حوار مع الشيخ الدكتور (همَّام سعيد) عن العلم الشرعي
تجـلِسُ معـه فتجد الأدب والهَدْيَ الحسن... خُلُقٌ كريمٌ وكلامٌ طيِبُ... ذلك هو فضيلة الشيخ الدكتور همَّام عبد الرحمن سعيد ـ حفظه الله تعالى ـ الذي نذر نفسه لخدمة الدعوة الإسلاميَّة والعلم الشرعي، فيما نحسب، وهو منذ نعومة أظفاره قد حُبِّب إليه العلم...
تجـلِسُ معـه فتجد الأدب والهَدْيَ الحسن... خُلُقٌ كريمٌ وكلامٌ
طيِبُ... ذلك هو فضيلة الشيخ الدكتور همَّام عبد الرحمن سعيد ـ حفظه
الله تعالى ـ الذي نذر نفسه لخدمة الدعوة الإسلاميَّة والعلم الشرعي،
فيما نحسب، وهو منذ نعومة أظفاره قد حُبِّب إليه العلم، وصار مطلبه
الذي يسعى له، وعبر لقاء لمجلَّة البيان
معه كان هذا الحوار، حول مشاريعه العلميَّة التي أسَّس
منها ما أسس، ويطمح لمشاريع أخرى نرجو الله له تحقيقها.
والشيخ الدكتور همَّام، من مواليد (كفر راعي) بفلسـطين، حيـث وُلِدَ
عام 1944م، وكـان والـده الشـيخ عبد الرحيم بن سعيد من أوائل الذين
اهتموا بعلم الحديث ونشره في فلسطين بعد تلقي العلم بصحبة العلاَّمة
الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله.
وقد تلقى الشيخ همَّام العلم عن والده منذ نعومة أظفاره، وتخصَّص في
الحديث الشريف وعلله، وحصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر عام
1977م.
عَـمِـلَ بـعدهـا فـي التـدريس الجـامعي في كلية الشـريعة بالجـامعة
الأردنية حتى عام 1988م. وشَغَلَ رئاسة عدد من الأقسام في الكلية إلى
أن تم فصله من الجامعة بسبب خطبة جمعة في أحد الموضوعات المهمة
والحساسة!!
ثمَّ رُشِّحَ بعدها في الانتخابات النيابية سنة 1989م، وكـان نائباً
عن محافظة العاصمة (عمَّان) حتى سنة 1997م. ثـم عـمل مستـشاراً شرعياً
في المستشفى الإسلامي بعـمان، ويعمـل الآن مديراً لمركز دراسات السنة
النبوية الذي يقـوم بإصـدار مـوسـوعة التصـنيف الموضـوعـي للسنة
النبوية.
وأترك القارئ الكريم ليقرأ الحوار الذي دار بيني وبين فضيلته في دولة
الكويت، على هامش (مؤتمر تعظيم حرمات الإسلام) الذي أقامته
(مجلَّة البيان الإسلاميَّة)
بالتعاون مع (مبرَّة الأعمال
الخيريَّة الكويتيَّة) في دولة الكويت، حيث رحَّب الشيخ بالحوار، وكان
هذا اللقاء وهذا الحديث... فإلى محاور الحوار:
العلم والعلماء... ونهضة الأمَّة:
البيان: فضيلة الشيخ همَّام! نرحِّب بكم في مطلع هذا اللقاء... ونود
أن تحدثونا عن أهميَّة العلم الشرعي، وضرورة أن يكون للعلماء دورهم
القيادي في الأمة؟
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن
اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
في بداية هذا اللقاء أشكرمجلَّة البيان
على كريم استضافتها لي بإجراء هذا الحوار.
جواباً أقول، وبالله التوفيق: كما أن أول هذه الأمة نبوة ورحمة؛ فإن
بقاءها واستمرارها ببقاء آثار النبوة فيها، والعلماء هم الحافظون لها،
وهم ورثة الأنبياء، وبذلك يكون العلم الشرعي أول شرط من شروط نهضة هذه
الأمة؛ فإن قيادة الأمة الراشدة بيد علمائها، وهم نصحاؤها ومقدمة
ركبها، وهذا ما شهدت به آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي - صلى الله
عليه وسلم - وشواهد التاريخ الإسلامي.
وأمَّا العالم الرباني فتظهر كفاءته وتبرز قيادته وتلجأ الأمة إليه
وتستجيب لقوله، وعلمه كفيل بإظهاره وإعطائه المكان اللائق في المجتمع،
وها نحن نرى في كثير من مجتمعاتنا ظهور علماء ربانيين يتمتعون بالقدرة
القيادية كما يتمتعون بحب الناس وتقديرهم.
البيان: بعض الحركات الإسلامية يوجد لديها تقصير في الأخذ بالعلم
الشرعي، مع نوع من الامتلاء في النواحي الثقافية والفكرية الأخرى على
الرغم من أهمية العلم الشرعي؛ فما الأسباب في ذلك؟
* الحركات الإسلامية قامت بدور عظيم في توعية الأمة ووضعها على سكة
النهضة، وهي أشبه ما تكون بصوت الصارخ الذي أيقظ النيام ونفض عن
رؤوسهم الغبار، ولكن رسوخ العلم الشرعي وتأسيسه وبناء معالمه يحتاج
إلى تكوين عميق وعمل دائب؛ إذ إن وجود العلماء لا يأتي بين عشـية
وضحاها، ولا سيما بعد تلك العهود من الغفلة وتراكم الجـهل وعـودة
الأمـية مـرة أخرى، كما كانت قبل بعـثـة النـبي - صلى الله عليه وسلم
، وهـذا ما أفـادته سـورة الجـمعة في قوله ـ تبارك وتعالى ـ:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ
رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّـمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْـحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ
لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}[الجمعة: 2]
ثم قال: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَـمَّا يَلْـحَقُوا
بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
[الجمعة: 3 - 4].
ففي هذه الآيات بيان لدورتين من دورات التاريخ الإسلامي: الأولى: نبوة
بعد جاهلية وأُمِّية. والثانية: علم بعد جاهلية وأمية. وبالرغم من
الجهد الكبير الذي بذله الدعاة حتى أصبح الإسلام معروفاً بعد أن كانت
أحكامه مجـهولة ومنكرة عند كثير من الناس، إلا أن هذه الحركات لم تعطِ
الاهتمام الكافي لتأسيس العلم على قواعده، وإيجاد العلماء الربانيين
المؤهلين لحمل العلم وتعليمه والاجتهاد فيه، بل نرى الكثير من هذه
الحركات اكتفت بالعمل السياسي، ويتولى قيادتها من ليس له باع في العلم
الشرعي؛ وذلك لندرة هؤلاء العلماء، ونشأت حالة من الزهد بالعلم
الشرعي، ولم يعد هذا العلم على رأس الأولويات الحركية، علماً بأن شرطَ
تولي الولايات الشرعية في النظام السياسي الإسلامي بلوغُ من يتولون
هذه الولايات درجة الاجتهاد، وأن يحصِّلوا من علوم الشريعة ما يجعلهم
قادرين على معرفة الأحكام وعلى الترجيح والاختيار.
مشروع إعداد العلماء آمال بحاجة إلى سواعد للبناء:
البيان: لكم مشروع رائد نال كثيراً من اهتمامكم حول إعداد العلماء،
ونود أن يطَّلع عليه قرَّاء مجلة البيان
،
حدِّثونا عن هذا المشروع، وما
مقصدكم منه وآمالكم من خلاله؟
إن هذا الأمر ـ وهو إعداد العلماء على هدي أصحاب رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - والتابعين وسلف الأمة في القرون الثلاثة الأولى ـ هو ما
يشغل همي وفكري؛ فلا أكاد أجد في المناهج القائمة ولا في السلوك
العملي لطلبة العلم ولا في البيئة العلمية ما يحقق هذه الحاجة؛ فطلبة
العلم يتلقون شذرات مـن العـلوم عـبر العديد من السنوات مع ضعف
التركيز وقـلة الجهد المبذول في طلب العلم، وقلَّ أن يكون طالب العلم
ذا ذهن موسوعي يتلقى علوم الشريعة وفق منهج متكامل؛ حيث لا يكفي أن
يكون عالماً باللغة غير عالم بالتفسير، أو عالماً بالحديث غير عالم
بالفقه، ثم يواصل التخصص في فرع من فروع العلوم الشرعية دون أن يبني
تخصصه على قاعدة موسوعية. ويضاف إلى هذا أن طالب العلم ـ الذي نرجو أن
يصل إلى رتبة العالم الرباني ـ يبدأ رحلته العلمية بانشغاله بمطالب
الحياة، ولا يعطي علمه الذي تعـلمه الاهتـمام الأكبر الغالب في شؤونه
الحياتية. أما البيئة العلمية التي توفر للعالم فرص التزود من العلم
وتسـاعـده على تحقيـق وظيفته، وتتوافر من خلالها حالة من تقدير عامة
الناس له وشعورهم بالحاجة إليه، كما يحتاجون إلى الطبيب إذا مرضوا؛
فهذه البيئة تكاد تكون نادرة أو معدومة.
البيان: ما ملامح مشروعكم الذي يطمح إليه فضيلتكم؟
ملامح المشروع الذي أطمح إليه أن يتم إنشاء مؤسسة لتكوين العلماء
ورعايتهم يجتمع لها عدد من علماء الأمة لوضع برنامجها العلمي الذي يتم
فيه إختيار عدد قليل من طلبة العلم الشرعي الجادين؛ وقد يكونون من
حملة الشهادات العالية، ويتم تفريغ هؤلاء الطلبة تحت إشراف أحد
العلماء الذي يتفرغ لرعايتهم وتنفيذ البرنامج العلمي المطلوب، ويقوم
هذا البرنامج على شعبتين:
الشعبة الأولى: يكون تلقِّي العلوم الشرعية فيها بطريقة موسوعية في
اللغة والتفسير والحديث والفقه والأصول؛ إلى جانب بعض علوم العصر
وإحدى اللغات الأجنبية الحية ووسائل الإتصال، ويكون هذا البرنامج
عامّاً لهذه المجموعة؛ والشعبة الثانية: التخصص في علم من علوم
الشريعة، وقبل هذا وبعده يتلقى هؤلاء الطلاب تربية إسلامية متكاملة،
فيها التهذيب النفسي والخلق الإسلامي والمحافظة على النوافل والأذكار
لصياغة العالم الرباني الذاكر الشاكر. ويكون لهؤلاء الطلبة كفـايتـهم
المعيشية ولا يكلَّفون بشيء من الأعباء، بل يتفرغون للعلم أخذاً
وعطاءً ودرساً وبحثاً؛ ولا يتحقق هذا الأمر إلا بقيام المحسنين بتحمل
مسؤولياتهم في هذا الميدان المهـم الذي يتـرتب علـيه عـودة العلماء
مرة أخرى إلى القيادة والصدارة.
البيان: ما المدة التي ترون أنَّها مناسبة لهذا الإعداد للعالم؟ وما
احتياجات هذا المشروع برأي فضيلتكم؟
إذا تم اختيار طلبة من الحاصلين على شهادات الدراسـات العليـا؛ فـقد
يحتـاج هذا الأمر ـ فيما أحسب ـ ما بين سبع سنوات إلى عشر.
وكما سبق فإن هذا المشروع يحتاج إلى هيئة من العلماء لإكمال تفاصيله
ثم التفرغ له، ويحتاج إلى إختيار مجموعات منتقاة من الطلبة، ويحتاج
إلى مراكز متخصصة وإلى تمويل كافٍ لتحقيق هذه الأهداف.
البيان: ولكنْ، شيخنا الكريم: ما مدى استفادتكم من المشروعات الأخرى
مثلاً في جامعة الإيمان في اليمن؛ فإن لها مشروعاً قريباً من ذلك مدة
الدراسة فيه عشر سنوات، وكذلك المشــروعات الـتي تقام في بلاد الحرمين
كحفظ الصحيحين أو الدورات العلمية، هل ترون الاستفادة من ذلك؟
في هذه المشروعات خير كثير؛ إلا أن المشروع المقترح فيه تفصيل وتوسع
وتخيُّر في المشرف على هذا المشروع، والطالب الذي يتلقى، والتفرغ،
والتمويل. وينبغي أن يُبنى على جهود المؤسسات القائمة والجادة،
واختيار الطلبة من هذه المؤسسات يختصر المسافة. بلا شك إن الأمر صعب
ويحتاج إلى برنامج يذلل ما يعترضه من صعوبات.
الموسوعة العصريَّة الكبرى لتصنيف السُّنة:
البيان: أنتم ـ حفظكم الله ـ تديرون مركزاً لدراسات السنَّة، حدثونا
عن هذا المشروع، وما أهدافكم منه؟
مشروعنا في تصنيف السنة النبوية يتطابق مع المشروع السابق لإعداد
العلماء؛ وخلاصة هذا المشروع أن السنَّة النبوية التي تقوم عليها
الحياة الإنسانية وتعالج شؤون الدنيا والآخرة ولا تذر صغيرة ولا
كبيرة؛ إما بالنص وإما بالتبع والإستنباط والإجتهاد؛ فإن هذه السنَّة
وجدت ألوفاً من العلماء السابقين الذين اشتغلوا بتصنيفها وترتيبها
وتمييز صحيحها من سقيمها والتعريف برجالها وتيسيرها للفقهاء
والأصوليين والمجتهدين، وقد تُوِّجت هذه الأعمال العظيمة بما توصل
إليه الإمام البخاري والإمام مسلم وأصحاب السنن والمسانيد، وقد أخرج
كل عالم من هؤلاء العلماء تصنيفاً يراعي حاجات زمانه ويقرِّب السنن
لمعاصريه، وكانت هذه الجهود ثمرة القرون الثلاثة الفاضلة. ثم جاءت بعد
هذه المرحلة مرحلة التقليد وتوقف التطوير والاجتهاد والاكتفاء بما
توصل إليه السابقون.
لقد وجدت من خلال بحثي في السنَّة النبوية وتدريسي لها ما يقارب
الثلاثين سنة أن هذه السنَّة أشبه ما تكون بالكنوز المخفية المبعثرة
هنا وهناك والمفرَّقة؛ حتى أصبح طلبها عند العلماء والباحثين في غاية
الصعوبة؛ فإذا أرادوا الموضوع وجدوه مفرقاً في بطون الكتب وعشرات
العناوين، وإذا وصلوا إلى الموضوع فإنهم يجدون العناء في البحث في
الصحيح والسقيم والعلل، ناهيك عن طلب موضوعات جديدة لم يسبق للعلماء
أن صنفوها ولا بد أن يكون للسنة قول فصل فيها؛ فعلماء الطب والإدارة
والغذاء والسكان والسياسة والاجتماع والاقتصاد، إلى آخر هذه الفروع
الكثيرة والمتوالدة مع مرور الزمان وتنوع المكان؛ كلها تحتاج إلى
تصنيف السنَّة في عناوينها وتقريب السنة لأرباب هذه العلوم، بل نحن
بحاجة إلى تقديم السنَّة في إطار عالمي تفتح نوافذها على العالم أجمع،
وتكون وفق تصنيف عالمي، وتُقَدَّم لأصحاب اللغات والثقافات ليروا فيها
أنوار النبوة.
البيان: هل لفضيلتكم أن تحدثونا ـ جزاكم الله خيراً ـ عن بـدايـة
مشروعـكم هـذا، وكـم عدد مـن شـاركـكم فيه، وهل أنجزتموه
كاملاً؟
لقد بدأنا مشروعنا هذا بالاستعانة بأكثر من سبعين أستاذاً جامعياً
عملوا على إيجاد تصنيف لهذه العلوم، وقد استغرق عملهم مدة عامين،
وظهرت ثمرته في كتاب الدليل التصنيفي لموسوعة الحديث النبوي الذي قام
بنشره المعهد العالمي للفكر الإسلامي وجمعية الدراسات الإسلامية. وقد
بدأنا باعتماد الكتب الستة ومسند أحمد كخطوة أولى في هذا
المشروع.
والمشروع متواصل لجمع كتب السنة جميعها إن شاء الله، وهو ـ بعون الله
ـ وفق منهج حديثي يقوم أولاً على إيجاد بطاقة لكل حديث نبوي تجمع
رواياته من الكتب السبعة وغيرها حتى تضم هذه البطاقة جميع الروايات
بأسانيدها ومتونها. ثم تتم دراسة هذه البطاقة وتحليلها وتنزيلها على
العناوين المناسبة في مختلف ميادين التصنيف؛ فحديث أبي سفيان المشهور
مع هرقل تم تنزيله على قرابة مائة وخمسين موضوعاً.
البيان: تقول فضـيلتكم: السـنَّة غـير مـقدَّمـة للعالم؛ فما المنهج
الأمثل لتقديمها للناس وخصوصاً في هذا العصر؟
إن المنهج الأمثل لتقديم السنَّة هو التصنيف الموضوعي الشامل الذي
يقدمها لأصحاب الاختصاص في جميع الميادين. فنحن نعاني الآن من توزيع
موضوعات السنة والقصور في تصنيفها وعناوينها؛ وهذا يؤدي إلى ضعف
التعامل معها وعدم التعمق في كنوزها وأسرارها.
البيان: هـناك مشروع تقريب السنَّة بين يدي الأمة للشيخ الألباني رحمه
الله؛ فما الفرق بين المشروعين؟ ونود لو أعطيتمونا أمثلة على جديد
مشروعكم من ناحية التصنيف؟
جهد الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ جهد مبارك قدم خدمات جليلة للعلم
وأهله، ولكن المشروع الذي نتحدث عنه يتصف بالرؤية الموسوعية في
التصنيف، ويستفيد من جميع الجهود السابقة.
وأمَّا عن جديد مشروعنا من ناحية التصنيف؛ فإنَّ لدينا تصنيفاً جديداً
للتربية والتعليم يقع تحت ثلاثمائة عنوان، وقد أنزلنا تحت هذه
العناوين نصوص الأحاديث النبوية في الكتب الستة، فبلغت هذه النصوص
قرابة ثلاثة وثلاثين ألف نص من السنة، فيها الكثير من الغَناء لأهل
التربية والتعليم عن الكثير من النظريات التربوية والمناهج
الأرضية.
ولهذا فنحن حين نقدِّم السنَّة للمتخصصين في العلوم الأخرى؛ فإننا
نُشرك أصحاب هذه العلوم مع علماء الحديث والفقه في التصنيف والدراسة،
وذلك لمعرفة منطق علومهم ولتقديم السنَّة لهم.
البيان: وما منهج مركزكم في نقد الأحاديث والحكم عليها من ناحية
الصحَّة أو الضعف؟
نقوم بجهد واسع في دراسة الحديث سنداً ومتناً بناء على تكامل الروايات
التي جمعناها، والإفادة من كلام علماء الجرح والتعديل والعلل، والتزام
منهج في التصحيح والتضعيف نحرص على التقيد به. ونحن في مشروعنا هذا
نذكر الصحيح والضعيف والموضوع لإيقاف العلماء والباحثين على هذه
الأحاديث ما صح منها وما لم يصح، وقد نوافق بعض علماء هذا العصر في
الحكم وقد نخالفهم، ولكن نؤيد مخالفتنا بالأدلة وجمع الأقوال واستخلاص
الأحكام منها.
البيان: هل تعتمدون منهج الإمام البخاري في تقطيع الحديث وذكر الشاهد
فقط، أم منهجية الإمام مسلم في ذكر الحديث كاملاً؟
نورد الحديث كاملاً بسنده ومتنه ورقمه ورقم بطاقته، ونميز الشواهد
التي تقع تحت التصنيف بلون خاص حتى تقع العين مباشرة على جزء الحديث
الذي يتضمن هذه الدلالة التصنيفية؛ ولهذا فإذا كان الحديث ـ مثلاً ـ
في السطر الأوَّل في الإدارة، والثاني في التغذية فنورد الحديث تحت
موضوع الإدارة مميَّزاً فيه السطر المتعلق بالإدارة، ونورده مرة أخرى
تحت عنوان من عناوين التغذية مع تمييز السطر بلون مميز.
البيان: وهل أخرجتم شيئاً من الكتب هذه؟ وكم تتوقع أن يكون عدد هذه
الكتب؟
أنجزنا ـ ولله الحمد ـ هذه الموسوعة في مرحلتها الأولى على الحاسوب،
وسنقوم بإصدار موضوعاتها موضوعاً إثر موضوع، وراعينا الحاجات الملحة،
فبدأنا بإصدار أحاديث الفتن وأشراط الساعة، ويتلوها أحاديث المعاملات،
ثم أحاديث العقائد، ونرجو أن يصدر من هذا المشروع عشرات الإصدارات؛
حيث إن الموضوعات المعدة تربو على مائة موضوع.
البيان: أتوقع ـ كما ألاحظ ـ أن بـداية طبـاعتـكم لهذه الموسوعة ستكون
مشـروع الفـتن؟ فلِمَ يكون هذا الاختيار؟
اخترنا البدء بإخراج موضوع أحاديث الفتن وأشراط الساعة من سلسلة
العقائد؛ لأهمية هذا الموضوع في تبصير المسلم بأحداث حاضره ومستقبله،
كما تفيده في استخلاص العبر من أحداث الماضي، وهذه البصيرة التي تنشأ
عن الإيمان بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يخبر من أخبار
الغيب والمستقبل، تؤدي إلى أن ينظر المسلم إلى الأحداث بمنظار النبوة،
فيكتسب العلم بهذه الفتن، ويحذر منها، ويستعد لمواجهتها، ويعلم كيف
يتصرف عند وقوعها.
وتتأكد أهمية معالجة موضوع الفتن في هذا العصر خصوصاً، لعدد من
الأسباب: منها كثرة الخلط بين الصحيح والضعيف والموضوع من هذه
الأخبار، وعدم التمييز بينها؛ بحيث نشأ عن ذلك اختلال في الرؤى أدى
إلى دخول كثير من الخرافات والأباطيل إلى عقول العوام. ومن الأسباب
أيضاً خوض بعض الناس في تفسير أحاديث الفـتن وتأويلها بغير علم،
وحملها على وقائع جزئية معينة، لا يسوغ حمل هذه الأحاديث الشريفة
عليها؛ وهذا مسلك خطير في التعامل مع أحاديث الفتن يؤدي إلى فتنة
الناس وتشكيكهم بصدق هذه الأحاديث؛ وذلك عندما لا يصدِّق الواقعُ هذه
التأويلات والتفسيرات والإسقاطات.
البيان: سمعنا أنكم تريدون ترجمة المشروع إلى لغات أخرى غير
العربية؟
سنقوم ـ بإذن الله ـ بترجمة هذا المشروع إلى اللغات الأجنبية لنمكِّن
المسلمين وغير المسلمين من غير الناطقين بالعربية من التعرف على سنة
النبي - صلى الله عليه وسلم - .
البيان: نسأل الله أن يبارك في جهودكم وأعمالكم. هل من كلمة أخيرة
لمجلة البيان؟!
إن مجلة البيان تأتي في سياق المبادرات المهمة لإحداث نهضة الأمة
وصحوتها وتوجيهها نحو دورة الإسلام الثانية واستئناف نهضة هذا الدين،
وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، وقد جعل الله من
هذه المجلة منبراً لكلمات الخير ومشاريع الخير، فبارك الله بالقائمين
عليها، وسلك بهم سبل الرشاد؛ إنه سميع قريب مجيب الدعاء. والحمد لله
رب العالمين.
حوار خباب الحمد
- التصنيف: