ماذا تفعل لو كنت مكانه ؟
منذ 2010-08-03
تصور نفسك شيخ محترم تجمع بين الرسوخ في العلم والإحاطة بالواقع، تصور نفسك عالم جليل دينك شحمك ولحمك، ووطنك وناسك قطعة منك، تؤمن أنه لا اجتهاد مع النص، وأن العقل مهما بلغ لا يصلح أن يقدم على الوحي ...
الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد..
تصور نفسك شيخ محترم تجمع بين الرسوخ في العلم والإحاطة بالواقع، تصور نفسك عالم جليل دينك شحمك ولحمك، ووطنك وناسك قطعة منك، تؤمن أنه {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا } [النساء:65] وتؤمن أنه { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، تؤمن أنه لا اجتهاد مع النص، وأن العقل مهما بلغ لا يصلح أن يقدم على الوحي لأن العقول تتفاوت بل عقل الشخص الواحد يتغير بالتجارب، وأن الشرع أحاط بحاجات العباد، وأن { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة:3]، وأنه فرق بين التشدد وبين الالتزام التام بأحكام الشرع.
تؤمن بهذا كله وتسلم له وبه، وفي نفس الوقت تؤمن بحتمية تجديد الخطاب الديني - تجديد لا تبديد - وأن يقوم بهذا أهل العلم الحقيقيون الذين لا يبغون إلا وجه الله تؤمن بحتمية تجديد الخطاب الديني تجديداً من حيث الشكل لا من حيث المضمون تجديداً في اللغة والأدوات تجديداً يراعي طبيعة الوقت ويحترم خصائص العصر دون أن يمس بالثوابت.
تؤمن بفقه الأولويات وقوة الواقع، وأن الأمة تحتاج إلى عالم رباني يغوص في بطن الكتب وينخلها نخلاً فيخرج لنا فقهاً لا يصادم الشرع ولا يعكر الواقع .
تصور نفسك تؤمن بكل هذا وتدركه جيداً وتطبقه في الواقع ثم وبينما أنت كذلك إذ طلع عليك شاب مسلم كان تائهاً في دروب الحياة لا يعرف لماذا خُلق ولا عن أي شيء سيُسأل فمَّن الله عليه وحَبَّب له السير في طريق الطاعة فسـأل عن المطلوب فقالوا له أول ما تفعل أن تحافظ على الصلاة، فقال علموني قالوا: اذهب إلى فلان يعلمك ويرشدك ويأخذ بيدك، فجاءك يمشي على استحياء، وبينما أنت مستحضر لكل معاني التنوير والحداثة، وفقه الواقع والأولويات، وتعطيل طاقات الأمة والانشغال بما لا ينفع وأن الأمة مسبوقة في كل مناحي الحياة، وكذلك تعلم أن أفراد الطابور الخامس يقعدون من أهل العلم مقاعد للسمع يخطفون الكلمة من كلام أهل العلم فينزعونها من سياقها ثم يطيرون بها كل مطار.
بينما أنت في قمة الحذر والحيطة فاجأك هذا الشاب المسلم بسؤال مباغت عن أحكام دخول الخلاء هل يدخل بالقدم اليسرى أم باليمنى؟
وقبل أن تفيق من الصدمة باغتك بسؤال عن حكم مس العورة هل ينقض الوضوء أم لا؟ ثم طعنك في قلبك فسألك سؤالاً في أحكام الحيض ليرجع بالإجابة إلى زوجته!!!!
جاءتك الأسئلة في مقتل ودارت بك الأرض، ماذا أفعل؟ أليست هذه هي ذات الأسئلة التي يزعم التنويريون أنها عطلت الأمة وبددت طاقاتها، لو لم تكن الأمة انشغلت بهذه الأسئلة ما غابت الجامعات المصرية عن كل التصنيفات المحترمة ولا غابت الصناعة المصرية حتى عن فانوس رمضان، ولا أصبحت مصر تستورد القمح من السعودية لولا هذه الأسئلة لكانت مصر شيئاً آخر.
كان العرب قبل الإسلام لا وزن لهم ولا قيمة لهم، فلما جاء الإسلام ملكوا الدنيا في عشر سنوات لأنهم لم يسألوا قط عن مس الذكر ولا دخول الخلاء ولا أحكام الحيض والنفاس، تراهم كيف كانوا يصلون إذن؟
الحقيقة التي لا تحتاج إلى برهان أنه لو دخل المسلمون دورات المياه بشمالهم لتعطلت الحياة ولتخلفت مصر، ولو تعلم المسلم أحكام الطهارة لانهارت مصر، ولو تعلمت المرأة كيف تتطهر من الحيض والنفاس لضاع المجتمع.
لا يمكن لرجل عصري أن يجمع بين النقيضين، دخول الحمام برجله اليسرى والصعود للقمر لأن مركبات الفضاء مصممة بحيث لا يدخلها إلا من لا يهتم بأي رجل يدخل بها الحمام إن الذي يدخل الحمام باليسرى أو التي تتعلم أحكام الحيض والنفاس هم أشخاص لايصلحون لأي نهضة لأن هذه الأحكام تحتاج عشرات السنوات من التفرغ الكامل لتعلمها، فضلا عن أن تنفيذها يضيع نصف اليوم لأن الإنسان العادي يقضي نصف اليوم في مشاوير إلى الحمام.
سبحان الله يحترمون الدقة في كل شيء، ويثنون على الشخص الذي يهتم بالتفاصيل وكلما أغرق فيها اعتبروه عبقرياً، فإذا أراد أن يتعلم أحكام يتوقف عليها مستقبله الحقيقي والأبدي في الدار الآخرة مقتوه وسخروا منه.
رجل مسلم جاء يسأل الشيخ الغزالي - رحمه الله - عن حكم مس العورة هل ينقض الوضوء فنظر إليه الشيخ غاضباً وقال له: ماذا تعمل؟ قال: أنا صيدلي، فنهره الشيخ قائلا له: بدلاً من أن تسأل عن هذا اذهب فاجعل الدواء الذي في صيدليتك من صنع يدك!!!
يا للعجب!!! ألا يمكن أن يصبح الدواء من صنع يده إلا إذا جهل بحكم الوضوء إذا مست هذه اليد عورته؟؟
ألا يمكن أن تكون الإجابة أن مس العورة لا ينقض الوضوء إلا إذا كان بشهوة، وأوصيك يا بني أن تبذل غاية ما تستطيع لتحول هذه الأدوية إلى صناعة وطنية لتستغنى عن هؤلاء؟
أليست هذه إجابة مثالية تحفظ الأخرة وترتقي بالدنيا!؟
ما هي جريمة هذا الشاب الذي علم أن الصلاة هي ذروة سنام هذا الدين وهي قبته وهي أول ما يسأل عنه العبد وأنها لو صلحت فقد صلح ونجا.
علم هذا الشاب أن الصلاة هي أهم شيء في حياة المسلم وأنها الفرق بين الإسلام والكفر، فلما ذهب يصلي علم أنه لابد أن يتعلم آداب قضاء الحاجة، ثم إن هذا الشاب علم أنه لو جاء يوم القيامة وقد صلى كما ينبغي وأقام الصلاة كما أمر لكان هذا هو الفوز المبين، وأنه وإن كان من العار في الدنيا أن يكون طعامنا وشرابنا وكل ما حولنا من صنع غيرنا لكنه في النهاية نجا لما جاء بصلاة وصيام وزكاة أتقن أحكامهم وأحسن أداءهم؟؟
ما هي جريمة من أطاع الله ورسوله وسأل أهل الذكر عن أحكام الحيض والنفاس والاستنجاء ووضع اليدين في الصلاة ورضاع الكبير والاختلاط؟
في كأس العالم الأخيرة كان الناس يقضون أيامهم بلياليها أما التليفزيون ليس فقط لمشاهدة المباريات بل لمتابعة التحليلات والتغطيات حتى ظهرت إحصائيات عجيبة عن عدد الأهداف المسجلة وكم منها سجل بالرأس وكم هدف سجل بعد الدقيقة الستين وكم مرة لعب هذا الفريق في هذا التاريخ، إحصائيات بالغة الدقة اعتبرها المراقبون دليلاً على الدقة والإجادة ولم يخرج علينا من يقول أنها عطلت الأمة - مع أنها عطلت - والتقارير التي تنشر عن الخسائر الإقتصادية التي تسببها بطولة واحدة يشيب من هولها الولدان.
أفاق الشيخ المحترم من صدمته على صوت الشاب المسلم يردد عليها نفس الأسئلة فأسقط في يده وقرر أن يرسل لكل تنويري وحداثي منصف في العالم بسؤال: ماذا تفعل لو كنت مكاني؟
أخالف ديني الذي هو أغلى من حياتي؟ أبدل أحكام الله؟ أكتم العلم؟ أم أقول الحقيقة التي هي بمقاييس العقل لا تعارض بينها وبين كل ما تنشدون أيها المنصفون؟
دعونا نعلم الناس أحكام الشرع وهي بالمناسبة لمن يتعلم ليقيم دين نفسه لا تحتاج أكثر من درس أسبوعي لمدة عام على الأكثر دعونا نعلمهم أحكام الشرع ولو في أوقات الراحة بين دروس التنمية والنهضة، دعونا نفعل ذلك وعلموهم أنتم النهضة والحضارة والصناعة والتقدم بشرط أن تكون نهضة حقيقية وإلا فنحن لم نظهر إلا منذ سنوات وقبلها كان الناس لكم وحدكم فلا نهضة قدمتم ولا رقياً حققتم.
خالد الشافعي
kaledshafey@yahoo.com
المصدر: خالد الشافعي - خاص بموقع طريق الإسلام
خالد الشافعي
داعية مصري سلفي
- التصنيف: