مأزق حلف الناتو في أفغانستان
بعد مرور ثماني سنوات على دخول القوات الأمريكية والأطلسية إلى أفغانستان، فإن أياً من الأهداف التي أراد هؤلاء تحقيقها لم تتحقق، بل إن الأمر يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
بعد مرور ثماني سنوات على دخول القوات الأمريكية والأطلسية إلى
أفغانستان، فإن أياً من الأهداف التي أراد هؤلاء تحقيقها لم تتحقق، بل
إن الأمر يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
كانت تلك الأهداف هي تحقيق الأمن، القضاء على قوات طالبان والقاعدة،
إقامة جيش أفغاني قادر على ضبط الأمور في البلاد، إقامة انتخابات
ديمقراطية نزيهة وحرة، ثم الانسحاب وكان مقدراً لذلك أن يتم في عام
على الأكثر...
ولكن مرت الأعوام دون أن يتحقق شيئاً من ذلك، بل إن الاضطراب يزداد،
وطالبان تقوى يوماً بعد يوم، وجنود الناتو يتساقطون قتلى وجرحى، مما
يضع حكومات الدول المشاركة في تلك القوات في مأزق أمام شعوبها، وتزداد
المطالبات بسحب تلك القوات يوماً بعد يوم، ففي كندا وألمانيا
والولايات المتحدة الأمريكية ذاتها وبريطانيا ترتفع الصيحات العلنية
داخل البرلمانات وخارجها تطالب بوضع حد لتلك الحرب والانسحاب من هناك،
لأنها أصبحت بلا جدوى.
أكـثر مـن حقيقة واعتراف تؤكد هذا المأزق الذي وصل إليه حلف الناتو
هناك، ووصل إليه الأمريكيون ذاتهم الذين ورطوا حلف الناتو ولم
يستطيعوا به أو بغيره أن يفعلوا شيئاً.
مأزق أمريكي أطلسي...
- كان عدد قوات الناتو في البداية محدوداً، وكان مقدراً لها أن تقوم
بدور في الإعمار وليس القتال ولكنها تورطت شيئاً فشيئاً في القتال،
ولم تعد قادرة على حسم المعركة لصالحها ولا الانسحاب الآمن من هناك،
لأن الانسحاب أصبح يعني شهادة وفاة لحلف الناتو، وخطر على الحضارة
الغربية برمتها كما اعترف بذلك "هنري كيسنجر" - وهو حكيم أو أحد حكماء
الغرب الكبار -، الذي قال أن الهزيمة في أفغانستان والعراق تعني خسارة
ثلاثة قرون من التفوق الغربي، وقد قال كلاماً شبيهاً بهذا كل من رئيس
الوزراء البريطاني السابق "توني بلير" وكذا دوائر في مراكز الأبحاث
الأوروبية والغربية، أكثر من هذا فإن الرئيس الأمريكي الجديد باراك
أوباما، والذي جاءت به المؤسسة أصلاً لكي ينقذ الغرب وأمريكا من هزيمة
استراتيجية في العراق وأفغانستان، اعتبر أن المعركة الرئيسية مع
الإرهاب هي في أفغانستان، ومن ثم فإن الفشل الأمريكي أو الانسحاب يعني
فشل أوباما شخصياً وفشل المشروع الأمريكي الجديد برمته، أي هزيمة
أمريكا بجناحيها الذي يمثلهما كل من إدارة جورج بوش السابقة وإدارة
أوباما الحالية!
- أن عدد قوات حلف الناتو شهدت تزايداً كبيراً في سنوات الحرب
عموماً، وسنواتها الأخيرة خصوصاً، وعلى سبيل المثال فإن عدد قوات
الناتو كانت في نوفمبر 2006 حوالي 33 ألفاً من الجنود، ووصلت الآن إلى
62 ألف جندي. وزيادة الجنود تعني أن هناك مزيداً من المصاعب وأن
الأهداف لم تتحقق، بل إن هناك طلبات متزايدة من قادة الناتو لدول
الأعضاء بزيادة عدد جنودها هناك لتصل إلى ضعف القوات الموجودة
حالياً.
- في الإطار نفسه، فإن قائد قوات حلف الناتو الجنرال "ستانلي
ماكريستال"صرح لصحيفة "وول استريت جورنال"الأمريكية أن حركة طالبان
بدأت تمارس نفوذها وقوتها فيما وراء معاقلها في الجنوب، وتشكل تهديداً
مباشراً للمناطق المستقرة في الشمال والغرب، وأن الحركة بدأت في شن
هجمات معقدة تجمع بين استخدام الألغام الأرضية والقنابل وغارات تشنها
مجموعات صغيرة من المقاتلين المسلحين بمستوى متقدم وطالب الرجل بإرسال
45 ألف جندي إضافي للحيلولة دون سيطرة طالبان الكاملة على
أفغانستان.
- يعترف "أنشوني كورديس" مستشار القيادة الأمريكية في كابول أن
القوات الأمريكية والغربية الموجودة حالياً غير كافية، وأن طالبان
تمكنت من توسيع رقعة نفوذها من 30 منطقة عام 2003 إلى 160 منطقة
بنهاية عام 2008.
- أن دول الناتو المشاركة في الحرب ترفض حتى الآن إرسال المزيد من
القوات، بل إن القوات الفرنسية والألمانية الموجودة داخل أفغانستان
ترفض إرسال قواتها إلى المناطق الأكثر خطورة - جنوب أفغانستان مثلاً -
مما يدل على مدى الخطر الذي تمثله طالبان، وعلى تفكك إرادة القوى
المشاركة في قوات الناتو.
- يعتبر قائد القوات الأمريكية في أفغانستان أن الاستراتيجية المتبعة
حالياً هناك غير مجدية، وطالب في تقرير مرفوع للرئيس الأمريكي ضرورة
تغيير تلك الاستراتيجية، وأن هناك ثلاث سنوات على الأقل تنتظر القوات
الأطلسية في أفغانستان.
حرب أوباما الفاشلة...
يعتبر المراقبون أن الفشل الأمريكي في أفغانستان هو بداية النهاية
للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وإذا كانت المؤسسة الأمريكية قد جاءت
بالرئيس باراك أوباما ليحل المشكلة الأمريكية، فإنه في الحقيقة فشل في
ذلك، وهذا يعني أن كل الطرق والوسائل والشخصيات والاتجاهات الأمريكية
غير قادرة على التعامل مع الإرهاب، ولعل هذا الفشل يفسر اهتمام الرئيس
الأمريكي باراك أوباما بتحقيق أي نصر سريع ولو في الجبهة الباكستانية
على طالبان باكستان، وتوريطه للجيش الباكستاني في ذلك رغم كل المخاطر
المحيطة بالموضوع، فهو يريد السيطرة على منطقة الحدود الأفغانية
الباكستانية التي يتصور أن قيادات القاعدة تختفي داخلها، ومن ثم فإن
قتل أو القبض على أحد القيادات الهامة للقاعدة هناك - أسامة بن لادن
أو أيمن الظواهري -، يحقق للرئيس الأمريكي نصراً إعلامياً، يمكن
استخدامه قبل الانتخابات الأمريكية للكونجرس التي تحل قريباً، وكذا
يمكن استخدامها في إقناع الأمريكيين بجدوى تلك الحرب، خاصة أن الأصوات
بدأت تعلو مطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ولكن هذا
الأمر المشكوك في تحققه أصلاً، يعني تفكيك باكستان وتقسيمها، وهو أمر
خطير على المستوى الاستراتيجي على استراتيجية الولايات المتحدة في
المنطقة...
حيث أن الفوضى في تلك المنطقة تعني المزيد من الإرهاب وبصورة غير
مسبوقة، ولعلنا لا نضيف جديداً إذا قلنا أن القضاء على طالبان باكستان
ليس أمراً سهلاً، بل إنها تنفذ عملياتها ضد الإمدادات الأمريكية عن
طريق باكستان حتى الآن، وآخرها ما حدث في نهاية أغسطس الماضي!!
ومعنى هذا أن على أمريكا البحث عن طريق آخر لتوصيل الإمدادات لقواتها
في أفغانستان، عن طريق روسيا مثلاً، وهو أمر يضعف أمريكا في الملفات
العالقة مع روسيا، ولعل هذه إيجابية لطالبان لحساب موسكو!!
طالبان تزداد قوة...
إذا أخذنا في اعتبارنا عدد العمليات ونوعياتها التي تقوم بها طالبان
في أفغانستان، وبقراءة إحصائيات عدد الجنود القتلى منذ عام 2001 وحتى
الآن، نجد أن هناك تصاعد سريع جداً في عدد القتلى والجرحى الغربيين
والأمريكيين، وأن هذه الأرقام تتضاعف في السنوات الأخيرة، وكذا عدد
العمليات التي تنفذها طالبان ومستواها، من إقامة الكمائن إلى تحرير
المناطق إلى تحرير الأسرى، إلى ضرب القصر الرئاسي، إلى قصف القواعد
الأمريكية، إلى الألغام الأرضية، إلى قطع الإمدادات... الخ...
وهذا يعني تصاعد حركة طالبان وزيادة قوتها يوماً بعد يوم، بل وفشل كل
العمليات التي كانت تستهدف استئصالها أو إضعافها، "آخرها عملية
الجنجر".
ويعترف الجنرال ديفيد بيترايوس بأن الوضع الأمني في أفغانستان يتدهور
وأن الأعداء يحققون مكاسب، وأن شهر أغسطس 2009 كان الشهر الأكثر دموية
في تاريخ القوات الأمريكية في أفغانستان، وحسب الأرقام الرسمية فإن 46
جندياً أمريكياً قد قتلوا هذا الشهر ليصل عدد القوات الأمريكية
المقتولة حتى أغسطس 2009 إلى حوالي 796 جندياً، وهي أرقام تصل إلى
الحدود الخطيرة غير المحتملة بالنسبة للرأي العام الأمريكي، خاصة أن
هناك أعداداً متزايدة من القتلى البريطانيين والألمان والفرنسيين
والهولنديين والكنديين وغيرهم، وكذا القتلى غير المرصودين من الشركات
الأمنية التي يستأجرها الناتو للقيام بأعمال الحراسة مثلاً.
وعلى الجانب السياسي فإن نفوذ طالبان يزداد قوة داخل أفغانستان وعلى
حسب النتائج المعلنة في الانتخابات - وهي مزورة - فإن عدد الذين خاضوا
الانتخابات كان كبيراً، الأمر الذي يعني وجود اقتناع شعبي بأن طالبان
هي الممثل الحقيقي للشعب الأفغاني وليس حكومة القصر الرئاسي في كابول،
وكذا فإن وقائع التزوير سواء في الإعداد للانتخابات وتعيين أنصار
كرازي في رئاسة اللجان الانتخابية، والتلاعب في عملية التصويت
والنتائج، الأمر الذي رصده المراقبون وأدى إلى تشكيك المرشحين للرئاسة
في العملية برمتها، كل هذا يؤدي إلى المزيد من ضعف النظام الحاكم وعدم
شرعيته، وكذا يؤكد زيف الإدعاء الأمريكي والغربي عن الرغبة في تحقيق
ديمقراطية مزعومة وانتخابات نزيهة خصوصاً مع تواطؤ هؤلاء مع عمليات
التزوير وقبولهم بها!! وهو أمر يفقد الغرب مصداقيته، ويفقد الرئيس
أوباما شخصياً كل بريقه أمام العالم عموماً، والعالم الإسلامي
خصوصاً...
وفي كل الأحوال فإن المحصلة أن طالبان تزداد قوة على الصعيدين
السياسي والعسكري، وأن الهزيمة قد لحقت بالفعل بالغرب كل الغرب وليس
أمريكا وحدها في أفغانستان.
الهزيمة في أفغانستان أخطر من الهزيمة في
العراق...
الهزيمة الأمريكية والغربية في أفغانستان ستكون لها تداعيات خطيرة
على الغرب وأمريكا، وهي أفدح من الهزيمة الأمريكية في العراق، لعدة
أسباب منها:
- أن الحرب على أفغانستان قد حظيت برضا كل الفرقاء الغربيين بلا
استثناء، وشارك هؤلاء جميعاً فيها بقواتهم، على عكس العراق التي عارض
البعض في خوضها.
- أن باراك أوباما شخصياً اعتبر أن المعركة الرئيسية في الحرب على
الإرهاب هي في أفغانستان.
- أن طالبان تمتلك امتدادات إقليمية في دول الجوار، وتمتلك حاضنة
شعبية مواتية، بعكس المقاومة العراقية التي تعاني من حاضنة شعبية
مفككة، ووضع طائفي معقد، ووضع إقليمي شديد التعقيد وليس في صالحها
عموماً...
ومن ثم فإن انتصار المقاومة العراقية لن يكون ذات أبعاد مستقبلية
خطيرة، فهناك الفتنة الطائفية وهناك النفوذ الإيراني، وهناك تفكك
وانقسام حركات المقاومة العراقية ذاتها، بعكس طالبان المتماسكة، والتي
لها قيادة واحدة مُعترف بشرعيتها، وحاضنة وطنية وإقليمية
مواتية...
ومن ثم فإن انتصار طالبان سيكون له بعده على المستوى الإقليمي، بل
والعالمي.
20/9/1430 هـ
- التصنيف: