حكم كتابة آيات قرآنية على جسم المريض للتداوي
من الرقاة من يقوم بكتابة آيات من القران الكريم تحت سرة المريض، أو على الجبهة. وقد ورد هذا عن العالمين الجليلين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، ولم أقف على أحدٍ من السلف قال بهذا غيرهما.
من الرقاة من يقوم بكتابة آيات من القران الكريم تحت سرة المريض، أو على الجبهة. وقد ورد هذا عن العالمين الجليلين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، ولم أقف على أحدٍ من السلف قال بهذا غيرهما.
قال ابن القيم رحمه الله [1]: "كان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يكتب على جبهته {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود:44]. وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد فبرأ (كتاب آخر للحمى المثلثة): يكتب على ثلاث ورقات لطاف: باسم الله فرًّت، باسم الله مرَّت، باسم الله (كتاب لوجع الضرس) يكتب على الخد الذي على الوجع: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك:23] (كتاب الخراج) يكتب عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه:105-107]".
وقال ابن باز رحمه الله [2]: "كتابة الآيات لعلاج المريض هذا غير مشروع، لا تعلق عليه ولا تكتب على جسده، كل هذا غير مشروع، إنما المشروع أن يقرأ عليه، ينفث عليه ويدعو له بالشفاء والعافية، يقرأ عليه بعض الآيات على بعض من جسده على يده، على رأسه يدعو له هذا لا بأس".
وقال عبد الرحمن البراك حفظه الله [3]: "لا أعلم في العلاج بكتابة الآيات أو الأدعية على بعض بدن المريض أصلاً من فعل السلف؛ أعني الصحابة والتابعين. ومن يفعل ذلك يعتمد على ما ذكرت عن ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله، ولا أذكر مستنداً لهما من النقل في العلاج بهذه الطريقة. والذي يظهر أن تعويلهما على التجربة وعلم الطب أساسه التجربة.
فإذا ثبت بالتجربة أن كتابة بعض الآيات تنفع في حالات فلا أعلم مانعاً يمنع من كتابتها، وهو يشبه الرقية بالآيات التي تناسب المقام مما لم يرد تخصيصه. ومما يدل على التوسعة في الرقية قوله صلى الله عليه وسلم: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82].
» [4]. ويمكن أن يستدل لذلك أيضاً بالإطلاق في قوله تعالى: {ولكن يجب ألا يترتب على كتابة الآيات على بدن المريض محظور كالامتهان بكتابة الآيات في مواضع غير لائقة كالقبل والدبر والآباط وأسفل القدم، ومن الامتهان كتابتها على الظهر إن كان يستلقي عليه. ينبغي أن يراعى عند غسل الكتابة أن تكون في موضع طاهر. وكذا ترك سبب الجنابة إذا كانت الكتابة باقية، والمبادرة لغسلها إذا حصلت، فإن بقاء الآيات مع الجنابة يتضمن نوعاً من الامتهان" اهـ.
وقال ناصر بن عبد الرحمن الجديع حفظه الله [5]: "والملاحظ أن ابن القيم رحمه الله لم يذكر دليلاً على الجواز لا من الكتاب ولا من السنة ولا فعل السلف سوى ما ذكره عن شيخه رحمه الله؛ لذا فإن الذي أراه في هذه المسألة أنَّ الأولى ترك ذلك الفعل، والاقتصار على الرقية الشرعية الثابتة".
قلت: والذي أرى والله أعلم البعد عن مثل هذا؛ لأنه قد يكون ذريعة إلى شرٍّ عظيم لا يعلمه إلا الله، لاسيما في عصرنا هذا الذي تفشِّى فيه الجهل، وقلَّ فيه الفهم والعلم، ثم إنَّ هذا قد يكون سببًا لامتهان لكتاب الله تعالى. ينبغي ألا نتوسع في باب الرقى كثيرًا؛ حتى لا يؤدي ذلك بنا إلى الوقوع في بدعٍ وضلالاتٍ من حيث لا ندري، وليس كلُّ شيء مجرَّب ونافع نقول بجوازه، والله أعلم.
6 ذو القعدة 1437.
[1] الطب النبوي (ص: 278- 279).
[2] فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (1/ 356).
[3] فتوى في موقع أرشيف أهل الحديث. قلت: نسب البعض للشيخ ابن جبرين أنه أجاز ذلك، وإنما الذي وقفت عليه أنَّ الشيخ رحمه الله وهو يتكلم عن مسألة الكتابة على ورق ثم غسله وشربه ذكر كلام ابن القيم السابق، لا غير.
[4] أخرجه مسلم (2200)، وسبق.
[5] التبرك، أنواعه، وأحكامه (ص 236).
أبو حاتم سعيد القاضي
طالب علم وباحث ماجستير في الشريعة الإسلامية دار العلوم - جامعة القاهرة
- التصنيف: