body was hung from a tree until nightfall after his death, in accordance with the ancient Jewish punishment for heretics.
بل ما يسمَّى بالكتاب المقدس ينسب يسوع إلى يوسف النجَّار عدَّة مرَّات، مثلما ورد في (يوحنا 6: 42): "وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الَّذي نحن عارفون بأبيه وأمه، فكيف يقول هذا: إني نزلت من السَّماء؟!".
في حين أنَّها كانت مخطوبة له فقط، كما جاء في (لوقا 1: 27) "إلى عذراء مخطوبة لرجُل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم".
كلّ ذلك ولم يرد على لسان يسوع كلمة واحدة تبرئ أمه!
ومن نظر إلى نسب يسوع في العهد الجديد، وجد أنَّ يسوع من نسل زناة:
ففي متى العدد (3: 1): "ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار، وفارص ولد حصرون، وحصرون ولد آرام".
ويهوذا حسب الكتاب المقدس كان قد زنَى (زنا محارم) بزوجةِ ابنه ثامار، كما في القصَّة التي وردت في (سفر التَّكوين الإصحاح 38: 13)، "فأخبرت ثامار، وقيل لها: هوذا حموك صاعد إلى تمنة ليجزَّ غنمه، 14 فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطَّت ببرقع وتلفَّفت وجلست في مدخل عينايم الَّتي على طريق تمنة؛ لأنَّها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تعْط له زوجة، 15 فنظرها يهوذا وحسبها زانية؛ لأنها كانت قد غطَّت وجهَها، 16 فمال إليْها على الطريق وقال: هاتي أدخل عليك؛ لأنَّه لم يعلم أنَّها كَنَّته، فقالت: ماذا تعْطيني لكي تدخل عليَّ؟ 17 فقال: إنِّي أرسل جدي معزى من الغنم، فقالت: هل تعطيني رهنًا حتَّى ترسله؟ 18 فقال: ما الرَّهن الذي أعطيك؟ فقالت: خاتمك وعصابتك وعصاك الَّتي في يدك، فأعطاها ودخل عليها، فحبلت منه، 19 ثمَّ قامت ومضت وخلعت عنْها برقعها ولبست ثياب ترمّلها، 20 فأرسل يهوذا جدي المعزى بيدِ صاحبه العدلامي ليأخذ الرهن من يدِ المرأة، فلم يجدها، 21 فسأل أهل مكانِها قائلاً: أين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق؟ فقالوا: لم تكن ههُنا زانية، 22 فرجع إلى يهوذا وقال: لم أجدها وأهل المكان أيضًا قالوا: لم تكن ههنا زانية، 23 فقال يهوذا: لتأخذ لنفسها لئلاَّ نصير إهانة، إنِّي قد أرسلت هذا الجدي وأنت لم تجِدْها، 24 ولمَّا كان نحو ثلاثة أشهر أخبر يهوذا، وقيل له: قد زنت ثامار كنَّتك وها هي حبلى أيضًا من الزِّنا، فقال يهوذا: أخرجوها فتحرق، 25 أما هي فلمَّا أخرجت أرسلت إلى حميها قائلة: من الرَّجُل الذي هذه له أنا حبلى؟ وقالت: حقِّق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه، 26 فتحقَّقها يهوذا وقال: هي أبرُّ منِّي لأنِّي لم أعطِها لشيلة ابني، فلم يعد يعرفها أيضًا، 27 وفي وقت ولادتها إذا في بطنِها توءمان، 28 وكان في ولادتها أنَّ أحدهما أخرج يدًا فأخذت القابلة وربطت على يده قرمزًا، قائلة: هذا خرج أوَّلاً، 29 ولكن حين ردَّ يدَه إذْ أخوه قد خرج، فقالت: لماذا اقتحمت عليك اقتحامًا، فدعي اسمه فارص، 30 وبعد ذلك خرج أخوه الَّذي على يده القرمز، فدعي اسمه زارح.
وفي متى العدد (5 : 1) ورد نسب يسوع:
"وسلمون ولد بوعز من راحاب، وبوعز ولد عوبيد من راعوث، وعوبيد ولد يسى".
وراحاب امرأة زانية حسب ما ورد في سفر (يشوع 2 : 1): "فأرسل يشوع بن نون من شطّيم رجلين جاسوسين سرًّا قائلاً: اذْهبا انظرا الأرض وأريحا، فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب، واضطجَعَا هناك".
