علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالجن

منذ 2010-06-29

يتكلم بطرس، ويتكلم غيره، بأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له علاقة خاصة بالشياطين، وأن مَلك الوحي، جبريل عليه السلام، الذي ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار ولازمه بعد ذلك يتنزل عليه بالقرآن كان شيطاناً!


يتكلم بطرس، ويتكلم غيره، بأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له علاقة خاصة بالشياطين، وأن مَلك الوحي، جبريل عليه السلام، الذي ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار ولازمه بعد ذلك يتنزل عليه بالقرآن كان شيطاناً!
يدلل على ذلك الكذابُ اللئيم زكريا بطرس بأن للجنِّ سورةً كاملة في القرآن، وأن الجنَّ ذكروا أكثر من مائة مرة في القرآن العظيم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ليلة مع الجنِّ يعرفها علماء المسلمين بـ(ليلة الجنِّ)، وكان له قرين من الجنِّ. وأن شيطانا أبيضاً كان يتصدى للنبي صلى الله عليه وسلم ويتكلم له على أنه جبريل.
وكلُّه كذب، وقلبٌّ للحقائق، وتدليسٌ على الناس.

أين الخلل؟
الخلل عند بطرس ومن قال بقوله، فهم الذين قلبوا الحقائق، وذلك بالكذب المباشر تارة، وبِبَتر النص من سياقه العام ثم تفسيره بما يحلو لهم تارة أخرى، وباعتماد الضعيف والشاذ وما لا يصح من الأحاديث تارة ثالثة، وهاأنذا أفند لك آرائهم وأكشف لك قولهم لتعلم أنهم ما صدقوا فلا تتبعهم.
ـ يروي إخبار السيدة خديجة رضي الله عنها للوحي فيقول: جاء في كتاب (السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص 230): قال ابن إسحاق: "عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله: أي ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال نعم، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال رسول الله لخديجة يا خديجة هذا جبريل قد جاءني، قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى؛ فقام رسول الله فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم قالت: فتحول واجلس على فخذي اليمنى; فتحول رسول الله فجلس على فخذها اليمنى، فقالت هل تراه؟ قال نعم، قالت: فتحول واجلس في حجري، فتحول رسول الله فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال نعم، [وفي رواية أخرى] أدخلت رسول الله بينها وبين درعها، ثم ألقت خمارها عن وجهها، ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت له هل تراه؟ قال لا، فذهب عند ذلك جبريل، فقالت: يا ابن عم اثبت وأبشر فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان".
هكذا يروي القصة، ثم يعلق قائلا: "كان هدف خديجة أن هذا الذي ظهر لمحمد لو كان ملاكا لخجل من فخذيها ودرعها... إلخ"، ويتساءل: "كيف أن ملاكا لا يخجل من أعضاء المرأة: لا فخذها ولا حجرها ولا درعها، ولكنه يخجل من وجهها؟ وكيف تُعَلِّمُ امرأة نبيَّ الله الذي تجلى له الوحي، فَتَعْلَم هي ما لم يعلمه هو؟ ثم كيف يؤخذ بشهادة امرأة، والمرأة في الإسلام ناقصة عقل وناقصة دين؟ وكيف اعتبرت شهادة امرأة واحدةٍ شهادةً شرعية، والشهادة المقبولة في الإسلام امرأتين ورجل؟ ثم كيف تأكدت أنه ملاك وليس بشيطان، والشيطان يستطيع أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور. ويؤكد هذا الرأي ما جاء في (تفسير الرازي لسورة الحج 52 وسورة التكوير 20) "إن الشيطان المُسمَّى الأبيض تصدّى لمحمد وجاءه في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي". هذا نص كلامه.

التعليق:
- كذب على مستمعيه حين ادعى أن هذا حديث صحيح، وهو لا يثبت.

- وكذب على مَن يسمعه حين ادعى أن السيدة خديجة ـرضي الله عنهاـ كشفت عن فخذيها وحجرها ولم ينصرف الملك إلا حين كشفت عن وجهها، ليس هذا في النص الذي أورده هو -لاحظ- ولا في النص الأصلي الذي حذف بعضه، وإنما قالت له اجلس على فخذي. فقد حذف من النص الذي ينقل عنه هذه الجملة (فتحسرت وألقت خمارها)، والخمار هو غطاء الرأس، من خمَّرتُ الشيء إذا غطيته، وهو غير الحجاب، و (تَحَسَّرَتْ) تعني كشفت عن شيء، وهو ما يغطيه غطاء الرأس (الخِمَارُ)، وكانت بثيابها ترتدي درعا بدليل الرواية الثانية التي أدخلها بطرس في السياق (فأدخلته في درعها)، عندها ذهب الملك، ذهب من ماذا؟
من كشف الرأس والرقبة وأعلى الصدر، وليس كما يقول الكذاب اللئيم بطرس، أن الملك بقي حين كشفت فخذها، وحجرها وانصرف حين كشفت وجهها. ليس في النصِّ كشفُ فخذٍ ولا حجرٍ، وإنما فقط تحسر بإزالة ما تضعه على رأسها رضي الله عنها وأرضاها.
إذا بمقاييسه هو، هو ملكٌ، استحى من كشف القليل وانصرف، وهي ـرضي الله عنهاـ كانت تظنه ملكا وبالفعل رأته (علمته) ملكاً. إذ لو كان شيطانا ما استحى حتى من ما هو أبعد من الرقبة وأعلى الصدر.

- وكذب على مَنْ يسمعه حين ادعى أن ليس عند المسلمين دليل على الوحي إلا هذه القصة، أو إلا شهادة السيدة خديجة رضي الله عنها في هذه القصة، فهي قصة في بطون بعض كتب السيرة وليس كل كتب السيرة، وكتب السيرة عندنا وإن تواطأت على روايةٍ ما فإنا لا نأخذ بها إلا استئناسا حتى يصححها أهلُ الحديث، وأهلُ الحديث... وأهلُ الفقه.. وأهلُ الاعتقاد.. ومن يحاور النصارى اليوم في البالتوك والمنتديات وغيرهما.. بل وكلُّ المسلمين لم يتكلم أحد منهم بأن ما فعلته السيدة خديجة في هذه القصة هو دليل الوحي، أو هو دليل الوحي الوحيد عندنا، فعندنا مصنفات في دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم من بشارات السابقين وأخبارِ المعاصرين له صلى الله عليه وسلم من مسلمين وكافرين، حتى مقاييس الكذّاب اللئيم زكريا بطرس التي وضعها هو كدليل على النبوة تنطبق تماما على رسولنا صلى الله عليه وسلم وقد ناقشت هذا في الجزء الأول.

ـ وكذب في القول بأن الشيطان قد يتحول إلى شبه ملاك من نور. فمادة الملكِ غير مادة الشيطان، الملكُ من نور، والشيطان من نار، الملك للخير والشيطان للشر. الملك رسول من رب العالمين لعبادة المتقين.. الأنبياء وبعضِ الصاحين، والشيطان عدو للمتقين والصالحين المصلحين، وعونٌ للأفَّاكين الكذابين.

- وكذب وهو ينقل عن الفخر الرازي جاء في (تفسير الرازي لسورة الحج 52، وتفسيره للتكوير20). يَذكر (بطرس) أن الفخر الرازي تكلم عن شيطان أبيض كان يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم على هيئة جبريل ويوحي إليه، ولا أدري كيف يتجرأ على الكذب هكذا؟! وكأن تفسير الفخر الرازي في كوكب ثانٍ لن يستطيع أحد أن يذهب إليه ويستوثق منه؟ وكأن كل من يسمع سيثق بقوله ولن يراجعه فيه؟
الفخر الرازي في سورة الحج وفي سياقه نفيه الشديد لقصة الغرانيق العلى والرد على كل من قال بها، في هذا السياق ذكر رواية تقول: (بأن شيطانا يقال له الأبيض أتاه على صورة جبريل عليه السلام وألقى عليه هذه الكلمات فقرأها) ثم يعلق الفخر الرازي على هذه الرواية قائلا: (وهذا القول لا يرغب فيه مسلم البتة لأنه يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يميز بين الملك المعصوم والشيطان الخبيث).
وفي سورة (التكوير)، جاء ذكر الشيطان الأبيض في سياق مختلف، وهو يتكلم عن قوة جبريل عليه السلام يقول: ذكر مقاتل أن شيطانا يقال له الأبيض صاحب الأنبياء قصد أن يفتن النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه جبريل دفعة رقيقة وقع بها من مكة إلى أقصى الهند).

ـ ويقول (ورسول الله جالس في حجرها.. أبو أربعين سنة قاعد في حجرها) ويشير بيديه ويحرِّك جسده مستخفا ومستهزءاً. ويقول حَراء والمذيع يسأله بتنقيط أم بدون تنقيط؟! (خراء) ويستحضر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن حديث: «ما منكم من أحد إلا وله قرين » فيفي عبد ومسرحية (حزّمني يا)، ويختم الحلقة 142من برنامج أسئلة عن الإيمان بجملة من السخرية والاستهزاء بـ{الراكعين والراكعات}، وهو حال الأراذل الأوساخ.

أقول ولهذا الفعل وهذا الكلام صارخ في القلب لن يهدأ حتى يشفي صدره من بطرس ومن عاونه، ولن يُنقِص هذا من قدر نبينا صلى الله عليه وسلم فنبينا صلى الله عليه وسلم جبلٌ أشم، له الكمال في الخِلْقة والخُلٌق، طولا، وجمالا، وهيبة صلى الله عليه وسلم لم يستهزأ به أحد ممن حضره أو عاصره، وما واجهه أحد بشيء يكرهه هيبة وإجلالا، وكان تحته تسعة من النساء غير ما قام به من أعظم أثر في حياة الناس، وغيره لا يستطيع أن يسوس بيته.. فقط بيته بل قد تغلبه امرأته.

ـ وفي إطار تدليله على أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له علاقة خاصة بالجنِّ، وأن أحدهم هو الذي ظهر له في الغار وكان يتنزل عليه بالقرآن بعد ذلك، وبالتالي فإن القرآن قول الشياطين، في هذا الإطار يستحضر (ليلةَ الجنّ) مدللا بها على ما يفتريه على الحبيب صلى الله عليه وسلم، يقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى ليلة كاملة مع الجن عند غار حراء هذا نص كلامه: (جاء في (سنن ابن داود كتاب الطهارة حديث 85) عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب أحد منكم النبي ليلة الجن؟ قال: ما صحبه منا أحد، ولكن افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة، ولم نجده، فقلنا: اغتيل، أو استطير، ماذا فُعِلَ به؟ حتى إذا أصبحنا إذا نحن به آتيا من جهة حراء. فقال لنا: أتاني داعي الجن، فأتيتهم، فقرأت عليهم القرآن. ثم انطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم).
ثم يعلق متسائلا متعجبا ومستدلا: (ما هو مدلول هذه الحادثة؟ أليس أن محمدا كانت له علاقة بالجن؟)
وليس في سنن أبي داود شيء مما ذكر، تحت هذا الرقم، ولا في هذا الباب، ولا في غيره، والذي عند أبي داود هو: «عن علقمة قال قلت لعبد الله بن مسعود من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه منا أحد» وليس عند أبي داود شيء مما ذكر، فهو يكذب أو ينقل عن كذّاب آخر. وكله سواء -بل زيادة في القبح إن كان- فهو ناقل وليس باحث كما يدعي.

هذه الأولى...
والثانية...

دعني أبدأ من الخلف قليلا كي تتضح لك الأمور، وترى الصورة على حقيقتها، وسأختصر مقالي وأدلل على قولي، فلا تعجلني. ولا تستثقلني.

ـ (كان فاشياً بين العرب في الجاهلية أن للجن سلطانا في الأرض، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر، لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض، فقال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.. ثم بات آمنا! كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبئون بما يتنبئون، وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين الله نسبا، وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة! ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا!!)
وفي الجاهلية.. قبل البعثة النبوية، كانت الشياطينُ تصعد قريبا من السماء فتسترق السمع وتوحي به إلى أوليائها من الإنس، وهم الكهنة والمشعوذون، وكانوا (الكهنة والمشعوذون) منتشرين في الجزيرة العربية معروفين بأعيانهم يقصدهم الناس في بعض شأنهم، وحين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وابنُ هشام في السيرة النبوية.. في المجلد الأول... في ذات المكان الذي ينقل منه (بطرس) عقد بابا أسماه (قذف الجن بالشهب وآية ذلك على مبعثه صلى الله عليه وسلم) ونص على ذلك البخاري في صحيحه.
وحين حيل بين الجن وخبر السماء احتاروا في أمرهم، وعلموا أن شيئاً ما حدث على الأرض حال بينهم وبين الصعود في السماء، فطافوا الأرض يلتمسون الخبر، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في الصلاة، فاجتمعوا يسمعون، وعادوا إلى قومهم يتحدثون، والقصة في البخاري ومسلم وفي كتب التفسير، في تفسير سورة الجنِّ. وهذه هي الرواية من صحيح البخاري «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ }».


الجنُّ رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلى فكادت تكون عليه لبدا { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } [الجن:19] والجنُّ سمعت القرآن فتعجبت ووعَتْ الخطاب ومن ثمَّ آمنت وأسلمت، وراحت تتكلم عن ما فيه كانت، عن غفلتها، وعن ضعفها، وجهلها بما كان وبما سيكون، وعن الضالين وقد خافوا منها فاستعاذوا بها فزادتهم رهقا، والسياق آخَّاذ لا يقدر علي صياغته جنٌّ ولا بشر، واقرأ وتدبر: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً * وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً * وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً * حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً * قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} [الجنّ:1ـ 28].
يقول الكذاب اللئيم زكريا بطرس جعل للجن سورة كاملة من ثمان وعشرين آية، وأن هذا يعكس اهتمام محمدٍ صلى الله عليه وسلم بالجن!

وأقول: هذه هي سورة الجنّ ليس فيها تمجيد للجن كما يدعي الكذاب اللئيم زكريا بطرس، بل إخبار عن حالهم قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحالِهم بعد أن سمعوا به وبما يتلوه من كتاب ربه، وهذا خبرٌ لا يعلم به إلا ربهم الذي أرسل إلينا وإليهم محمداً صلى الله عليه وسل- فهو من جملة أخبار الغيب الدالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إذ من كان يعلم هذا عن الجنّ ويخبر به إلا من علَّمه ربه؟!

وفي موضع آخر الجن تسمع القرآن وتعود إلى قومها، وتدبر قولها: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأحقاف:29ـ32].
يقولون الجن توحي إليه، وها هي الجنُّ تتكلم بلسانها بأنها لم تكن تعلم شيئا عن القرآن حتى سمعته وحين سمعته رحلت مدهوشةً تتحدث بإعجابٍ وتفصيلٍ عن هذا النبأ العظيم، تدعوا قومها للإيمان به.

