شذور الذهب من ذكرى سَفْرَة عجَب - (42) مغامـرة!!

منذ 2016-05-18

فأمر السائق أن يفتح حقيبة السيارة، ودعانا إلى محاولة الجلوس فيها بحرارة.

 تقول صاحبتنا:

خرجنا من صلاة العيد، بإرهاق ومِزاج غير سعيد، وكنت ورُفقتي -حينها- عشرة أفراد، إلى سكننا كانت الغاية والمراد، كنتُ وأمي وأبي، وشقيقتان معهما الوالدان، وأخت وزوجها، وفي الأخير عجوز كانت وحدها، خرجنا -جميعًا إلى الطريق-، أملاً في استئجار سيارة بثمن معتدل أو رفيق، فإذا على كل سيارة حشود عظام، وتسابق وعجيج وشديد تكأكؤٍ وزحام؛ فطال ثم طال بنا الانتظار، واشتدت الحرارة مع تقدم النهار؛ فغرقت في حارق العرق، وانتابني شديد دوار واضطراب وقلق؛ فسارعت وتلك العجوز، إلى جانب الطريق نروم الجلوس، ولولا قليل من الحياء، لما تورعت -هناك- عن الارتماء، ولم يألُ جهدا الجميع، في محاولة الحصول على حل سريع!

فلما شعرت أنني على شفا الانهيار، سمعنا صوتًا ينادينا -جميعًا- بقوة وإصرار؛ فنظرنا فإذا أحد الرفقاء، وُفّق إلى استئجار سيارة بعد شديد عناء، ورغم إصرار السائق على شديد الغلاء؛ إلا أننا وافقناه هروبًا من ذلك الشقاء! ولكن مهلاً مهلاً! تلك السيارة غير مناسبة لعددنا، فمقاعدها بالكاد تسع نصف عددنا؛ حينها أسقط في أيدينا، وكاد اليأس من الخلاص يردينا، إلى أن اقترح أحد الرجال من الرفقة، أن نحاول الجلوس ولو مع شُقة، فركب سبعة منا بالكاد، وبقيتُ وأمي وأم إحدى الأخوات، لم نجد مكانًا ألبتة، فقد جلس الجميع بعضهم على بعض في لُحمة؛ فأسقط في أيدينا، ويئسنا من جعل المكان يكفينا؛ فوقفنا في حيرة وقد كاد أن يولي الصباح، ثم جاء من أحدهم اقتراح: لم لا تجلس الثلاث أخوات في خلف تلك السيارة بالذات؟
فنطر الجميع إليه دهشين، وفي بادئ الأمر لقوله معارضين!
فأمر السائق أن يفتح حقيبة السيارة، ودعانا إلى محاولة الجلوس فيها بحرارة.

- وقال: فقط عليكن بالمحاولة، فإن فشلتن حينها ننظر ونرى.
فصعدت أمي أولاً، وصعدت أم صديقتي ثانيًا وصعدت وسطهما آخرًا: جلست كل منا وقد مدت ساقيها ، بينما تُركت مؤخرة السيارة مفتوحة إلى أعلى على مصراعيها.
- فقال الرجل وهو يغالب الضحكات: تحمّلن قليلاً يا أخوات؛ أليس ذلك أفضل من الانتظار ساعات؟
فلم أقوَ أنا بالذات على المعارضة؛ فقد كنت في سوء حالتي شاردة! وعلى هذه الحال تحركت السيارة، تشيعنا عيون وضحكات المارة، وكانت أمي بي تتشبث، وكلما أسرعت السيارة صرخت وأخذت تلهث!
- فقلت لها: ما بالك يا أمي؟
- قالت مستنكرة : يا بنيتي أخشى أن تسقطي! فبينما أنا وخالتك متمكنتان من الجلوس في أمان، أنت تجلسين في قلق وسط المكان!
- فقلت لها: فضلاً لا تخشي يا أمي، فأنا بخير لا تحملي همي.

فما إن هدّأت من روعها قليلاً الكلمات، وبالكاد بعد مرور لحظات إذا بالسيارة تسرع قاطعة بنا الطرقات، فانطلقت من أمي الصرخات، وضج جميع من بالسيارة ضحكًا؛ فقد كان كامل حوارنا ميسوراً لهم سمعًا؛، فأخذتُ وأم صديقتي نهدئ من روعها، وأمرتني أن أزيد التشبث بها، ولكم أن تطلقوا ليخيالكم العنان، كيف نظَرُ الناس إلى وضعنا كان! كم سمعنا في الطريق من تعليقات، وشيعتنا بدهشة ساخرة النظرات!!

ولأن جلّ طرقات مكة صاعدة أوهابطة، كانت أمي تصرخ حال الصعود وتهدأ إذا شرع السائق في الهبوط.

فأغرق الجميع بالضحك طوال الطريق، إلا أنا فقد اعتراني هم وضيق؛ كنت أفكر: كيف سيصعد بنا السائق على هذه الحال إلى المنزل؛ فقد كان السكن قرب قمة مكان شديد العلو منحدر، بينما سائقنا يسير بلا أناة في عجل. فإذا بالسائق الأريب يسلك الطريق من علٍ، متجنبًا الطريق الصاعد الخَطِر؛ فحمدت له ذلك، فقد جنيني هلكة من المهالك.

وفي الأخير: وقفت السيارة أمام السكن، فأسرعت أغادرها على عجل، وإذا بجمهرة من الجيران يملؤون المكان، قدر الله أن يكونوا على مزري حالنا شاهدي عيان؛ فأسرعت إلى داخل السكن متعرّقة من الخجل وشديد الحياء، بينما لحقتني باقي الأخوات في سرور وهناء! فما كدنا ندخل المكان إلا وحدث ما لم يكن لنا في الحسبان!!


ويتبع.

المقال السابق
(41) وحدث في صلاة العيد
المقال التالي
(43) الوزغ الوزغ