وفي متى العدد (6: 1): "ويسى ولد داود الملك، وداود الملك ولد سليمان من الَّتي لأوريا".
وداود - حسب الكتاب المقدَّس - زنى مع زوجة أوريا (الَّتي لأوريا) كما ورد في سفر صموئيل الثاني الإصحاح 11 : 2:"وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريرِه وتمشَّى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحمّ، وكانت المرأة جميلة المنظر جدًّا، 3 فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه بثشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثِّي، 4 فأرسل داود رسُلاً وأخذها، فدخلت إليْه فاضطجع معها وهي مطهّرة من طمثِها، ثمَّ رجعت إلى بيتها 5 وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود، وقالت: إنّي حبلى".
ثمَّ خطَّط داود لقتل أوريا زوجها:
"14 وفي الصباح كتب داود مكتوبًا إلى يوآب وأرسله بيد أوريا، 15 وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشَّديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت، 16 وكان في محاصرة يوآب المدينة أنَّه جعل أوريا في الموضع الذي علم أنَّ رجال البأس فيه، 17 فخرج رجال المدينة وحاربوا يوآب فسقَط بعض الشعب من عبيد داود، ومات أوريا الحثِّي أيضًا".
فهذا هو نسب يسوع - إله النَّصارى - كما جاء في العهد الجديد، وكلُّه زناة ومرتكبو فواحش بحسَب كتابهم المقدَّس، وهو ما يُظْهِر يدَ التَّحريف ودور اليهود الجلي في دسّ تلك القاذورات.
وأمَّا المسلِمون، فيقولون عن المسيح عيسى ابن مريم: هو عبد الله ورسولُه وكلمته ألقاها إلى مريم العذْراء البتول، وروح منه، وهو وجيهٌ في الدُّنيا والآخرة ومن المقرَّبين، ويصِفونه بما وصفه الله به في كتابِه، لا يغْلون فيه غلوَّ النَّصارى، َولا يتهمونه اتهامات اليهود الكاذبة.
ولمن أراد المزيد في معرفة خبايا ما يسمى بالكتاب المقدس، يراجع ما صدر مؤخَّرًا بعنوان:
"الكتاب المقدس بلا رقابة: الأجزاء الفاجرة والداعرة في الكتاب الجيد! The Uncensored Bible: The Bawdy and Naughty Bits of the Good Book".
حيث يدرس النُّصوص والقصص الإباحيَّة في الكتاب المقدَّس بدون توْرية، مع البعد عن التَّفسيرات الرمزيَّة لبعض اللاهوتيِّين، الذين كلَّما خجلوا من نصٍّ في الكتاب المقدَّس ادَّعوا أنَّه رمز، وهم بذلك يثبِتون - بطريقة غير مباشرة - أنَّ هناك عجزًا في نصوص الكتاب المقدس حيثُ الفهم المباشر لا يستقيم، فعلماء اللاهوت في الغرْب لا يخجلون من الاعتِراف بالمعنى الصَّريح لتلك النصوص الإباحيَّة، كما في هذا الكتاب وغيره الكثير، بخلاف الشَّرقيِّين الَّذين يعيشون في خرافة "التفسير الرمزي"، ويُلزمون النَّصارى بتلقّي قول الكنيسة بالقبول، وافق العقل أو خالفه، وعلى المسيحي إذا لم يستسِغْ عقْلُه قولاً قالتْه الكنيسة، أو مبدأ دينيًّا أعلنتْه، عليه أن يروِّض عقله على قبوله، فإذا لم يستطع، فعليه أن يشكَّ في عقله ولا يشكّ في قول البابا.
هذا؛ وكان الواجب على النَّصارى التفرُّغ للبحث عن جواب لمشاكِلِهم الدينيَّة، أو الاعتِراف بأنَّ كتابهم محرَّف كما فعلت المجامع الغربيَّة، والبعد عن المحاولات اليائِسة للطَّعن في الإسلام، أو التَّلْبيس على الأغْرار، فالشَّريعة الإسلاميَّة بُنِيَت على موافقة صحيح المنْقول لصريحِ المعقول، وليس كما يأمُر القساوسة أتْباعهم أن يعتقدوا وهم عمْيان.
وراجع على موقعِنا الرابطين: ( أكبر موجة تحول من المسيحية إلى الإسلام) ، ( دفاعًا عن النصارى).
هذا؛ وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف: