السِّمْط الجامع لما يَعِنُّ من خاطر لامع - 54- تفسير مُحـــــــــبّ!!

منذ 2016-07-15

" فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له, الملك الرحمن. فله الحمد والشكر, أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا" * وكانت تلك الكلمات مسك الختام من الشيخ رحمه الله تعالى !!

  ما قرأت في تفسير السعدي- قط- إلا وتملكني شعور بأن ذلك التفسير: (( تفسير مُحِبّ )) لماذا؟
- لأن الشيخ- رحمه الله تعالى - يبذل الجهد ويستفرغ الوسع في بث حب الله في قلوب عباده: فإذا تأملت كلماته وتعبيراته المستخدمة في تفسيره تجدها  تفيض محبة للربّ سبحانه!

فمثلا -كثيرا- ما  يصدّر الشيخ - رحمه الله تعالى - كلامه عن الأوامر والنواهي بقوله: "امتن الله علينا فأمرنا بــ  أوامتن سبحانه على عباده فنهاهم عن كذا لطفا بهم أورحمة بهم أوما شابهها من تعبيرات رائقة تفيض محبة للإله سبحانه في علاه"

تأملوا - فضلا - :كيف يعبر - رحمه الله تعالى- عن التكاليف التي يعتبرها الكثيرون- لا أبرّئ نفسي - قيودا وموانع وحدودا وأعباء يستثقلونها بأنهــا: منن ونعم وألطاف يتفضل بها سبحانه على عباده لطفا بهم ومحبة لهم ورحمة  تسعهم ... سبحان الله: تأملوا حين يختلف المنظور، كيف تنقلب في القلوب كل الأمور؟ فبدل أن نراها  تكاليفا وقيودا ومحاذير، نراها نعما وألطافا ورحمة من رب واسع وكبير !
كيف يؤثر اختلاف المنظورفي عميق القلوب؛ فتقبل النفوس والجوارح على العمل رغبة ومحبة وإرضاء لذلك المحبوب: تقف على الباب تعمل بالخدمة مقبلة خاضعة بمحبة بين يدي ذي الجلال والمنة ؛ لاعتقادها أن  التكاليف إن هي إلا رحمات من الرءوف  تترى !

هاجت في صدري تلكم المعاني حين كنت أقرأ تفسيره في إحدى الليالي قال تعالى :
 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }  البقرة :  172 - 173

قال السعدي في تفسيره :
"وإنما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها, لطفا بنا, وتنزيها عن المضر، ومع هذا ( فَمَنِ اضْطُرَّ ) أي: ألجئ إلى المحرم, بجوع وعدم, أو إكراه، ( غَيْرَ بَاغٍ ) أي: غير طالب للمحرم, مع قدرته على الحلال, أو مع عدم جوعه، ( وَلا عَادٍ ) أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له, اضطرارا، فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها، ( فَلا إِثْمَ ) [أي: جناح] عليه، وإذا ارتفع الجناح الإثم رجع الأمر إلى ما كان عليه،والإنسان بهذه الحالة, مأمور بالأكل, بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة, وأن يقتل نفسه. فيجب, إذًا عليه الأكل, ويأثم إن ترك الأكل حتى مات, فيكون قاتلا لنفسه. وهذه الإباحة والتوسعة, من رحمته تعالى بعباده, فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين, وكان الإنسان في هذه الحالة, ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها - أخبر تعالى أنه غفور, فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال, خصوصا وقد غلبته الضرورة, وأذهبت حواسه المشقة. وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة: " الضرورات تبيح المحظورات "فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له, الملك الرحمن. فله الحمد والشكر, أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا."

تأملوا فضلا الكلمات ذات الخط المميز ، واستشعروا كيف أنه ( تفسير محب )  يرغبّ الخلق في طاعة الخالق، يبث حب الربّ في  كل قلب ! ولنفند بعض العبارات :

1-"وإنما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها, لطفا بنا, وتنزيها عن المضر" *إذن هو نهانا عنها لصالحنا أولا!
 

2-"فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها، ( فَلا إِثْمَ ) [أي: جناح]"* ثم رفع الإثم عن غير الممتثل للنهي لوجود ضرورة فضلا منه سبحانه!

3-"والإنسان بهذه الحالة, مأمور بالأكل, بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة, وأن يقتل نفسه .فيجب, إذًا عليه الأكل, ويأثم إن ترك الأكل حتى مات, فيكون قاتلا لنفسه" * ثم  زاد فثلث بأن تارك الأكل حال الضرورة تورعا آثم ؛ لأنه يُهلك نفسه والله شرع له ما يرحمه من الهلكة فلِمَ التورع في غير محله !!!**   فلو كان النهي أو الأمر من الله غايته محض التكليف من الإله لخلقه وعباده، لما أثّم من أهلك نفسه متمسكا بأصل الحرمة ،ولكن الغاية من الأمر والنهي التكليف بما يحقق صالح الخلق وما فيه لهم  الرفق ... .

4-"وهذه الإباحة والتوسعة, من رحمته تعالى بعباده"* يتبع التكليف إذا تعذّر توسعة ورحمة من الإله سبحانه ..!
5- "فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: ( إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )" * فأي مغفرة وأي رحمة سبحانه !!!
6- "ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين, وكان الإنسان في هذه الحالة, ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها أخبر تعالى أنه غفور, فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال, خصوصا وقد غلبته الضرورة, وأذهبت حواسه المشقة."* يعلم  سبحانه: أن بعض عباده قد يتعدى الحد لاضطرابه فيغفر له دون طلب من العبد للمغفرة، بل لعل العبد لم يستشعر - أصلا - أنه تعدى أوارتكب ما يتطلب المغفرة!!

7-" فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له, الملك الرحمن. فله الحمد والشكر, أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا" * وكانت تلك الكلمات مسك الختام من الشيخ رحمه الله تعالى !!


ألم أقل: إنه ( تفسير محبّ )!!!.


  

المقال السابق
55- اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنّـا
المقال التالي
56- احذر هذا الخلط !!