تحليل نقاط القوة عند الكنيسة المصرية
تتواجد الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ككيان مستقل .. ويظهر أتباعها بهوية مستقلة في المجتمع المصري ، ويخالُ لمن ينظر من بعيد أنها قوة موازية للمجتمع المصري ككل ، بل قوة تفرض إرادتها على المجتمع المصري ...
تتواجد الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ككيان مستقل .. ويظهر أتباعها
بهوية مستقلة في المجتمع المصري ، ويخالُ لمن ينظر من بعيد أنها قوة
موازية للمجتمع المصري ككل ، بل قوة تفرض إرادتها على المجتمع المصري
، وفي هذا المقال نفتش في جنبات المشهد بحثاً عن نقاط القوة التي تتكئ
عليها الكنيسة .
الخارج ؟
هذا أول العوامل تسللاً للذهن ، ربما لقوة (الخارج) وسيطرته ، وفي
الحقيقة أن الخارج أريد له أن يكون عصا يتوكؤون عليها ويضربون بها من
خالفهم ، يتضح هذا من الانتشار المفاجئ للأرثوذكس في الخارج في
سبعينيات القرن الماضي ، ويتضح هذا من تفعيل الخارج لقضايا الداخل ،
حتى تلك القضايا البسيطة التي تحدث في القرى البعيدة .
والسؤال : هل الخارج يعد نقطة قوة حقيقية للكنيسة المصرية؟
أبداً . الخارج ـ كما يبدو لي ـ يمثل تهديداً حقيقاً للداخل في
اتجاهين :
الأول : الاتجاه الديني ، ذلك أن المتابع لأطروحات نصارى الخارج في
فضائياتهم ـ وهي كثيرة ـ يجد أنهم ليسوا على ملَّة الداخل ... ملتهم
الأولى ، أو بالأحرى يرتكبون (هرطقات) ويأتون بنواقض لملة الأرثوذكس
الأقباط ، وأشهر مثال على ذلك هو زكريا بطرس ومرقس عزيز ، فقد انتشر
تسجيل صوتي يتحدث فيه الأنبا بيشوى ـ الرجل الثاني في الكنيسة ـ عن
البروتوستانت المختفين ويسمي منهم زكريا بطرس .
وتأثير البروتوستانتية ـ وهي مذهب الأمريكان ـ في النصارى واضح جداً
، فالذي يبدو أن أولئك الذين بالخارج لن يبقوا بلا تحولات دينية ،
وخاصة أن البروتستانت نشيطون في (التبشير) بدينهم ، وحريصون على
الأقليات هنا وهناك ، بل قد اخترق الخارجُ الداخل بأرثوذكسي آخر موالٍ
له هو الأنبا مكسيموس الأول ، فهو أرثوذكسي يتبع الكنيسة الأرثوذكسية
الأمريكية.
الثاني : الاتجاه المادي ، ويتمثل في ظهور حسابات خاصة للخارج القبطي
، فقد أصبح العمل (التبشيري) مصدر رزق لكثيرين في الخارج ، وبالتالي
هم مع التصعيد وضد أي محاولة لوقف ما يحدث أو التقليل من شأنه
وبالتالي دعم توجه دون توجه داخل الكنيسة ، وبالتالي تكوين تكتلات
حركية موالية ومعادية وبالتالي انشقاقات ودومات تستقطب الجهد بل تهدد
وحدة الصف .
وسياسيوا الخارج (أعني حكومات الدول الأجنبية) مع القوة السياسية
التي تحقق لهم مصلحتهم في الداخل وليسوا مع القوة الدينية المشابهة
لهم أياً كان توصيفها ، وبهذا الاعتبار الأقباط لا يصلحون كبديل
يتعامل معه حكومات الخارج ويتركون الأغالبية السياسية التي هي علمانية
وإسلامية ، ولك أن تلاحظ أن الأقباط لم يطرحوا كبديل للحكومة أو حتى
كمعارضة معترف بها في حين يتدوال اسم "الإخوان المسلمون" من وقت لآخر
. !!
هذا إذا أبعدنا فرضية أن الخارج يتداعى الآن ، وما يحدث في العراق
والصومال والأفغان شاهد عيان .
فهل يعتبر الخارج مصدر قوة ؟؟
إلا في حالة واحدة وهي التحدث لوسائل الإعلام الأجنبية بالكذب عما
يحدث داخل مصر ، ونقل صور مكذوبة عن الخارج للعالم الخارجي وهذه
نستطيع التغلب عليها بالتواجد في ذات المكان والتحدث للناس بحقيقة ما
يحدث وأظننا قد وضعنا قدمنا على الطريق .
شعب الكنيسة
كلما طالبوا بشيء هددوا بتظاهر ألفاً أو ألفين من "شعب الكنيسة" في
بلد بها عشرات الملايين داخل أسوار عالية . والسؤال : هل يمثل "شعب
الكنيسة" نقطة قوة للكنيسة المصرية تستطيع من خلالها تنفيذ ما تريد
؟
أبداً . بل نقطة تهديد خطيرة جداً للكنيسة . يتضح ذلك من بيان عدد من
الأخطاء التاريخية التي وقعت فيها الكنيسة تجعل من شعبها عدواً قد
يعدو عليها بعد حين .
أول هذه النقاط : بث ثقافة مغلوطة عن الإسلام ورسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ لشعب الكنيسة ،فيما عرف بمدارس الأحد ،وفي الفضائيات
التنصيرية وخاصة التي تتبنى خطابا معادياً للإسلام ، وقد أفادت
الكنيسة من هذا بداية بتجييش "شعب الكنيسة " خلفها ضد المسلمين بل وضد
المجتمع ككل حتى تكونت لهم هوية مستقلة موازية لهوية المسلمين وهوية
البلد ( الوطن) . ولكنه مكذوب وقد انكشف الآن كذبه وبدأ الناس يعلمون
أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ غير ما يتكلم به النصارى ، وبدأ
موجات من شعب الكنيسة تترك صف الكنيسة وتتحول للإسلام ، ولا أدل على
ذلك من ظاهرة إسلام زوجات الكهنة ففي هذا أمارة واضحة جداً على أن
الحق ليس هناك ، وكذا أعلن أن الشهر الماضي فقط أشهر أربعون إسلامهم
في الأزهر ، والماتبع يعلم أن في مثل هذه الظروف الصعبة ليس كل من
يسلم أو يحب الإسلام يقدم على المجاهرة بإسلامه ، والمتابع يعلم أن
القوم في مأزق اضطرهم لعقد ما يعرف بـ "مؤتمر تثبيت العقيدة".
ثانيها : تفاقم المشاكل الاجتماعية داخل "شعب الكنيسة"بسبب تشدد
الكنيسة في قضية الطلاق ، ولا يخفى أن النصارى أنفسهم يتحدثون بأن
الأسر التي تشكو أو التي تريد التفتت ( الانفصال) بمئات الآلاف ، وكأن
ليس بينهم هني في بيته .
ثالثها : عوام الناس يبحثون عن الراحة لا عن الجهد والجهاد ،
والكنيسة تجيشهم لصدام و"عصر شهداء" كما قال ويقول مرقص عزيز ، وترسم
لهم صورة قاتمة لا يحبها العامة ، ولا يجدون ما يصبرهم في سبيل
تحقيقها إذ أن مسعروا حربها في الخارج آمنون مطمئنون ، ووقودها "شعب
الكنيسة " أعني في وضع لا يحسدون عليه فهم في موزعون على مستوى
الجمهورية عشرات أو مئات بل أفراد أحياناً ، وفوق ذلك قلة قليلة .
فالحماسة لا تكفي لتجييش أمة هذا حالها لصدام نتائجه محسومة .
والحماسة لا تكفي لتصبير العامي على مشاكل أسرية ومخاوف أمنية ... يمل
.. ثم يهرب مع أول فرصة . إن العامة مع أرزاقها ، وحبهم للحماسة
والمتحمسين دائم ولذا ينخدع بالجماهير بعضهم ، إن استجابة الجماهير
للحماسة وتبعاته مؤقت ولذا يستعملون فقط لتحريك القضايا ، والحشد
المستمر يأتي بنتائج عكسية .
إن عصى الجماهير انكسرت ومن يشك في هذا فليرصد الهجرة آلاف الأسر
التي بالمحاكم تريد طلاقاً مدنيا ، ويرصد الهجرة الجامعية للطوائف
الأخرى ، ويرصد النشاط الإنجليي وغيره داخل "شعب الكنيسة" ويرصد موجات
التحول للإسلام ، وقبل ذلك يرصد حالة الاضطراب مما يحدث لـ "شعب
الكنيسة" مما أدى بهم إلى تكوين فعليات لتثبيت العقيدة .
الدولة ؟
يبدو لبعضهم أن الدولة مع النصارى ، أو على الأقل أن الدولة لا تمثل
عقبة في تنفيذ طلب للنصارى ، فهي على ما يريدون ، إن طالبوا بامرأة
أخذتها وردتها لهم ، وإن غاظهم قانون
وهذا شعور عند الفرد النصراني يتضح في هتافاتهم في أحداث الشغب التي
يثيرونها داخل جدران الكنيسة فمرة نادوا على رئيس الدولة ( يا مبارك
ساكت ليه .. انت معاهم ولا إيه ) .
والدولة مع أمنها واستقرارها ، وحين غياب البديل الذي يضغط عليها أو
ترى معه مصلحتها أو سكت عن حقه انحازلوا لهؤلاء ، هذا من حيث الإجمال
، ومن حيث التفصيل فإن الدولة شخصية اعتبارية وتتغير بمرور الأيام
وتتبدل العصور تماما بتغير ر أس الدولة ، فليس عصر السادات كالذي قبله
أو الذي بعده فيما يتعلق بالنصارى وغيرهم . فليس هذا ثابت يتكئون عليه
.
ولا يمكن لدولة عاقلة أن تخضع لسيطرة قلة لها حسابات خاصة جداً ...
قلة لا تريد غيرها في هذا البلد . وأعتقد أن هذا بات معلوماً للجميع .
ضعف المسلمين ؟
لسنا ضعفاء ، أبداً ، فقط غافلون ، ومن يرقب المشهد المضاد لأطروحات
أرثوذكس مصر يجد أنه في تصاعد ، ويجد أنه استطاع ايقاف الخطاب
النصراني المعتدي على حرمات الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وآله
وسلم ـ ، ويجد أن ما يتعلق بالنصارى هو الأكثر انتشاراً والأكثر
مطالعة ، ويجد أن المشهد يمد كل يوم بجديد ، ولك أن تقارن بين حالة
كامليا شحاتة وحالة وفاء قسطنطين ، وأدخل في حساباتك وأنت تنظر طبيعة
من يناصرون وفاء لتعلم أنه تحرك واسع من قطاع شبابي يبشر بعمق القضية
واتساع دائرتها وأن الجيل القادم والحالي هو مَن يحملها وهذا له نتائج
لا تخفى على معني بالصراع .
إننا معشر المسلمين أمام فرصة تاريخية الآن لدعوة النصارى لدين الله
، أو لبيان خطر ما هم قادمون عليه ولا أقول هنا أن تنطق العصا أو ان
يتحدث السلاح . لا والله . خير من هذا كله البيان بالتي هي أحسن .
البيان وليست المداهنة . البيان لتنصرف هذه الجماهير عن مَن جمَّعوها
بالكذب ، وحدثوها بالكذب عن ديننا ورسول ربنا ـ صلى الله عليه وآله
وسلم ـ ، وجعلوها تبغض جيرانهم .. من تعيش معهم في سلام . نحتاج خطاب
واعي وهادئ يذهب الغيظ من هذه الصدور .
أين نقاط القوة ؟
لا يوجد ، فقط دخان يملؤ السماء ، ودقق النظر ستجد أنها في أحسن
أحوالها مغامرة غير محسوبة أو حسابات قد بان خطؤها ، ولا يريد أولئك
الذين كابدوا التأسيس أن يعترفوا بخطئهم ويتراجعوا ، وقد شابت الرؤوس
وضاع مشروع العمر ، وسيرحل هذا الجيل بلعنات تترا من الأجيال القادمة
. والمأجورين ممن يكتبون في الصحف الخاصة أو المواقع العنكبوتية أو
يرتدون ويجاهرون برتدهم ليسوا أبداً نقاط قوة .
محمد جلال القصاص
22 رمضان 1431هـ
- التصنيف: