استهداف الأرباح

منذ 2016-05-03

في الحقيقة تدمير سوريا لا يعتبر مربحًا لمصنعي الأسلحة فحسب، ولكنه أيضًا يخلق فرص في السوق لقطاعات كثيرة تبدأ من الطاقة وحتى الزراعة، ومن البناء وحتى الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومن التمويل وحتى الأدوية … كلها، كما سترى، ستصب الأرباح صبًا في جيوب نفس الزمرة صغيرة من المساهمين.

كيف يمكننا وقف الهجوم على حلب؟ كيف يمكننا أن نوقف هجمات الطائرات التي بدون طيار؟ كيف نكون أكثر فاعلية ضد القوة العسكرية لأعدائنا؟

تلك هي الأسئلة الشائعة في مجتمعنا هذه الأيام، وعادة يتم طرحها متأخرًا جدًا في اللعبة، مثل الذي يغوص في بئر عمقه 100 قدم ثم في الجزء السفلي يبدأ في السؤال: وكيف سنخرج بعد ذلك؟

إذا دخلت في معركة مع شخص مسلح، وكنت أنت غير مسلح، فلا يجب أن تتوقع من أن يمتنع عن استخدام سلاحه لمجرد أنك غير مسلح، كما لا يمكنك أن تضغط  زر (إيقاف) على المعركة حتى تتمكن من البحث على جوجل عن تقنيات للدفاع عن النفس تعينك على نزع سلاح خصمك.

لا تدخل أي معركة أن غير مجهز لها! وهذا لا يعني أنني أقول (لا تقاتل!) ولكنه يعني ببساطة أنه عليك أن تقوم بعمل تقييم عقلاني لقدراتك وقدرات خصمك، ثم تقوم بتحديد الكيفية التي ستقاتل بها على أساس هذا التقييم، كما لا يجب أن تتحدى خصمك الذي يتفوق عليك عسكرياً في نزاع مسلح تقليدي.

وقبل أن تبدأ في رد الفعل التلقائي الخاص بنقل الآية التي تتحدث عن الفئة القليلة التي غلبت فئة كثيرة تذكر أنك أنت من يسأل عن كيفية إيقاف التعرض للقتل، والآية لا تعني ببساطة أن تلقي بنفسك في معركة غير متكافئة بدون استراتيجية، وبدون تقييم واقعي للقوة النسبية، وبدون خطة، ثم تتظاهر بأن هذا هو التوكل، فهذا لا من التوكل، ولا من الإيمان، ولكنه إهمال وانعدام مسؤولية ويكاد يكون انتحار جنوني.

إذا كان عدوك لديه أسلحة متفوقة، فلا تفترض أنه ما عليك إلا تحسين قدراتك التسليحية قبل أن تواجهه وتحاربه، لأنك في هذه الحالة تنظر إلى نصف المعادلة فقط، وهي تقييمك لقوة عدوك، ولكن ما عليك فعله أيضًا هو أن تقيم نقاط ضعفه، فإن لم يكن الضعف العسكري ضمن نقاط ضعفه، ففي هذه الحالة عليك إزالة الخيار العسكري التقليدي من قائمتك الاستراتيجية، وأنا لم أقل (إزالة الخيار المسلح)، ولكن ليس من الحكمة أن تدخل في قتال شخص-لشخص مع خصم يلكم أقوى منك… وعليك هنا أن تستخدم استراتيجية، وهذا شيء أساسي.

جدير بالذكر أن داعش قد حاولت الدفاع عن أراضيها وكبح جماح أعدائها من خلال توظيف الإرهاب الانتقامي، على سبيل المثال ضد المدنيين الروس والفرنسيين، ولكن السؤال هو: كيف كانت النتيجة بالنسبة لهم؟ ليست جيدة أبدًا.

نظرية تنظيم القاعدة القديمة التي تقول بأن صيغة "شعبكم لن يكون في أمان طالما أن شعوبنا ليست في أمان" هي وسيلة فعالة للدفاع عن المسلمين، تجعل هذه الصغية بلا فاعلية عند التعامل مع بنية السلطة التي لا تعبأ ولو بالقدر القليل بأمان مواطنيها، وعندما يتمتع المواطنين بتأثير ضئيل للغاية على السياسة.

حقيقة أقول لكم أن السياسة في العالم يسيطر عليها أقوى مؤسسات في العالم -الشركات متعددة الجنسيات- وهذه الأخيرة يسيطر عليها المساهمين، وهم عدد ضئيل جدًا من الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال العالمية، لا يهدفون إلا لخدمة المصالح الضيقة لأرباحهم.

إذا كان لديك القدرة على إسقاط طائرة بدون طيار، فهل تعتقد أن هذا من شأنه أن يوقف هجمات الطائرات بدون طيار؟ إذا كنت قادر على إسقاط الطائرات المقاتلة، فهل تعتقد أن هذا سيوقف الطائرات من التحليق فوق المدن وقصفكم؟ طبعًا لا!  فأنت عندما تسقطهم أنت في الحقيقة تلعب دورًا مفيدًا في دعم الإنتاج الحربي، فمُصَنِّعي الأسلحة يسترزقون من استبدال ما هلك أو تدمر من الأسلحة، وكل شركات الأسلحة الكبرى شهدت ارتفاع مطرد في قيمة حصتها على مدار الحرب السورية.

لن تكبح جماح سلطة أصحاب رؤوس الأموال العالمية من خلال المساهمة في تنمية أرباحهم، ولكنك ستردعهم فقط عن طريق إلحاق الخسارة بهم.

ونظرًا للتركيز الملحوظ من الثروة والسلطة في أيدي قلة من الناس، فيمكنك إلحاق الخسارة بالمساهمين من خلال أهداف تقريبًا لا محدودة، فالمساهمين في مصانع الأسلحة هم أيضًا المساهمين في عشرات وعشرات من الشركات الأخرى، وهي شركات كلها عرضة للتعطيل والإرباك.

في الحقيقة تدمير سوريا لا يعتبر مربحًا لمصنعي الأسلحة فحسب، ولكنه أيضًا يخلق فرص في السوق لقطاعات كثيرة تبدأ من الطاقة وحتى الزراعة، ومن البناء وحتى الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومن التمويل وحتى الأدوية … كلها، كما سترى، ستصب الأرباح صبًا في جيوب نفس الزمرة صغيرة من المساهمين.

هؤلاء هم من يجب عليك مواجهتهم، وهؤلاء هم من يستطيعون إيقاف الهجوم على حلب، إذا كان إيقافه سيصب في مصلحتهم.

 

شهيد بولسن