شذور الذهب من ذكرى سَفْرَة عجَب - (26) وحدث في الروضة

منذ 2016-04-28

وإذا بكثير من النساء يزغردن فرحًا، ويكبرن ويهللن، ويصلين على النبي صلى الله عليه وسلم طربًا

تقول صاحبتنا:

قررنا نحن الأخوات الذهاب إلى الروضة جميعا في صحبة، فغدونا للروضة قاصدات، وبالوقت المحدد للزيارة ملتزمات، وانتظرنا في الزحام بعض الوقت، حتى جاد الإله بتوفيق ما له حدّ، وبينما توجه كثيرمن النساء إلى القبر، كأن مرادهن من الزيارة منحصر في ذلك الأمر، فمن متمسحة، ومن داعية، ومن باكية، ومن مناجية، وإذا بكثير من النساء يزغردن فرحًا، ويكبرن ويهللن، ويصلين على النبي صلى الله عليه وسلم طربًا، أما نحن  فلم نقترب من القبر، وقد أجمعنا على تجنب فعل ذلك الأمر!

ولا تسألنني عن حالي حين دخلت هذا المكان، سبحت في لجة من المشاعر والأشجان، وقد أخذت بجماع نفسي خاطرة: ها أنا ذا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حاضرة. فقد وقع قبلاً في نفسي أني في توسعة المسجد النبوي كنت أصلي: فهل أٌطال بصلاتي في التوسعة الأجر، أم يلزمني الصلاة في مسجده الأصل! هذا ما وقع في نفسي حينها، ولم أكن اطلعت على أقوال لأهل العلم في تلك المسألة أو حولها [1].

ها أنا ذا في المسجد الأصلي، فلم لا أصلي وأصلي وأصلي! [2].

وكنت ومن معي من الأخوات، من أشد الحريصات على الصلاة إلى سترة بالذات، ومع شدة الزحام، وصعوبة أن تصلي إحدانا بلا انقطاع في سلام، اتفقنا على الانقسام: فبعضنا يصلي ركعات، بينما تعمل الباقيات على منع مرورالعابرات بين يدي المصليات، وكأننا أتينا بفعل عجب، كيف نمنع العابرات من المرور بين يدي المصليات -زعمن- بلا سبب، واستنكرت علينا بعض النساء: يسقط حكم السترة إلا في الخلاء!

- وقالت إحداهن: لا سترة في الحرمين كذا قال أهل العلم! [3] فلم نُرد الجدال، فتعذرنا بأدب؛ لأن إقناعهن في هذا الزمان وذلك المكان محال! ولشدة الزحام، وما رأينا من مخالفات تحزن الجنان، لم أستطع الاستمتاع كما ينبغي بالتعبد في ذلك المكان!

وأذكر أنه حدث في هذا الزمان وذلك المكان ما أضحكني وأبكاني في آن: كنا ننهى بعض المزغردات والمناجيات والمستغيثات بشخص الرسول بأن هذا لا ينبغي أن يصدر عن عاقل أومسؤول. وإذا بجزء من سقف المكان يدور؛ فأخذت تلكم النسوة  شديد حيرة وذهول! فحين رأين السماء، طفقن يزغردن ويزغردن ويزغردن بطرب شديد وانتشاء...!! وانصرفن عما كنا نقول، فتلك -بزعمهن- معجزة جازمة لجاه الرسول! وحينها لم أدر أأضحك أم أبكي! وتوجهت بالدعاء لربي: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

ويتبع بإذن الله.

----------------------------------------------------------------

[1] الصلاة في التوسعة بالمسجد النبوي أو المسجد الحرام  
السؤال: هل يشمل الأجر في الصلاة في المسجد النبوي الصلاة في التوسعة؟  
الإجابة: نعم ذكر العلماء أن الزيادة لها حكم المزيد فإن المسجد النبوي أصله صغير وقد زاد فيه عثمان رضي الله عنه ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك ولم يزل الملوك يوسعونه حتى جاءت هذه التوسعة الكبيرة في عهد هذه الدولة، وذلك للحاجة الماسة إليها ولكثرة الوجود لما تيسرت وسائل النقل. فمن صلى في التوسعة فله الأجر المرتب على الصلاة في أصل المسجد بشرط أن تتصل الصفوف ولا يجد مكان أقرب مما هو فيه، فأما الصلاة في التوسعات مع خلو بعض المصابيح فنرى أنها لا تحصل بها المضاعفة، وفي صحتها نظر.
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين : http://ibn-jebreen.c...562&parent=1074

[2] لا يوجد نص صريح يحض على الصلاة في الروضة الشريفة، وإنما يستفاد ذلك من أنها أشرف البقاع في الحرم النبوي لذا استحبوا الصلاة فيها ولمن أراد مزيد فائدة فليطالع ما يلي:
http://almeshkat.net...ead.php?t=96678
http://ibn-jebreen.c...850&parent=1074

[3] قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: "الصلاة إلى السترة قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها وجعل بينها وبين المصلي مقدارممرشاة.

وهنا يأتي السؤال الذي يفرض نفسه كما يُقال، ما حكم الصلاة إلى السترة؟ وعلى العكس من ذلك ما حكم هذه الصلوات التي يصليها جماهير الناس لا إلى السترة؟

الجواب: حكم هذه الصلاة إلى السترة أنها واجبة.
وكثير ما يقع ويُفاجأ المصلي بمرور شيء ما، قد يكون كلب أسود أو كلب غير أسود، الكلب الأسود إذا مر وهو عادة يمرُّ سريعًا فقد بطلت صلاة المصلي، أما إذا كان قد صلى إلى سترة ومرَّ هذا الكلب أو غيره ممن ذكر معه فصلاته صحيحة، لأنه ائتمر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة: «إذا صلى أحدكم فليصلي إلى سترة»، «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدنو منها»، ويترتب على اتخاذ السترة حكم شرعي ينتفي هذا الحكم بانتفاء السترة.
جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: «إذا صلى أحدكم فأراد أحدٌ أن يمر بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان»، وهذا معناه أنه إذا كان يصلي لا إلى سترة فليس له أن يدفعه فضلاً عن أنه ليس له أن يقاتله، هذا وذاك من آثار اتخاذ هذه السترة أو الإعراض عنها.

وأخيراً لابد من التذكير بأمر يخالف هذه الأحاديث كلها، وهذا الأمر خاص في بيت الله الحرام، ثم سرى إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، إن عامة الناس حتى بعض الخاصة يذهبون إلى أن السترة في المسجد الحرام غير واجبة، حكم خاص زعموا في المسجد الحرام، ثم صارت هذه العدوة إلى المسجد النبوي الكريم، ينبغي أن تَعلموا أن الحكم السابق في كل الأحاديث التي مضت تشمل المسجد الحرام كما تشمل مساجد الدنيا، وإنما صارت فكرة استثناء المسجد الحرام من وجوب السترة من حديث أخرجه النسائي في سننه وأحمد في مسنده وغيرهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً في حاشية المطاف والناس يمرون بين يديه» هذا الحديث أولاً لا يصح من حيث إسناده، وإن فيه جهالة كما هو مذكور في بعض كتب التخريجات المعروفة ومنها أذكر (إرواء الغليل) ولو صح فليس فيه دليل على أن المرور كان بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد ذكرنا آنفاً أن المرور الممنوع إنما هو بين المصلي وبين موضع سجوده، ولم يذكر في هذا الحديث الذي يحتجون به على أن المصلي في المسجد الحرام لا يجب عليه أن يتخذ سترة، لو صح هذا الحديث كان يُمكن أن يكون حجة لو صرَّح بأن الناس كانوا يمرون بين يديه عليه السلام، أي بينه قائماً وبين موضع سجوده، هذا لم يذكر في هذا الحديث، ولذلك لا يجوز الاستدلال به من الناحيتين:
1- من ناحية الرواية
2- ومن ناحية الدراية
- أما الرواية فلضعف إسنادها.
- وأما الدراية فلعدم دلالة الحديث لو صح أن المرور كان بينه عليه السلام وبين موضع سجوده، ولذلك فالواجب على كل مصل أن يستتر أيضا ولو في مسجد الحرام، نحن نشعر بسبب غلبة الجهل لهذه المسألة بصورة عامة، وفي غلبة الاحتجاج بهذا الحديث فيما يتعلق بالمسجد الحرام بصفة خاصة، أن المصلي في المسجد الحرام لكي يتحاشى أخطاء النار للمرور بين يديه، لأنه ينصرف عن الصلاة وهو في كل لحظة يجب أن يعمل بيده هكذا ويُخاصم الناس، والناس اليوم في الخصومة ألداء، ولذلك فينبغي للمسلم أن يبتعد عن المكان الذي يغلب على ظنه أنه مكان متروك الناس يمرون بين يديه لا يابلون بصلاته أية مبالاة، ولكن عليه أن يصلي في مكان وإلى سترة لكي يحقق أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

أما المسجد النبوي فأمر الناس فيه أعجب لأنه إن كان لهم عذر فيما يتعلق بالمسجد الحرام، وإن كان هذا العذر عند كرام الناس غير مقبول، لأنه مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالعجب أن مسجد الرسول منه انطلقت كل هذه الأحاديث التي سمعتموها، وإذا بها تعطل لدعوى أن مسجد الرسول هو كمسجد الحرام، فكلاهما مستثنا منهما وجوب السترة، فإذا عرفتم أن المسجد الحرام حديث الوارد في خصوص عدم اتخاذ السترة ضعيف، ولو صح لم يدل على المقصود، فاعلموا أن المسجد النبوي لا شيئا يُلحقه بالمسجد الحرام، بل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة » «إذا صلى أحدكم فليدنو من سترته يقطع صلاة أحدكم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود »، ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الأحاديث وما تستره بالجدار وجعل بينه وبين سترته ممر شاة إلا في مسجده، هذا من غربة الإسلام وإماتة السنن مع ممر الزمان.

وقد ذكرت بعض الآثار الصحيحة عن بعض السلف الصالح ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: «أنه كان إذا صلى في المسجد الحرام وضع بين يديه سترة» هذا من فعل السلف، وذلك تطبيق لكل هذه الأحاديث التي سبق ذكرها، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين" انتهى.

http://www.alalbany.net/misc013.php

 

المقال السابق
(25) المصعد أم الدرج
المقال التالي
(27) وفشلت المناوبة