و (ليلة الجنّ) التي يتكلم عنها (بطرس) نعرفها وخبرها صحيح، ونصُّه: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: فَقَالَ عَلْقَمَةُ: أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ: لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَقُلْنَا اسْتُطِيرَ أَوْ اغْتِيلَ قَالَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلَ حِرَاءٍ قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَقَالَ: أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ ».

ومن كذبه قبَّحه الله أنه يذكر ليلة الجن، ولم يذكر ما دار فيها بين النبي صلى الله عليه وسلم والجنّ، سوى أنه أراهم أثار نارهم. ويحيل لرواية أبي داود، والتي لم تذكر تفصيل ما حدث، فقط يريد من المستمع أو القارئ أن يعرف أن كانت هناك ليلة للجن، ثم بعد ذلك يفسر ما حدث هو في تلك الليلة من أمِّ رأسه.
والنبي صلى الله عليه وسلم مع الجن في (ليلة الجن) يقرأ عليهم القرآن، ويُعلمهم ما لهم وما عليهم، ما أُحلَّ لهم وما حُرِّم عليهم، يقول صلى الله عليه وسلم: «فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ».
والجن تسأله عن ما أحل لهم من الطعام فيخبرهم بأنه العظم إذا ذكر اسم الله عليه وكلُّ بعرةِ علفٍ، وهؤلاء هم المؤمنون من الجن، الذي يأتمرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالعصاة يأكلون مما لم يذكر اسم الله عليه، ولا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسألون. وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصلا بعنوان: (بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الإنس والجن).

ويحاول أن يربط بين غارِ حراء وحراء، غارُ حراء الذي كان يتحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم وظهر له فيه جبريل عليه السلام، وحراء التي التقى فيها الجن في (ليلة الجن)، ليقول أن حراء والجن قرينان، فكل ما في حراء جنٌّ، وليس في حراء سوى الجنِّ. وهو كلام بعيد لا تبصره عين في كتاب ولا في واقع، فالجن لم يكونوا في مكان واحد أبدا، وجبريل عليه السلام ظهر في حِراء وفي غير (حراء)، فلو كان جنّا ولو كانت حراء للجن والجن لحراء ما أتاه جبريل ثانية في غير حراء.
ونعم لكل واحد منا قرين من الجن، يأمره بالسوء، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم له قرين إلا أن الله أعانه عليه فأسلم. في الحديث: « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْر ».
ولك أن تتعجب من هذا -أُكلِّمُ من يقرأ من النصارى- وليس لك أن تقول بقول (بطرس الكذَّاب) ... ليس لك أن تقول بأن قرين النبي صلى الله عليه وسلم، كان يوحي إليه ويعلمه، فهذا لا دليل عليه، ولا نجده في شريعتنا. بل نجد أن القرين يأمر بالسوء، وقرينَ النبي صلى الله عليه وسلم أسلمَ فلم يعد يأمره بسوء، وها هو نص الحديث بين يديك.
 

وقد كان الكفرة من الجن (وهم الشياطين) يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم ويعادونه كما يعاديه الكفرة من الإنس، وكانوا في صفّ الكافرين ضد النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.. في كل المواقف كانت الشياطين في صفِّ الكافرين.

صفُّ المخالفين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في التصور الإسلامي يتكون من الإنس والجن معا، وهم يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ومن تبعه، هذا المعنى صريحٌ في القرآن العظيم، قال تعالى: { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [الأنعام:112]، وأخبر الله تعالى أن الكافرين اتخذوا الشياطين أولياء: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [الأعراف:30]، وأن الشياطين تؤزُّ الكافرين: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } [مريم:83].

وفي كل الأحداث الكبرى حضرت الشياطين مع الكافرين ضد المؤمنين، في يوم (بيعة العقبة الثانية) حاول الشيطان إفشال البيعة ونادى قريشاً فتأخرت ولو أنها تعجلت لأفسدت، و كبيرهم إبليس هو الذي حرَّض قريش وشجعها وما زال بها حتى خرجت يوم بدر تقاتل النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال:48]، وحضر الشيطان يوم أحد يؤز الكافرين ويخدع المؤمنين وخبره مشهور معروف، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران:155].

بل تجرأ أحدهم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فحاول أن يفسد عليه صلاته، في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ {رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي }».

والشيطان إذا سمع الآذان ولى هاربا وكذا عند الإقامة، والشيطان يكره صلاتنا، يغتاظ منها ويبذل كلَّ جهده كي يصرفنا عنها ويلهينا فيها، في الحديث: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى»، ويبذل الشيطان كلَّ جهده ليفسد علينا الصلاة التي هي عماد الدين عندنا، فيأتي أحدنا ويخيل له وكأن شيئا خرج من دبره حتى ينصرف عن الصلاة، ونحن نستعيذ بالله من الشيطان حين نقرأ القرآن قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل:98]، ونسمي الله على كل شيء كي لا يشاركنا فيه الشيطان حين ندخل البيت لنطرد الشيطان، ونسمي الله حين نأكل الطعام كي لا يأكل معنا الشيطان، ونسمي الله حين يخلو أحدنا بزوجته كي لا ينظر إليها ويجامعها معه الشيطان وطلبا للذرية الصالحة، والتسمية عندنا على كل شيء.
وأخبر سبحانه وتعالى أن الكافرين والشياطين لهم نفس المصير بعد الموت، ولهم نفس الجزاء، فهي جبهة مشتركة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } [مريم:68]، وقال تعالى مخاطبا إبليس كبير الشياطين: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:85]، {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأعراف:18]، وقال تعالى: { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة:13] وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود:119].

فمن الشياطين الكافر، ومن الشياطين المؤمن، وكافرُ الشياطين عدو مبين، نستعيذ بالله منه، ونلعنه صباحا ومساءً وفي كل حين، ومؤمنُ الشياطين متبع لمحمد صلى الله عليه وسلم لا أنه هو الذي أوحى لمحمد صلى الله عليه وسلم. هذا ما نعرفه، وهذا ما تتكلم به كتبنا، وغير ذلك هو من تدليس المدلسين وكذب الكذّابين.

ـ والاستدلال بحال النبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه، بأن الذي يأتيه جني أساسه كذبهم في الرواية، فزكريا بطرس -أو من ينقل عنه وجُل ما يتكلم به كلامه هو- أضاف لهيئة النبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي أنه يكون سكرانا.. يرغي ويزبد ويرمى في الأرض حين يتنزل عليه الوحي، وهذا كلامه هو، وقد بينت ذلك في الجزء الأول من هذا البحث، فلم يكن شيء من هذا يحدث لنبينا صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه.



ويدل على ما سبق من قولي أشياء حدثت في الإسلام وحدثت في النصرانية، منها:
سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
قصة الغرانيق العلى، وآيات سورة الحج.
اختبار الشيطان للمسيح عليه السلام.
تسلط الشياطين على أنبياء العهد القديم.

أولا: سحر النبي صلى الله عليه وسلم:
في سحر الشياطين للنبي صلى الله عليه وسلم أمارة على ما قدمت لك، إذ أنه لو كان رسول الشيطان.. لو كان يتكلم بما تملي عليه الشياطين.. لما سحروه وآذوه. أليس كذلك؟
ألا ترى أنه عجب أن يقال أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الشيطان ثم يقال سُحِرَ؟!
ليس عجبا فقط، وإنما أمارة على التخبط والكذب.
يقولون نبي مسحور، ويقولون تسلطت الشياطين عليه فتملكت منه وسحرته، وكله مبالغات وكذبات كسيحات لا تبرح مكانها فتُفرح حبيبها أو تغيظ عدوها.

نعم سُحرَ النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في البخاري، وهذا نصّه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ».

وكانت مدة سحره أياما وليست شهورا ولا سنين ولا طيلة حياته كما يقولون، الثابت أنها كانت أياما قليلة، وأنها لم تَطَلْ جانب الرسالة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم وإنما غاية ما حدث أنه كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله.. يخيل أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، أي يُخيل إليه أنه يستطيع أن يأتي النساء وحين يأتيهن لا يجد قوة على ذلك، وهذا حال المسحور المعقود عليه، لا يجد انتشارا حين يقرب النساء.

ولم يطل السحر شيئا من الوحي، لم يؤثر السحر على الوحي، فلم يُروَ أن النبي صلى الله عليه وسلم هذي (من الهذيان) أو قال شيئا من الوحي ثم اعتذر عنه بعد أن رُفع عنه السحر. فلم يؤثر السحر إلا على بدنه صلى الله عليه وسلم ولم يدرِ أحد بسحره إلا أهل بيته، بمعنى لم يتوقف تلق الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعاليمهم، أو توقف هو عن الصلاة بالناس، لم يحدث هذا، كان نوع من المرض، شعر به أهل بيته، كما هو حال المربوط اليوم، لا يدري به إلا أهل بيته. أو كما هو حال المسحور سحرا ما، فليس كل من سُحر يعرف الناس بسحره، أو يؤثر سحره على سلوكه، يكون السحر لشيء ما.. لمنعه من إتيان أهله، أو لمنعة من مذاكرة درسه، أو لمنعه من محبة فلان وجبره على محبة فلان.. ولا يعلم به أحد إلا قريب معاشر، فالسحر لا يعني ذهاب العقل.. نوع من المرض، وهو ما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي سحر النبي صلى الله عليه وسلم أمارات على النبوة:
ـ منها طريقة الشفاء نفسها، فقد خرَّ النبي صلى الله عليه وسلم لربّه ساجدا، يناجي ربه ويسأله الشفاء فشفاه بملكين جاءاه وأخبراه عن مَنْ سَحره وأين دفن سحره وكيف يحل السحر. وهذه أمارة أخرى على نبوته صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى ربه ويشفيه ربه، إذ أنه شُفي من أثر الشيطان بدعاء ربه وليس بشيطانٍ آخر.
ـ ومنها علمه صلى الله عليه وسلم بأمرٍٍٍٍٍ مغيبٍ عنه، وهو مَن سحره وأين وضع السحر.
ـ وظهر حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن البئر ولم ينتقم من ساحره.
وهي مشيئة الله أن يبتلى النبي صلى الله عليه وسلم بشتى أنواع البلاء من مغالبة الشياطين.. السحر ومن مغالبة الإنس في الحروب والخروج من بلده مهاجرا إلى ربه، ومن الأمراض التي تصيب الأبدان، ومن مجانبة الصواب في بعض الأمور أحيانا -مثل أسرى بدر- ليعلم الناس أنه بشر، وليزداد ثوابه، وتعظم منزلته عند الله بما يتحمل في سبيل تبليغ رسالات الله. إلا أن اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم وما يحدث له من العوارض الدالة على بشريته لا تطال الوحي، فالوحي معصوم.. فلا يكبر في صدر أحد من المسلمين أن يصاب النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من هذا، فهو بشر، وليس إلهاً، والعصمة للوحي، لما يبلغ عن ربه.

وفي قرآن أن موسى عليه السلام خُيِّل إليه من سحر السحرة أن عصيهم تسعى قال تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [طه:66] فها هو موسى أصابه سحر السحرة -سحر التخيل- فهل قيل أنه مسحور؟ هل يقدح هذا في نبوته عليه السلام، وأيوب عليه السلام: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}[ص:41].

والعجب كل العجب من أهل الكتاب وهم يستمسكون بما يفهمونه خطئا من مرض النبي صلى الله عليه وسلم في سحره، ويحاولون أن ينفوا النبوة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه؛ أيقدح عندهم في نبوة النبي أن يزني النبي بحليلة جاره وقائد جيشه كما يتكلمون عن داود عليه السلام؟
أوَ يقدح عندهم في نبوة النبي أن يزني ببناته كما يتكلمون عن نوح ولوط عليهما السلام؟
أو يقدح عندهم في نبوة النبي أن تتسلط عليه الشياطين؟! لا يقدح وقد تسلط الشيطان على عدد من الأنبياء منهم المسيح وأيوب وغيرهما عليهم السلام، وسيأتي في نهاية هذا الفصل مزيد بيان.
إن ما يتكلمون به -على فرض حدوثه جدلا وهو لم يحدث ولا نسلم بحدوثه أبدا ولكن من باب التنزل في الخصومة- لا ينافي النبوة عندهم في دينهم، فأمرُّ منه -وهو الزنى والعري وغير ذلك- لا يذهب بنبوة النبي عندهم. فلا ندري لم يقفون هنا؟ ولا ندري لم يحاكموننا إلى ما لا يصح في ديننا؟ ولا ندري لم يتغافلون عن أن مقاييس النبوة التي وضعوها هم تنطبق على النبي صلى الله عليه وسلم؟! ألا ترى أنها نفوس مريضة تبحث عن شيء تصد به الناس عن دين الله؟

قصة الغرانيق العلى:
يدعي (بطرس) أن هذه القصة وضعت القرآن في محنة كبيرة، وأنها دلت على تحريف القرآن، بل وكذبه، ذلك أن القرآن تحدى الإنس والجن على أن يأتوا بمثله {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [الإسراء:88]، يقول وقد أتى الشيطان بمثله في قصة الغرانيق العلى!!
ويستدل بالقصة على مداهنة النبي صلى الله عليه وسلم لعبدة الأوثان من مشركي مكة، ويستدل بالقصة على تسلط الشياطين على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنها تتكلم بلسانه، ويستدل بالقصة على أن القرآن وحي الشيطان وليس وحي الله!!

ويستدل على القصة بأنها وردت في كل كتب المسلمين ويحكي إجماع الأمة على قصة الغرانيق وأن علماء الإسلام شهدوا بأن الشيطان قد أتى بسورة من القرآن، يذكر صراحة النسفي والألباني في كتابه (نصب المجانيق)، ووالله لا أدري كيف يتجرأ على الكذب هكذا؟!
كتاب الألباني الذي يشير إليه (نصب المجانيق) صنفه الشيخ من أجل إثبات عدم صحة قصة الغرانيق، والشيخ الألباني محدث العصر، واسم الكتاب كاملا (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق). وعلماء الإسلام الذين نعرفهم والذين يسميهم هو أشتد نكيرهم على القصة متنا وسندا.

أرأيت أكذب من بطرس؟!
لا يعنيني هنا إثبات كذبه فقد فرغت منه في الجز الأول، ولكن استوقفتني هذه الجرأة العجيبة على الكذب، فلم أستطع غض الطرف عنها، والمرور من جانبها دون الوقوف عليها.

القصة لا تصح لا متنا ولا سندا وقد أكثر علماء المسلمين في التكلم عن عدم صحة هذه القصة أنكروها سندا، وأنكروها متنا، ولم يقل أحد أبدا أن الشياطين تكلمت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير المرتدين والكافرين.
الإشكال يأتي من ضم آية الحج {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج:52] إلى قصة الغرانيق المفتراة هذه.
هم يقولون أن قصة الغرانيق سبب لنزول هذه الآية، وابن كثير والقرطبي والطبري والشوكاني والشنقيطي وابن حزم والفخر الرازي كلهم ينكرون، ويشتدون في النكير على من قال بقصة الغرانيق العلى أو قال بأنها سبب لنزول هذه الآية.
وإن سلمنا جدلا أن قصة الغرانيق ثابتة، وأنها سبب في نزول هذه الآية، و أن الشيطان ألقى في أمنية النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا في هذا؟!
أفي هذا شيء؟ أفي هذا دليل على أي شيء مما يستنتجونه؟!
أبدا والله.

الإشكال في الفهم الخاطئ لكلمة (أُمْنِيَّتِه) الواردة في آية الحج، (أُمْنِيَّتِه) تعني قراءته، ولذا تجد من أورد الرواية أورد فيها أن المشركين هم الذين سمعوا هذه الكلمات (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي)، أما المسلمون فلم يسمعوها، فالشيطان يلقي في أسماع أوليائه من المشركين حين يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا دليل بيَّن على عداوة الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم وحرصه الشديد على النكاية بالدعوة الإسلامية. وفي نسخ (محو) ما تكلم به الشيطان في أسماع الكافرين أمارة على أن الدين محفوظ، وأن شيئا من الخطأ لم يقر. وأنه شريعة نقية؛ وأمارة أخرى على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه (فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك كان أدل على اعتماده للصدق وقوله الحق، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: "لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}". ألا ترى أن الذي يُعظم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كلَّ ما قاله ولو كان خطأَ فبيان الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان هو أدلُّ على تحريه للصدق وبراءته من الكذب، وهذا هو المقصود بالرسالة فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب.

وأريد أن أقف هنا وقفه تحت هذا العنوان:
ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله:
نصوص الشريعة بعضها مُحكم، يعرف معناه دون الرجوع لغيره، وهو الكثير الغالب في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] وبعضها متشابه إضافي (ويقال له أيضا محكم إضافي) لا يُعرف معناه إلا بغيره مثل المطلق مع مقيدة والمجمل مع مفصله والعام مع مخصصه والمنسوخ مع ناسخة، وبعضها متشابه حقيقي لا سبيل للوصول إلى معناه وهو قليل نادر، لا يتعلق به حكم شرعي، وليست فيه أخبار عن السابقين ولا اللاحقين، مثل الحروف المقطعة في فواتح بعض السور.
وقريب من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ».
فهناك أمور حدثت وأمور شرعت وأخبار تُلِيَتْ متشابه تحتاج لبيان أو لا تتضح مع البيان، ومنها إلقاء الشيطان في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والعلة في ذلك مذكورة في ذات السياق {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج:53 ـ 55 ].
أي أن هذا يحدث ليُظهر الله للناس الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم.. الظالمين.. الذين هم في شقاق بعيد. ويحدث هذا ليظهر الله للناس إيمان المؤمنين المخبتين الذين هداهم الله إلى صراطه المستقيم.


وتجد هذه العلة دائرة مع ذكر المتشابه في القرآن الكريم، في سورة البقرة بعد أن نص على أن من القرآن المحكم، وأنه أم الكتاب، وأن منه المتشابه، أخبر أن الذين في قلوبهم زيغ هم الذين يتبعون المتشابه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }[آل عمران:7 ] وتلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال: «فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم ». فلاحظ أن الذين يتبعون المتشابه هم الذين في قلوبهم مرض، وسبب ذلك -كما تنص الآية- ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله
وسألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة النار، يريدون حديثا عن غيب، كي يعرفوا أنه نبي يوحى إليه، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يوافق ما في أيديهم من الكتاب. ونزل القرآن يهدد الوليد بن المغيرة -الذي فكر وقدر وقال إن هذا إلا سحر يؤثر واغتر بالبنين الشهود والمال الممدود- ويجيب اليهود: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَر * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [المدثر:26 ـ 30].
سمع أبو جهل الآيات فعَمِي عن أنها {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ }، وعَمِي عن أن العدد بلا تمييز، وهو أسلوب ترهيب وتهويل، وأخذته الجهالة فظن أنهم بشر مثله، ونادي في قومه: يا معشر قريش ما يستطيع كل عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزنة النار وأنتم الدَّهْم؟ فصاحبكم يحدثكم أن عليها تسعة عشر.
وتَحَمَّسَ كِلْدَة الْجُمَحِيّ (أبو الْأَشَدّ)، وقال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر!!


وجاءت الآيات تبين أن ذكر العدد -بلا تمييز هكذا- جاء ليفضح الله به أصحاب القلوب المريضة، وليستيقن اليهود من أن هذا نبي يوحى إليه، ويزداد الذين آمنوا إيمانا. قال الله: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } [المدثر:31].
ولم يَرُقْ لمجموعة من المنافقين ذكرُ الذباب والعنكبوت في القرآن الكريم فقالوا متعجبين: ما بال الله يتكلم بهذا الكلام لو كان القرآن من عند الله لما ذكر فيه مثل هذه الأشياء -الذباب والعنكبوت-؟! فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} [البقرة:26].
فذكر الذباب والعنكبوت يضل الله به كثيرا ويهدي به كثيرا. ولكن من يُضل؟ إنهم الفاسقون.
ومثله: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } [الإسراء:60].

وفي القرآن شواهد كثيرة تبين أن الله سبحانه وتعالى ينزل من الآيات ويشرع من الأحكام ما يُظهر به فساد القلوب الفاسدة أصلا التي لا تظهر إلا بهذه الآيات و تلك الأحكام.
وشيء آخر، هو أن الذين في قلوبهم مرض ليس فقط يتبعون المتشابه بل يفتعلونه إن لم يجدونه، فمذهبهم (الاعتقاد ثم الاستدلال)، ويفتعلون المتشابه، عن طريق بتر النص، أو بعدم الجمع بين أطراف الأدلة، أو إهمال الدليل المضاد، أو استخدام مقدمات عقلية أو عرفيه لفهم النصوص مستغلين في ذلك جهالة المستمع. وهذا بيِّن جدا في الكذاب اللئيم زكريا بطرس، ومن لفَّ لفه.

لماذا هذا الاسترسال؟
يضيق صدر بعضهم ببعض الأمور التي لم يأت فيها الشرع ببيان شافٍ، مثل (قصة الغرانيق العلى)، ومثل (سحر النبي صلى الله عليه وسلم) وبعض الأحكام في الشريعة، وود أنها لم تكن... أن نزل فيها بيانا شافيا، ونقول لهؤلاء أرح قلبك وعقلك، ولا عليك سوى بيان الحق للناس، فالأمر مرده للقلوب لا للنصوص.. الخلل في النفوس وليس في النصوص، وقد كانت نفس الآيات تتلى على الجمع الواحد فيهتدي بها قوم ويضل بها قوم، { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة:124ـ 125].

وإذا كان الأمر مرده للقلوب، وإذا كانت هناك نفوس مريضة لا تزداد على سماع الحق إلا ضلالا وعمى فعلينا أن نبين الحق، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. قال الله {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف:2]، وعلينا أن نشير لكل من جادل في المتشابه أو افتعله، من الكافرين أو الفاسقين، بأن الله قد نبأنا من أخبارهم وأنهم هم الذين في قلوبهم زيغ. الذين يجادلون ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.

ثالثا: أنبياء الله والشيطان في الكتاب المقدس.
هكذا حال الأنبياء مع الشيطان من يوم كان، فهو عدو مبين لكل المصلحين، ونجد في الكتاب المقدس (لوقا:4) أن المسيح عليه السلام لم يَسْلَمْ هو الآخر من كيد الشيطان، ففي الكتاب (المقدس) أن الشيطان تملك من المسيح وصار به أربعين يوما في البرية يصعد به جبالا وينزل به أودية، ويدخل به (أورشليم) ويخرج به للبرية، ويأمره بالسجود له (للشيطان) ويُمَنْيه بممالك العالم، أربعين يوما، ولم نجد مثل هذا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم فحين تفلت عليه وأراد أن يقطع عليه الصلاة.. فقط أراد أن يقطع عليه الصلاة أخذه وربطه، ثم تركه تكرما منه وتفضلا، وتجملا مع نبي الله سليمان عليه السلام.
فهذا المسيح يتعرض له الشيطان، ليس فقط للحظات بل يقتاده ويسرح به حيث شاء أربعين يوما أو يزيد، أسر كامل من الشيطان للمسيح عليه السلام، ويقولون إله !!
ونسأل كيف يأمر الشيطان الرب بأن يسجد له؟

وليس فقط المسيح عليه السلام بل ونفر كثير من أنبياء الله في الكتاب المقدس، تعرض لهم الشيطان ولم ينتصروا عليه بل أغواهم. على سبيل المثال لا الحصر:
- دواد عليه السلام: جاء في سفر أخبار الأيام الأولى [21:1] (وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ).
- وجاء في سفر أيوب الإصحاح الأول والثاني أمر في منتهى العجب، الشيطان يفد بين يدي الرب مع عباده، والرب يسلم أيوب للشيطان، والنص يقول في العدد 12 من سفر أيوب الإصحاح الأول: (فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: "هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ". ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ)، وفي الإصحاح الثاني من ذات السفر -سفر أيوب- العدد الثالث نجد أن الشيطان يهيج الرب على أيوب: (3 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ"، وفي الفقرة السابعة نجد أن الشيطان يصيب أيوب بمرض من قدمه إلى رأسه اسمع: (7 فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ) كما يقول كاتب السفر.

- وفي سفر زكريا الإصحاح الثالث نقرأ أن الشيطان كان بجوار نبي الله (يهوشع) وهو يخاطب الملاك ويقاومه، يقول كاتب السفر: (1 وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِمًا قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ، وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ).

وهذا بخلاف ما فعله الأنبياء من معاصي -بزعم الكتاب (المقدس)- بإغواء الشيطان لهم من زنى وتطاولٍ على رب العالمين. وغير ذلك مما ذكرتُ في الفصل الأخير من الجزء الأول من هذا البحث.

وفي لوقا 22: 3، دخل الشيطان في يهوذا الاسخريوطي، وهو من جملة التلاميذ الاثنى عشر، وكيف يكون هذا، وهو ممتلئ بروح القدس (أقنوم الله الثاني) هل يستطيع الشيطان أن يطرد الروح القدس؟
 


محمد جلال القصاص
mgelkassas@hotmail.com

 

المصدر: موقع طريق الإسلام