حد ردة في المسيحية ...ولا يزال التحريف مستمرًّا
«إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» <br /> هذا أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ تصريحات الأنبا مرقص أسقف شبرا، والمتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في مصر..
«إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»
هذا أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ تصريحات الأنبا مرقص أسقف شبرا،
والمتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في مصر.
حيث راح يستميت في تبرير رفضه لتطبيق حد الردة في الإسلام فقال: "لا
يمكن أن نقبل بتطبيق حد الردة؛ لأننا نعيش في مجتمع علماني"... ثم ختم
تصريحات بمقولة أشد غرابة: "إذا أردتم تطبيق حد الردة فليطبق أيضًا
على المسيحيين الذين يرتدون عن دينهم".
لن أتحدث هنا عن تدخل الكنيسة في قضية إسلامية محضة، لا يعنيها فيها
شيئًا.
لن أتحدث عن أسباب انزعاج الكنيسة من حد الردة وعلاقته بالحملة
التنصيرية المشتعلة بمصر.
لكن دعونا نقف بهدوء مع أهم دلالات هذا التصريح من كاهن يحمل هذه
الرتبة الكنسية الكبيرة التي لا تقل عن وظيفته الرسمية؛ باعتباره
ناطقًا رسميًّا باسم الكنيسة الأرثوذكسية.
الدلالة الأهم هنا هي استمرار مسلسل التحريف الكنسي للنصرانية لاسيما
في الكنيسة الأرثوذكسية القبطية التي يتحدث هذا القسّ بلسانها.
هل حد الردة موجود في المسيحية حتى تطالب الكنيسة بتطبيقه، أم هي
محطة جديدة من محطات التحريف الكنسي للنصرانية؟؟
الحقيقة أن حد الردة موجود فعلاً في العهد القديم، جاء في سفر
التثنية [13: 6] قول الرب لليهود:
"وَإِذَا أَضَلَّكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ
ابْنَتُكَ، أَوْ زَوْجَتُكَ الْمَحْبُوبَةُ، أَوْ صَدِيقُكَ
الْحَمِيمُ قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَنَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى
غَرِيبَةً عَنْكَ وَعَنْ آبَائِكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الأُخْرَى
الْمُحِيطَةِ بِكَ أَوِ الْبَعِيدَةِ عَنْكَ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ
إِلَى أَقْصَاهَا، فَلاَ تَسْتَجِبْ لَهُ وَلاَ تُصْغِ إِلَيْهِ،
وَلاَ يُشْفِقْ قَلْبُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَتَرََّأفْ بِهِ، وَلاَ
تَتَسَتَّرْ عَلَيْهِ. بَلْ حَتْماً تَقْتُلُهُ. كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ
قَاتِلِيهِ، ثُمَّ يَعْقُبُكَ بَقِيَّةُ الشَّعْب. ارْجُمْهُ
بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ"...
وفي سفر التثنية أيضًا [17 : 2_7]:
"إِذَا ارْتَكَبَ بَيْنَكُمْ، رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، مُقِيمٌ فِي
إِحْدَى مُدُنِكُمُ الَّتِي يُوَرِّثُكُمْ إِيَّاهَا الرَّبُّ
إِلَهُكُمُ، الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مُتَعَدِّياً عَهْدَهُ،
فَغَوَى وَعَبَدَ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدَ لَهَا أَوْ لِلشَّمْسِ
أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لأَيٍّ مِنْ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ مِمَّا
حَظَرْتُهُ عَلَيْكُمْ، وَشَاعَ خَبَرُهُ، فَسَمِعْتُمْ بِهِ،
وَتَحَقَّقْتُمْ بَعْدَ فَحْصٍ دَقِيقٍ أَنَّ ذَلِكَ الرِّجْسَ
اقْتُرِفَ فِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرِجُوا ذَلِكَ الرَّجُلَ أَوْ
تِلْكَ الْمَرْأَةَ، الَّذِي ارْتَكَبَ ذَلِكَ الإِثْمَ إِلَى خَارِجِ
الْمَدِينَةِ، وَارْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ"...
وقد طبَّق اليهود هذا الحد في أكثر من موضع كما يذكر كتابهم
المقدس.
- ورد في سفر الخروج [32 : 28] أن الرب أمر نبيه موسى عليه السلام
بقتل عَبَدَة العجل من بني لاوي، فقُتِلَ منهم 23 ألف رجل.
- جاء في سفر الملوك الأول [18 : 17 _ 40] أن إليا ذبح في وادي قيشون
450 رجلاً من الذين كانوا يدَّعون نبوة البعل.
ولكن هل هذه النصوص تلزم الكنيسة ويجب عليها العمل بها؟
إذا قالت نعم فلماذا لم تطبق الكنيسة حد الردة على أتباعها؟
ولماذا تنكره على المسلمين طالما هو موجود في كتابها؟
الحقيقة أن الكنيسة كان يلزمها أن تطبق هذه النصوص؛ باعتبار أن
المسيح لم يكن سوى نبي آخر لنبي إسرائيل، وأنه كان يقول -كما في
كتابهم-: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ
الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ
لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ
حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ". [متى517].
الناموس هنا هو الشريعة والأنبياء هنا باقي أنبياء اليهود في العهد
القديم.
وكان المسيح متمسك بشريعة موسى والأنبياء، فقال للسائل عن الحياة
الأبدية: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ
الْوَصَايَا" [متى19:16] أي اتبع تعاليم الشريعة واعمل بها.
وقال لمن شفاه بإذن الله: "فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ
قَائِلاً: "أُرِيدُ فَاطْهُرْ". وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ.
فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ
اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدَّمِ الْقُرْبَانَ الَّذِي
أَمَرَ بِهِ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ". [متى 8/3].
لكن الكنيسة تركت هذه الأقوال الصريحة المنسوبة للمسيح، واتبعت أقوال
شاول اليهودي الذي لم ير المسيح ولم يعرفه، لكنه تَنَصَّر بعد رفعه
بسنوات، ثم اختلق لهم دينًا آخر لا يعرفه المسيح أو تلاميذه، وفي هذه
النقطة تحديدًا يقول شاول: اليهودي-الذي تسمى فيما بعد باسم بولس
الرسول- يقول عن الناموس: "لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ
أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ:
(مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ
فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ). وَلَكِنْ أَنْ لَيْسَ
أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ
(الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا). وَلَكِنَّ النَّامُوسَ لَيْسَ مِنَ
الإِيمَانِ، بَلِ (الإِنْسَانُ الَّذِي يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا)"
رسالته إلى غلاطية [3/10-12].
ويقول: "إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ
بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،
آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ
بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ
بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا". رسالته إلى
غلاطية [2/16].
ويقول: "لأن الشريعة تجلب الغضب، وحيث لا تكون شريعة لا تكون معصية".
رسالته إلى رومية [4 : 15].
قد اتبعت الكنيسة تعاليم بولس، ومنعت العمل بالعهد القديم،
والكنيسة الآن أمام خيارات محددة وواضحة:
إما أن تُقْدِم الكنيسة في صراعها مع الإسلام على إحداث نقلة تحريفية
جديدة ترفض فيها تعاليم بولس، وترجع إلى رسالة المسيح كما هي في
كتابها المقدس، وإما أن تعزل متحدثها العام، وتعاقبه على هذه الهرطقة
التي تفوَّه بها للصحافة وتخضع لتعاليم بولس اليهودي كما هي منذ
نشأتها.
لكننا نُذَكِّر الكنيسة بما قاله بولس لأتباعه في روما حين كان نيرون
يضطهدهم أشد الاضطهاد، وكما يقول المؤرخ اليوناني تاسيتوس: "إن نيرون
جعل يلف المسيحيين أحياء بجلود الوحوش الضارية، ويطرحهم للكلاب لكي
تمزقهم, وغطَّى ملابس آخرين بالزفت، وعلقهم على مشانق وأضرم النار في
أجسادهم بالليل لتضيء كمشاعل للمارة، وصار يتنقل بعربته ليتمتع برؤية
هذه المناظر".
ومع كل هذا أرسل بولس يقول لأتباعه هناك: "لتخضع كل نفس للسلاطين
الفائقة لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من
الله * حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون
لأنفسهم دينونة * فإن الحكام ليسوا خوفًا للأعمال الصالحة، بل
للشريرة. أفتريد أن تخاف السلطان أفعل الصلاح فيكون لك مدح منه؛ لأنه
خادم الله للصلاح. ولكن إن فعلت الشر فخف لأنه لا يحمل السيف عبثًا
وإذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر، لذلك يلزم أن يخضع
له. ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضًا بسبب الضمير. فإنكم لأجل هذا توفون
الجزية أيضًا إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه. فأعطوا الجميع
حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له
الخوف، والإكرام لمن له الإكرام". [رسالته إلى رومية 131].
وهذا طبعًا لا يروق للكنيسة التي اعتاد قساوستها على الظهور المستمر
في الإعلام، والتحدث في كل ما يمت للإسلام بصلة، وكأنهم أوصياء الله
على المسلمين.
وكما رأينا رسالة المسيح في كتابهم المقدس، ورأينا رسالة بولس أيضًا،
لكننا الآن نحار في أمر الكنيسة المصرية التي لا تخضع لهذا ولا لذاك،
لكنها ترتكز في جميع أفكارها ومعتقداتها على ركيزة واحدة فقط، هي
العداء للإسلام، والتربص به...
وكفى به دينًا لهم.
خالد حربي
كاتب وباحث وخاصة في مجال الرد على النصاري.
- التصنيف: