الأسئلة المنهي عنها شرعا (1-2)

منذ 2016-10-31

ليس كل سؤالٍ مهما كان، يكون محمودًا. ولا يمكن للمسلم إن هو أراد أن يتقن مهارة التساؤل بوصفها إحدى أهم مهارات التفكير إلا أن يتعرف على الأسئلة المذمومة في المنظور الإسلامي.

كان زياد بن عبد الرحمن القرطبي الملقب بـ" شبطون" من العلماء المعروفين في المذهب المالكي، ويُقال إنه أول من أدخل مذهب الإمام مالكٍ وكتابه الموطأ إلى بلاد الأندلس؛ وقد كان أهل الأندلس قبل ذلك على مذهب الأوزاعي؛ وقد ساق أحد طلابه هذه القصة، فقال: كنا جلوسًا عند زياد بن عبدالرحمن، فأتاه كتابٌ من بعض الملوك، فنظر فيه وتأمله، ثم مدَّ مدَّه أي: بلَّ قلمه بالحبر، فكتب فيه، ثم طبع الكتاب، أي: أغلقه، وسلَّمه للرسول الذي جاء به، والتفت إلينا زيادٌ، فقال: أتدرون عمَّا سأل صاحب هذا الكتاب؟ سأل عن كفتي ميزان الأعمال في يوم القيامة أمن ذهبٍ هي أم من فضة؟

فكتبت إليه: حدثنا مالكٌ عن ابن شهابٍ الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» [سنن الترمذي: 2318]، وسترد، فتعلم أي:ستقف في عرصات يوم القيامة، وسترى حينها الميزان بأم عينك وتعلم من أي شيءٍ كفتيه.

 هذا السائل سأل عن أمرٍ سكت عنه الشرع؛ فكان الأولى به أن يهتم بأعماله، وأقواله هل ستُثَقِّل الميزان أم لا ؟

والغاية من هذه القصة: بيان أن من الأسئلة مالا يحمد، وأن الأولى بالمسلم ترك ما كان من ذلك الصنف.

وللسلف كلام ، يحضون فيه على الأسئلة، وبيان أهميتها في التعليم مبسوط في مظانه .

 ليس كل سؤالٍ مهما كان، يكون محمودًا. ولا يمكن للمسلم إن هو أراد أن يتقن مهارة التساؤل بوصفها إحدى أهم مهارات التفكير إلا أن يتعرف على الأسئلة المذمومة في المنظور الإسلامي.

  وقد جاءت نصوص الشرع تدل على أن من الأسئلة ما يُنهى عنه، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101]

وفي صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما نهيتكم عنه، فاجتنبوه، وما أمرتكم به، فافعلوا منه ما استطعتم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم» [صحيح مسلم: 1137]

وعن المغيرة ابن شعبة أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» [صحيح مسلم: 593] 

 فهذه بعض النصوص الواردة في الشريعة التي تدل على ذم السؤال؛ فكيف نوفِّق بينها وبين قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 73] وقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} [البقرة: 189] وقوله: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] وغير ذلك من الآيات الكريمات الدالة على مشروعية السؤال؟ وكيف نوفِّق ونجمع بين ما مضى من نصوص،- وما ورد في السنة النبوية من أسئلةٍ طرحها الصحابة -رضوان الله عليهم- على الرسول صلى الله عليه وسلم وهي كثيرةٌ جدًا؟

جمع كثيرًا منها ابن القيم رحمه الله- في آخر كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين ..

 

الجواب عن ذلك في الجزء القادم إن شاء الله .

 

 

خالد بن منصور الدريس

أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي