يا زوار الحرمين
والمسافرُ لهذه البقاع المقدّسة، لا تُخطئ عينُه الكثيرَ من المشاهد التي ينشرح لها الصدر، وهي الأصل والأكثر بحمد الله، ولكن يعكِّر على ذلك بعضُ الأمور التي يَحسن التنبيه عليها؛ لتكون الزيارة محقِّقة لمرادها، وحائزةً أكبر مغانمها..
يَحُثُّ كثيرٌ من المسلمين الخطى ـ وفي شهر رمضان بالذات ـ نحو الحرمين الشريفين؛ ابتغاء الأجر والمثوبة، لما استقر مِن أن ثواب العمل في رمضان أكثر من غيره، فيجتمع لقاصدهما شرفُ الزمان والمكان.
والمسافرُ لهذه البقاع المقدّسة، لا تُخطئ عينُه الكثيرَ من المشاهد التي ينشرح لها الصدر، وهي الأصل والأكثر بحمد الله، ولكن يعكِّر على ذلك بعضُ الأمور التي يَحسن التنبيه عليها؛ لتكون الزيارة محقِّقة لمرادها، وحائزةً أكبر مغانمها، ومن ذلك:
- إحسانُ القصد والنية عند العزم على السفر لهذه البقاع، وألا يكون الغرضُ المباهاة، أو التقليد، أو مجرد تزجية الأوقات مع الأصحاب، أو لغيرها من المقاصد الدنيوية المحضة؛ فإن العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف عبادة، ولا بد فيها من النية لتُقبل: « » (صحيح البخاري ح [1]، صحيح مسلم ح [1907]).
- يلاحَظ أن بعضَ الناسِ قد يسافر ويترك أولادَه المراهقين أو الصغار في بلده ليعتكف أو يصلي في الحرمين عدّةَ أيام، دون أن يكون عليهم رقيبٌ أو متابِع من أهل البيت! مما يترتب عليه ضياعُهم أو فسادُهم، وهذا تصرفٌ بعيد من الفقه؛ فالعمرةُ والصلاةُ هناك مستحبة، ورعايةُ الأهل والأولاد واجبة: «صحيح البخاري ح [893]، صحيح مسلم ح [1829]).
» (- ومن الناس من يذهب بعائلته هناك، لكنه ينشغل بخاصة نفسه وتعبُّده، ويترك أهلَه ويُهمل متابعتَهم - خاصةً المراهقين منهم - ومثل هؤلاء قد يتسبّبون في أذية غيرهم في أسواقهم وغيرها، فيكون الوالدُ شريكاً في الإثم بسبب تقصيره في المتابعة.
- بعض النساء ـ هداهن الله ـ تتهاون باللباس الشرعي عند سفرها لهذه البقاع؛ فمنهن من تلبسُ الضيقَ الذي يَصِف حدودَ الجسم، ومنهن مَن تخرج متزيِّنة متعطِّرة، ومنهن من تلبس عباءةً مليئة بالزينة، حتى إنها لتحتاج إلى عباءة أخرى تَستُرها، ومنهن إذا دخلت متجرًا أو محلاً لشراء سلعة تتحدث مع الرجل الأجنبي عنها بلغة جريئةٍ وكأنه أحد محارمها! بل ربما وقع شيءٌ من الخضوع بالقول، أو الضحك!
وكل ما سبق لا يشك عاقلٌ أنه من دواعي الفتنة، وموجبات الشر والفساد، وهو محرّم في كل زمان ومكان، لكنه في هذه البقاع أشدّ، والله تعالى خاطبَ أطهر جيل من النساء والرجال عرفته الدنيا، فقال: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب من الآيتين: 32-33]، فكيف بعصرنا هذا الذي كثُرت فيه دواعي الشر، وأسبابُ الفتنة! فلتتق اللهَ تعالى المرأةُ المسلمة، ولا تكن سبباً في فتنة الرجال والشباب خصوصاً، فترجع بالوزر قبل الأجر، ولهذا كان من المسائل المحكَمَة: أن صلاة المرأة في بيتها الذي تسكنه - ولو كان مستأجراً في الحرمين - أفضلُ من صلاتها في الحرم، ومع هذا فإذا أرادت أن تخرج فلتخرج بحجابها الشرعي الكامل، غير متعطرة، ولا متزينة، ولا فاتنة أو مفتونة.
- ومما يلاحَظ على بعض زوار الحرمين ـ وفقهم الله ـ التقصير في التفقه في أحكام العمرة، مع كثرة الوسائل المعيْنة على ذلك في عصر الأجهزة الكفيّة، فترى المفتين تتكرّر عليهم بضعةُ أسئلة من مئات المستفتين تدور على أحكام واضحة، وسهلة الفهم، ويمكن تناولها من المصادر المكتوبة أو المسموعة أو المشاهدة، فعلى مَن قصد مكةَ - للعمرة بالذات - أن يجتهد في قراءةِ صفة العمرة، والإحرام من الميقات، وكيف يطوف ويسعى، وكيف يقص شعره، ومتى يحرم من الطائرة، ونحوها من الأحكام التي تناولها المؤلِّفون في مناسك الحج والعمرة.
- على من وفّقه اللهُ للعمل في رحلته إلى الحرمين أن يكتم ما وُفّقَ له، ولا يتحدّث بذلك؛ فإن هذا عملٌ صالح، والحديث عنه قد يُبطله بسبب العُجْبُ أو الرياء، بل يكتم، وعسى الله أن يتقبل ويغفر التقصير والزلل؛ فإن العبد مهما بلغ في تجويد عبادته، فالتقصير لا بد منه، وقد قالت الملائكة الساجدون، الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون: "سبحانك ربنا! ما عبدناك حق عبادتك" (المستدرك ح[4502])، والله المستعان.
عمر بن عبد الله المقبل
الأستاذ المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم.
- التصنيف:
- المصدر: