ثلاثون يوماً في الجنة

منذ 2010-08-14

إخواني الكرام أدعو نفسي وإيّاكم في رمضان القادم أن نحوّل عذاب التكاليف إلى لذّة، ومشقّة الطّاعة إلى متعة، أن تتحوّل الرغبة في الاستمتاع برمضان إلى رغبةٍ عارمة..



الحمد لله ربّ العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحقّ وهو يهدي السبيل، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أمّا بعد، فمساكينُ أهلِ الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أجمل ما فيها، ولو أنّ الملوك وأبناء الملوك يعلمون ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، وإنّ المرء أحياناً تمرّ به لحظاتٌ يقول لو أنّ أهل الجنة فيما نحن فيه إنّهم لفي عيش طيّب، فلا عيش إلا عيش الآخرة، و{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، و{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ } [طه:124]، و{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].


لفت نظري ونحن نحاول أن نحرّك الناس ليتعاملوا مع رمضان بطريقةٍ مختلفةٍ وينظروا إليه نظرةً مغايرةً بحيث يتحقق من ورائه ما لأجله شرع، أقول لفت نظري معنى عجيب! أيحتاج الحق إلى كلّ هذه البراهين؟ أو عاقلٌ يخفى عليه هذا؟ أو عاقلٌ يحتاج أن يُقالَ له ما أجمل الطاعة، وما أروع أن تعيش في معيّة الله، وما ألذّ الذكر، وما أهنأ الطائعين؟ أيحتاج عاقلٌ في هذا الزمان الذي ضغطت فيه الحياة المادية بقسوتها على أعصاب الخلق حتى صار الاكتئاب حالةً عامةً، وأثبتت فيه الدنيا لطلابها أنها لا تسوى ولا تستحق، وأنها لا تزيد أبنائها إلا همّاً وغمّاُ ونكداً، أيحتاج العاقل أن يُقال له لا ملاذ لك إلا ربّك، ولا أمل لك إلا في طاعته، ولا مخرج لك إلا بيده؟


أصحاب الهمم الخارقة في الكرة والغناء والموضة ولقمة العيش ومستقبل الأولاد ماذا جنوا؟ ماذا حصدوا؟

آه لو ذاق الخلق حلاوة الطريق ما نكصوا ولا تنكبوا ولو قُرِضُوا بالمقاريض.

لو ذاق الخلق حلاوة الصّلاة لقالوا كما قال واحدٌ من أبناء الزمن الجميل: ما دخل وقت صلاة حتى اشتقت إليها، بل لربما قال: أرحنا بها يا بلال، ولربما فهم: وجُعلت قرّة عيني في الصّلاة، ولقال: أشتهي أن أقوم حتى أشتكي.

لو ذاق حلاوةَ العطشِ لله، وحلاوة أن يُخرج من أنفسِ أموالِه لله، لو ذقنا لكنّا ناساً غير الناس وخلقاً غير الخلق، لو ذقنا.


فليكن الهدف في رمضان أن نذوق حلاوة الصّلاة والصّيام والقيام والقرآن، أن نذوق حلاوة الأنس بالله في السّحر، حلاوة ترك الغيبة، وغضّ البصر، وكظم الغيظ، وطول الصمت، وإدمان الذكر.

فليكن رمضان محاولةً لأن نذوق أحلى ما في الدنيا، نعم مساكين أهل الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أجمل ما فيها، تصوّر أخي الكريم رجلٌ مات وهو في السبعين من عمره ذاق كلّ حلاوات الدنيا، ذاق حلاوة المنصب، وحلاوة المال، وحلاوة الذريّة، وحلاوة الشهرة، وحلاوة الزوجة، وخرج من الدنيا دون أن يستمتع بالصّلاة مرّة واحدة، بل ربما دون أن يستمتع بأن يفهم لماذا يصلّي، خرج من الدنيا دون أن يستمتع بحلاوة البكاء من خشية الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله.


إخواني الكرام أدعو نفسي وإيّاكم في رمضان أن نحوّل عذاب التكاليف إلى لذّة، ومشقّة الطّاعة إلى متعة، أن تتحوّل الرغبة في الاستمتاع برمضان إلى رغبةٍ عارمة.

أدعو نفسي وإيّاكم إلى أن نعيش أيّام رمضان كأنّنا نعيش -ثلاثين يوماً فى الجنّة- ففي الدّنيا جنّة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
 
خالد الشافعي
kaledshafey@yahoo.com
المصدر: خالد الشافعي - خاص بموقع طريق الإسلام

خالد الشافعي

داعية مصري سلفي