عشرون وقفة في رمضان

منذ 2016-05-31

في هذا الشهر المبارك يقضي المسلم وقته بين صيام وقيام، وعمل ونوم، واجتهاد في الطاعات، وتقرُّب لرب الأرض والسماوات، فحري بنا أن نحرص على أن تكون أعمالنا خالصة لوجه الله تعالى..

في بداية الأمر نبارك للجميع هذا الشهر، ونسأل الله لنا ولكم إتمامه على الوجه الذي يرضيه عنا. وأغتنم فرصة حلول شهر رمضان المبارك، بأن أستوقف نفسي أولاً، ثم إخواني المسلمين ثانياً، بعض الوقفات الهامة جداً، في بداية هذا الشهر العظيم، وهي على النحو الآتي:

وقفة 1:

كان السلف والخيرون من الخلف، من هذه الأمة، يدعون الله ستة شهور من بعد رمضان أن يكتب الله لهم القبول، ومن ثم يتبعون المتبقي من السنة من الستة شهور، بأن يبلغهم الله صيام رمضان القادم.

فيامن أعطاه الله العمر، وبلَّغه هذا الشهر، فما أنت صانع في هذا الشهر؟؟

وما التغيُّر الذي سوف تحدثه في خارطة حياتك؟

قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133].

وقفة 2:

في هذا الشهر المبارك يقضي المسلم وقته بين صيام وقيام، وعمل ونوم، واجتهاد في الطاعات، وتقرُّب لرب الأرض والسماوات، فحري بنا أن نحرص على أن تكون أعمالنا خالصة لوجه الله تعالى، والحذر من كل يبطل العمل، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] .

وقفة 3:

الصيام لا يعني أن يكون المرء شاحب الوجه، مختفي الابتسامة، ضائق الصدر، بل لا بد أن يكون حسن الخلق، وسيع الصدر، كثير الخير، سمْحاً كريماً جواداً. قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وتبسُّمُك في وجه أخيك صدقة» (حديث صحيح، صححه الألباني، انظر السلسلة الصحيحة، رقم الحديث: [572]).

وقفة 4:

ندرك جميعاً أن الصلاة هي عمود الدين، ويزداد الحفاظ عليها في هذا الشهر الفضيل، ولكن!! لنحرص على التبكير إليها، وألا يؤذن المؤذن إلا ونحن في المسجد، حتى لا تفوتنا تكبيرة الإحرام، وحتى نستغلَّ الوقت بين الأذان والإقامة بقراءة القرآن، وترديد الأذكار.

قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36-37] .

وقفة 5:

الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، لا تضيِّع منك أي دقيقة إلا أن تسخرها بطاعة لله، بل لا تضيع أي ثانية إلا بذكر أو تسبيح أو قراءة قرآن، فالحمد لله رب العالمين الذي سهل علينا هذا الدين، فذكر الله يستطيعه المسلم قاعداً أو قائماً أو على جنبه، بل في كل زمان ومكان، ولكن الذي ينقصنا أن نتذكر هذا الفضل العظيم، فنبادر بالاستزادة من هذا الخير العميم.

قال الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197].

وقفة 6:

يسعى الكثير من الناس لأن يكون لهم نصيب من العمرة في شهر رمضان، و لكن قد يكون لسوء التخطيط أثر سلبي على برنامج الصائم، فتجده يوم عمرته متعباً، و فاتته بعض الصلوات، وبعد عودته منهكاً، و يحتاج إلى الراحة بعض الأيام، فالخسارة فادحة، و الحل الرائع هو التخطيط السليم لوقت السفر والعودة.

قال الله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33].

وقفة 7:

رب حرص جر إلى مفسدة، فنجد أن البعض يحرص أن يذهب إلى مسجد معين لصلاة التراويح وذلك لجمال صوت إمامه، وهذا أمر جميل، ولكن علينا أن نحرص على التبكير حتى لا يكون ذهابنا سبباً لفوات الأهم، وهي صلاة الفرض، وشهود تكبيرة الإحرام، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» (صحيح الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق الألباني، رقم الحديث: [67]).

وقفة 8:

مع الزحام الموجود في بعض المساجد لصلاة التراويح، قد لا يهتم بعضنا بموقف سيارته، فيضع سيارته في موقف خاطئ قد يعيق المرور، أو يتسبب بأذية أحد المصلين الذين لم يكملوا صلاة التراويح، فالحرص أن تكون أعمالنا كاملة، تعكس شخصية المسلم الذي يخاف أن يؤذي أخاه من قريب أو بعيد. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عندما سئل عن حق الطريق: «كف الأذى، ورد السلام، وغض البصر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (حديث صحيح، رواه البخاري في صحيح الأدب المفرد، تحقيق الألباني، رقم الحديث: [881/1150]).

وقفة 9:

تأتي بعض النساء للمسجد للصلاة، وهذا أمر يدل على حرصها على الخير والأجر، ولكن!!

قد تكون هناك بعض المخالفات التي تغفل عنها أخواتنا، مثل: التعطر المنهي عنه، أو رفع الصوت، أو لبس مالا يناسب المقام من ملابس غير مناسبة، أو تنبعث منها رائحة الأكل والطبخ، أو أذية المصلين بالأطفال، أو ترك أبنائها الأحق بالرعاية في بيتها مع الخدم أو لوحدهم، فلنعلم أن الله يسر علينا أمورنا، وأن الخير فيما أمر به الله، وليس ما تهواه أنفسنا.

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [ الأحزاب:36] .

وقفة 10:

يحرص بعض الآباء على الصلاة، وقراءة القرآن في أوقات مختلفة في المسجد، ورمضان فرصة عظيمة لمثل هذه الأعمال، ويكمل جمال هذا العمل بأن يتابع الأب أبناءه، ويجعلهم تحت نظره، يوجههم، ويقدمهم لعمل الخيرات، ولا يتركهم في المسجد فيتأذى بهم الإمام في صلاته، ويفوِّت على المصلين خشوعهم، فتربية الولد على الخلق والدين من واجب الأب.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} [ التحريم:6] .

وقفة 11:

على الزوجة أن تنظم وقتها، وأن تحتسب الأجر في خدمتها في بيتها أو عند أهلها، ولكن!!

لا يعني ذلك أن ينقضي جُلَّ اليوم بين تنظيف البيت، والاستعداد للسحور أو الفطور، بل يتم التفاهم مع الزوج على كيفية معينة، وأصناف محببة يكتفى بها، ويصرف باقي اليوم بالطاعة، والصلاة، والعبادة، فنحن ما خلقنا للأكل والشرب والنوم، وإنما خلقنا الله لعبادته.

قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] .

وقفة 12:

قد يكثر بعض الناس من الإفطار، فيذهب للمسجد مشبعاً، فيذهب خشوعه وطمأنينته في صلاته، أين نحن؟ من قول الرسول صلى الله عليه و سلم: «ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، انظر السلسلة الصحيحة للألباني، رقم الحديث: [2265]).

وقفة 13:

يعترض بعض المصلين على الإمام إما لإطالة الصلاة، أو التأخر بإقامتها، فيتسبب في حدوث الخلاف، ورفع الأصوات في المسجد، فنصيحتي إن ناسبك الأمر فالحمد لله، وإلا لا تكن سبباً للنزاع في هذا الشهر المبارك.

قال الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖوَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}   [الأنفال:46].

وقفة 14:

يظن البعض أن شهر رمضان هي فرصة لتذوق أنواع من الطعام، بينما هو في الحقيقة، هو شهر الإحساس بالفقراء والمساكين من إخواننا، وأن نمدَّ لهم يد العون، فليتنا نتنبه لهذه النقطة فلا نأكل إلا بقدر حاجتنا، ولقد آلمني منظر من ينبش في الزبالة، من أجل أن يستخرج الخبز منها ليقتات ليعيش. فأين نحن من هؤلاء؟

قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (متفق عليه) وقال أيضاً:

«ليس بمؤمن من بات شبعان، وجاره لجنبه جائع، وهو يعلم» (حديث صحيح، انظر السلسلة الصحيحة للألباني، رقم الحديث: [149]).

وقفة 15:

قد يجد بعض الناس متعة بأن يكون هذا الشهر هو وقت التجوُّل بين الأصدقاء والأقارب ليتمتع بالولائم المعدة بفن ودقة، فيضيع عليه الكثير من الوقت، ويشغل صاحب الوليمة وأهل بيته عن الطاعة، ولذلك لا تذهب إلى وليمة إلا إذا غلبت الروم، وليكن همُّك الأوحد اغتنام كل دقيقة من رمضان فيما يعود عليك نفعه في الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمساً قبل خمس»، وعد منها: «وفراغكك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (صححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم الحديث: [1077]).

وقفة 16:

يحسن بالمرء الذي يريد الأسواق، له أو لأهل بيته، أن يختار المناسب منها، و التي ليس فيها زحام شديد، وخاصة أن المحلات تفتح أبوابها في أوقات مختلفة في شهر رمضان، وإذا كانت هذه الأغراض والأعمال يمكن أن تؤجل إلى ما بعد رمضان فتأجيلها أفضل، لأن استغلال الشهر بالطاعة وتحصيل الأجر خير من التسكع في الأسواق، والوقوع في بعض الذنوب والمعاصي نتيجة لولوج الأسواق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق» (حسنه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم الحديث: [3271]).

وقفة 17:

تعود الكثير من الناس أن يكون رمضان هو وقت دفع الزكاة، وهذا شئ طيب واختيار موفق، لأن الأعمال الصالحة تشرف بشرف وقت عملها ومكانه، ولكن!! لنحرص أن نتحرى الدقة في إخراجها لمستحقيها، وألا نركز على من تعودنا أن نعطيه زكاتنا كل عام، بل لا بد من التحقق من كونه مستحقاً لها، فإن وجدنا أن حاله تحسن، وصار ليس من أهل الزكاة، دفعناها لغيره ممن يستحقها، فالزكاة عبادة يجب أن تؤدى كما أراد الله ورسوله. قال الله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ . إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ} [الليل: 19-20] .

وقفة 18:

عمل برامج رمضانية، وجلسات عائلية، ومسابقات ثقافية، وأخرى ترويحية، لأهل بيتك ولجماعة المسجد، واستغل إقبال الناس في رمضان إلى الخير والعبادة والمساجد بدعوتهم إلى الله والتوبة والإنابة إليه، فإن للنفس إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت حاول أن تغتنم هذا الإقبال وتستثمره، فالوقت من ذهب، والوقت هو عمرك، فما ذهب منه لن يعود إلى قيام الساعة، وأنت ستحاسب على كل دقيقة من عمرك.

قال الشاعر: 

دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني

وقفة19:

الإعلام في رمضان، وما أدراك ما الإعلام في رمضان، صار بدل من أن يستمتع المؤمن الصائم عند فطره، بدعاء وذكر لله، تجد المصائب من المسلسلات الغير هادفة، والتي ملئت بالمعاصي والمنكرات، والتي يندى لها جبين الحياء، فإلى الإخوة الإعلاميين أوجه النصيحة فأقول: اتقوا الله في أنفسكم، وأروا الله والمؤمنين منكم خيراً، وارحموا شباب وفتيات الإسلام من الإغراءات والفساد العظيم، والعجب كل العجب، أن الكل يعلم أهمية دور وسائل الإعلام في إصلاح المجتمع، والكل يعلم خطورتها في فساد المجتمع، وعلى رأس العالِمين بهذا الإعلاميون أنفسهم، وهم واعون أشد الوعي لهذا الأمر، ولكن!! الله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به على أولئك الظالمين لأنفسهم ولإخوانهم المسلمين، ألا تعلمون أيها الإعلاميون أنكم ميتون، وأنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وعلى أعمالكم وتقصيركم محاسبون وملامون. قال الله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} [الصافات:24].

وقفة 20:

قد يصوم البعض عن الكثير من المآكل والمشارب، ولكن!! يترك للسانه أن يفطر على أعراض الناس، ولبصره أن يفطر في المحرمات، ولقلبه أن يلهو ويضل في الطرقات، اهتم بمفطرات الصيام الحسية المادية، ولم يهتم بمفطراته المعنوية، والتي لا تقل أهمية عن المفطرات الحسية إن لم تكن أخطر منها، وصدق قول من قال: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (رواه أبو داود: [2045]، وصححه الألباني، انظر التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: [5/324] رقم الحديث: [3471].

وفي الختام نسأل الله لنا و لكم القبول و الغفران، و أن يتمم علينا الصيام، وأن يرزقنا القبول، وأن يجعلنا ممن صام وقام شهر رمضان إيماناً و احتساباً، وممن يوفق لليلة القدر، وقبلتها منه ياحي!! ياقيوم!! ياذا الجلال والإكرام!! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

سعد العثمان