لا تحزن
حينما يقع البلاء بك وترى الأعداء شامتين ولفضلك ناكرين، تتكالب الهموم بك ويضيق صدرك، تدعو ربك وتظن أن الفرج تأخر، واليسر تعسر، وأن مولاك قد جافاك، ولهمك قد ولاك، فتعجز عن الدفع، ويتسرب اليأس إلى النفس..
حينما يقع البلاء بك وترى الأعداء شامتين ولفضلك ناكرين، تتكالب الهموم بك ويضيق صدرك، تدعو ربك وتظن أن الفرج تأخر، واليسر تعسر، وأن مولاك قد جافاك، ولهمك قد ولاك، فتعجز عن الدفع، ويتسرب اليأس إلى النفس: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب من الآية:10]، حينها تسود الصورة ويطول الليل ويخفق القلب وتدمع العين.
أين الأمان؟! أين المفر؟! *** كيف النجاة من هم أغر؟!
تذكر قول الملك سبحانه وتعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3].
لما اشتد الهم بالنبي صلى الله عليه وسلم لانقطاع الزاد بانقطاع الوحي نزلت هذه الآيات الحانية؛ لتسري عني النبي ما ألم به من مكر المشركين وكيد الشامتين، وما همك بهم النبي، فهمه هم أمة، فلا تجزع لهمك وأركن إلى ربك وطالع سورة الضحى ليطمئن قلبك ويأمن فزعك.
روى البخاري عن جندب بن عبد الله اشتَكى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فلم يَقُمْ ليلةً أو ليلتَينِ، فأتَتْه امرأةٌ فقالتْ: يا محمدُ، ما أُرى شيطانَك إلا قد ترَكك، فأنزَل اللهُ عز وجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:1-2] [1].
ما تركك ربك من قبل أبدا، وما قلاك من قبل قط، وما أخلاك من رحمته ورعايته وإيوائه..
لا. لا.. {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، وما انقطع عنك بره وما ينقطع أبدا، فاسعد بم هو آت: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى:4]، فكرامة الآخرة خير مما أعجبك من كرامة الدنيا، وهناك ما هو أكثر وأوفى ابشر بالرضا {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5].
قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى . وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى . وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى:6-8] كَانَتْ هَذِهِ مَنَازِلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ.
ألا تجد مصداق هذا في حياتك؟ ألا تحس مسّ هذا في قلبك؟ ألا ترى أثر هذا في واقعك؟
{ألمْ يَجِدْك يتيماً فآوَى} أن جعل لك مأوى {وَوَجَدَكَ ضالاًّ فَهَدَى} أن هداك للإسلام وكفى به نعمة، {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} أَلم يغنك الله من فضلة، فتذكر نعم الله عليك ولا تجزع، وانظر لمن هم اضعف منك فترى فضل الله عليك وفقرك إليه {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:9-10] هذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله، وإلى إغناء السائل مع الرفق به وحماية الحريات وصيانة الكرامة، كانت من أهم متطلبات الواقع في البيئة الظالمة، التي لا ترعى حق ضعيف، غير قادر على حماية حقه بسيفه! حيث رفع الإسلام هذه البيئة إلى الحق والعدل، والوقوف عند حدود الله، فيقوي الضعيف وينتصر للمظلوم.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] أَيْ: وَكَمَا كُنْتَ عَائِلًا فَقِيرًا فَأَغْنَاكَ اللَّهُ، فَحَدِّثْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ، كَمَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: "وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا، قَابِلِيهَا، وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا"[2].
وأما التحدث بنعمة الله وبخاصة نعمة الهدى والإيمان، فهو صورة من صور الشكر للمنعم يكملها البر بعباده، وهو المظهر العملي للشكر، والحديث الصامت النافع الكريم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « »[3].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ( صحيح البخاري [ 4983]).
(2) كان عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ يُكثِرُ أن يدعوَ بهؤلاءِ الدعواتِ: "ربَّنا أصلِحْ بيننا ، واهدِنا سُبُلَ السلامِ ، ونجِّنا من الظلماتِ إلى النُّورِ ، واصرِفْ عنا الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ ، وبارِكْ لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وقلوبِنا وأزواجِنا وذرِّياتِنا ، وتُبْ علينا إنك أنت التَّوَّابُ الرَّحيمُ ، واجعلْنا شاكرين لنعمتِك ، مُثْنين بها ، قائلِين بها ، وأَتِمَّها علينا" (الألباني (صحيح الأدب المفرد [490])).
(3) (وفي لفظٍ : «فتاوى ابن باز [287/6]).
» مجموعمحسن العزازي
كاتب إسلامي
- التصنيف:
- المصدر: