سنوات عجاف ولا يوسف لها
الأزمات ليس لها بعد الله إلا الصالحون المصلحون أصحاب الأيدي المتوضئة الطاهرة الشريفة النقية المشهود لها بمحاسن الأخلاق ونظافة اليد والعفة وحسن السمعة والضمير الحي ومحاربة الفساد والسعي في قضاء حوائج الناس وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة
أُصيبت مصر بسبع عجاف، أزمة اقتصادية طاحنة رغم ما وهبها الله من نعم وخيرات وجنات وثروات جعلتها يومًا منقذة الجزيرة العربية في عام الرمادة وسلة غذاء العالم في كثير من الأحيان، فهيأ الله لمصر الصديق يوسف صلى الله عليه سلم ليخرجها من إلى بر الأمان {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] برغم الظلم الذي وقع عليه من حكام مصر وبرغم أنه أُوذي في عرضه وشرفه وعفته ولُفقت له قضية آداب مخلة بالشرف وسجن ظلماً وعدواناً، وشهد شاهد من أهلها وظهرت براءته أكثر من مرة على يد العدو والصديق والمحايد وعلم القاصي والداني بمدى الجور الواقع عليه، ومع ذلك أصروا على تنفيذ جريمتهم النكراء {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ} [يوسف:35].
ثم خرج من السجن دون تنازل ولا تراجع في مبادئه وقيمه، خرج بفضل الله وحده وحين أراد الله وحده ذلك، فلم ينتقم ولم يسب ولم يلعن ولم ينزوي أو يهاجر وإنما عمل بجد واجتهاد وبذل وتضحية حتى وقفت مصر على قدميها وكانت منقذة لأهلها وجيرانها بفضل الله أولاً ثم بفضل مشروع الخير للجميع الذي حمله يوسف صلى الله عليه وسلم على كاهله وجعل الأمة كلها تتعاون في تنفيذه والاشتراك فيه وجني ثماره.
فمكن الله ليوسف صلى الله عليه وسلم في الأرض مرتين، الأولى عندما نجا من مكر إخوته في الجب ووصل إلى عزيز مصر {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} [يوسف:21] فكان ذلك تمكيناً لشخص يوسف صلى الله عليه وسلم بالنجاة والحفظ والأمان.
والثانية كانت تمكيناً للمشروع الذين يتبناه يوسف صلى الله عليه وسلم بإقامة العدل بين الناس وحل المعضلة والأزمة الاقتصادية الطاحنة وحفظ البلاد والعباد من الهلاك وذلك بخروجه من السجن إلى الحكم {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ . وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:55-56].
فهل يُعيد التاريخ نفسه في هذه الأزمات المستمرة التي تمر بها البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وثقافيًا، وما أشبة الليلة بالبارحة.
فالأزمات ليس لها بعد الله إلا الصالحون المصلحون أصحاب الأيدي المتوضئة الطاهرة الشريفة النقية المشهود لها بمحاسن الأخلاق ونظافة اليد والعفة وحسن السمعة والضمير الحي ومحاربة الفساد والسعي في قضاء حوائج الناس وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وحفظ المال العام وصاحبة الخبرة والكفاءة والعلم والأمانة ولا يسألون الناس جزاءً ولا شكوراً فيخرجوا البلاد والعباد إلى بر الأمان ويغرسوا بذور الأمل من جديد، وقد كتب الله تعالى {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس من الآية:81] {وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52].
وأعتقد أن الله تعالى لن يخزي مصر وأهلها وأنه سبحانه يمهد لأمر عظيم ولا بد له من تضحيات عظام يمهد لدينه ويغرس لدعوته ويحفظ أولياءه وينصر جنوده ويختار لهم خيري الدنيا والآخرة {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5-6].
ولا شك عندي أن الله يبتلي أناسًا بالخوف والجوع ونقص في الأموال والنفس والثمرات وشظف العيش وضيق الرزق وكآبة الحياة جراء ما أجرموا في حق الوطن وأهله، وكم تحدثوا عن بركة الرزق وسعة العيش ووفرة الثمار وحلول البركة في عام واحد حكمه من اتقى الله فيهم ووضع الآخرة نصب عينه.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:96-99].
ماهر إبراهيم جعوان
- التصنيف: