المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية في مذكرات ثعلب الصحراء رومل (1)

منذ 2016-11-03

هذا المقال (بحلقتيه) ليس عرضًا لمذكرات رومل ولكنه التقاط لدروس تكتيكية وإستراتيجية وأحيانًا إدارية ونادرًا سياسية اقتطعتها من كلام رومل تارة واستخلصتها من مرامي كلامه في هذه المذكرات تارة أخرى.

المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية في مذكرات ثعلب الصحراء رومل (1 من 2)

قرأت مؤخرًا مذكرات ثعلب الصحراء الفيلد مارشال رومل، وكنت منذ سنوات طويلة قد قرأت وتأملت عبر العديد من المراجع الحرب العالمية الثانية ومشاريع هتلر والحلفاء من كل جوانبها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية كما درست أغلب معاركها وإستراتيجيات هذه المعارك، ولكن قراءتي المتأخرة لمذكرات ثعلب الصحراء أوضحت لي أمورًا عديدة ربما كنت غفلت عن بعضها من قبل وربما كنت نسيت بعضها الآخر، وأجد الآن أنه من المفيد كتابة محاور رئيسة عن انطباعي بعد قراءة مذكرات رومل، وأوضحها في نقاط بالسطور التالية.

 

لكن قبل تقديم هذه الانطباعات يجدر بي الإيضاح أن هذا المقال (بحلقتيه) ليس عرضًا لمذكرات رومل ولكنه التقاط لدروس تكتيكية وإستراتيجية وأحيانًا إدارية ونادرًا سياسية اقتطعتها من كلام رومل تارة واستخلصتها من مرامي كلامه في هذه المذكرات تارة أخرى.

 

- فى البداية أوضح أن هذه المذكرات هي مجموعة أوراق كتبها رومل أثناء حملته لاحتلال فرنسا ثم حملته في أفريقيا ثم عودته لجبهة فرنسا، وطبعا كان رومل حرق أجزاء كثيرة من أوراقه عندما ساءت علاقته بـ(هتلر) كما ضاع جزء آخر من أوراقه التي لم يحرقها أثناء محاولات زوجته لإخفائها عن هتلر ثم إخفائها عن قوات الاحتلال الأمريكي لألمانيا.

- أكدت لي هذه المذكرات أن رومل كان ينتصر بمعاركه عبر موارد قليلة وأحيانًا ضئيلة فقد كان ينطبق عليه المثل المصري السائر (يصنع من الفسيخ شربات)، ووصل به الأمر في معاركه الأخيرة بتونس أن واجه ألف دبابة بريطانية متقدمة بـ20 دبابة ألمانية فقط وتمكن من مواجهتها ثم التخلص منها والانسحاب بخسائر ضئيلة.

 - كان روميل يخوض معاركه معتمدًا على سرعة تحريك قواته وخفة حركتها في ظل إجادته لتكتيكات حرب الدبابات الثقيلة واستخدامه المتميز للدبابات الألمانية التي كانت وقتها الأكثر تقدمًا وتفوقًا في العالم كله. (إلى أن تمكنت بريطانيا في آخر سنوات الحرب من تصنيع دبابات ثقيلة (الجرانت) كما أن أمريكا صنعت دبابات أخرى قوية ومتقدمة أيضًا بنفس التوقيت أبرزها (شيرمان)، علمًا أن وصول الحلفاء لتصنيع دبابات تضاهي نظيرتها الألمانية بنهايات الحرب هو من الأسباب التي مكنت الحلفاء من الانتصار في الحرب).

- سرعة وخفة حركة القوات التي يقودها روميل لم تأتِ من فكر رومل الإستراتيجي هو وأغلب القادة الألمان فقط ولكنهم حققوا ذلك بفعل ميكنة قوات المشاة عبر حملها على السيارات والدبابات الخفيفة، بجانب فرق البانزر التي اعتمدت أصلا على الدبابات الألمانية الثقيلة المتقدمة بمقياس ذلك الوقت.

- أجاد رومل استخدام قوة الصدمة المتولدة من تشكيل القوات الألمانية التي دائمًا ما اعتمدت على فرق البانزر والمدفعية الثقيلة سواء الهاوتزر أو المضادة للطائرات أو المضادة للدبابات.

- اعتمد رومل دائمًا على تثبيت جبهة العدو بإيهامه بالهجوم بالمواجهة وفي نفس الوقت يحرك قواته بسرعة وخفية للالتفاف على قوات العدو ومباغتتها بسرعة وقوة من ظهرها أو أجنابها.

- حرص رومل دائمًا على مهاجمة العدو وملاحقته عندما يكون هذا العدو بأسوأ حالاته سواء عقب تكبده خسائر كبيرة أو قبل اكتمال قدرات هذا العدو أو إذا كان في موقع سيء غير محصن أو في حالة نقص الإمدادات أو انقطاعها أو تأخرها أو بطئها عن ذلك العدو.

- كان رومل يحرص دائمًا على ألا تكون أجنابه أو ظهره مكشوفًا غير محصن وألا يكون سهلًا لهجوم العدو، فكان دائمًا يحذر من مباغتة أجنابه أو ظهره فضلا عن جبهته، كما كان يحذر أن يضرب العدو خطوط إمداداه.

- عندما تقرأ مذكرات رومل هذه تجده يشرح دور الموارد بالتفصيل في عملية النصر بالمعارك التي خاضها ويحلل كل مفردات هذه الموارد سواء من حيث الكميات ككميات البترول اللازم لتسيير المركبات والدبابات والطائرات وكميات الذخيرة وكميات الأسلحة المختلفة كالمدفعية والمركبات والدبابات والطائرات وذخائرها... إلخ، كما يحللها من حيث النوع من حيث مدى تقدم الأسلحة التقني ومدى غزارة نيرانها ومدى فاعلية وتأثير أنواع ذخائرها، ورغم أن هذا أمر بديهي بالنسبة للعسكريين المحترفين من أمثاله إلا أنه أمر من المهم أن نتعلمه نحن العرب بعد أن أفسد خطاب الناصريين والقوميين (وتبعهم في هذا بعض الإسلاميين) عقول العرب بمختلف توجهاتهم السياسية والدينية فصاروا لا يفكرون بالمنطق بل بالشعارات الرنانة فارغة المضمون وهو أمر يوقعنا في نكسات وهزائم يومية نتردى فيها ونحن نتبجح بالشعارات الفارغة بكل صفاقة وكأننا لا نتكبد الهزائم والخسائر يوميًا.

- ومن الموارد المهمة التي اهتم رومل بتحليلها وشرح دورها في عملية النصر أو الهزيمة بمعارك الحرب العالمية الثانية موارد غير مادية مثل المعنويات وخبرات القادة وطريقة تفكيرهم وتركيبتهم النفسية والإهمال الإداري أو الفاعلية الإدارية والتحاسد الإداري وإن كانت هذه الأمور الثلاثة الأخيرة تعرض لها بحرص أحيانًا لأنه كان يكتب وهو جزء من مواطني ألمانيا تحت حكم هتلر ولم يصلنا أو هو لم يكتب شيئًا بعدما ساءت علاقته بهتلر ولا بعدما أمره هتلر بأن يتجرع السم طواعية وسرًا مقابل أن يترك هتلر زوجة رومل وابنه أحياء.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري