الأمانة التي حملها الإنسان وكان ظلومًا جهولًا
بالنظر الاستقرائي في آيات القرآن الكريم الخاصة بماهية الإنسان وخلقه وتكوينه يتبين أن ذلك السر الإلهى الجليل الذي من أجله سجدت الملائكة له بأمر الله ومن أجله وبه صار الانسان خليفة، وأعطي الحرية ومقوماتها كوسيلة لتحقيقها
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72].
وأما عن معنى كلمة الأمانة فقد وردت في أربع مواضع من القرآن الكريم بمعنى العهد والمسؤولية بعامة مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وبخاصة في دفع الدين وأداء الوداع وذلك في قوله: {وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: 283]، ومثلها {إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58].
وهذه الآية كما بررها الإمام الزمخشري في تفسير الكشاف أن هذه الآية أمرٌ عامٌ لكل أحدٍ في كل أمانة، بيد أن الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال ليست بلا شك إحدى هذه الأمانات المادية والمعنوية المشار إليها، أما الأمانة التي عرضت في وجوده الغيبي الإنساني السابق على هذا الوجود البشري، فقد اختلف فيها المفسرون فجعلوها الطاعة حينًا والتكليف أو الفرائض حينًا آخر.
وما تثبته آية الأمانة أيضاً أن قبول الإنسان لحملها كان نابعًا من ذاته وبمحض اختياره فالله سبحانه وتعالى لم يلزمه بها وإنما حملها نتيجة عرضٍ عليه وعلى بقية المخلوقات فقبول الإنسان لها لم يكن إلا عن طواعية واختيار والله سبحانه بوصفه له بالظلم والجهل إنما يقرر قبوله للأمانه بمحض اختياره وحريته.
وما قاله المفسرون للأمانة من كونها الطاعة أو التكليف أو الفرائض ليس حقيقيًا والمعنى الدقيق للأمانة يجعلنا نتساءل بما يتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات؟
هل يتميز بعبادته؟ كلام الله سبحانه وتعالى يقول: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، ويقول أيضاً: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18].
ونعود فنقول: ربما يتميز الإنسان عن بقية المخلوقات بالفهم والحكمة؟ ولكن هذا أيضًا غير صحيح، فالله سبحانه وتعالى يقول كما سبق {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]. ولا شك أن صفة الجهل والجهالة والظلم أبعد ما تكون عن الحكمة.
إذا ربما يتميز عنها بكونه عاقلًا ناطقًا؟ ولكن القرآن الكريم يثبت هذه الصفة لغير الإنسان حيث يقول: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ . وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ . وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ . فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ . إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ . وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ . أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 17-26] فمن الواضح أن قول النملة يدل على إدراكٍ ووعيٍ وفهمٍ لحقيقتها وحقيقة ما حولها ومن حولها، أما حديث الهدهد، فيثبت منطقًا عاقلًا مدركًا لحقائق الكون والإنسان، والشر والخير مؤمناً بالله عارفًا بخصائص ألوهيته.
ونعود فنقول: لعل ما يميز الإنسان كونه اجتماعيًا، ولكن أبحاث علم الحيوان في دولة النحل ومجتمعات النمل تؤكد اشتراك كثير من المخلوقات في صفة الاجتماعية مع الإنسان والقرآن الكريم يؤيد نتائج أبحاث علم الحيوان بقوله:{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38].
مما تقدم يتضح لنا أن القرآن الكريم يقرر أن الكائنات على الأرض كلها: حيةٌ مؤمنةٌ عابدةٌ قانتة مسبحة لله، وعاقلةٌ ناطقةٌ اجتماعية، ولا يتميز الإنسان بواحدة عنها والأمانة هي ما به أصبح الإنسان حراً لتحقيق الخلافة فهي كخاصية، ينفرد بها الإنسان بسرٍ الهى وهبة الله فصار ما هو عليه، وتحقق بها مركزه المرموق ومكانته الفريدة على قمة المخلوقات في الأرض ولا شك في معنى الأمانة اللغوي ما يفيد أن ما أعطي للإنسان إنما هو هبة إلهية ونفخة علوية ، وأن هذه الهبة وديعة لديه ويترتب عليها في النهاية السؤال والحساب ويصبح معنى التكليف هو الحافظة على هذه الوديعة من الضياع والفساد حتى يعود الإنسان ثانياً إلى ربه. وهذا يستتبع بالضرورة أن يكون هذا المميز واردًا للإنسان وهو كائن حي، وبذلك يتحمل فقد الإنسان له وهو كائن حي كذلك، وهذا هو شأن الأمانة.
وبالنظر الاستقرائي في آيات القرآن الكريم الخاصة بماهية الإنسان وخلقه وتكوينه يتبين أن ذلك السر الإلهى الجليل الذي من أجله سجدت الملائكة له بأمر الله ومن أجله وبه صار الانسان خليفة، وأعطي الحرية ومقوماتها كوسيلة لتحقيقها، كما أن الفطرة التي فطر الله الناس عليها من نتائجها كذلك، يتبين لنا هذا السر في قصة خلق الإنسان التي ترد في القرآن الكريم في أكثر من موضع: {إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ . فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ . فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ . قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ . قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ . قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:71-78] وفي موضع آخر: {وَإِذْقَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ . فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر:28-31].
ونقرأ كذلك قوله سبحانه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7-9].
وما تشير إليه هذه الآيات، هو أن الأصل المادي في التكوين البشري هو الطين، وهذا ما يتفق مع ما ورد في مواضع كثيرة من القرآن عن خلقه وجميعه يدل على أن أصله وأصل الحياة كلها من طين هذه الأرض، ومن عناصره الرئيسية التي تتمثل بذاتها في تركيب الإنسان الجسدي، وتركيب الأحياء أجمعين وأن هذه كلها أطوار يمر فيها خلق الإنسان الفرد وذلك بدلالة كلمة (سلالة) وبدلالة قوله سبحانه: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:13-14]. كما أن الآيات تثبت أن كل إنسان فرد إنما خلق بنفخة من روح الله، فليست النفخة مقصورة على خلق الإنسان الأول، بل أن كل واحد من البشر مخلوق بنفخة من روح الله كذلك.
إن القرآن الكريم يخبرنا عن هذه الحقيقة فيقدم لنا السر الذى تنبثق منه الخلافة الإنسانية: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29] فهى نفخة من روح الله تعالى تنقل ابن آدم من كونه كائناً حياً كغيرة من الأحياء إلى ذلك الأفق الإنسانى الكريم.
ومن ثم فإن هذه النفخة هي الأساس الغيبي للحرية الإنسانية بل هي الميراث الإلهي الذي ورثه الله سبحانه للإنسان فاستخلفه بها في الأرض واتصف بها ببعض صفاته سبحانه فصار مريداً مختاراً ومستطيعاً فاعلاً وعارفاً عالماً فهي التي جعلت الطين مخلوقاً آخر لائقاً بالمركز الكوني العظيم بين المخلوقات نائباً عليها لله تعالى وإن كانت هذه النيابة في الحياة الدنيا مؤقتة وليست دائمة لأن الإنسان في الأرض نائب لله وخليفة له (تحت الاختبار) فالخلافة تعني النيابة والوراثة والتكليف وهذه النفخة العلوية الكريمة وهبت الإنسان وأورثته بعض صفات الله سبحانه وتعالى وإن كانت صفات محدودة ومحددة بكينونته الصغيرة ولائقة بدوره كخليفة، فالاشتراك بين بعض صفات الله وبين بعض صفات الإنسان هو اشتراك في الاسم دون جنس الصفة لأننا نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء وصفته ليس كمثلها صفة لأحد غيره.
فمن المعلوم بالضرورة وبأخبار الوحي أن ذات الله وصفاته لا يشاركه فيها أحد وليس كمثله شيء وإنما نعني بهذا القول أن هذه النفخة جعلت الإنسان ذا علم كما أن الله عليم مع الفارق بين علم الله المطلق الشامل التام وبين علم الإنسان المحدود القليل كما جعلته مستطيعاً كما أن الله قادر مع الفارق بين القدرة الإلهية المطلقة والاستطاعة البشرية المحدودة. وجعلته مريداً باختياره كما أن الله سبحانه وتعالى مريد وله مشيئته المطلقة التي لا يحدها حد ولا يقف أمامها سد ولا يرد عليها قيد وبالجملة فإن الله قد منح كل هذه الصفات والمقومات جميعاً للإنسان وورثه إياها بهذه النفخة فصار الإنسان بها ذا هيمنة وسيطرة وإشراف وربوبية على ما دونه من كائنات الأرض كما أن الله إله ورب كل شيء لا شريك له.
وإذا كان هذا كله من أثر النفخة العلوية الجليلة في الإنسان أو بتعبير أدق في الطين فإن أثر الطين واضح جلي بثقله في طبعه وبخضوعه لضرورات الطين وحاجاته من طعام وشراب ولباس وشهوات ونزوات، وما يستتبع ذلك من ضعف وقصور. ومن ثم فإن للإنسان جانبين جانب حر طليق، مصدره وأساسه النفخة العلوية الكريمة وجانب جبري، مصدره الأرض وأساسه الطين وضروراته المادية ولا يعني ذلك أن الإنسان ذو طبيعتين أو نفسين، وإنما هو إنسان واحد ذو طبيعة واحدة وجوهر واحد في نفس واحدة، أما جانبه الاختياري الحر وجانبه الجبري فهما مظهران وصفتان لحياته وأفعاله.
جلال عبدالله المنوفي
المرجع: القضاء والقدر فى الاسلام الدكتور: فاروق الدسوقى
- التصنيف: